الأربعاء أبريل 23, 2025

#23 سيدنا محمد رسول الله ﷺ

أما بعد ليُعلم أنّ الذين كتبوا للنبيِّ من الصحابة كَثرة لكنْ ليسوا كلُّهم كانوا كَتبةً للوحي، بل كان الذي يكتبُ الوحيَ منهم اثنين معروفَيْن، الأولُ زيدُ بنُ ثابت والثاني أُبيُّ بنُ كعب رضيَ اللهُ عنهما. وأمّا غيرُهُما فكَتبا له أشياء مختلفة أحيانًا مُعاهدة وأحيانًا رسالة، منهم أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وعليُّ بنُ أبي طالب ، ومنهم عبدُ اللهِ بنُ الأرقم، وثابتُ بنُ قيس ومعاويةُ بن أبي سفيان ، وغيرُهم. وكان إذا أوحِيَ للنبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ كان يطلبُ من زيدٍ أو أُبيّ، كان يُملي عليهم الوحي الذي جاءَه وكان زيدٌ أو أُبيّ يكتبُ ذلك. ثم كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام بوحيٍ من الله يقولُ لِمن كتبَ: اجعل هذه الآية بعد آيةِ كذا. يعني لم يكن ترتيبُ النزولِ على ترتيب التِلاوة إنما كان مختلفًا حتى اكتملَ ترتيبُ التِلاوة على الوجهِ الذي نعرفُه اليوم قبل وفاةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.  وأمّا أعمامُه عليه الصلاة والسلام فكانوا إحدى عشرَ عمًّا أكبرُهم الحارث وقُثَمُ والزُّبيرُ وحمزةُ والعباس وأبو طالب وأبو لهب وعبدُ الكعبة وحَجَل وضِرار والغيداقُ ٍ. أسلمَ منهم اثنان حمزةُ والعباس . وأما عمّاتُ النبي عليه الصلاة والسلام فكُنَّ ستة: صفيّةُ وعاتِكةُ وأروى، وأمَيمة وبَرّةُ وأم حكيم. وأولُ من تزوَّجَ النبيُّ خديجةُ بنتُ خويْلد رضي الله عنها كان في سنِّ خمسٍ وعشرينَ سنة عندما تزوجها ولم يتزوجْ غيرَها إلى أنْ تُوفيَت. توفِّيت لثلاثِ سنينَ قبل الهجرة، وُلد منها للنبيِّ صلى الله عليه وسلم كلُّ أولادِه إلا إبراهيم، وكان النبيُّ يحبُّها محبَّةً شديدة. مرةً سمِع صوتَ أختِها هالة وكان يشبهُ صوتَ خديجة فقال: أيْ هالة. عبَّر بطريقة تدلُّ على محبتِه لخديجة. السيدة عائشة كانت موجودةً فقالت شيئا، فقال النّبيّ صلَّى الله عليه وسلم: واللهِ ما أعطاني اللهُ خيرًا منها صدَّقَتْ بي حين كذَّبَني الناس وواسَتْني بمالِها وكلُّ أولادي منها ثم قال: إنّ لها بيتًا في الجنة. ثم تزوج سودةَ بنتَ زُمعة بعدَها ثم تزوج عائشة ولم يتزوج بِكرًا غيرَها. وتزوج حفصةَ بنتَ عمرَ بنِ الخطاب، وتزوج أمَّ حبيبة بنتَ أبي سفيان كانت من المسلمات الأوائل وهاجرت مع زوجِها إلى الحبشة لكن هناك زوجُها ارتدَّ فتزوجَها النبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا كانت في الحبشة . وتزوج عليه الصلاة والسلام أيضًا أمَّ سلمة واسمُها هند. وتزوج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أيضًا زينبَ بنتَ جحش. وزينبُ مِن عِلّيةِ القوم. النبيُّ أمرَها أن تتزوجَ زيدَ بنَ حارثة وهو كان عبدًا، لكنَّ النبيَّ أراد أن يُبَيِّنَ للناس أنَّ الفضلَ بالتقوى فزوَّج زيدًا منها، لكنْ ما تآلفا.  بعد ذلك زيدٌ طلّقها فتزوجَها النبيّ صلى الله عليه وسلم. وتزوج عليه السلامُ أيضًا زينبَ بنتَ خُزيمة كانت كثيرةَ الإحسانِ إلى المساكين حتى كانت تُسمّى أمَّ المساكين من شدةِ إحسانِها إليهم. وتزوج عليه الصلاة والسلام جُويريةَ بنتَ الحارث . وتزوج أيضًا عليه السلام صفيةَ بنتَ حُيَي . وتزوج عليه السلام ميمونةَ بنتَ الحارث فيكونُ مجموعُ مَن تزوجَ من النساء ودخلَ بهنّ إحدى عشْرة ولم يكن زِواجُ النبيِّ عليه الصلاة والسلام من هذا العددِ من النساء لأجل قضاءِ الشهوة، إنما أرادَ مِن ذلك إنتشارَ الدين بين النساء بواسطةِ النساء. كان يُعَلِّمُ زوجاتِه وهنَّ يُعلِّمْنَ غيرَهُنّ، فإنه لو أرادَ أنْ يُعدِّدَ لغيرِ هذا المقصود لعدّدَ وقتَ الشبابِ والقوة. مرةً جاء رجلٌ قال للرسول صلى الله عليه وسلم لو تزوجْتَ بنتي إنها كذا وكذا يعني جميلة قطُّ ما مرِضَت حتى صداعٌ ما أصابَها، لمّا سمِع النبيُّ ذلك قال لا حاجةَ لي فيها، لأنَّ الإنسانَ الذي هو أحسنُ عند الله هو الذي يكثُرُ بلاؤُه. السيدة عائشةُ كانت أكثرَ نسائِه شبابًا وأجملَهُنَّ، لما توفِّيَ كان سنُّها ثمانيةَ عشَرَ عامًا. عندما يكونُ دورُه في المبيت عندَها أحيانًا تستيقظُ في الليل لا تجدُه. مرةً خرجَت تبحثُ عنه فوجدتْه في المقبرة يدعو لأموات المسلمين. وأما ماريةُ القِبطية كانت أمَةً لم تكن زوجة، أهداها وأختَها المُقوْقِسُ للنبيِّ عليه الصلاة والسلام فأعطى أختَها لحسَّانِ بنِ ثابت وأبْقى ماريةَ عندَه واتّخذَها سُرِّيةً وأتَتْ له بإبراهيم أي بعدَ ما أسلمت. وأما أشهرُ خدمِ النبيّ صلى الله عليه وسلم فهو سيِّدُنا أنسُ بنُ مالك رضي اللهُ عنه لمّا جاء النّبيُّ هاجر إلى المدينة جاءت إحدى النساء قريبةُ أنَس، جاءت به إلى النبيِّ عليه الصلاة والسلام فقالت: هذا خُوَيدِمُك أنس يخدُمك، وكان سنُّه عشرَ سنين. قال أنس فخدَمتُه عشرَ سنوات ما قال لي قطّ عن شىءٍ عملتُه لمَ عملتَه. ومنهم ربيعةُ بنُ كعبٍ الأسْلمي. وكان عبدُ الله بنُ مسعود صاحبَ نعلَيْ رسولِ الله، إذا قام ألبسَه إياهُما وإذا قعد جعلهُما في كُمِّه. وكان عُقبةُ بنُ عامر صاحبَ بغلتِه إذا سافر الرسول هو يُمسِك بالبغلة يقود به بالسفر. وكان بلالٌ مؤذِّنَه صلى الله عليه وسلم. ومن جملةِ مَن كان يخدُمُه ذو مِخْمَر وكان قريبَ النجاشي، كان ابنَ أخيه أو ابنَ أختِه. ومن النساء كانت تخدُمه هندٌ وأسماء ابنتا حارثة من قبيلة أسلم وغيرُ هؤلاء. وهؤلاء كانوا أحرارًا يخدُمون النبيَّ من غيرِ أجرة، إنما كانوا يريدون رضا اللهِ تعالى. وأما مَوالِيه فكثرة منهم زيدُ بنُ حارثة وابنُه أسامةُ بنُ زيد كان يقال له الحِبُّ ابنُ الحِب، لأنه كان يقالُ لزيدٍ حِبُّ رسولِ الله أي محبوبُه. ومنهم أبو كَبشة وقد شهد معركةَ بدر. ومنهم سفينة كان عبدًا لأمِّ سلَمة زوجِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام فأعْتقَتْه وشرَطَت عليه أن يخدُمَ النبيّ فكان يخدُمُه إلى أنْ مات صلى الله عليه وسلم. بعد أن ماتَ النبيّ عليه الصلاة والسلام كان سفينةُ مسافرًا في قافلة ثم توقفت القافلة ومضى وقتٌ لم تعاوِد السير فسأل لمَ توقّفت القافلة؟ قالوا الأسدُ يقطعُ علينا الطريق، فأخذ بأذُنِ الأسد وقال له: أنا سفينة مَوْلى رسولِ الله اذهب من طريقنا، فذهب الأسد. وعدَدُ مواليه نحوُ أربعين، ومن الإماء سلَمى أمُّ رافع، وبركة أمُّ أيمن ورِثَها من أبوَيْه ثم بعدَ ذلك زوَّجَها النّبيّ لزيدِ بن حارثة. أم أيمن حصل معها قصةٌ عجيبة لما كانت الهجرةُ فرضًا على المستطيع. هاجرت وحدَها من مكة إلى المدينة ماشية ثم  في الطريق عطِشت فسمِعت صوتَ حفيفِ أجنحةٍ فوقَها نظرَت إلى أعلى فوجدَت دلوًا ينزِلُ من السماء وأخَذتْه فشرِبَت منه فكانت بعد ذلك لا تعطَش، كان هذا شىءٌ أكرمَها اللهُ به. وأما أفراسُه عليه الصلاة والسلام فكانت عدة منها وهو أولُ فرسٍ ملكَه يقالُ له السّكب، سُمِّيَ بذلك لسرعتِه، اشتراه النبيّ من أحدِ البدو وهو أولُ فرسٍ غَزا عليه. ومنها المُرتَجِز سُمِّيَ بذلك لحُسنِ صهيلِه وفرسٌ يقالُ له مِزاز أهداهُ إياه المُقَوقِس وغيرُ ذلك. وأما بِغالُه عليه الصلاة والسلام فالأشهر دُلدُل، بغلتُه التي كان يَركبُها وعاشت بعد موتِ النبيِّ حتى هرِمَت، كانوا يطحَنونَ لها الشعير حتى تستطيعَ أن تأكلَه. وحمارُه يقالُ له يَعْفُور مات في حَجّةِ الوداع. وكان له عليه الصلاة والسلام عشرونَ ناقة تعطي اللبن . وكان له سبعُ شِياهٍ من الغنم تعطي اللبن، وكان له مائةٌ من الغنم لا يريدُها أن تزيدَ على ذلك فإذا زادت ذبحَ ما يزيد .   وأما البقر لم يملك البقر مع أنه مدحَ حليبَ البقر. وأما سلاحُه عليه الصلاة والسلام كان له ثلاثةُ رماح وثلاثةُ قِسيّ، وكان له عدةُ سيوفٍ أشهرُها ذو الفِقار طلَع من حصتِه في معركةِ بدر وبعد ذلك أصابَ من معاركَ أخرى واحدًا يقال له البتّار، وواحدا يقال له الحَتْف، وواحدًا منها يقال له الرَّسُوب. وأصاب من الغنائم درعًا يقال لها السُّغْدِية. وكان عليه الصلاة والسلام له مِغْفَر وهو ما يُعملُ من الزّرَدِ أو غيرِه، وهو يوضعُ على الرأس حين يُلبَسُ الدرع. وكان له صندوقٌ مربع جاء هديةً من المُقوقس كان يضع فيه مشطَه ومرآتَه وسواكَه والمُكْحُلة وغير ذلك يأخذُها معه إذا سافرَ صلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا. وأما صِفته عليه الصلاة والسلام الخِلْقيّة كان أحسن الناس خِلْقة كثيرًا ما شبَّهوه بالقمر وشبَّهوا وجههُ بالشمس وكان النّبيّ عليه الصلاة والسلام أبيضَ اللون لم يكن أبيض أمهق، إنما كان بياضًا مُشرَبًا بالحُمرة وكان أدعجَ العينين (أي سواد عينيه كان شديدا) شعره ليس جعدًا وليس سَبْطًا، لحيته كثَّةٌ، قال بعضهم يعني عريضة . شعره أحيانا يبلغ شَحمةَ أذنيه وأحيانًا يضرِبُ بين منكبيه، قال بعضهم هذا باختلاف الأحوال إذا كان بعد العمرة أو بعد الحج يكون بعدُ ما طال، ثم إذا امتد الوقت يضرب ما بين كتفيه صلى الله عليه وسلم. لم يكن شديد الطول ولا شديد القِصَر كان معتدلًا أميلَ إلى الطول. عُنقه ليِّنٌ ليس قاسيًا أبيضُ، بعضهم قال كأنه إبريق فِضَّة. ولم يكن على صدره شعرٌ إلا على الذِّراعين والكتفين، إذا مشى يمشي مِشيَةً سريعة قوية كأنه ينزِلُ من مُنحدر ٍمن سرعته عليه الصلاة والسلام ومع ذلك مِشيَتُهُ قوية ليست مُتراخية، ما كان يمشي مشية الكسالى ولا المُتكبِّرين يمشي مشية أهلِ الهمة والنشاط. وإذا التفت التفت جميعا. عرقُهُ أطيبُ من ريح المسك، بين كتفيه خاتم النبوة مثل بيضة الحَجَلة كانت علامةً على نبوَّتِهِ من العلامات المذكورة في الكتب السابقة. بعض الصحابة لما لقيَهُ كان لم يسلم بعد، أراد أن يرى الخاتم بين كتِفيه من غير أن يتكلم، النبيُّ عرف مراده فأنزل ثوبه حتى ظهر فعرَف ذلك الرجل أن هذا هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم. قال بعض الصحابة رأيته يوما في حُلَّةٍ حمراء فما رأيت شيئا أحسنَ منه وكان النبيُّ عظيما في نفسه مُعظَّمًا في صدور من يلقاه، من رآه بديهةً قبل أن يخالطه يقع في قلبه هيبته . جبينه واسعٌ، حاجباه يكادان أن يقترنا من غير أن يقترنا، وبينهما عِرقٌ يظهر عند الغضب، وإنما كان يغضبُ لله ولم يكن يغضب لنفسه. أنفه لم يكن أفطس ، فمه واسعٌ، أسنانه مُفلَّجة و جسمه معتدل، لم يكن نحيفًا ولا سمينًا إنما معتدلًا، بطنه وصدره سواء، بعيدَ ما بين المنكبين . خافض الطرف نظره إلى الأرض أطول من نظره إلى السماء، وإذا حدث إنسانا لا يديم النظر إليه إنما يخفض بصره. كان أغلبُ ضحكِهِ تبسُّمًا ما ضحك بصوتٍ قط إنما أغلب وقته يبتسم وأحيانا تبدو نواجذه عليه الصلاة والسلام. شارِباه ما كانا ينزلان إلى شفتيه صلى الله عليه وسلم وشرَّف وكرَّم. وكان عليه الصلاة والسلام أشجعَ الناس. قال عليّ: كنا إذا احمَرَّ البأس