الخميس مايو 22, 2025

 

#22

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صَادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَمَّا زَكَاةُ التِّجَارَةِ فَنِصَابُهَا نِصَابُ مَا اشْتُرِيَتْ بِهِ (أَيْ عُرُوضُ التِّجَارَةِ. ومَعْنَى التِّجَارَةِ تَقْلِيبُ الْمَالِ لِغَرَضِ الِاسْتِرْبَاحِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ لِغَرَضِ الرِّبْحِ. فإذًا زَكَاةُ التِّجَارَةِ نِصَابُهَا نِصَابُ مَا اشْتُرِيَتْ بِهِ) مِنَ النَّقْدَيْنِ وَالنَّقْدَانِ هُمَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ (وَذَلِكَ لِأَنَّ زَكَاةَ التِّجَارَةِ تُقَوَّمُ (أَيْ يُنْظَرُ إِلَى قِيمَتِهَا) بِمَا اشْتُرِيَتْ بِهِ فَإِنِ اشْتُرِيَتْ بِالذَّهَبِ فَبِالذَّهَبِ وَإِنِ اشْتُرِيَتْ بِالْفِضَّةِ فَبِالْفِضَّةِ وَإِنِ اشْتُرِيَتْ بِغَيْرِهِمَا فَتُقَوَّمُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ كَيْفَ يُقَوِّمُهَا؟ يَقُولُ هَذِهِ الْبِضَاعَةُ الَّتِي عِنْدِي لَوْ أَنَّهَا عُرِضَتْ لِلْبَيْعِ الآنَ كُلُّهَا دَفْعَةً وَاحِدَةً كَمْ يُدْفَعُ لِي فِيهَا فِي السُّوقِ؟ وَعَلَى هَذَا يُقَوِّمُ، وَلا يُقَوِّمُهَا بِسِعْرِ بَيْعِهَا مُتَفَرِّقَةً، مَثَلًا عِنْدَهُ عَشَرَةُ أَطْنَانِ قَمْحٍ وَعَشَرَةُ أَطْنَانِ رُزٍّ إِنْ جَمَعَهَا فَكَمْ يَكُونُ سِعْرُهَا فِي السُّوقِ جُمْلَةً؟ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْحِسَابُ وَالتَّقْوِيْمُ) وَلا يُعْتَبَرُ (أَيْ النِّصَابُ) إِلَّا ءَاخِرَ الْحَوْلِ (يُنْظَرُ إِلَى قِيمَةِ الْبِضَاعَةِ الَّتِي يَتْجَرُ بِهَا عِنْدَ حَوَلانِ الْحَوْلِ فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا عِنْدَ حَوَلانِ الْحَوْلِ نِصَابًا وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ عِنْدَمَا بَدَأَ التِّجَارَةَ أَقَلَّ مِنَ النِّصَابِ فَالْعِبْرَةُ بِكَوْنِهَا نِصَابًا عِنْدَ حَوَلانِ حَوْلٍ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ يَبْدَأُ حِسَابَ حَوْلِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ عِنْدَمَا تَصِيرُ نِصَابًا، وَلَكِنْ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللهُ كَانَ يَذْكُرُ الأَوَّلَ فَإِذَا بَلَغَتْ أَمْوَالُ التِّجَارَةِ ءَاخِرَ الْحَوْلِ نِصَابًا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ وَإِلَّا فَلا. أَمَّا مَا يَصْرِفُهُ الإِنْسَانُ مِنْ هَذَا الْمَالِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ قَبْلَ حَوَلانِ الْحَوْلِ لِحَاجَاتِهِ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى النَّاسِ أَوْ يُمْسِكُهُ لِلِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا أَوْ لُبْسًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَهَذَا لا يَدْخُلُ فِي الْحِسَابِ عِنْدَ الزَّكَاةِ) وَيَجِبُ فِيهَا (أَيْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ) رُبْعُ عُشْرِ الْقِيمَةِ (أَيْ قِيمَةِ أَمْوَالِ التِّجَارَةِ وَيُخْرِجُ الزَّكَاةَ ذَهَبًا إِنْ كَانَ تَقْوِيْمُهَا بِهِ أَوْ فِضَّةً إِنْ كَانَ تَقْوِيْمُهَا بِهَا. عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لا يُخرِجُ عُمْلَةً وَرَقِيَةً وَلا مِنَ الْبِضَاعَةِ لا يُخرِجُ إِلَّا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً. وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي حِسَابِ الزَّكَاةِ وَتُضَافُ قِيمَتُهُ إِلَى قِيمَةِ الْعُرُوضِ ثُمَّ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ أَنْ لا يَقْطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَإِنْ قَطَعَهَا فَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ، أَمَّا إِنْ قَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ بَعْدَمَا حَالَ الْحَوْلُ فَفِيهِ زَكَاةٌ لِهَذَا الْعَامِ الْمَاضِي، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَالَ زَكَاةٍ. وَالْعِبْرَةُ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ بِثَمَنِ الْبِضَاعَةِ عِنْدَ حَوَلانِ الْحَوْلِ بِاعْتِبَارِ شِرَاءِ النَّاسِ لِلْبِضَاعَةِ).

   الشَّرْحُ هَذَا بَيَانُ حُكْمِ زَكَاةِ التِّجَارَةِ. وَمَعْنَى التِّجَارَةِ تَقْلِيبُ الْمَالِ لِغَرَضِ الِاسْتِرْبَاحِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ ثُمَّ يَشْتَرِيَ وَيَبِيعَ لِغَرَضِ الرِّبْحِ (هَذَا مَعْنَى التِّجَارَةِ، وَمَالُ التِّجَارَةِ هُنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، عِنْدَمَا نَتَكَلَّمُ عَنْ زَكَاةِ التِّجَارَةِ، هُوَ الْمَالُ الَّذِي يُحَصِّلُهُ الشَّخْصُ بِمُعَاوَضَةٍ، كَالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ أَنْ يُقَلِّبَهُ لِأَجْلِ الرِّبْحِ، هَذَا الْمَالُ هُوَ مَالُ التِّجَارَةِ. أَنْ تَكُونَ نِيَّتُهُ عِنْدَ تَحْصِيلِهِ تَقْلِيبَهُ لِغَرَضِ الرِّبْحِ، وَيَكُونَ تَحْصِيلُهُ بِمُعَاوَضَةٍ، لَيْسَ إِرْثًا وَنَحْوَ ذَلِكَ. مَثَلًا، وَهَبْتُ إِنْسَانًا مَالًا، أَعْطَيْتُهُ مَالًا، وَهَبْتُهُ هِبَةً مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ، عُمْلَةً، هَذِهِ الْعُمْلَةُ الَّتِي أَنَا وَهَبْتُهَا لَهُ مِنْ غَيْرِ مُعَاوَضَةٍ، نَوَى هُوَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهَا لِيَشْتَرِيَ بِهَا بِضَاعَةً ثُمَّ يَبِيعَهَا وَهَكَذَا، فَهُنَا لَا يَبْدَأُ الْحَوْلُ مِنْ عِنْدِ الْهِبَةِ، لِأَنَّ هَذِهِ هِبَةٌ مَحْضَةٌ، لَيْسَتْ بِمُعَاوَضَةٍ، مَا حَصَّلَ هَذِهِ الْعُمْلَةَ بِمُعَاوَضَةٍ، لَكِنْ إِذَا اشْتَرَى بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا بِنِيَّةِ أَنْ يَبِيعَهُ ثُمَّ يَشْتَرِيَ ثُمَّ يَبِيعَ، فَعِنْدَ شِرَائِهِ، عِنْدَ تَحْصِيلِهِ ذَلِكَ الشَّيْءِ، يُبْتَدَأُ الْحَوْلُ، لِأَنَّهُ عِنْدَهَا حَصَّلَهُ بِمُعَاوَضَةٍ. أَلَيْسَ دَفَعَ عُمْلَةً؟ إِذًا حَصَّلَهُ بِمُعَاوَضَةٍ، وَنَوَى تَقْلِيبَهُ لِأَجْلِ الرِّبْحِ، مِنْ عِنْدِ ذَلِكَ يُبْتَدَأُ الْحَوْلُ، أَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ، لَوْ بَقِيَ مَعَهُ الْمَالُ ثَلَاثَ سِنِينَ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، هَذَا لَا يَجْرِي عَلَيْهِ حَوْلُ التِّجَارَةِ). وَأَمَّا نِصَابُهَا فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِنِصَابِ مَا اشْتُرِيَتْ بِهِ مِنَ النَّقْدَيْنِ أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّ عُرُوضَ التِّجَارَةِ تُقَوَّمُ بِمَا اشْتُرِيَتْ بِهِ فَإِنْ اشْتُرِيَتْ بِذَهَبٍ قُوِّمَتْ بِالذَّهَبِ (عِنْدَ مُرُورِ الْحَوْلِ، يَعْنِي عِنْدَ مُرُورِ السَّنَةِ) وَإِنِ اشْتُرِيَتْ بِفِضَّةٍ فَبِالْفِضَّةِ وَإِنِ اشْتُرِيَتْ بِغَيْرِهِمَا (أَيْ بِغَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) قُوِّمَتْ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ (وَاحِدٌ اشْتَرَى الْبِضَاعَةَ بِالْفُلُوسِ، بِالْعُمْلَةِ النُّحَاسِيَّةِ أَوْ بِالْعُمْلَةِ الْوَرَقِيَّةِ، ثُمَّ بَعْدَ مُرُورِ الْحَوْلِ أَيْ بَعْدَ مُرُورِ السَّنَةِ، يُنْظَرُ فِي الْبَلَدِ الَّذِي التِّجَارَةُ فِيهِ، هَلْ يَغْلِبُ عَلَى النَّاسِ اسْتِعْمَالُ نَقْدِ الذَّهَبِ، أَوِ اسْتِعْمَالُ نَقْدِ الْفِضَّةِ؟ إِنْ كَانَ الْغَالِبُ اسْتِعْمَالَ نَقْدِ الذَّهَبِ، تُقَوَّمُ بِالذَّهَبِ، وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ اسْتِعْمَالَ نَقْدِ الْفِضَّةِ، تُقَوَّمُ بِالْفِضَّةِ. كَلَامُنَا فِي الْبَلَدِ الَّذِي فِيهِ نَقْدٌ غَالِبٌ) فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ نَقْدَ الذَّهَبِ فَبِالذَّهَبِ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ نَقْدَ الْفِضَّةِ فَبِنَقْدِ الْفِضَّةِ. أَمَّا مَا يَصْرِفُهُ الإِنْسَانُ مِنْ هَذَا الْمَالِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ قَبْلَ حَوَلانِ الْحَوْلِ لِحَاجَاتِهِ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى النَّاسِ أَوْ يَأْخُذُهُ لِيَتَّخِذَهُ قُنْيَةً أَيْ يُمْسِكُهُ لِلِانْتِفَاعِ بِعَيْنِهِ أَكْلًا أَوْ شُرْبًا أَوْ لُبْسًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَهَذَا لا يَدْخُلُ فِي الْحِسَابِ عِنْدَ الزَّكَاةِ (يَعْنِي الْأَشْيَاءُ الَّتِي يُخْرِجُهَا عَنِ التِّجَارَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، كَأَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا مَثَلًا، أَوْ يُمْسِكَهَا لِنَفْسِهِ، مَا عَادَ يُرِيدُ أَنْ يُتَاجِرَ بِهَا، إِنَّمَا يُرِيدُ أَنْ يَقْتَنِيَهَا لِنَفْسِهِ، قَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِيهَا. وَمَا يُقْطَعُ فِيهِ نِيَّةُ التِّجَارَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ، انْقَطَعَ حَوْلُهُ. عِنْدَهُ بِضَاعَةٌ، ثُمَّ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ عَزَلَ قِسْمًا مِنْهَا وَقَالَ “هَذَا أَنَا لَا أُرِيدُ أَنْ أُتَاجِرَ بِهِ بَعْدَ الْآنِ”، فَهُنَا انْقَطَعَ الْحَوْلُ فِيهِ. هَذَا الْقِسْمُ الَّذِي عَزَلَهُ جَانِبًا، مَا عَادَ مَالَ تِجَارَةٍ، انْقَطَعَ حَوْلُهُ. وَاحِدٌ يَتَاجِرُ بِالسَّيَّارَاتِ، ثُمَّ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ أَمْسَكَ سَيَّارَةً لِنَفْسِهِ، كَانَتِ السَّيَّارَةُ لِلتِّجَارَةِ، ثُمَّ أَمْسَكَهَا لِيَسْتَعْمِلَهَا لِنَفْسِهِ، لَيْسَ لِلتِّجَارَةِ، فَخَرَجَتْ عَنْ مَالِ التِّجَارَةِ. أَمَّا إِذَا قَالَ “أَسْتَعْمِلُهَا، لَيْسَ قُنْيَةً، إِنَّمَا إِلَى حِينٍ، ثُمَّ أَبِيعُهَا”، وَهُوَ مَا زَالَ يَعْرِضُهَا لِلْبَيْعِ، فَهَذِهِ مَا زَالَتْ مَالَ تِجَارَةٍ. كَذَلِكَ، إِذَا وَاحِدٌ عِنْدَهُ تِجَارَةٌ، يَتَاجِرُ فِي الطَّعَامِ، عِنْدَهُ مَطْعَمٌ، ثُمَّ يَوْمًا أَخَذَ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ الَّذِي فِي دُكَّانِهِ شَيْئًا لِأَهْلِ بَيْتِهِ لِيَأْكُلُوهُ، هَذَا خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَالَ تِجَارَةٍ، انْقَطَعَ الْحَوْلُ فِيهِ، فَلَا يَدْخُلُ فِي الْحِسَابِ عِنْدَ الزَّكَاةِ).

   ثُمَّ إِذَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْعُرُوضِ (أَيِ الْبِضَاعَةِ) نِصَابًا ءَاخِرَ الْحَوْلِ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهَا وَإِلَّا فَلا (مَثَلًا، وَاحِدٌ بَدَأَ يُتَاجِرُ فِي السَّيَّارَاتِ، ثُمَّ حَالَ الْحَوْلُ، يَقُولُ “هَذِهِ السَّيَّارَاتُ الَّتِي عِنْدِي الْآنَ، إِذَا أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهَا الْآنَ كُلَّهَا لِزَبُونٍ وَاحِدٍ، مَا هُوَ سِعْرُ السُّوقِ فِيهَا؟” يَضُمُّ هَذَا الْمَبْلَغَ، وَيَضُمُّ إِلَيْهِ أَيْضًا الْعُمْلَةَ الْوَرَقِيَّةَ الَّتِي هِيَ مِنَ التِّجَارَةِ، وَيُقَلِّبُهَا فِي التِّجَارَةِ، لَمْ يَقْطَعْ عَنْهَا نِيَّةَ التِّجَارَةِ، ثُمَّ يَنْظُرُ قِيمَةَ كُلِّ ذَلِكَ بِالذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ، هَلْ بَلَغَ نِصَابًا أَمْ لَا؟ إِنْ بَلَغَ نِصَابًا، فَفِيهِ الزَّكَاةُ. إِمَّا يَدْفَعُ بِالذَّهَبِ إِذَا كَانَ يُقَوِّمُ بِالذَّهَبِ، يَدْفَعُ عَيْنَ الذَّهَبِ، أَوْ يَدْفَعُ فِضَّةً إِنْ كَانَ يُقَوِّمُ بِالْفِضَّةِ، يَدْفَعُ عَيْنَ الْفِضَّةِ. يَعْنِي لَا يَصِحُّ أَنْ يَدْفَعَ عُمْلَةً، وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَدْفَعَ مِنَ الْبِضَاعَةِ سَيَّارَةً، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ إِمَّا ذَهَبًا وَإِمَّا فِضَّةً. هَكَذَا يَكُونُ تَقْوِيمُ زَكَاةِ التِّجَارَةِ). وَلَوْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ دَيْنٌ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِي حِسَابِ الزَّكَاةِ وَتُضَافُ قِيمَتُهُ إِلَى قِيمَةِ الْعُرُوضِ (أي البضاعة) ثُمَّ إِنَّهُ لا يَجِبُ فِيهَا إِلَّا رُبْعُ الْعُشْرِ (2.5%) وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ لِمِائَتَيْ دِرْهَمِ فِضَّةٍ إِسْلامِيٍّ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَبِالنِّسْبَةِ لِعِشْرِينَ دِينَارًا ذَهَبِيًّا هُوَ نِصْفُ دِينَارٍ.

فائدة: لَوْ اشْتَرى بَيْتًا مِنْ مالِ التَّجارَةِ في خِلالِ السَّنَةِ لَيْسَ بِقَصْدِ التِّجارَةِ لَكِنْ لِيَسْكُنَهُ هُوَ أَوْ لِيُسْكِنَهُ غَيْرَهُ أَوْ لِيَسْتَغِلَّهُ بِالإيجَارِ أَوِ اشْتَرَى سَيَّارةً أَوْ أَفْرَزَ مالًا لِقُنْيَةٍ أَيْ لِيَشْتَريَ بِهِ أَشْياءَ لَيْسَتْ لِلتِّجارَِةِ، هَذَا لا يُزَكِّيهِ، يَدْفَعُ عَنِ البِضاعَةِ الَّتي يقَلِّبُها بِقَصْدِ الرّبح وَالعُمْلَةُ الَّتي يَعْمَلُ بِهَا في التِّجارَةِ، وَلا يُزَكِّي الآلاتِ وَلَا الدُّكانَ، وَلا الشَّاحِناتِ الَّتي تَنْقُلُ البِضاعَةِ لأنَّ هَذِهِ لَيْسَتْ لِلتَّجارَةِ وَلَا يُزَكِّي مَا أَمْسَكَهُ قُنْيَةً. الزَّكَاةُ تَكُونُ عَلَى الْبِضَاعَةِ نَفْسِهَا وَأَمْوَالِ التِّجَارَةِ. فِي آخِرِ الْحَوْلِ يَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْبِضَاعَةِ بِالسِّعْرِ الرَّائِجِ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، ثُمَّ يُزَكِّيهَا، وَلَا يَنْظُرُ إِلَى السِّعْرِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ.

