#23 1-3 سيدنا لوط عليه الصلاة والسلام
بعد أن حدثناكم عن سيدنا إسحاق عليه السلام هذا أوانُ الكلام عن سيدِنا لوطٍ عليه السلام. لوطٌ عليه السلام هو من الأنبياءِ والرسلِ الكرام، وقد ذكره الله تبارك وتعالى في القرءان الكريم سبعًا وعشرين مرة، هذا وقد ذُكِرت قِصتُه مع قومِه مُفصّلةً في بعض السُوَر ومُجملةً في البعضِ الآخر. هو لوطُ بنُ هاران ابنِ ءازر وقد بعثَه الله تعالى في زمنِ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام، وهو ابنُ أخيه لأنّ هاران هو أخو إبراهيم. واسمُ لوطٍ عجميٌ ليس عربيًا وليس مشتقًا من اللواط لأنّ اللواط لفظٌ عربيٌ ولوط لم يكن عربيًا واسمه أيضًا ليس عربيًا ولا يليقُ بمنصِبِ الأنبياء أن يكونَ اسمُ أحدِهم مشتقًا من لفظٍ معناهُ خبيث، فانتبهوا رحمكم الله تعالى. وقد صدَّق لوطٌ بدعوةِ عمِه إبراهيمَ عليهما الصلاة والسلام واهتدى بهديه. وقد هاجرَ لوطٌ عليه السلام مع عمِه إبراهيمَ عليهما السلام من العراقِ وتبِعَه في جميعِ أسفارِه ورِحْلاته، ثم بعثَه الله تبارك وتعالى إلى أهلِ سدوم في الأردن قُرب البحرِ الميت. كان نبيُ الله لوطٌ عليه الصلاة والسلام قد نزَحَ عن مَحلَّةِ عمِه إبراهيمَ الخليل بإذنِه فنزلَ بمدينةِ سدوم كما أمرَه الله تعالى وهي في أطرافِ شرقِ الأردن قُربَ البحرِ الميت، وكانت هذه المدينة لها قُرىً مضافةٌ اليها. وكان قومُ سدوم من أكفرِ الناس وأفجَرِهم وأخبثِهم طَويّة وأقبحِهم سيرة، فقد كانوا ذَوي أخلاقٍ رديئةٍ ونفوسٍ خبيثةٍ لا يستحون من مُنكر ولا يَتعفّفونَ عن معصية، وكانوا يقطعونَ السبيلَ على المسافرين ويأتونَ في ناديهم المنكرَ ولا يَتناهوْنَ عن المنكرات فيما بينهم، وكانوا ابتدعوا جريمةً نكراء وذنبًا شنيعًا اشتُهروا به، لم يسبِقهم إليه أحدٌ من أهلِ الأرض وهي إتيانُ الذكور – أي اللواط -. ولقد كان قومُ لوطٍ من قساوةِ قلوبِهم وفسادِ أخلاقِهم يتجاهرون بفعلِ فاحشةِ اللواط ولا يستترون ولا يستحون، فلمّا بعث الله تعالى نبيَه لوطًا إليهم دعاهم إلى دينِ الإسلام العظيم وعبادةِ الله وحدَه لا شريكَ له ونهاهُم عن تعاطي هذه المحرماتِ والمنكراتِ وتلكَ الأفاعيلِ المستقبحة، ولكنّهم استَمروا على كفرِهم وإشراكِهم وتمادَوْا في ضلالهم وطُغيانِهم وفي المجاهرةِ بفعل اللواط والعياذ بالله . وقيل: إنّ الذي حملَهم على إتيانِ الرجالِ دونَ النساء أنهم كانت لهم بساتينُ وثمارٌ في منازلهم وبساتينُ وثمارٌ خارجةٌ على ظهرِ الطريق وأنهم أصابهم قحطٌ شديدٌ وجوعٌ فقال بعضُهم لبعض: إنْ منعتُم ثمارَكم هذه الظاهرة عن أبناءِ السبيلِ والمسافرين كان لكم فيها معاش، فقالوا: كيف نَمنَعُها؟ فأقبلَ بعضُهم على بعضٍ فقالوا: اجعلوا عادتَكم أنّ من وجدتموه في بلادكم غريبًا فاسلُبوه وانكِحوه فإنَّ الناسَ لا يطئونَ أرضَكم بعد ذلك، وزيّنَ لهم الشيطانُ الخبيث هذا الفعلَ الخبيث، فكانوا كذلك حتى بعثَ الله لهم لوطًا عليه الصلاة والسلام فدعاهم إلى عبادةِ الله وتركِ هذه المحرماتِ والفواحِش، ولكنّهم تمادَوْا في غِيِّهم وضلالِهم ولم يزدهم وعظُ نبيِهم وأمرُه لهم بالمعروف ونهيُه لهم عنِ المنكر إلا تَماديًا وتَكبرًا وطُغيانًا واستِعجالًا لعقابِ الله إنكارًا منهم لوعيده وتكذيبًا منهم لنبي الله لوطٍ عليه السلام، فقد كانوا يقولون له: ائتنا بعذابِ الله إن كنتَ من الصادقين، ولم يكتفوا بهذا التكذيبِ والاستكبار بل أخذوا يهددونَه بالطردِ من قريتِهم وهمّوا بإخراجِ نبيِ الله من بينِ ظهرَانِيهم وهذا مُنتهى السفهِ والعناد والتكبر. والله تعالى أعلم وأحكم. نقف هنا لنتكلم في الحلقة المقبلة بإذن الله تعالى عن ضيوف سيدنا لوطٍ عليه السلام وكيفَ أُهلِك قومُه الظالمون فتابعونا وإلى اللقاء.