والْتقى القوم اتّقَيْنا برسول الله يعني إذا اشتدّ القتال كنا نحتمي بالنبيّ صلى الله عليه وسلم نتّقي به يكونُ أمامنا. ولا يَخفى عليكم شجاعةُ عليّ. كان صلَّى الله عليه وسلم أسخَى الناس ما سُئل شيئًا قطّ فقال لا. وكان أحلمَ الناس ما كان يسْتفِزُّه الغضب حتى يتصَرّفَ بخِلاف الحِلم . مرةً عاملَه يهوديٌّ بدَيْنٍ إلى مدة اسمُه زيدُ بنُ سَعية. كان رأى في النبيّ علاماتِ نبيِّ آخرِ الزمان وبقيَ علامةٌ يريد أن يختبرَها وهي أنّ غضبَه لا يَسبِقُ حِلمَه، فعاملَه بدَيْنٍ وقبل حلولِ الأجلِ بثلاثةِ أيام قال له ما أعْطيتني مالي، وكلّمَه بكلمةٍ تهزُّ المشاعر. ثم دفع له صلى الله عليه وسلم المال. لما رأى هذا الرجل أنّ النبيَّ لا يسبِقُ غضبُه حِلمَه قال: أشهد أن لا إله  إلا الله وأشهد أن محمّدًا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم. وكان صلى الله عليه وسلم شديد الحياء، لا يُثَبِّت بصرَه في وجهِ أحد وكان لا يَنتقمُ لنفسِه ولا يغضبُ لها إلا أن تُنتهَكَ حُرماتُ الله فيَنتقِمُ لله. فإذا غضب لله لم يقُمْ لغضبِه أحد، لا أحدَ يستطيعُ أن يقفَ في وجهِه عليه الصلاة والسلام القريبُ والبعيد والقويُّ والضعيف عندَه في الحق واحد. وما عابَ طعامًا قطّ إن اشتهاهُ أكلَه وإلا تركَه. مرة قُدِّمَ له الضَّبّ ما مدَّ يدَه قال له واحد من الصحابة، هذا حرام؟ الرسول قال لا لكنْ لم يكن بأرضِ قومي فلا تألفُه نفسي. وكان لا يأكل مُتّكئًا ولا يأكل على خِوان الذي هو مثلُ الطاولةِ المرتفعةِ قليلًا عن الأرض، إنما كان طعامُه يوضَعُ على الأرض ويأكلُ ما هو موجودٌ في البيت. كان يقول في الصباح عندَكم طعام؟ إذا قالوا له نعم أكلَ منه وإذا قالوا لا قال إذًا نصوم. إذا وجد تمرًا أكل إذا وجد خبز شعيرٍ أكل، إذا وجد لبنًا اكْتفى به عليه الصلاة والسلام، وإذا وجد خلًّا أكل الخبزَ والخل. قال أبو هريرة: خرج رسول الله عليه الصلاة والسلام من الدنيا ولم يشبعْ من خبز الشعير. وكان يأتي على آلِ محمدٍ الشهرُ والشهران ولا يوقَد في بيتهم نار كان قوتُهم التمرَ والماء. كان يأكلُ الهدية ولا يأكلُ الصدقة. سلمانُ الفارسي هكذا اختبرَه، أتى له بتمرٍ وقال هذا صدقة، النبيُّ ما أكل. وفي اليوم الثاني جاء بتمر وقال هذا هدية فأكل النبيُّ عليه الصلاة والسلام وقال لهم كلوا. وكان يُكافِئُ على الهدية بما يستطيع وهذه عادةُ أهلِ الفضل. وكان عليه الصلاة والسلام يَخصِفُ النعل يكونُ النعلُ أحيانًا مصنوعًا منْ عدةِ طبقات ثم تُخاطُ كلُّها معًا، هذا هو خَصفُ النعل، كان يفعلُ هذا بيدِه ما كان يقول لزوجتِه افعليه، ويرقَعُ الثوب ويخدُمُ في مهنةِ أهلِه يحلِبُ الشاة وغيرُ ذلك، ويعودُ المريض وكان أشدَّ الناسِ تواضعًا كانت تأتيه البنتُ الصغيرةُ فتأخذُ بيدِه فيذهب معها. يُجيبُ مَن دعاهُ من فقير أو غني أو دنيءٍ أو شريف، وكان يحب المساكين ويَشهدُ جنائزَهم ويعودُ مرضاهُم ولا يحقرُ فقيرًا لفقرِه ولا يَهابُ ملِكًا لمُلكِه، وكان يركبُ الفرس والبعير والبغلة والحمار. وكان صلى الله عليه وسلم يُردِفُ خلفَه عبدَه أو غيرَه ولا يدَعُ أحدًا يمشي خلفَه صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه وعلى كلِّ رسولٍ أرسلَه. وكان صلى الله عليه وسلم يلبَسُ الصُّوف. وكان خاتَمُه من فضة فَصُّه منه، كان يستعمله ليختِمَ الرسائلَ مكتوبٌ عليه “محمَّدٌ رسولُ الله”. “محمَّد” سطر “رسول” سطر “لفظُ الجلالة” سطر وكان يلبسُه في خِنصَر يدِه اليمنى وأحيانًا في اليسرى. وكان يَعصِبُ الحجرَ على بطنِه من الجوع أحيانًا. مرةً قال له واحدٌ من الصحابة يا رسولَ الله أنا جائع وكشف عن بطنِه فإذا هو قد ربَط حجرًا، فكشف النبيُّ عليه الصلاة والسلام فإذا هو قد وضع حجريْن . وكان يُكثِرُ الذِّكِر يقومُ على ذِكر الله يقعُد على ذِكرِ الله، إذا قام وإذا قعد وإذا أمسك شيئًا يذكر اللهَ تعالى. ولا يتكلمُ بغيرِ فائدةٍ صلى الله عليه وسلم. ويُطيلُ الصلاةَ إذا لم يكن إمامًا وخلْفَه أناسٌ ضِعاف. وكان يصلي حتى تتورّمَ قدماه من غير أن يصيبَه ضرر، فيُقال قد غفرَ اللهُ لك من ذنبِك ما تقدّمَ وما تأخرَ، فيقولُ أفلا أكونُ عبدًا شكورًا؟ صلواتُ ربي وسلامُه عليه. وكان يُقصِّر الخُطبة. وكان أكثرَ الناس تبسُّمًا وأحسنَهم بِشرًا، كان يَلقى الناسَ بالبشاشة مع أنه كان متواصلَ الأحزان دائمَ الفِكر، لكنْ إذا لقيَ المسلمين يلقاهُم بالبشاشة والبِشرِ والابتسامة وكان يحبُّ الطِّيب ويكرهُ الريحَ الكريهة. يتألفُ أهلَ الشرف ويُكرِمُ أهلَ الفضل، مَن له فضلٌ عند اللهِ يكرمُه ويمزحُ ولا يقولُ إلا حقًّا من غير أن يكونَ مزحًا يُنقِصُ المُروءة ومن غير أن يُؤذيَ. وكان يقبلُ معذرةَ المُعتذِر إليه. إذا عمِل إنسانٌ خطأ ثم اعتذرَ إلى النبيِّ فكان يقبلُ معذرتَه. وكان له صلى الله عليه وسلم عبيدٌ إنما لا يرتفعُ عليهم في مأكلٍ ولا مَلبسٍ بل كان يأكل معهم ويكسوهُم مما يلبَس ويطعمُهم مما يأكل. قد جمع اللهُ له محاسنَ الأفعال وكمالَ الأخلاق وآتاهُ عِلمَ الأوَّلين والآخِرين، أعطاه علمًا كثيرًا بحيث كان أعلمَ الخَلق وهو أُمِّيٌّ لا يقرأُ ولا يكتبُ ولا مُعلِّمَ له من البَشر صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه وعلى كلِّ رسول أرسلَه. نقف هنا الآن لنكلمكم إن شاء الله تعالى في الحلقة القادمة عمّا جاء به النبي وبلّغه عن الله تعالى.