السبت أكتوبر 19, 2024

(230) مَا مَعْنَى الْهِدَايَةِ.

        اعْلَمْ أَنَّ الْهِدَايَةَ لَهَا مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا بَيَانُ الْحَقِّ وَالدُّعَاءُ إِلَيْهِ أَىْ أَمْرُ النَّاسِ بِهِ وَنَصْبُ الأَدِلَّةِ عَلَيْهِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَصِحُّ إِضَافَةُ الْهِدَايَةِ إِلَى الرُّسُلِ أَىِ الأَنْبِيَاءِ وَإِلَى كُلِّ دَاعٍ لِلَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ ﷺ ﴿وَإِنَّكَ لَتَهْدِى إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أَىْ تُبَيِّنُ وَتَدُلُّ النَّاسَ عَلَى طَرِيقَ الْهُدَى وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّكَ تَخْلُقُ الِاهْتِدَاءَ فِى قُلُوبِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْقَصَصِ ﴿إِنَّكَ لا تَهْدِى مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِى مَنْ يَشَاءُ﴾ أَىْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ لا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَخْلُقَ الِاهْتِدَاءَ فِى قَلْبِ مَنْ أَحْبَبْتَ اهْتِدَاءَهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ الْهِدَايَةَ فِى قَلْبِ مَنْ شَاءَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ يُحِبُّ ذَاتَ الْكَافِرِ بَلِ اللَّهُ عَصَمَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ أَنْ تَمِيلَ قُلُوبُهُمْ إِلَى مَحَبَّةِ ذَاتِ كَافِرٍ وَلا يَجُوزُ اعْتِقَادُ أَنَّ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ يُحِبُّ وَاحِدًا مِنَ الْكُفَّارِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ. أَمَّا الْمَعْنَى الثَّانِى لِلْهِدَايَةِ فَهُوَ خَلْقُ الِاهْتِدَاءِ فِى قَلْبِ مَنْ شَاءَ اللَّهُ لَهُ الْهِدَايَةَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَنْعَامِ ﴿فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ﴾ أَىْ مَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَهُ مُهْتَدِيًا يُحَبِّبُ الإِسْلامَ إِلَيْهِ.