الجمعة أبريل 19, 2024

23- غزوة حنين

كانت غزوةُ حُنينٍ في شوّالٍ سنة ثمانٍ للهجرة، وفيها نصر الله رسولَه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن معه من المؤمنين على المشركين أهلِ الشرك والباطل وقد كان من أمرها أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدما أقام بمكة عام الفتح نصف شهر لم يزد على ذلك، جاءت هوازنُ وثقيفٌ فنزلوا بحنين وهو وادٍ بين مكة والطائف، وهم يؤمئذٍ عامدون يريدون قتال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكانت الرياسة في جميع عسكر المشركين لمالك بن عوف النّصريّ. فلما سمع بهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعث إليهم عبدَ الله بنَ أبي حدردٍ الأسلميّ، وأمره أن يدخل في الناس فيقيم فيهم حتى يأتيَه بخبرهم، فأتى وأخبر رسولَ الله بما شاهد فيهم. فعزم الرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على قصدهم وخرج في اثني عشر ألفًا من المسلمين حتى أتى وادي “حنينٍ”. وكانت هوازن قد كمِنت في جنبتيِّ الوادي وذلك في غَبَش الصباح فحملت على المسلمين حملة رجلٍ واحدٍ وثبت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه نفرٌ من المهاجرين والأنصار وأهلِ بيته منهم أبو بكرٍ وعمر وعليّ والعباس. وكان عليه الصلاة والسلام على بغلته الشهباء واسمها “دُلدُلُ” يقودها أبو سفيان بن الحارث والعباس عمُّ النبيّ. وقد قال العلماء: إنّ ركوبه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البغلة في موطن الحرب وعند اشتداد الناس هو النهايةُ في الشجاعة والثبات ولأنه يكون معتمَدًا يرجع المسلمون إليه وتطمئنُّ قلوبهم به وبمكانه وإنما فعل هذا عمدًا وإلا فقد كانت له أفراسٌ معروفة. فصار رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: ” أيها الناس أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله” وأمر العباس وكان جهير الصوت أن ينادي: “يا معشر الأنصار، يا معشر المهاجرين، يا معشر الخزرج”، فلما سمعوا الصوت أجابوا: “لبّيك، لبّيك” فلما ذهبوا ليرجعوا كان الرجل منهم لا يستطيع أن ينفُذَ ببعيره فكان يأخذ سيفه ودرعه ويقتحمُ عن بعيره ويُخلي سبيله ويَكُرُّ مُسرعًا على قدميه إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى إذا اجتمع حواليه مائةُ رجلٍ أو نحوُهم استقبلوا هوازن بالضرب. واشتدت الحرب، وكثر الطعن، فقام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في ركائبه فنظر إلى مكان عِراكهم فقال: “الآن حمي الوطيس”. ونزل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن بغلته وجعل يقول: “أنا النبيُّ لا كذب، أنا ابن عبد المطَّلب” فما رُئي من الناس أشدُّ منه، وقد غشاه المشركون، وهذه نهاية الثبات والشجاعة والصبر جزاه الله عنا خيرا. وقد أخبرت الصحابة بشجاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في جميع المواطن وأنهم كانوا يتّقون به في الحرب. وقد أراد النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: “أنا النبيُّ لا كذب أنا ابن عبد المطلب” تذكيرهم وتنبيههم بأنه لا بد من ظهوره على الأعداء وأنّ العاقبة له، لتقوى نفوسهم، وأعلمهم أيضًا بأنه ثابتٌ ملازمٌ للحرب، وعرّفهم موضعه ليرجع إليه الراجعون. وقذف الله عزَّ وجلَّ في قلوب هوازن الرعب حين وصلوا إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وذلك أنّ رسول الله إذا واجههم وواجهوه صاح بهم صيحةً ورمى في وجوههم بالحصا وقال: “شاهت الوجوه، شاهت الوجوه” فلم تبق عينٌ إلا دخلها من ذلك فلم يملكوا أنفسهم وَولَّوا مدبرين.