#23 شروط لا بد منها لنيل الثواب في الصلاة
الحمدُ لله في كلّ الأحوال والصلاة والسلام على سيدنا محمّدٍ خيرِ الرجال وعلى ءاله وأصحابه إلى يوم المآل. أما بعد نتكلم الآن إن شاء الله تعالى عن شروط قَبُولِ الصلاة. فما تكلمنا عنه قَبْلُ شروطٌ لصحتها أى حتى تكون صحيحة، أما هذا الفصل فهو متعلّقٌ بالشروط التى لا بُد من توفُّرِهَا حتى تكون الصلاة مقبولة عند الله تعالى أى حتى يكونَ للمصلّى ثوابٌ فى صلاته. من هذه الشروط أن يكون مخلصًا فى نيته يعنى أن يقصِدَ بصلاتِه وجهَ الله عزَّ وجَلّ، كأن يستحضرَ فى قلبه أنه يؤدِى هذه الصلاة طاعةً لله تعالى، أو أَنَّه يُؤَدِى هذه الصلاة طلبًا للثوابِ مِنَ الله تعالى، أما إذا كان يؤدى الصلاة رياءً فإن صلاتَه تَصِحُّ لكن مع الإثم الكبير. فإن صلى من غير رياء و من غير أن يستحضرَ فى قلبه أنه يصلّـِى لله تعالَى فإنه يخرجُ من صلاتِه بلا ثواب وإن كان ليس عليه إثم.
ومن الشروط التى لا بُدّ من توفُّرِهَا حتى يكونَ للمصلّى ثوابٌ فى صلاته أَنْ يكونَ مأكَلُهُ وملبُوسُهُ ومُصَلَّاهُ حلالًا . شرحُ ذلك أنّ اللباسَ الذى يلبَسُه الشخصُ فى حال الصلاة والطعامَ الذى يكون فى بطنه فى حال الصلاة والمكانَ الذى يؤدِى فيه الصلاة لا بد أن يكون كلُّ ذلك حلالًا حتى يكونَ له ثواب فى صلاتِه، فإنْ كان شىءٌ منها حرامًا صحت صلاتُه لكن من غير ثواب.
ومن الشروط التى لا بد من توفُّرِهَا حتى يكونَ للمصلّى ثوابٌ فى صلاته أنْ يَخْشَعَ للهِ قَلبُهُ فيها ولو لحظةً فإنْ لمْ يَحْصُلْ ذلك صحتْ صلاتُهُ ولكن بِلاَ ثوابٍ. لذلك لا بد أن يستحضرَ المصلي فى قلبه ولو للحظةٍ استشعارَ الخوفِ من الله عزّ وجلّ فى أثناء الصلاة ليكونَ له ثواب فى صلاته، أى لا بُدَّ أن يستَشْعِرَ فى قلبه الإجلالَ والخشوع لله عزَّ وجلّ ولو لحظةً حتى يكون له ثواب، وكلما زادَ خشوعُهُ زاد ثوابُهُ. مرةً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فِى حُجْرَةِ السيدَة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، أى فى نَوْبَتها فقال لها: “يا عائشةُ ذَرِينِى أَتَعَبَّدُ رَبِى” أى اترُكينىِ أصلّى لربِى. ثم أخذ ماءً فتوضأ منه ثم قام يُصَلّـِى، فصار يبكى حتى ابتلت لحيتُهُ صلى الله عليه وسلم وابتَلَّ التراب الذى تحت وجهه الشريف من كَثْرَةِ دموعِهِ. هذا خُشُوعٌ بالغٌ وليسَ هو خوفَ خُسْرَانٍ فى الآخرة لأن الأنبياء لا يخافونَ سوءَ الخاتِمَة. إنما هذا استشعارٌ فى القلب بالإجلال لله عزّ وجلّ أى بشدةِ تعظيِمِ الله عزّ وجلّ. وفي الختام نسأل الله تعالى الإخلاص في القول والعمل والحمد لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا.