#23
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صَادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
كِتَابُ الصِّيَام
الصَّوْمُ لُغَةً الْإِمْسَاكُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ عَلَيْهَا السَّلَامُ ﴿إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمٰنِ صَوْمًا﴾ أَيْ إِمْسَاكًا وَسُكُوتًا عَنِ الْكَلَامِ. وَشَرْعًا الْإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفَطِّرَاتِ بِنِيَّةٍ مُخْصُوصَةٍ، جَمِيعَ نَهَارٍ قَابِلٍ لِلصَّوْمِ، مِنْ مُسْلِمٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجِبُ صَوْمُ شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ وَلا يَصِحُّ مِنْ حَائِضٍ وَنُفَسَاءَ وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ.
الشَّرْحُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَاجِبٌ (مَعْنَاهُ مَا سِوَى رَمَضَانَ لَا يَدْخُلُ فِي الْوُجُوبِ، أَمَّا رَمَضَانُ فَصَوْمُهُ وَاجِبٌ، وَثَوَابُهُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى. فَمَا وَرَدَ مِنَ النُّصُوصِ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، إِنَّمَا يُحْمَلُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ. مِنْ ذَلِكَ حَدِيثُ مُسْلِمٍ أَفْضَلُ الصِّيَامِ (أَيْ مِنْ أَفْضَلِ الصِّيَامِ) بَعْدَ رَمَضَانَ، صَوْمُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ. فَقَوْلُهُ ﷺ أَفْضَلُ الصِّيَامِ هُنَا، لَا يُرَادُ بِهِ كَأَفْضَلِيَّةِ صِيَامِ الْفَرْضِ، فَالْفَرْضُ مَنْزِلَتُهُ عِنْدَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْلَى مِنْ مَنْزِلَةِ النَّفْلِ. وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِ صِيَامِ رَمَضَانَ، قَبْلَ الْإِجْمَاعِ، آيَةُ ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ﴾ وَقَوْلُهُ ﷺ بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. وَفُرِضَ صِيَامُ رَمَضَانَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تِسْعَ سَنَوَاتٍ، تُوُفِّيَ بَعْدَهَا. فَمِنْ هُنَا عَلِمْنَا أَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ وَاجِبٌ، كَمَا أَنَّ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَاجِبَةٌ. فَإِذًا صَوْمُ رَمَضَانَ وَاجِبٌ) لِأَنَّهُ أَحَدُ أَعْظَمِ أُمُورِ الإِسْلَامِ الْخَمْسَةِ وَهُوَ (أَيْ رَمَضَانُ) أَفْضَلُ الشُّهُورِ. وَإِنَّمَا يَجِبُ الصَّوْمُ بِاسْتِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَيْ مِنِ ابْتِدَاءِ رُؤْيَةِ هِلَالِ شَعْبَانَ (وَالْمُرَادُ الرُّؤْيَةُ بِالْعَيْنِ الْمُجَرَّدَةِ) أَوْ بِرُؤْيَةِ عَدْلِ شَهَادَةٍ أَيْ ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ هِلَالَ رَمَضَانَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ (بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ، يُرَاقَبُ الْهِلَالُ، فَإِنْ لَمْ يُرَ الْهِلَالُ، يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَكْمِلَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ، لِقَوْلِهِ ﷺ صُومُوا لِرُؤيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمً. فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ أَيْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ الْغَيْمُ، إِنْ مَنَعَكُمُ الْغَيْمُ، فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا) وَالْعَدْلُ الْمَقْصُودُ هُنَا هُوَ الْمُسْلِمُ الذَّكَرُ الْحُرُّ الَّذِي سَلِمَ مِنَ الْكَبَائِرِ وَمِنْ غَلَبَةِ الصَّغَائِرِ عَلَى طَاعَاتِهِ (مَعْنَاهُ قَدْ يَحْصُلُ مِنْهُ صَغِيرَةً مِنَ الصَّغَائِرِ لَكِنْ لَا تَغْلِبُ صَغَائِرُهُ عَلَى طَاعَاتِهِ) مَعَ كَوْنِهِ مُلْتَزِمًا بِمُرُوءَةِ أَمْثَالِهِ (أَيْ مُحَافِظًا عَلَى أَخْلَاقِ أَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ أَمْثَالِهِ) أَيْ فَلَا يَشْتَغِلُ بِتَطْيِيرِ الْحَمَامِ (وَلَوْ كَانَ يُصَلِّي وَيَصُومُ وَيَجْتَنِبُ الْكَبَائِرَ، فَالنُّفُوسُ لَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ. هَذَا الْإِنْسَانُ، وَلَوْ شَهِدَ أَنَّهُ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ، فَلَا تُؤْخَذُ شَهَادَتُهُ. فَإِذًا، الْعَدْلُ الْمَقْصُودُ هُنَا هُوَ الْمُسْلِمُ، الذَّكَرُ، الْحُرُّ، الَّذِي سَلِمَ مِنَ الْكَبَائِرِ، وَمِنْ غَلَبَةِ الصَّغَائِرِ عَلَى طَاعَاتِهِ، مَعَ كَوْنِهِ مُلْتَزِمًا بِمُرُوءَةِ أَمْثَالِهِ، أَيْ فَلَا يَشْتَغِلُ بِتَطْيِيرِ الْحَمَامِ) وَلَا الإِكْثَارِ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمُضْحِكَةِ الَّتِي مَا فِيهَا ثَمَرَةٌ وَلَوْ كَانَتْ مُبَاحَةً وَلَا الإِكْثَارِ مِنْ لَعِبِ الشِّطْرَنْجِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (هَذَا لَيْسَ لَهُ مُرُوءَةٌ، يُقَالُ لَهُ “فَاقِدُ الْمُرُوءَةِ”، لَا يُرَاعِي أَخْلَاقَ أَمْثَالِهِ، فَهَذَا شَهَادَتُهُ لَا تُقْبَلُ. لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَقَالَ “أَشْهَدُ بِاللَّهِ أَنِّي رَأَيْتُ هِلَالَ رَمَضَانَ هَذِهِ اللَّيْلَةَ”، وَهُوَ لَيْسَ لَهُ كَبِيرَةٌ، وَلَا هُوَ مُصِرٌّ عَلَى الصَّغَائِرِ، لَكِنْ لَا يَلْتَزِمُ مُرُوءَةَ أَمْثَالِهِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. هَوَاهُ تَطْيِيرُ الْحَمَامِ، هَوَاهُ الْإِكْثَارُ مِنْ لَعِبِ الشَّطْرَنْجِ، هَوَاهُ الْإِكْثَارُ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمُضْحِكَةِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ثَمَرَةٌ، لِأَنَّ هَذَا هَوَاهُ، فَالنُّفُوسُ لَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ) فَإِذَا شَهِدَ عَدْلٌ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ بِأَنَّهُ شَاهَدَ هِلَالَ رَمَضَانَ بِقَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْتُ هِلالَ رَمَضَانَ اللَّيْلَةَ ثَبَتَ الصِّيَامُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ. (أَمَّا لَوْ قَالَ “عَلِمْتُ أَنَّهُ هِلَالُ رَمَضَانَ اللَّيْلَةَ”، فَلَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ هَذَا. وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الشَّخْصُ عَدْلًا وَرَأَى الْهِلَالَ، لَمْ يُثْبِتِ الْقَاضِي ابْتِدَاءَ الشَّهْرِ بِشَهَادَتِهِ، لَكِنْ هُوَ، الشَّخْصُ الَّذِي رَأَى الْهِلَالَ، يَصُومُ، لِأَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ لَهُ، هُوَ لَا يَحْتَاجُ إِلَى شَهَادَةِ آخَرَ، وَكَذَا الْعَبْدُ وَالْمَرْأَةُ وَالْفَاسِقُ، وَإِنْ كَانَ الشَّهْرُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ، لَكِنْ إِذَا رَأَوْهُ صَامُوا وُجُوبًا. وَيَكْفِي لِثُبُوتِ رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ عِنْدَ الْحَاكِمِ شَهَادَةُ عَدْلٍ وَاحِدٍ، فَلَا يُشْتَرَطُ اثْنَانِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَنِّي رَأَيْتُهُ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ، فَهَذَا عَدْلٌ وَاحِدٌ أَخْبَرَ الرَّسُولَ ﷺ بِأَنَّهُ رَأَى الْهِلَالَ، فَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِنَاءً عَلَى شَهَادَتِهِ. أَمَّا هِلَالُ شَوَّالٍ لِأَجْلِ نِهَايَةِ الشَّهْرِ، وَكَذَا بَاقِي الشُّهُورِ ابْتِدَاؤُهَا وَانْتِهَاؤُهَا، فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ شَهَادَةِ اثْنَيْنِ عِنْدَ الْحَاكِمِ، وَمَنْ رَأَى هِلَالَ شَوَّالٍ وَحْدَهُ أَفْطَرَ، وَلَكِنَّهُ يَسْتَخْفِي بِذَلِكَ لِئَلَّا يُعَرِّضَ نَفْسَهُ إِلَى التُّهْمَةِ وَعُقُوبَةِ السُّلْطَانِ)
أَمَّا إِذَا قَالَ أَهْلُ الْفَلَكِ غَدًا أَوَّلُ رَمَضَانَ اعْتِمَادًا عَلَى الْحِسَابِ فَلا يَجُوزُ الصَّوْمُ اعْتِمَادًا عَلَى قَوْلِهِمْ. وَهَذَا الْحُكْمُ فِي الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ. (الصِّيَامُ يَكُونُ بِالرُّؤْيَةِ، وَكَذَلِكَ الْإِفْطَارُ يَكُونُ بِالرُّؤْيَةِ، لِأَنَّ الرَّسُولَ ﷺ قَالَ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا. الرَّسُولُ ﷺ لَمْ يَقُلْ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَارْجِعُوا إِلَى الْحِسَابِ الْفَلَكِيِّ. لَا يَجُوزُ لَنَا الْخُرُوجُ عَنْ كَلَامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَقَدْ قَالَ ﷺ إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. مَعْنَاهُ لَا نَعْتَمِدُ عَلَى الْحِسَابِ)
وَيُشْتَرَطُ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ الإِسْلَامُ وَالتَّكْلِيفُ أَيِ الْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ فَلَا يُطَالَبُ الْكَافِرُ الأَصْلِيُّ (وَهُوَ عَلَى الكُفْرِ) بِأَدَائِهِ فِي الدُّنْيَا (لِعَدَمِ صِحَّتِهِ مِنْهُ، إِنَّمَا يُطَالَبُ بِالإِسْلَامِ، لِأَنَّ الإِيمَانَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولِ ﷺ شَرْطٌ لِقَبُولِ الأَعْمَالِ عِنْدَ اللَّهِ) وَإِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ وُجُوبَ عِقَابٍ عَلَى تَرْكِهِ فِي الآخِرَةِ (لِتَمَكُّنِهِ مِنْ فِعْلِهِ بِالإِسْلَامِ، بِأَنْ يُسْلِمَ ثُمَّ يَأْتِيَ بِالصِّيَامِ. فَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ أَنَّ الكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّريعَةِ كَمَا يُخَاطَبُونَ بِأُصُولِ الشَّريعَةِ، قَالَ تَعَالَى ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾ ﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾. وَفِي الآيَةِ أَنَّهُمْ يُعَذَّبُونَ عَلَى هَذَا كَمَا يُعَذَّبُونَ عَلَى كُفْرِهِمْ. وَيُعَاقَبُ الْكَافِرُ الأَصْلِيُّ عَلَى تَرْكِ الصِّيَامِ فِي الآخِرَةِ كَمَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ. وَالرَّاجِحُ أَنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ) وَلَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ (لِأَنَّهُ مَرْفُوعُ القَلَمِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ المَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَأَحْمَدُ) لَكِنْ يَجِبُ عَلَى الأَبَوَيْنِ أَنْ يَأْمُرَاهُ بِالصَّوْمِ بَعْدَ سَبْعِ سِنِينَ إِنْ أَطَاقَ جِسْمُهُ وَتَحَمَّلَ، وَلَا يَجِبُ أَيْضًا عَلَى الْمَجْنُونِ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ مَا فَاتَهُ مِنَ الصِّيَامِ فِي أَيَّامِ رِدَّتِهِ (هَذَا عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَأَمَّا عِنْدَ الأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ، فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصِّيَامِ إِنْ كَانَ مُرْتَدًّا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ) وَلَا يَجِبُ الصَّوْمُ أَيْضًا عَلَى مَنْ لَا يُطِيقُهُ حِسًّا لِكِبَرٍ (أَيْ لَا يَجِبُ الصَّوْمُ عَلَى مَنْ بَلَغَ مِنَ السِّنِّ بِحَيْثُ لَا يُطِيقُ الصِّيَامَ) أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ (فَلَا يُؤْمَرُ بِأَدَائِهِ وَلَا بِقَضَائِهِ. الشَّيْخُ العَجُوزُ الَّذِي لَا يَتَحَمَّلُ الصَّوْمَ أَوْ تَلْحَقُهُ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَيُفْدِي عَنْ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ الَّذِي لَا يُرْجَى شِفَاؤُهُ، فَلَا صَوْمَ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ، وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ فَقَطْ، فَلَوْ دَفَعَ الْفِدْيَةَ ثُمَّ تَعَافَى بَعْدَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ. وَالْفِدْيَةُ هِيَ مُدٌّ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ دَفْعَ الْمُدِّ، يَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ إِلَى حِينِ الاسْتِطَاعَةِ. وَمِثْلُ العَجُوزِ وَالْمَرِيضِ الَّذِي لَا يُرْجَى شِفَاؤُهُ فِي وُجُوبِ الْمُدِّ، مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ الَّذِي بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنَّهُ يُضَافُ إِلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وُجُوبُ الْفِدْيَةِ، أَيْ الْمُدِّ، وَتَتَكَرَّرُ الْفِدْيَةُ بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ، أَيْ إِذَا أَخَّرَهُ إِلَى رَمَضَانَ ثَانٍ أَيْضًا، صَارَ عَلَيْهِ مُدَّانِ، وَإِلَى ثَالِثٍ ثَلَاثَةُ أَمْدَادٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ، وَهَكَذَا. أَمَّا إِذَا كَانَ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ، فَلَا إِثْمَ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ، كَأَنْ اسْتَمَرَّ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا، أَوِ الْمَرْأَةُ حَامِلًا أَوْ مُرْضِعًا إِلَى قَابِلٍ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ مَا دَامَ الْعُذْرُ بَاقِيًا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَخِّرَ الْقَضَاءَ إِلَى رَمَضَانَ آخَرَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، فَإِنْ أَخَّرَهُ أَثِمَ) وَكَذَا مَنْ لَا يُطِيقُهُ شَرْعًا كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ (أَيْ طَالَمَا الدَّمُ يَنْزِلُ مِنَ الحَائِضِ أَوِ النُّفَسَاءِ) فَإِنَّهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا وُجُوبَ أَدَاءٍ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا وُجُوبَ قَضَاءٍ، وَكَذَلِكَ الْمَرِيضُ الَّذِي يُرْجَى بُرْؤُهُ (أَيْ يُرْجَى شِفَاؤُهُ).
مَسْأَلَةٌ: لَوْ نَامَتِ الحَائِضُ ثُمَّ اسْتَيْقَظَتْ بَعْدَ الفَجْرِ وَدَمُ الحَيْضِ مُنْقَطِعٌ، فَإِنَّهَا لَا تَصُومُ ذَلِكَ اليَوْمَ، لَكِنْ إِنْ شَاءَتْ تَكُفُّ عَنِ الأَكْلِ احْتِيَاطًا، وَإِنْ أَكَلَتْ كَانَ جَائِزًا. وَإِذَا ظَنَّتِ الحَائِضُ أَنَّ الدَّمَ سَيَنْقَطِعُ قَبْلَ الفَجْرِ عَلَى حَسَبِ عَادَتِهَا فَنَوَتِ الصِّيَامَ قَبْلَ الفَجْرِ وَنَامَتْ، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَتْ وَجَدَتْ أَنَّ الدَّمَ انْقَطَعَ، فَإِذَا كَانَ عَلَى حَسَبِ عَادَتِهَا يَنْقَطِعُ الدَّمُ فِي هَذَا الوَقْتِ فَنَوَتْ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، صَحَّ صِيَامُهَا)
وَيَحْرُمُ الإِمْسَاكُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ بِنِيَّةِ الصِّيَامِ (وَلَا يَصِحُّ مِنْهُمَا الصَّوْمُ، أَمَّا إِذَا انْقَطَعَ فَيَصِحُّ، لَكِنْ يَجِبُ أَنْ تَغْتَسِلَ مِنْ أَجْلِ الصَّلَاةِ، لَيْسَ مِنْ أَجْلِ صِحَّةِ الصِّيَامِ) وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا تَعَاطِي مُفَطِّرٍ (إِذَا طَهُرَتَا فِي أَثْنَاءِ نَهَارِ شَهْرِ رَمَضَانَ، لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا إِمْسَاكُ بَقِيَّةِ النَّهَارِ. وَإِنْ تَرَكَتَا الأَكْلَ وَالشُّرْبَ لَا بِنِيَّةِ الصَّوْمِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِمَا، وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا القَضَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ).
مَسْئَلَةٌ: لَوْ أَنَّ امْرَأَةً طَاهِرَةً مِنَ الحَيْضِ وَالنِّفَاسِ كَانَتْ تَصُومُ رَمَضَانَ، فَطَرَأَ عَلَيْهَا دَمٌ فِي وَقْتِ عَادَتِهَا، فَأَكَلَتْ أَثْنَاءَ نُزُولِ الدَّمِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهَا، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ دَمُ حَيْضٍ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَمْسَكَتْ عَنِ الطَّعَامِ أَثْنَاءَ نُزُولِ الدَّمِ بِغَيْرِ نِيَّةِ الصَّوْمِ، فَلَا إِثْمَ عَلَيْهَا. لَكِنْ إِنِ انْقَطَعَ الدَّمُ قَبْلَ مُضِيِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنَّ عَلَيْهَا أَنْ تَتَوَقَّفَ عَنِ الأَكْلِ، وَتَسْتَنْجِيَ، وَتَتَوَضَّأَ، وَتُصَلِّيَ، وَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ، لِأَنَّ الدَّمَ انْقَطَعَ قَبْلَ مُضِيِّ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ سَاعَةً. وَأَمَّا لِمُجَرَّدِ رُؤْيَةِ مَشْحَةِ دَمٍ، فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُفْطِرَ.
وَيَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَعَلَى كُلِّ مَنْ أَفْطَرَ لِعُذْرٍ (كَمَرَضٍ يُرْجَى شِفَاؤُهُ أَوْ رُخْصَةِ السَّفَرِ) أَوْ غَيْرِهِ الْقَضَاءُ (وَهَذَا القَضَاءُ لَا يَجِبُ عَلَى الفَوْرِ إِنْ كَانَ إِفْطَارُهُ لِعُذْرٍ يَعْنِي) إِلَّا مَنْ أَفْطَرَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَإِنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِمَا إِلَّا الْفِدْيَةُ. (وَهَذِهِ الفِدْيَةُ تُخْرَجُ كُلَّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، لَا يُقَدِّمُهَا أَوَّلَ الشَّهْرِ عَنْ الشَّهْرِ كُلِّهِ، وَلَا يُؤَخِّرُهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ)
(مَسْأَلَةٌ: يَجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ مَعَ القَضَاءِ الفِدْيَةُ عَلَى مَنْ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ قَضَاءَ رَمَضَانَ إِلَى أَنْ جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ، وَيَتَكَرَّرُ هَذَا بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ. وَلَوْ كَانَ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ بِعُذْرٍ، يَجِبُ عِنْدَهُ مَعَ القَضَاءِ الفِدْيَةُ، لِأَنَّهُ أَخَّرَ بِلَا عُذْرٍ قَضَاءَ رَمَضَانَ إِلَى أَنْ جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ، وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ، وَيَتَكَرَّرُ هَذَا بِتَكَرُّرِ السِّنِينَ. لَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، الفِدْيَةُ لَيْسَتْ وَاجِبَةً عَلَى مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ إِلَى أَنْ جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ، سَوَاءٌ أَخَّرَ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِ عُذْرٍ، وَلَا يَأْثَمُ عِنْدَهُ بِتَأْخِيرِ القَضَاءِ إِذَا كَانَ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ لِعُذْرٍ. لَكِنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ، يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ الجَمِيعِ المُبَادَرَةُ إِلَى القَضَاءِ وَيَأْثَمُ بِالتَّأْخِيرِ، وَلَكِنْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الفِدْيَةُ لَا تَجِبُ بِتَأْخِيرِ القَضَاءِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجُوزُ الْفِطْرُ لِمُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ (بِأَنْ كَانَ السَّفَرُ طَوِيلًا وَفَارَقَ عُمْرَانَ الْبَلَدِ قَبْلَ الْفَجْرِ) وَإِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ (إِلَّا أَنَّ إِتْمَامَ الصِّيَامِ لَهُ إِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ مِنَ الْفِطْرِ وَأَمَّا مَنْ أَنْشَأَ سَفَرَهُ بَعْدَ الْفَجْرِ فَلا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ) وَ (يَجُوزُ أَيْضًا) لِمَرِيضٍ وَحَامِلٍ وَمُرْضِعٍ يَشُقُّ (الصَّوْمُ) عَلَيْهِمْ مَشَقَّةً لا تُحْتَمَلُ (وَهِيَ الَّتِي تُبِيحُ التَّيَمُّمَ كَأَنْ يَطُولَ مَرَضُهُ أَوْ يُتْلَفَ عُضْوٌ مِنْ أَعْضَائِهِ فَإِنْ كَانَ يَحْصُلَ لَهُ مِثْلُ هَذَا بِصَوْمِهِ يَجُوزُ لَهُ الْفِطْرَ) الْفِطْرُ وَيَجِبُ عَلَيْهِمُ الْقَضَاءُ (لِلأَيَّامِ الَّتِي أَفْطَرُوا فِيهَا كَمَا يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ أَفْطَرَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَيْضًا إِلَّا مَنْ أَفْطَرَ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلَّا الْفِدْيَةُ)
الشَّرْحُ يَجُوزُ الْفِطْرُ فِي صَوْمِ الْفَرْضِ بِأَسْبَابٍ مِنْهَا السَّفَرُ إِلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ أَيْ سَفَرٌ يَجُوزُ فِيهِ قَصْرُ الصَّلاةِ الرُّبَاعِيَّةِ إِلَى رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ مَسَافَةُ مَرْحَلَتَيْنِ، (فِي الْمَاضِي كَانُوا يَخْرُجُونَ عِنْدَ الفَجْرِ، يَمْشُونَ إِلَى الغُرُوبِ، كَانَ يَقْطَعُ الوَاحِدُ مِنْهُمْ قَرِيبًا مِنْ أَرْبَعِينَ كِيلُومِتْرًا فِي اليَوْمِ الوَاحِدِ. فَإِذَا سَافَرَ مَسِيرَ يَوْمَيْنِ، مَعْنَاهُ سَافَرَ مَرْحَلَتَيْنِ، فَهَذَا السَّفَرُ يُبِيحُ قَصْرَ الصَّلَاةِ الرُّبَاعِيَّةِ إِلَى رَكْعَتَيْنِ، وَكَذَلِكَ يُبِيحُ الإِفْطَارَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، إِذَا لَمْ يَكُنْ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ) فَإِذَا كَانَ السَّفَرُ إِلَى مَرْحَلَتَيْنِ أَيْ مَسِيرِ يَوْمَيْنِ بِسَيْرِ الأَثْقَالِ وَدَبِيبِ الأَقْدَامِ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرُ وَلَوْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ (وَلَوْ كَانَ الشَّخْصُ مُسَافِرًا بِالطَّائِرَةِ أَوْ بِالسَّيَّارَةِ سَفَرًا مُرِيحًا، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ، وَلِلْمُسَافِرِ أَنْ يُفْطِرَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ غَيْرَ يَوْمَيِ الدُّخُولِ وَالخُرُوجِ)
مَسْأَلَةٌ: إِذَا قِيلَ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ “مَسِيرُ يَوْمٍ”، فَالْمُرَادُ بِهِ مِنَ الفَجْرِ إِلَى الزَّوَالِ. قَالَ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ “مَسِيرُ يَوْمٍ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ سَبْعُ سَاعَاتٍ”، وَالحَنَفِيَّةُ أَجَازُوا لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُسَافِرَ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ أَقَلَّ مِنْ مَسِيرِ يَوْمٍ، يَعْنِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ كِيلُومِتْرًا. مَعْنَاهُ مَسِيرُ سَبْعِ سَاعَاتٍ لَا تُسَافِرُ، أَمَّا أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، أَيْ مَسِيرُ سِتِّ سَاعَاتٍ فَمَا دُونَ ذَلِكَ، فَلَهَا أَنْ تُسَافِرَ عِنْدَ الحَنَفِيَّةِ بِدُونِ مَحْرَمٍ.
(فَإِذًا، يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الفِطْرُ) لَكِنْ إِنْ لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَالْمُثَابَرَةُ عَلَى الصِّيَامِ أَفْضَلُ مِنْ أَنْ يُفْطِرَ. وَشَرْطُ السَّفَرِ الَّذِي يُبِيحُ الإِفْطَارَ أَنْ يَكُونَ (فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ. وَأَنْ يَكُونَ) حَدَثَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَمَنْ صَارَ فِي حُكْمِ الْمُسَافِرِ بَعْدَ الْفَجْرِ لَمْ يَجُزْ لَهُ الإِفْطَارُ (فِي ذَلِكَ اليَوْمِ)
مَسْأَلَةٌ: عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ، يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ الَّذِي فَارَقَ العُمْرَانَ الإِفْطَارُ، وَلَوْ كَانَ خَرَجَ بَعْدَ الفَجْرِ، وَلَوْ بَعْدَ الظُّهْرِ. مَسْأَلَةٌ: لَوْ شَخْصٌ سَافَرَ لِسَبْعَةِ أَيَّامٍ، طُولُ السَّفَرِ سَبْعَةُ أَيَّامٍ، ثُمَّ بَقِيَ فِي مَدِينَةٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ عَادَ، فَلَوْ سَافَرَ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ بَعْدَ الفَجْرِ، لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ ذَلِكَ اليَوْمَ، لَكِنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي اليَوْمِ التَّالِي وَالَّذِي بَعْدَهُ، وَحَتَّى فِي الثَّلَاثَةِ أَيَّامٍ، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ؛ لِأَنَّهَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ صِحَاحٍ.
(قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَمِنْهَا (أَيْ من الأَعْذَار الَّتِي تُبِيحُ الإِفْطَار فِي رَمَضَان) الْمَرَضُ (إِنْ كَانَ يُرْجَى بُرْؤُهُ كَالحُمَّى الَّتِي طَرَأَتْ عَلَيْهِ، أَوْ مَرَضٌ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ كَالفَالِجِ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِ) إِنْ كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ مَعَ الصَّوْمِ تُبِيحُ التَّيَمُّمَ أَيْ كَانَ فِي الْمُثَابَرَةِ عَلَى الصَّوْمِ مَعَ هَذَا الْمَرَضِ مَشَقَّةً كَمَشَقَّةِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ لِلطُّهْرِ فَعِنْدَئِذٍ يَجُوزُ لَهُ الإِفْطَارُ كَمَا أَنَّ الَّذِي يَشُقُّ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ لِلْوُضُوءِ أَوْ لِلِاغْتِسَالِ يَجُوزُ لَهُ التَّيَمُّمُ مِنْ أَجْلِ الْمَشَقَّةِ (يَعْنِي إِذَا كَانَ بِسَبَبِ الصَّوْمِ تَطُولُ مُدَّةُ مَرَضِهِ، أَوْ يَهْلِكُ، أَوْ يَتْلَفُ عُضْوُهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ الصِّيَامُ، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ. وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا وَيَجِدُ مَشَقَّةً تُحْتَمَلُ فِي الصِّيَامِ فَصَامَ، صَحَّ صَوْمُهُ، وَلَكِنْ مَنْ عَلِمَ أَنَّ الصِّيَامَ يَضُرُّهُ وَمَعَ ذَلِكَ تَكَلَّفَ الصِّيَامَ، أَثِمَ، قَالَ تَعَالَى ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا﴾) وَمِنْهَا الْحَمْلُ وَالإِرْضَاعُ إِذَا خَافَتِ الْحَامِلُ وَالْمُرْضِعُ عَلَى نَفْسَيْهِمَا أَوْ عَلَى وَلَدَيْهِمَا، (أَوْ عَلَى نَفْسَيْهِمَا وَوَلَدَيْهِمَا. الحَامِلُ أَوِ الْمُرْضِعُ إِذَا أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا، أَوْ أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى وَلَدِهَا، أَوْ أَفْطَرَتْ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهَا وَوَلَدِهَا، أُبِيحَ لَهَا الإِفْطَارُ وَيَلْزَمُهَا القَضَاءُ) وَيَجِبُ عَلَيْهِمَا (أَيْ عَلَى الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ) وَلَوْ مَرِيضَتَيْنِ أَوْ مُسَافِرَتَيْنِ إِذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى الْوَلَدِ فَقَطْ أَنْ يُجْهَضَ أَوْ يَقِلَّ اللَّبَنَ فَيَتَضَرَّرَ مَعَ الْقَضَاءِ الْفِدْيَةُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ. (إِذَا كَانَتْ حَامِلًا وَمُسَافِرَةً، فَلَهَا أَنْ تُفْطِرَ لِعُذْرِ الحَمْلِ وَلِعُذْرِ السَّفَرِ. وَقَدْ تَكُونُ مُرْضِعًا وَمُسَافِرَةً، فَلَهَا أَنْ تُفْطِرَ لِعُذْرِ الرَّضَاعَةِ وَلِعُذْرِ السَّفَرِ. وَقَدْ تَكُونُ حَامِلًا وَمَرِيضَةً وَمُسَافِرَةً، فَلَهَا أَنْ تُفْطِرَ لِعُذْرِ الحَمْلِ أَوْ لِعُذْرِ السَّفَرِ أَوْ لِعُذْرِ الْمَرَضِ إِنْ كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ لِلصَّوْمِ. أَوْ قَدْ تَكُونُ مُرْضِعًا وَمَرِيضَةً وَمُسَافِرَةً، فَلَهَا أَنْ تُفْطِرَ لِعُذْرِ الرَّضَاعَةِ أَوْ لِعُذْرِ السَّفَرِ أَوْ لِعُذْرِ الْمَرَضِ إِنْ كَانَ فِيهِ مَشَقَّةٌ لِلصَّوْمِ. وَلَكِنْ يَجِبُ عَلَيْهِمَا إِنْ أَفْطَرَتَا بِعُذْرٍ مِنْ هَذِهِ الأَعْذَارِ، خَوْفًا عَلَى الوَلَدِ فَقَطْ أَنْ يُجْهَضَ أَوْ يَقِلَّ اللَّبَنُ فَيَتَضَرَّرَ مَعَ القَضَاءِ، الفِدْيَةُ لِكُلِّ يَوْمٍ مُدٌّ. أَمَّا إِذَا أَفْطَرَتَا خَوْفًا عَلَى نَفْسَيْهِمَا وَالوَلَدِ، فَفِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلَانِ: عَلَى قَوْلٍ يَجِبُ القَضَاءُ مِنْ غَيْرِ فِدْيَةٍ، وَعَلَى قَوْلٍ آخَرَ، يَجِبُ مَعَ القَضَاءِ الفِدْيَةُ)
الشَّرْحُ يَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ أَيْ إِيقَاعُ النِّيَّةِ لَيْلًا (أَيْ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي تَسْبِقُ نَهَارَ الصَّوْمِ، وَاللَّيْلُ ابْتِدَاؤُهُ مِنَ الغُرُوبِ وَانْتِهَاؤُهُ بِالفَجْرِ. أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، يَصِحُّ فِي صِيَامِ رَمَضَانَ النِّيَّةُ بِاللَّيْلِ أَوِ النَّهَارِ قَبْلَ الظُّهْرِ، بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ تَعَاطَى مُفْطِرًا بَعْدَ الفَجْرِ) فِيمَا بَيْنَ غُرُوبِ الشَّمْسِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بِالْقَلْبِ وَلَوْ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ بَعْدَ الْغُرُوبِ، (فَمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ النِّيَّةَ، لَا يَصِحُّ صَوْمُهُ فِي الفَرْضِ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ، لِقَوْلِهِ ﷺ مَنْ لَمْ يُبَيِّتِ النِّيَّةَ قَبْلَ الفَجْرِ، فَلَا صِيَامَ لَهُ) فَإِنْ نَسِيَ تَبْيِيتَ النِّيَّةِ لَزِمَهُ الإِمْسَاكُ بَقِيَّةَ النَّهَارِ وَقَضَاءُ هَذَا الْيَوْمِ (وَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ. وَلَوْ أَنَّ الإِنْسَانَ أَكَلَ عِنْدَ السَّحُورِ لِأَجْلِ أَنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَصُومَ اليَوْمَ التَّالِيَ مِنْ رَمَضَانَ، فَهَذِهِ نِيَّةٌ، فَنِسْيَانُ النِّيَّةِ فِي رَمَضَانَ لَا تَحْصُلُ حَقِيقَةً إِلَّا نَادِرًا) أَمَّا صَوْمُ النَّفْلِ فَتُجْزِئُ فِيهِ النِّيَّةُ (لَيْلًا أَوْ نَهَارًا) قَبْلَ زَوَالِ الشَّمْسِ إِنْ لَمْ يَتَعَاطَ مُفَطِّرًا قَبْلَهَا.
(فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ: عِنْدَ الإِمَامِ مَالِكٍ، يَصِحُّ لَوْ نَوَى لَيْلَةَ اليَوْمِ الأَوَّلِ صِيَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا عَنْ شَهْرِ رَمَضَانَ هَذِهِ السَّنَةَ لِكُلِّ الشَّهْرِ. وَلَكِنْ إِنْ أَفْطَرَ يَوْمًا خِلَالَ رَمَضَانَ، وَلَوْ لِعُذْرٍ، تَلْزَمُهُ النِّيَّةُ لِكُلِّ يَوْمٍ بَعْدَ ذَلِكَ. وَعِنْدَ مَالِكٍ، إِذَا لَمْ يَنْوِ فِي اللَّيْلَةِ الأُولَى، فَلَا بُدَّ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَنْوِيَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ. وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ الَّتِي تَعْتَقِدُ أَنَّ الحَيْضَ يَأْتِيهَا فِي رَمَضَانَ، لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْوِيَ عَنِ الشَّهْرِ كُلِّهِ، لَا فِي اليَوْمِ الأَوَّلِ مِنْ رَمَضَانَ، وَلَا فِي أَيِّ يَوْمٍ مِنْهُ. هَذِهِ يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَنْوِيَ لِكُلِّ يَوْمٍ، وَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُفْرِدَ لِكُلِّ يَوْمٍ نِيَّتَهُ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالتَّعْيِينُ فِي النِّيَّةِ لِكُلِّ يَوْمٍ.
الشَّرْحُ مِنْ أَحْكَامِ الصِّيَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالنِّيَّةِ أَنَّهُ يَجِبُ تَعْيِينُ الصَّوْمِ الْمَنْوِيِّ بِالنِّيَّةِ كَتَعْيِينِ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَنَّهُ عَنْ نَذْرٍ أَوْ أَنَّهُ عَنْ كَفَّارَةٍ وَلَوْ لَمْ يُبَيِّنْ سَبَبَهَا. (يَقُولُ فِي قَلْبِهِ “أَصُومُ غَدًا عَنْ رَمَضَانَ” أَوْ “أَصُومُ غَدًا عَنِ الكَفَّارَةِ” أَوْ “أَصُومُ غَدًا عَنِ النَّذْرِ”. أَمَّا فِي صِيَامِ النَّافِلَةِ، فَلَوْ قَالَ “أَصُومُ غَدًا لِلَّهِ تَعَالَى” فَذَلِكَ يَكْفِيهِ) ثُمَّ إِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَنْوِيَ لِكُلِّ يَوْمٍ فَلَا يَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ الشَّهْرِ عَنِ الشَّهْرِ كُلِّهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لِتَخَلُّلِ الْيَوْمَيْنِ بِمَا يُنَاقِضُ الصَّوْمَ (وَهُوَ خُرُوجُكَ مِنَ الصِّيَامِ بِالأَكْلِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ) كَالصَّلَاتَيْنِ يَتَخَلَّلُهُمَا السَّلَامُ (لِأَنَّ السَّلَامَ مَعْنَاهُ أَنَّكَ خَرَجْتَ مِنَ الصَّلَاةِ وَأَنْهَيْتَهَا، فَإِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَبْدَأَ صَلَاةً جَدِيدَةً، لَا بُدَّ مِنْ نِيَّةٍ أُخْرَى لِهَذِهِ الصَّلَاةِ الثَّانِيَةِ. وَكَذَلِكَ هُنَا، لَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَنْوِيَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ عَنْ كُلِّ الشَّهْرِ، لِأَنَّهُ يَتَخَلَّلُ اليَوْمَ مَا يُنَافِي الصِّيَامَ، وَهُوَ خُرُوجُهُ مِنَ الصِّيَامِ بِالأَكْلِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، كَمَا يَتَخَلَّلُ الصَّلَاتَيْنِ السَّلَامُ وَهُوَ خُرُوجٌ مِنَ الصَّلَاةِ، فَلِذَلِكَ لَا يَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ الشَّهْرِ عَنْ الشَّهْرِ كُلِّهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالإِمْسَاكُ عَنِ الْجِمَاعِ.
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّوْمِ الإِمْسَاكَ عَنِ الْجِمَاعِ (فِي نَهَارِ رَمَضَانَ) أَيْ أَنْ يَكُفَّ الصَّائِمُ نَفْسَهُ عَنِ الْجِمَاعِ فِي فَرْجٍ وَلَوْ لِبَهِيمَةٍ (لِأَنَّ الجِمَاعَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ، وَلَوْ كَانَ بِلا إِنْزَالٍ) فَمَنْ فَعَلَ مَعَ الْعِلْمِ (بِحُرْمَةِ الجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ) وَالتَّعَمُّدِ (مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ) وَالِاخْتِيَارِ (أَيْ مِنْ غَيْرِ إِكْرَاهٍ) أَفْطَرَ، أَمَّا إِذَا كَانَ لَمْ يَعْلَمْ حُرْمَةَ الْجِمَاعِ فِي الصَّوْمِ لِكَوْنِهِ قَرِيبَ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ (لِأَنَّهُ مَا سَمِعَ مِنَ الصِّيَامِ إِلَّا الكَفَّ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ) مَثَلًا أَوْ كَوْنِهِ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَوْ نَسِيَ أَنَّهُ صَائِمٌ أَوْ جَامَعَ مُكْرَهًا أَيْ مُهَدَّدًا بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ. وَسَوَاءٌ فِي هَذَا الْحُكْمِ الْوَاطِئُ وَالْمَوْطُوءَةُ فَإِنَّ صِيَامَ كُلٍّ مِنْهُمَا يَفْسُدُ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ فِي الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ فِي كَفَّارَةِ الإِفْسَادِ بِالْجِمَاعِ فَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْوَاطِئِ أَيِ الرَّجُلِ لَيْسَ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمَوْطُوءَةِ. (الكَفَّارَةُ ثَلَاثُ خِصَالٍ عَلَى التَّرْتِيبِ. الخِصْلَةُ الأُولَى عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ، أَيْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ، ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى، سَلِيمًا مِنَ العُيُوبِ الْمُضِرَّةِ بِالعَمَلِ، يَعْنِي العَبْدُ الَّذِي فِيهِ عَرَجٌ قَوِيٌّ لَا يُجْزِئُ، أَوِ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ لَا يُجْزِئُ، بِخِلَافِ العَرَجِ الخَفِيفِ أَوْ سُقُوطِ الشَّعْرِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، لِأَنَّ هَذَا لَا يُؤَثِّرُ عَلَى عَمَلِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ كَبِيرًا، بَلْ لَوْ كَانَ طِفْلًا رَضِيعًا أَجْزَأَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدِ الرَّقَبَةَ حِسًّا يَعْنِي فِي نَاحِيَتِهِ لَا يُوجَدُ عَبْدٌ، أَوْ لَمْ يَجِدْهَا شَرْعًا كَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ثَمَنِهَا، يَنْتَقِلُ إِلَى الخِصْلَةِ الثَّانِيَةِ وَهِيَ صِيَامُ شَهْرَيْنِ هِلَالِيَّيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَلَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا وَاحِدًا قَبْلَ انْتِهَاءِ الشَّهْرَيْنِ، وَلَوْ لِعُذْرٍ، أَعَادَ مِنَ الأَوَّلِ، وَاسْتَأْنَفَ الصَّوْمَ، وَإِذَا ابْتَدَأَ الصَّوْمَ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، يَكُونُ آخِرُهُ فِي آخِرِ الشَّهْرِ الثَّانِي، أَمَّا إِذَا ابْتَدَأَ بَعْدَ أَوَّلِ الشَّهْرِ، فَإِنَّهُ يُكْمِلُ الأَوَّلَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ. مِثَالٌ شَخْصٌ ابْتَدَأَ الصِّيَامَ فِي الخَامِسِ مِنْ مُحَرَّمَ، وَكَانَ شَهْرُ مُحَرَّمَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، فَصَامَ مَا بَقِيَ مِنْ مُحَرَّمَ أَيْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا، ثُمَّ يَصُومُ شَهْرَ صَفَرَ كَامِلًا، فَإِنْ كَانَ صَفَرُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، يَكُونُ قَدْ صَامَ شَهْرًا كَامِلًا، وَإِذَا كَانَ قَدْ صَامَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا مِنْ مُحَرَّمَ، يَكُونُ قَدْ بَقِيَ لَهُ خَمْسَةُ أَيَّامٍ، فَيُكْمِلُهَا مِنْ رَبِيعٍ الأَوَّلِ، وَبِذَلِكَ تَتِمُّ الكَفَّارَةُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّهْرَيْنِ غَيْرُ اليَوْمِ الَّذِي يَقْضِيهِ. فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صِيَامَهُمَا، أَيْ عَجَزَ عَنْ صَوْمِهِمَا يَنْتَقِلُ إِلَى الخِصْلَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ إِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَوْ فَقِيرًا، لِكُلِّ مِسْكِينٍ أَوْ فَقِيرٍ مُدٌّ مِنْ غَالِبِ قُوتِ البَلَدِ. فَإِنْ عَجَزَ عَنِ الخِصَالِ الثَّلَاثِ الْمَذْكُورَةِ، اسْتَقَرَّتِ الكَفَّارَةُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِذَا قَدِرَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَيِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا، أَتَى بِهَا، إِلَّا إِذَا قَدِرَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ مَعًا، فَيَرْجِعُ إِلَى التَّرْتِيبِ الأَصْلِيِّ)
فَائِدَةٌ: الأَشْهُرُ فِي التَّقْوِيمِ الهِجْرِيِّ: مُحَرَّم، صَفَر، رَبِيعٌ الأَوَّلُ، رَبِيعٌ الآخِرُ، جُمَادَى الأُولَى، جُمَادَى الآخِرَةُ، رَجَب، شَعْبَان، رَمَضَان، شَوَّال، ذُو القَعْدَةِ، ذُو الحِجَّةِ.
مَسْأَلَةٌ: إِنْ جَامَعَ فِي يَوْمَيْنِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ، أَوْ فِي أَيَّامٍ، وَجَبَ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةٌ، سَوَاءٌ كَفَّرَ عَنِ الأَوَّلِ أَوْ لَمْ يُكَفِّرْ. أَمَّا لَوْ تَكَرَّرَ الوَطْءُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِذَا وَطِئَ فِي قَضَاءِ شَهْرِ رَمَضَانَ، لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ.
مَسْأَلَةٌ: مَنْ ظَنَّ بَقَاءَ اللَّيْلِ فَجَامَعَ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ جَامَعَ بَعْدَ الفَجْرِ، فَسَدَ صَوْمُهُ، وَعَلَيْهِ القَضَاءُ، وَلَكِنْ مِنْ غَيْرِ كَفَّارَةٍ، فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالِاسْتِمْنَاءِ وَهُوَ اسْتِخْرَاجُ الْمَنِيِّ بِنَحْوِ الْيَدِ.
الشَّرْحُ أَنَّ الِاسْتِمْنَاءَ وَهُوَ إِخْرَاجُ الْمَنِيِّ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ مُفَطِّرٌ سَوَاءٌ كَانَ بِيَدِ نَفْسِهِ أَوْ بِيَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ بِسَبَبِ الْقُبْلَةِ أَوِ الْمُضَاجَعَةِ (لَمَسَ جِسْمَهُ بِجِسْمِهَا مِنْ غَيْرِ جِمَاعٍ) بِلَا حَائِلٍ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ بِهِ (لِأَنَّهُ أَنْزَلَ عَنْ مُبَاشَرَةٍ، بَاشَرَهَا بِغَيْرِ حَائِلٍ، إِذَا كَانَ) مَعَ الْعِلْمِ وَالتَّعَمُّدِ وَالِاخْتِيَارِ. (أَمَّا لَوْ حَصَلَ أَنْ ضَاجَعَهَا مَعَ الحَائِلِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَنْزَلَ، فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ، لِأَنَّهُ مَعَ الحَائِلِ، إِلَّا إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِقَصْدِ الإِنْزَالِ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَالِاسْتِقَاءَةِ.
الشَّرْحُ أَنَّ الِاسْتِقَاءَةَ مُفَطِّرَةٌ، (وَلَوْ لَمْ يَبْلَعْ شَيْئًا مِنَ القَيْءِ) فَمَنْ قَاءَ بِطَلَبٍ مِنْهُ بِنَحْوِ إِدْخَالِ إِصْبَعِهِ أَوْ إِدْخَالِ نَحْوِ رِيشَةٍ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ مَعَ الْعِلْمِ بِالتَّحْريِمِ وَذِكْرِ الصَّوْمِ وَعَدَمِ الإِكْرَاهِ سَوَاءٌ عَادَ مِنَ الْقَىْءِ إِلَى الْجَوْفِ شَىْءٌ أَمْ لَا (أَمَّا إِذَا تَقَيَّأَ شَخْصٌ رَغْمًا عَنْهُ، فَلَا يُفْطِرُ إِلَّا إِذَا بَلَعَ شَيْئًا مِنَ القَيْءِ عَمْدًا، أَوْ بَلَعَ الرِّيقَ الْمُتَغَيِّرَ. إِذَا تَقَيَّأَ غَيْرَ مُتَعَمِّدٍ، يَتَمَضْمَضُ، وَيُحَرِّكُ الْمَاءَ فِي فَمِهِ، وَيَمُجُّهُ إِلَى الخَارِجِ، وَيُتَابِعُ صَوْمَهُ. فَإِذًا، الِاسْتِقَاءَةُ مُفَطِّرَةٌ بِالشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا) بِخِلَافِ قَلْعِ النُّخَامَةِ مِنَ الدِّمَاغِ أَوْ مِنَ الْبَاطِنِ (مَعْنَاهُ مِنَ الدَّاخِلِ سَحَبَهَا، ثُمَّ لَفَظَهَا، وَلَمْ يَبْلَعْهَا) فَإِنَّهُ لَا يُفَطِّرُ وَفِي ذَلِكَ فُسْحَةٌ (أَيْ تَسْهِيلٌ) لِلنَّاسِ. (أَمَّا إِنْ بَلَعَهَا بَعْدَمَا أَتَى بِهَا إِلَى ظَاهِرِ الفَمِ وَهُوَ مِنَ الشَّفَتَيْنِ إِلَى مَخْرَجِ الحَاءِ، أَفْطَرَ)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَنِ الرِّدَّةِ. (الرِّدَّةُ تُبْطِلُ الصِّيَامَ، لِأَنَّ الصَّوْمَ عِبَادَةٌ، وَالعِبَادَةُ لَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ. أَمَّا الوُضُوءُ، فَقَدْ حَصَلَ مِنَ الشَّخْصِ فِي حَالِ إِسْلَامِهِ، فَارْتَفَعَ الحَدَثُ، ثُمَّ ارْتَدَّ فِي حَالِ ارْتِفَاعِ الحَدَثِ، وَالرِّدَّةُ لَيْسَتْ حَدَثًا، فَالحَدَثُ مَا زَالَ مُرْتَفِعًا، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ، فَالحَدَثُ مَا زَالَ مُرْتَفِعًا، لِذَلِكَ لَا تُبْطِلُ الرِّدَّةُ الوُضُوءَ، مَعَ أَنَّهَا تُبْطِلُ الصِّيَامَ)
الشَّرْحُ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الصِّيَامِ الإِمْسَاكَ أَيْ كَفَّ النَّفْسِ عَنِ الرِّدَّةِ أَيْ عَنْ قَطْعِ الإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا جَمِيعَ النَّهَارِ فَمَنِ ارْتَدَّ وَلَوْ لَحْظَةً مِنَ النَّهَارِ بَطَلَ صَوْمُهُ كَالصَّلَاةِ سَوَاءٌ كَانَ كُفْرُهُ بِالْقَوْلِ أَوِ الْفِعْلِ أَوِ الِاعْتِقَادِ (وَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ فَوْرًا إِلَى الإِسْلَامِ، وَأَنْ يُمْسِكَ هَذَا اليَوْمَ إِلَى الغُرُوبِ، ثُمَّ يَقْضِيَهُ فَوْرًا، أَيْ فِي اليَوْمِ الثَّانِي مِنْ شَوَّالٍ) وَيَلْزَمُهُ الرُّجُوعُ فَوْرًا إِلَى الإِسْلَامِ وَالإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفَطِّرَاتِ بَاقِيَ النَّهَارِ وَقَضَاءُ هَذَا الْيَوْمِ فَوْرًا (أَيْ بَعْدَ العِيدِ).
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَعَنْ دُخُولِ عَيْنٍ جَوْفًا إِلَّا رِيقَهُ الْخَالِصَ (أَيْ غَيْرُ الْمَخْلُوطِ بِشَيْءٍ آخَرَ) الطَّاهِرَ (أَيْ غَيْرُ الْمُتَنَجِّسِ) مِنْ مَعْدِنِهِ.
الشَّرْحُ يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَكُفَّ عَنْ إِدْخَالِ عَيْنٍ (أَيْ مَا لَهُ جِرْمٌ) إِلَى جَوْفِهِ (أَيْ إِلَى الدِّمَاغِ أَوِ الْمَعِدَةِ) مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ (وَالْمَنَافِذُ الْمَفْتُوحَةُ هِيَ الأَنْفُ، وَالفَمُ، وَالقُبُلُ، وَالدُّبُرُ، وَكَذَلِكَ الأُذُنُ عَلَى قَوْلٍ. أَمَّا العَيْنُ، فَلَيْسَتْ مَنْفَذًا مَفْتُوحًا، فَلَوْ قَطَّرَ فِي عَيْنِهِ فَأَحَسَّ بِالطَّعْمِ فِي الحَلْقِ، فَلَا يُفْطِرُ. وَأَمَّا الأُذُنُ، فَفِي كَوْنِهَا مَنْفَذًا مَفْتُوحًا خِلَافٌ. وَلَا يُفْطِرُ بِالإِبْرَةِ فِي الجَسَدِ، وَلَا فِي الشِّرْيَانِ، وَلَا فِي العَضَلِ. فَإذًا يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَكُفَّ عَنْ إِدْخَالِ عَيْنٍ إِلَى جَوْفِهِ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ) وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ قَلِيلَةً كَحَبَّةِ سِمْسِمٍ وَلَوْ كَانَتْ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ كَحَصَاةٍ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْجَوْفُ الَّذِي يُحِيلُ الْغِذَاءَ (أي الْمَعِدَةُ) وَغَيْرُهُ (أَيْ وَإِنْ لَمْ يَصِلْ إِلَى الْمَعِدَةِ، فَإِذَا جَاوَزَ مَخْرَجَ الحَاءِ، فَسَدَ صَوْمُهُ) فَمَنْ تَنَاوَلَ عَيْنًا فَدَخَلَتْ إِلَى جَوْفِهِ مِنْ مَنْفَذٍ مَفْتُوحٍ عَالِمًا بِأَنَّ ذَلِكَ حَرَامٌ مُتَعَمِّدًا لَا نَاسِيًا وَمُخْتَارًا لَا مُكْرَهًا بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ أَفْطَرَ. وَحَدُّ الظَّاهِرِ عَلَى الرَّاجِحِ مَخْرَجُ الْحَاءِ (يَعْنِي مِنَ الشَّفَتَيْنِ إِلَى مَخْرَجِ الحَاءِ، هَذَا يُقَالُ لَهُ “ظَاهِرٌ”. أَمَّا مَخْرَجُ الخَاءِ فَهُوَ فَوْقَ الجَوْفِ، وَتَحْتَهُ مَخْرَجُ الحَاءِ، وَتَحْتَهُ مَخْرَجُ العَيْنِ. فَائِدَةٌ: لَوْ ذَاقَ الطَّعَامَ ثُمَّ بَصَقَهُ، لم يُفْطِرْ، لِأَنَّهُ مَا دَخَلَ إِلَى الجَوْفِ) فَمَا جَاوَزَ مِنَ الْفَمِ إِلَى مَا بَعْدَ مَخْرَجِ الْحَاءِ (أَيْ نُزُولًا) مُفَطِّرٌ (أَيْضًا، إِذَا خَرَجَ البَلْغَمُ صُعُودًا فَجَاوَزَ مَخْرَجَ الحَاءِ، يَكُونُ قَدْ خَرَجَ مِنَ الجَوْفِ وَصَارَ فِي الفَمِ، فَإِذَا بَلِعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَامِدًا، يَكُونُ قَدْ أَفْطَرَ. وَالفَمُ يُعَدُّ مِنَ الشَّفَتَيْنِ إِلَى مَخْرَجِ الحَاءِ. تَنْبِيهٌ: لَوْ أَدْخَلَتِ الْمَرْأَةُ إِصْبَعَهَا فِي فَرْجِهَا إِلَى مَا وَرَاءَ مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِهَا عِنْدَ قُعُودِهَا عَلَى قَدَمَيْهَا لِقَضَاءِ حَاجَتِهَا، أَفْطَرَتْ. وَالحُقْنَةُ فِي القُبُلِ أَوِ الدُّبُرِ تُفَطِّرُ أَيْضًا. وَمَنْ أَدْخَلَ إِصْبَعَهُ فِي دُبُرِهِ، وَلَوْ مِقْدَارًا قَلِيلًا، وَرَاءَ مَا يُفْرَكُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ، أَفْطَرَ. وَمَنْ كَانَ يَمْشِي فِي الْمَطَرِ، فَدَخَلَ إِلَى جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ الْمَاءِ وَبَلِعَهُ مَعَ القُدْرَةِ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُفْطِرُ) وَكَذَلِكَ مَا جَاوَزَ الْخَيْشُومَ وَالْخَيْشُومُ مُنْتَهَى الأَنْفِ (إِذَا اسْتَنْشَقَ الْمُخَاطَ مِنْ أَنْفِهِ بِفِعْلِهِ هُوَ إِلَى الجَوْفِ، أَفْطَرَ). وَلَا يُفَطِّرُ مَا لَمْ يُجَاوِزِ الْخَيْشُومَ. (لِأَنَّهُ مَا زَالَ فِي الظَّاهِرِ، وَمَا وَصَلَ إِلَى البَاطِنِ. الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ مَنْ بَالَغَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ فِي الوُضُوءِ، فَسَبَقَهُ الْمَاءُ إِلَى جَوْفِهِ، أَفْطَرَ، لِأَنَّ الصَّائِمَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَالِغَ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الغُسْلِ)
وَلَا يَضُرُّ دُخُولُ مَا سِوَى الْعَيْنِ (أَيْ مَا لَيْسَ لَهُ حَجْمٌ) كَرَائِحَةِ الْبَخُورِ وَلَوْ تَعَمَّدَهُ إِلَّا أَنَّ شُرْبَ السِيكَارَةِ وَابْتِلاعَ مَا يَنْحَلُّ مِنَ التُّنْبَاكِ يُفَطِّرُ لِأَنَّ السِّيكَارَةَ يَنْفَصِلُ مِنْهَا أَجْزَاءٌ لَطِيفَةٌ تَدْخُلُ الْجَوْفَ. وَالدَّوَاءُ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ مَنْ أُصِيبَ بِالرَّبْوِ مُفَطِّرٌ لِأَنَّهُ وَإِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ يَنْفَصِلُ مِنْهُ عَيْنٌ تَصِلُ إِلَى الْجَوْفِ مَعَ سُهُولَةِ الِاحْتِرَازِ عَنْ ذَلِكَ. وَلَا يَضُرُّ أَيْضًا مَا تَتَشَرَّبُهُ الْمَسَامُّ مِنَ الدُّهْنِ وَالْكُحْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَيُعْفَى عَنِ الرِّيقِ الْخَالِصِ الطَّاهِرِ مِنْ مَعْدِنِهِ (أَيْ مِنْ دَاخِلِ الفَمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطَرْأَ عَلَيْهِ شَىْءُ مِنَ الخَارِج) أَيْ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنِ الْفَمِ بِأَنْ يَنْفَصِلَ عَنِ اللِّسَانِ وَلَوْ إِلَى ظَاهِرِ الشَّفَةِ. (إِذَا انْفَصَل الرِّيقُ عَنْ اللِّسَان ثُمَّ بَلَعَهُ أَفْطَرَ أَمَّا إِذَا بَقِيَ عَلَى الِلسَانِ مِنْ غَيْر أَنْ يَنْفَصِل عَنْهُ ثُمَّ رَدَّهُ إِلَى الدَّاخِل هَذَا لَا يَضُرُهُ)
مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ: مَنْ ابْتَلَعَ رِيقَهُ مِنْ سِوَاكٍ بَعْدَ أَنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ الرِّيقُ وَأَخْرَجَهُ عَنِ الفَمِّ، ثُمَّ رَدَّهُ إِلَيْهِ، أَفْطَرَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ جَاهِلًا بِحُرْمَةِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى عَلَى العَوَامِّ، أَيِ الجُهَّالِ. وَأَمَّا إِذَا اسْتَعْمَلَ السِّوَاكَ مَعَ مُجَرَّدِ وُجُودِ بَلَلٍ عَلَيْهِ، أَوْ أَدْخَلَ خَيْطًا عَلَيْهِ مُجَرَّدَ بَلَلٍ إِلَى الفَمِّ، ثُمَّ بَلَعَ الرِّيقَ الصَّافِيَ مِنْ مَعْدِنِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلا يُفْطِرُ.
وَأَمَّا الرِّيقُ الْمُخْتَلِطُ بِغَيْرِهِ مِنَ الطَّاهِرَاتِ فَإِنَّهُ يُفَطِّرُ إِذَا وَصَلَ إِلَى الْجَوْفِ وَكَذَلِكَ الرِّيقُ النَّجِسُ. (إِذَا خَرَجَ الدَّمُ فَاخْتَلَطَ مَعَ الرِّيقِ، صَارَ الرِّيقُ نَجِسًا، فَبَلْعُهُ مُفَطِّرٌ. بَعْضُ النَّاسِ إِذَا اسْتَيْقَظُوا بَعْدَ النَّوْمِ الطَّوِيلِ يُحِسُّونَ بِتَغَيُّرِ الرِّيقِ لِأَنَّ الرِّيقَ أَحْيَانًا يَتَكَيَّفُ بِكَيْفِيَّةٍ بِسَبَبِ النَّوْمِ. فَهَذَا لَا يُؤَثِّرُ. الَّذِي يُؤَثِّرُ هُوَ التَّغَيُّرُ بِشَيْءٍ طَارِئٍ كَالدَّمِ وَالقَيْحِ أَوْ طَعْمِ البُنِّ مَثَلًا. فَمَنِ اسْتَيْقَظَ مِنَ النَّوْمِ فَابْتَلَعَ رِيقَهُ الْمُتَغَيِّرِ بِالدَّمِ مَثَلًا، لَكِنْ هُوَ عِنْدَ ابْتِلَاعِهِ مَا كَانَ يَعْرِفُ أَنَّ رِيقَهُ مُتَغَيِّرٌ بِالدَّمِ، هَذَا يُمْسِكُ وَيَقْضِي مِنْ غَيْرِ مَعْصِيَةٍ)
تَنْبِيهٌ: إِذَا تَقَيَّأَ الصَّائِمُ، لَا بُدَّ أَنْ يُطَهِّرَ فَمَهُ قَبْلَ أَنْ يَبْلَعَ رِيقَهُ، لِأَنَّ هَذَا الرِّيقَ تَنَجَّسَ بِالقَيْءِ الَّذِي خَرَجَ. فَإِنْ لَمْ يُطَهِّرْ فَمَهُ وَبَلَعَ رِيقَهُ الْمُتَنَجِّسَ، أَفْطَرَ.
وَأَمَّا مَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ وَهُوَ نَاسٍ وَلَوْ فِي صِيَامِ النَّفْلِ فَلَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ.
مَسْئَلَةٌ: لَوْ تَذَوَّقَ الشَّخْصُ طَعَامًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يُدْخِلَهُ إِلَى جَوْفِهِ لِيَعْرِفَ طَعْمَ الطَّعَامِ ثُمَّ لَفَظَهُ أَيْ بَصَقَهُ، يَجُوزُ.
مَسْئَلَةٌ: لَوْ طَلَعَ الْفَجْرُ وَفِي فَمِهِ الطَّعَامُ، لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْلَعَهُ، إنما يُخْرِجُهُ، فَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ مَا أَبْقَاهُ فِي فَمِهِ إِنَّمَا طَرَحَهُ، لَكِنْ مَعَ ذَلِكَ سَبَقَ شَيْءٌ فَبَلَعَهُ بِغَيْرِ إِرَادَتِهِ، لَا يَضُرُّهُ.
مَسْأَلَةٌ: مَنْ سَبَقَهُ الْمَاءُ إِلَى جَوْفِهِ، أَيْ إِلَى مَا تَحْتَ مَخْرَجِ الحَاءِ بِغَيْرِ إِرَادَتِهِ فِي الوُضُوءِ عِندَ الْمَضْمَضَةِ أَوِ الاِسْتِنْشَاقِ، فَإِنْ كَانَ بَالَغَ بِذَٰلِكَ، أَفْطَرَ، لِأَنَّ الصَّائِمَ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُبَالِغَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ. وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ مُبَالَغَتُهُ لِسَبَبٍ شَرْعِيٍّ كَتَطْهِيرِ فَمِهِ مِنْ نَجِسٍ فَانْبَلَعَ الْمَاءُ بِغَيْرِ تَعَمُّدٍ، فَإِنَّهُ لَا يُفْطِرُ.
مَسْأَلَةٌ: مَنْ أَكَلَ لِظَنِّهِ أَنْ الْفَجْرَ لَمْ يَدْخُلْ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ دَخَلَ، يُمْسِكُ وَيَقْضِي، يَعْنِي فَسَدَ صَوْمُهُ وَلَزِمَهُ القَضَاءُ وَعَلَيْهِ الإِمْسَاكُ عَنِ الْمُفَطِّرَاتِ بَاقِي النَّهَارِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَكَلَ قَبِيلَ مَغِيبِ قُرْصِ الشَّمْسِ مُعْتَقِدًا أَنَّهُ قَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ خِلَافُ ذَٰلِكَ، فَسَدَ صَوْمُهُ وَلَزِمَهُ قَضَاءُ هَذَا اليَوْمِ.
مَسْأَلَةٌ: مَنْ رَأَى غَيْرَهُ فِي رَمَضَانَ يَأْكُلُ نَاسِيًا فِي النَّهَارِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَهُ بِالصِّيَامِ وَجُوبًا. يَجِبُ عَلَيْهِ ذَٰلِكَ.
الشَّرْحُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الصَّوْمِ أَنْ لَا يَطْرَأَ عَلَى الصَّائِمِ جُنُونٌ فِي جُزْءٍ مِنَ النَّهَارِ فَمَنْ جُنَّ فِي بَعْضِ النَّهَارِ وَلَوْ لَحْظَةً فَإِنَّهُ يُفْطِرُ وَلَوْ كَانَ سَبَبُ جُنُونِهِ أَنَّهُ شَرِبَ قَبْلَ الْفَجْرِ شَيْئًا مُجَنِّنًا. (إِذَا شَرِبَ شَرَابًا يَعْرِفُ أَنَّهُ يُجَنِّنٌّ أَىْ يَعْرِفُ أَنَّهُ يُذْهِبُ العَقْلَ فَشَرِبَهُ عَمْدًا، عَلَيْهِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْدَ ذَٰلِكَ، وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ القَضَاءُ)
وَمِنْ شُرُوطِهِ أَيْضًا أَنْ لَا يَحْصُلَ لَهُ إِغْمَاءٌ يَسْتَغْرِقُ كُلَّ النَّهَارِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَغْرِقْ كُلَّ النَّهَارِ فَلَا يَضُرُّ. (فَهُنَا يَصِحُّ صَوْمُهُ وَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءٌ. أَمَّا مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ كُلَّ النَّهَارِ فَفِي وَجُوبِ القَضَاءِ عَلَيْهِ قَوْلَانِ، عَلَى قَوْلٍ نَعَمْ، وَعَلَى قَوْلٍ لَا. أَمَّا إِنْ أَفَاقَ مِنَ الإِغْمَاءِ وَلَوْ لَحْظَةً فِي خِلَالِ النَّهَارِ، صَحَّ صَوْمُهُ. وَلَوْ نَامَ كُلَّ النَّهَارِ فَصِيَامُهُ صَحِيحٌ أَيْضًا)
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلا يَصِحُّ صَوْمُ الْعِيدَيْنِ وَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَكَذَا النِّصْفِ الأَخِيرِ مِنْ شَعْبَانَ وَ يَوْمِ الشَّكِّ إِلَّا أَنْ يَصِلَهُ بِمَا قَبْلَهُ أَوْ لِقَضَاءِ أَوْ نَذْرٍ أَوْ وِرْدٍ كَمَنِ اعْتَادَ صَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ.
الشَّرْحُ لَا يَصِحُّ وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ الْعِيدَيْنِ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى (أَيْ أَوَّلِ يَوْمٍ مِنْ شَوَّالٍ وَالعَاشِرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ، وَلَا يَقَعُ لَا عَنْ قَضَاءٍ وَلَا عَنْ نَفِلٍ) وَلَا صَوْمُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ (الَّتِي تَلِي عِيدَ الأَضْحَى؛ كَانُوا يُعَرِّضُونَ اللُّحُومَ الَّتِي تُذْبَحُ فِي تِلْكَ الأيَّامِ فِي جِهَةِ الشَّرْقِ حَتَّى تَجُفَّ وَتُقَدَّدَ فَيُحْفَظَ اللَّحْمُ وَيُسْتَعْمَلُ بَعْدَ مُدَّةٍ، فَلِذَٰلِكَ كَانَتْ تُسَمَّى التَّشْرِيقَ) وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الصَّوْمُ لِفِدْيَةِ التَّمَتُّعِ (مَعْنَاهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِدْيَةُ صِيَامٍ لِأَجْلِ التَّمَتُّعِ، لَا يَصُومُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَإِنْ صَامَ لَا يَصِحُّ. الحَجُّ وَالعُمْرَةُ يُؤَدَّيَانِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ، الأوَّلُ “الإِفْرَادُ”، وَهُوَ تَقْدِيمُ أَعْمَالِ الحَجِّ عَلَى أَعْمَالِ العُمْرَةِ. وَالثَّانِي “التَّمَتُّعُ”، وَهُوَ تَقْدِيمُ أَعْمَالِ العُمْرَةِ عَلَى أَعْمَالِ الحَجِّ. وَالثَّالِثُ “القِرَانُ” بِأَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مَعًا فِي أَشْهُرِ الحَجِّ. وَكُلُّ مِنْهَا جَائِزَةٌ، وَلَكِنَّ عَلَى كُلٍّ مِنَ الْمُتَمَتِّعِ وَالقَارِنِ دَمٌ. فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الذَّبْحِ، صَامَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ، ثَلاثَةً فِي الحَجِّ، تُسْتَحَبُّ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَسَبْعَةً إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ فِي الأَظْهَرِ. الحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ صَوْمُ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ الثَّلَاثَةِ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الصَّوْمُ لِفِدْيَةِ التَّمَتُّعِ)
وَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ وَلَوْ بِنِيَّةِ الِاحْتِيَاطِ (لَيْسَ لِلشَّخْصِ أَنْ يَقُولَ “أَحْتَاطُ فَأَصُومُ غَدًا”) وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ (لَا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَغَيْرُهُمْ. (مَعْنَاهُ دُخُولُ الشَّهْرِ مَبْنِيٌّ عَلَى رُؤْيَةِ الهِلَالِ، وَكَذَلِكَ التَّوَقُّفُ عَنْ الصِّيَامِ مَبْنِيٌّ عَلَى رُؤْيَةِ الهِلَالِ) وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَمَّارِ ابْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ اهـ يَعْنِي (عَصَى) رَسُولَ اللَّهِ ﷺ. وَيَوْمُ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ الَّذِي يَتَحَدَّثُ النَّاسُ الَّذِينَ لَا يَثْبُتُ الصِّيَامُ بِشَهَادَتِهِمْ كَالصِّبْيَانِ وَنَحْوِهِمْ كَالْفَسَقَةِ وَالْعَبِيدِ وَالنِّسَاءِ (وَلَوْ كَانُوا جَمْعًا) أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ فِي لَيْلَتِهِ (مَعْنَاهُ لَمْ يَثْبُتْ دُخُولُ الشَّهْرِ بِقَوْلِ عَدْلٍ) فَيَوْمُ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ ثَلَاثِيْ شَعْبَانَ هَذَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَامَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ (إِلَّا لِلفَاسِقِ الَّذِي رَأَى الهِلَالَ مَثَلًا، أَوْ مَنْ صَدَّقَهُ، لِأَنَّ هَؤُلاَءِ لَا يَصُومُونَهُ عَلَى أَنَّهُ يَوْمُ الشَّكِّ، بَلْ يَصُومُونَهُ عَلَى أَنَّهُ الْيَوْمُ الأوَّلُ مِنْ رَمَضَانَ). وَإِنَّمَا يَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ وَصَوْمُ مَا بَعْدَ نِصْفِ شَعْبَانَ لِمَنْ لَمْ يُوَافِقْ عَادَةً لَهُ (أَمَّا مَنْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ فِي تَطَوُّعِهِ كَمَنْ عَادَتُهُ صِيَامُ يَوْمٍ وَإِفْطَارُ يَوْمٍ، فَلَا يَحْرُمُ، أَوْ كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي كُلِّ آخِرِ شَهْرٍ فَصَامَ، لَا يَضُرُّ. لَكِنَّ الْمَمْنُوعُ أَنْ يَصُومَهُ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ رُؤِيَ الهِلَالُ. وَكَذَلِكَ لَوِ اعْتَادَ أَنْ يَصُومَ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ، فَجَاءَ النِّصْفُ الأَخِيرُ مِنْ شَعْبَانَ فَأَكْمَلَ، ثُمَّ صَادَفَ أَحَدُ هَذَيْنِ اليَوْمَيْنِ يَوْمَ الشَّكِّ فَصَامَ، لَيْسَ عَلَى نِيَّةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ، إِنَّمَا عَلَى نِيَّةِ صَوْمِ مَا اعْتَادَهُ، فَهَذَا يَجُوزُ) وَلَا يَحْرُمُ لِمَنْ وَصَلَ مَا بَعْدَ النِّصْفِ (إِلَى آخِرِ الشَّهْرِ) بِالنِّصْفِ. (وَهَذَا فِي صِيَامِ النَّفْلِ، أَمَّا إِذَا كَانَ عِنْدَهُ قَضَاءٌ فَيَصُومُ. وَشَرْحُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ إِذَا صَامَ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ شَعْبَانَ ثُمَّ أَكْمَلَ فَصَامَ النِّصْفَ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانَ، يَجُوزُ ذَلِكَ. أَوْ إِذَا صَامَ فِيهِ لِأَجْلِ قَضَاءٍ، يَجُوزُ ذَلِكَ وَلَوْ لَمْ يَصِلْهُ بِمَا قَبْلَهُ. أَوْ صَامَ عَنْ نَذْرٍ، كَأَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ كُلَّ اثْنَيْنِ، فَيَجُوزُ لَهُ إِذَا كَانَ فِي النِّصْفِ الثَّانِي. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ لَهُ وَرْدٌ أَنْ يَصُومَ كُلَّ اثْنَيْنِ وَخَمِيسٍ مَثَلًا فَدَخَلَ النِّصْفُ الثَّانِي مِنْ شَعْبَانِ، يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ)
فَائِدَةٌ. يُكْرَهُ إِفْرَادُ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي النَّفْلِ بِلَا سَبَبٍ (إِلَّا إِنْ صَامَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ مَعَهُ فَلَا يُكْرَهُ. تَاسُوعَاءُ سَبَبٌ، عَاشُورَاءُ سَبَبٌ، يَوْمُ عَرَفَةِ سَبَبٌ، وَهَكَذَا. وَصَوْمُ يَوْمِ الجُمُعَةِ مِنْ بَابِ القَضَاءِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَلَا حُرْمَةَ فِيهِ) أَمَّا إِنْ صَادَفَ يَوْمَ الجُمُعَةِ يَوْمَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ أَوْ يَوْمًا آخَرَ رَغَّبَ النَّبِيُّ ﷺ بِصْومِهِ كَذَلِكَ لَا يُكْرَهُ إِفْرَادُهُ (كَمَا حَصَلَ عِنْدَمَا دَخَلَ الرَّسُولُ ﷺ الْمَدِينَةَ وَجَدَ أَنَّ اليَهُودَ يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْجَى فِيهِ مُوسَى مِنْ فِرْعَوْنَ وَمِنَ الغَرَقِ. فَمَاذَا قَالَ؟ نَحْنُ أَوْلَى مِنْكُمْ بِمُوسَى. وَوَرَدَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَئِنْ عِشْتُ إِلَى العَامِ القَابِلِ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ. فَلَوْ صَادَفَ هَذَا اليَوْمُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَأَفْرَدَهُ لِوَحْدِهِ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ صَامَ اليَوْمَ الَّذِي رَغَّبَ الرَّسُولُ ﷺ فِي صِيَامِهِ، لَكِنِ الأَحْسَنُ أَنْ يَصُومَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، أَيْ يَوْمَ الجُمُعَةِ. أَمَّا القَضَاءُ فَلَا يُكْرَهُ إِفْرَادُ صِيَامِ الجُمُعَةِ بِهِ)
تَنْبِيهٌ. مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ الصِّيَامُ حُصُولُ مَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ عَلَامَةٌ عَلَى ثُبُوتِ رَمَضَانَ كَأَنْ جَرَتْ عَادَتُهُمُ الْمُطَّرِدَةُ (أَيِ الَّتِي تَتَكَّرَرُ) بِضَرْبِ الْمِدْفَعِ بَعْدَ ثُبُوتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ (إِمَّا بِإِخْبَارِ عَدْلٍ أَوْ بِرُؤْيَةِ الهِلَالِ أَوْ بِإِكْمَالِ شَعْبَانِ ثَلَاثِينَ) فَإِنَّ هَذَا يَثْبُتُ بِهِ الصِّيَامُ. (هَذِهِ العَلَامَةُ تَنْزِلُ مَنْزِلَةَ سَمَاعِهِمْ لِقَوْلِ القَاضِي إِنَّهُ حَكَمَ بِدُخُولِ شَهْرِ رَمَضَانَ، فَيَنْتَشِرُ الخَبَرُ بِذَلِكَ بَيْنَ النَّاسِ)
تَنْبِيهٌ ثَانٍ. مَنْ أَخْبَرَهُ عَبْدٌ أَوِ امْرَأَةٌ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ صَامَ (وُجُوبًا) إِنْ وَثِقَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَكَذَا لَوْ أَخْبَرَهُ صَبِيٌّ أَوْ فَاسِقٌ فَصَدَّقَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ بِالْبَالِغِ الْعَدْلِ الْحُرِّ بِقَوْلِهِ (أَشْهَدُ أَنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ هِلَالَ رَمَضَانَ)، وَالْعَدْلُ مَنْ يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ وَيَجْتَنِبُ الْمُحَرَّمَاتِ الْكَبَائِرَ وَلَا يُكْثِرُ مِنَ الصَّغَائِرِ حَتَّى تَغْلِبَ حَسَنَاتِهِ وَيُحَافِظُ عَلَى مُرُوءَةِ أَمْثَالِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَإِذَا شَهِدَ الْعَدْلُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ عِنْدَ الْقَاضِي فَأَثْبَتَ الْقَاضِي هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَجَبَ الصِّيَامُ عَلَى أَهْلِ بَلَدِ الإِثْبَاتِ وَسَائِرِ أَهْلِ الْبِلَادِ الْقَرِيبَةِ مِنْ بَلَدِ الرُّؤْيَةِ بِاتِّحَادِ الْمَطَالِعِ (أَيِ اتَّحَدَ مَطْلَعُ الشَّمْسِ فِي البَلَدَيْنِ) لَا مَنْ خَالَفَ مَطْلَعُهُمْ مَطْلَعَهَا بِأَنْ لَمْ يَتَّحِدِ الْبَلَدَانِ فِي الشُّرُوقِ وَالْغُرُوبِ كَدِمَشْقَ وَبَغْدَادَ فَلَا يَعُمُّهَا الْحُكْمُ بَلْ لَا يَجُوزُ لِأَهْلِهَا أَنْ يَصُومُوا (اعْتِمَادًا عَلَى تِلْكَ البَلْدَةِ الَّتِي رَآى أَهْلُهَا الهِلَالَ. وَاسْتَدَلَّ الشَّافِعِيَّةُ مِمَّا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّ أُمَّ الفَضْلِ بِنْتَ الحَارِثِ بَعَثَتْهُ إِلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ، قَالَ فَقَدِمْتُ الشَّامَ فَقَضَيْتُ حَاجَتَها وَاسْتُهِلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْتُ الهِلَالَ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ، ثُمَّ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّـهِ بْنُ عَبَّاسٍ، ثُمَّ ذَكَرَ الهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُ الهِلَالَ؟ فَقُلتُ رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الجُمُعَةِ. قَالَ أَنْتَ رَأَيْتَهُ؟ فَقُلتُ نَعَمْ، وَرَءَاهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ. قَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلاثِينَ أَوْ نَرَاهُ. فَقُلتُ أَوَلَا تَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ؟ قَالَ لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ اهـ. هَذَا مَعَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ كَانَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ الخَلِيفَةَ، يَعْنِي لَيْسَ فَقَطْ رَءَاهُ بَلْ وَالخَلِيفَةُ صَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ هُنَاكَ. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ “لَا، هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ” فَهَذَا الحَدِيثُ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيَّةِ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ. وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِالبَلَدِ الدَّوْلَةَ بِالْمفهُومِ الحَالِيِّ، إِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِالبَلَدِ الأَمَاكِنُ الَّتِي تَتَّحِدُ فِي الْمَطْلَعِ، أَيِ مَطْلَعِ الشَّمْسِ وَالْمَغْرِبِ، أَيْ مَغْرِبِ الشَّمْسِ. مَثَلًا دِمَشْقُ وَالْمَدِينَةُ لَيْسَ لَهُمَا نَفْسُ الْمَغْرِبِ، إِنَّمَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ فِي دِمَشْقَ قَبْلَ غُرُوبِهَا فِي الْمَدِينَةِ، وَتَغْرُبُ فِي القَاهِرَةِ بَعْدَ غُرُوبِهَا فِي دِمَشْقَ، وَتَغْرُبُ فِي لِيبِيَا بَعْدَ غُرُوبِهَا فِي القَاهِرَةِ، وَتَغْرُبُ فِي الْمَغْرِبِ وَمُورِيتَانِيَا بَعْدَ غُرُوبِهَا فِي لِيبِيَا، وَتَغْرُبُ فِي كَنَدَا بَعْدَ غُرُوبِهَا فِي أُورُوبَا، وَهَكَذَا)
أَمَّا عِنْدَ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَيَجِبُ الصِّيَامُ عَلَى أَهْلِ كُلِّ بَلَدٍ عَلِمُوا ثُبُوتَ الصِّيَامِ فِي بَلَدٍ مَا مَهْمَا بَعُدَتْ تِلْكَ الْبِلَادُ عَنِ الْبَلَدِ الَّذِي ثَبَتَتْ فِيهِ الرُّؤْيَةُ فَلَا يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ الْقُرْبُ بِتَوَافُقِ الْبَلَدَيْنِ فِي الشُّرُوقِ وَالْغُرُوبِ فَيَجِبُ عِنْدَهُ الصِّيَامُ عَلَى أَهْلِ الْمَغْرِبِ الأَقْصَى إِذَا عَلِمُوا بِثُبُوتِ الصِّيَامِ فِي الْمَشْرِقِ وَكَذَلِكَ الْعَكْسُ.
(أَمَّا إِذَا قَالَ الفَلَكِيُّونَ “غَدًا أَوَّلُ رَمَضَانَ” فَلَا يَجُوزُ الاعْتِمَادُ عَلَى كَلَامِهِمْ، إِنَّمَا يُعْتَمَدُ عَلَى رُؤْيَةِ الهِلَالِ. فَإِنْ لَمْ يُرَ هِلَالُ رَمَضَانِ، يُنْظَرُ مَتَى كَمَلَ شَهْرُ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، اعْتِمَادًا عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ شَهْرِ شَعْبَانَ، يَصُومُونَ إِذَا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ رَمَضَانِ لِغَيْمٍ وَنَحْوِهِ. أَمَّا الِاعْتِمَادُ عَلَى كَلَامِ هَؤُلَاءِ الفَلَكِيِّينَ، فَلَا يَجُوزُ. بَعْضُ النَّاسِ يَقُولُونَ إِنِ اعْتَمَدْنَا عَلَى رُؤْيَةِ الهِلَالِ فِي الصِّيَامِ يَصِيرُ اخْتِلَافٌ أَمَّا الفَلَكُ فَلَيْسَ فِيهِ اخْتِلَافٌ، وَهَذَا كَذِبٌ لِأَنَّ الفَلَكِيِّينَ يَخْتَلِفُونَ. فَلَكِيٌّ يَقُولُ “رَمَضَانُ غَدًا”، وَفَلَكِيٌّ يَقُولُ “بَعْدَ غَدٍ”، وَفَلَكِيٌّ يَقُولُ “هَذَا اليَوْمُ الفَائِتُ” أَيْ الَّذِي فَاتَ وَهَكَذَا)
تَنْبِيهٌ: الْحَجُّ وَالزَّكَاةُ تَتَعَلَّقُ أَحْكَامُهُمَا بِرُؤْيَةِ الهِلَالِ، وَصِيَامُ رَمَضَانِ كَذَلِكَ. لِذَلِكَ، كُلُّ شَهْرٍ تُرَاقَبُ الأَهِلَّةُ. فَرْضُ كِفَايَةٍ هَذَا. لَا بُدَّ أَنْ يُوجَدَ فِي المُسْلِمِينَ مَنْ يَتَرَاءَى هِلَالَ كُلِّ شَهْرٍ. لَا بُدَّ مِنْ مُرَاقَبَةِ الهِلَالِ لِمَعْرِفَةِ مَتَى العَاشِرِ مِنْ ذِي الحِجَّةِ لِأَجْلِ الحَجِّ، وَكَذَلِكَ لَا بُدَّ مِنْ مُرَاقَبَةِ الهِلَالِ لِمَعْرِفَةِ حَوْلَانِ الحَوْلِ لِأَجْلِ الزَّكَاةِ وَهَكَذَا.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلا رُخْصَةَ لَهُ فِي فِطْرِهِ بِجِمَاعٍ فَعَلَيْهِ الإِثْمُ وَالْقَضَاءُ فَوْرًا وكَفَّارَةُ ظِهَارٍ وَهِيَ عِتْقُ رَقَبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَيْ تَمْلِيكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدًّا مِنْ قَمْحٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ وَالْمُدُّ هُوَ مِلْءُ الْكَّفَيْنِ الْمُعْتَدِلَتَيْنِ.
الشَّرْحُ يَجِبُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ بِالْجِمَاعِ وَحْدَهُ صَوْمَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ (يَقِينًا، أَيْ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مَعَ كَوْنِهِ عَالِمًا بِالْحُكْمِ مُتَذَكِّرًا لِلصِّيَامِ، لَيْسَ نَاسِيًا وَلَيْسَ مُكْرَهًا) وَلَوْ حُكْمًا كَأَنْ (جَامَعَ قَبْلَ الفَجْرِ ثُمَّ اسْتَمَرَّ فِي جِمَاعِهِ حَتَّى) طَلَعَ الْفَجْرُ (فَإِذَا طَلَعَ الفَجْرُ) وَهُوَ مُجَامِعٌ فَاسْتَدَامَ (أَيْ لَمْ يَتْرُكِ الجِمَاعَ فَوْرَ ظُهُورِ الفَجْرِ) وَلَا رُخْصَةَ لَهُ فِي فِطْرِهِ الْقَضَاءُ (الفَوْرِيُّ، أَيْ فِي اليَوْمِ الثَّانِي مِنْ شَوَّالِ) مَعَ الإِثْمِ (أَيِ الْمَعْصِيَةِ الكَبِيرَةِ) وَالْكَفَّارَةُ الْفَوْرِيَّةُ (لِأَنَّ هَذَا فِي حُكْمِ مَنْ جَامَعَ ابْتِدَاءً بَعْدَ الفَجْرِ) وَهِيَ كَكَفَّارَةِ الظِّهَارِ فِي صِفَتِهَا، أَيْ عِتْقُ رَقَبَةٍ (مَؤْمِنَةٍ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا) فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ (فَإِذَا أَفْطَرَ يَوْمًا وَاحِدًا يُعِيدُ صِيَامَ الشَّهرَيْنِ، وَيَكُونُ صِيَامُ الشَّهْريْنِ إِذَا بَدَأَ مِنَ اليَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الهِجْرِي وَخَتَمَ بآخِرِ يَوْمٍ مِنَ الشَّهْرِ الهِجْرِي الثَّانِي، فهَكَذَا يَكُونُ حَصَلَ لَهُ شَهْرَانِ سَوَاءٌ كَانَ الشَّهْرُ تِسْعَةً وَعِشْرينَ يَوْمًا وَآخَرُ تِسْعَةً وَعِشْرينَ يَوْمًا أَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَآخَرُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرٌ تِسْعَةً وَعِشْرينَ يَوْمًا وَآخَرُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا.
أَمَّا إِنْ صَامَ أَيَّ يَوْمٍ غَيْرِ اليَوْمِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ القَمَرِيِّ فَلَا بُدَّ أَنْ يُكْمِلَ بَقِيَّةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ مِنَ الشَّهْرِ الثَالِثِ، فَيَنْظُرُ كَمْ يَوْمًا صَامَ مِنْ هَذَا الشَّهْرِ الَّذِي لَمْ يَبَدَأْهُ مِنْ أَوَّلِهِ وَكَمْ بَقِيَ لَهُ حَتَّى يُكْمِلَ الثَّلَاثِينَ يَوْمًا فَيَصُومُ مَاَ بَقِيَ لَهُ مِنَ الشِّهْرِ الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ الثَّالِثِ. أَمَّا الشَّهْرُ الثَّانِي فَيَصُومُهُ كَامِلًا سَوَاءٌ كَانَ تِسْعَةً وَعِشْرينَ أَوْ ثَلَاثِينَ لِأَنَّهُ ابْتَدَأَهُ مِنْ أَوَّلِهِ) فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ (أَنْ يَصُومَ شَهْرَيْنِ مَتَتَابِعَيْنِ لِعَجْزِهِ) فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا أَيْ تَمْلِيكُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُدًّا مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ. وَالْمُدُّ هُوَ مِلْءُ الْكَّفَيْنِ الْمُعْتَدِلَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ. (وَهُوَ مَا يَقُومُ بِهِ البَدَنُ وَحْدَهُ أَيْ يَعِيشُ بِهِ لَوْ لَمْ يَأْكُلْ مَعَهُ غَيْرُهُ كَالْقَمْحِ وَالْأَرُزِ والْحِمَّصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) وَتَتَكَرَّرُ هَذِهِ الْكَفَّارَةُ بِتَكَرُّرِ الأَيَّامِ (والكفَّارَةُ عَلَى الوَاطِئِ أي عَلَى الرَّجُلِ) وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْطُوءَةِ (مَعْنَاهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ عَلَيْهَا كَفَّارَةٌ) كَمَا تَقَدَّمَ. وَلَا كَفَّارَةَ عَلَى الْوَاطِئِ إِنْ كَانَ نَاسِيًا لِلصَّوْمِ أَوْ جَاهِلًا مَعْذُورًا كَأَنْ يَكُونَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِالإِسْلَامِ أَوْ نَشَأَ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَكَذَلِكَ إِنْ جَامَعَ مُكْرَهًا فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَفْسُدُ صَوْمُهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ كُلُّ ذَلِكَ. (بَعْضُ العُلَمَاءِ قَالُوا لَا يُتَصَوَّرُ إِكْرَاهُ الرَّجُلِ عَلَى الجِمَاعِ، وَبَعْضُهُمْ قَالُوا يُتَصَوَّرُ). وَمَنْ أَفْسَدَ صَوْمَ يَوْمٍ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ وَلَوْ كَانَ صَوْمًا وَاجِبًا بِنَذْرٍ أَوْ نَحْوِهِ (كَقَضَاءٍ) فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ. (الكَفَّارَةُ فَقَطْ فِي يَوْمِ رَمَضَانِ)
يُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ أَفْسَدَ صَوْمَهُ بِالتَّعَدِّي بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، (كَأَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ فِي نَهَارِ رَمَضَانِ عَامِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ، ثُمَّ جَامَعَ، فَيَكُونُ وَقَعَ بِذَلِكَ فِي مَعْصِيَةٍ كَبِيرَةٍ وَهِيَ الإِفْطَارُ بِغَيْرِ عُذْرٍ، وَفِي مَعْصِيَةٍ كَبِيرَةٍ ثَانِيَةٍ وَهِيَ الجِمَاعُ لِأَنَّهُ كَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ الإِمْسَاكُ. وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الحَالَةِ لَا يَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ لِأَنَّهُ مَا أَفْطَرَ بِالْجِمَاعِ، وَلَكِنْ يَلْزَمُهُ فِي الحَالَيْنِ قَضَاءٌ) وَ (يُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أيضًا) أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ وَلَا إِثْمَ عَلَى مَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ التَّرَخُّصِ بِسَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ بِأَنْ كَانَ مُسَافِرًا سَفَرًا يُبِيحُ الْفِطْرَ أَوْ مَرِيضًا يَجُوزُ لَهُ الإِفْطَارُ فَأَرَادَ أَنْ يَتَرَخَّصَ بِالإِفْطَارِ بِالْجِمَاعِ أَمَّا إِذَا جَامَعَ الْمَرِيضُ أَوِ الْمُسَافِرُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّرَخُّصِ (أَيْ جَامَعَ لَيْسَ لِأَجْلِ أَنَّ لَهُ رُخْصَةً بِالْفِطْرِ) فَعَلَيْهِمَا (أَيِ الْمُسَافِرُ وَالْمَرِيضُ) الإِثْمُ (وَفَسَدَ صَوْمُهُمَا) لَكِنْ بِلَا كَفَّارَةٍ.
بَيَانٌ. التَّرَخُّصُ مَعْنَاهُ الْعَمَلُ بِالرُّخْصَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ هُنَا أَنْ يَأْخُذَ الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ بِالرُّخْصَةِ الشَّرْعِيَّةِ لِيُفْطِرَا.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/0c1J1DZlPX8
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-23