   ثُمَّ يَجِبُ فِي مَذْهَبِ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ إِخْرَاجُ عَيْنِ الذَّهَبِ أَوْ عَيْنِ الْفِضَّةِ عِنْدَ الزَّكَاةِ (هَكَذَا فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، إِنْ قُوِّمَ بِالذَّهَبِ يُخْرِجْ ذَهَبًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ يَشْتَرِي وَإِنْ قُوِّمَ بِالْفِضَّةِ يُخْرِجْ فِضَّةً. أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، فَيَكْفِي إِخْرَاجُ مَا يُسَاوِي الْقِيمَةَ مِنْ أَيِّ ثَمَنٍ مِنَ الْأَثْمَانِ، كَالْعُمْلَةِ الْمَعْرُوفَةِ الْيَوْمَ، وَيُجْزِئُ عِنْدَهُ أَيْضًا إِخْرَاجُ مَا يُسَاوِي الْقِيمَةَ مِنْ نَفْسِ الْبِضَاعَةِ). ثُمَّ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي عُرُوضِ التِّجَارَةِ أَنْ لا يَقْطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ فَإِنْ قَطَعَهَا فَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ، أَمَّا إِنْ قَطَعَ نِيَّةَ التِّجَارَةِ بَعْدَمَا حَالَ الْحَوْلُ فَفِيهِ زَكَاةٌ لِهَذَا الْعَامِ الْمَاضِي، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَقْبَلِ فَقَدْ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مَالَ زَكَاةٍ. وَالْعِبْرَةُ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ بِثَمَنِ الْبِضَاعَةِ عِنْدَ حَوَلانِ الْحَوْلِ بِاعْتِبَارِ شِرَاءِ النَّاسِ لِلْبِضَاعَةِ (وَلَيْسَ بِاعْتِبَارِ شِرَاءِ التَّاجِرِ لِلْبِضَاعَةِ. وَهَذَا الْحُكْمُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ. يُقَدِّرُهَا بِسِعْرِ السُّوقِ. كُلُّ الْبِضَاعَةِ، مَعَ اخْتِلَافِ الْأَنْوَاعِ، كَمْ تُبَاعُ كُلُّهَا؟ جُمْلَةً واحدة، يَعْنِي بِحَيْثُ لَوْ أَتَى زَبُونٌ وَاحِدٌ الْآنَ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَهَا كُلَّهَا مَرَّةً وَاحِدَةً).

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَمَالُ (الشَّخْصَيْنِ) الْخَلِيطَيْنِ أَوِ (الأَشْخَاصِ) الْخُلَطَاءِ كَمَالِ (الشَّخْصِ) الْمُنْفَرِدِ فِي (قَدْرِ) النِّصَابِ وَ (الْقَدْرِ) الْمُخْرَجِ (فَإِذَا حَصَلَتِ الْخُلْطَةُ وَكَانَ الْمَجْمُوعُ نِصَابًا أَخْرَجُوا جَمِيعًا كَمَا لَوْ كَانَ الْمَالِكُ لِهَذَا الْمَالِ شَخْصًا وَاحِدًا) إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُ الْخُلْطَةِ (وَهِيَ تُعْلَمُ مِنْ كُتُبٍ أَكْثَرَ بَسْطًا. أَيْ تُطْلَبُ شُرُوطُ الْخُلْطَةِ فِي النَّقْدِ وَالْحَبِّ وَالثَّمَرِ وَالْمَاشِيَةِ فِي مَوَاضِعِهَا مِنَ الْمَبْسُوطَاتِ. فَيَحْسِبُونَ النِّصَابَ كَأَنَّهُ نِصَابُ شَخْصٍ وَاحِدٍ وَكَذَا الْقَدْرُ الَّذِي يُخْرَجُ زَكَاةً)

وَهُنَا تَنْبِيهٌ مُهِمٌّ: الْخُلْطَةُ نَوْعَانِ، خُلْطَةُ شَرَاكَةٍ وَخُلْطَةُ جِوَارٍ. أَمَّا الشَّرِيكَانِ فَيُزَكَّى مَالُهُمَا كَأَنَّهُمَا وَاحِدٌ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ، مَثَلًا أَرْبَعُونَ مِنَ الْغَنَمِ يَمْلِكُهَا شَرِيكَانِ، فَفِي آخِرِ الْعَامِ يُخْرِجَانِ جَذَعَةَ ضَأْنٍ عَنِ الْأَرْبَعِينَ، وَهَكَذَا فِي سَائِرِ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ. أَمَّا كَلَامُ الْمُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللهُ هُنَا فَهُوَ عَنْ خُلْطَةِ الْجِوَارِ، مَعَ أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا. التَّفَاصِيلُ الَّتِي ذَكَرَهَا الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ “بُغْيَةُ الطَّالِبِ” هِيَ عَنْ خُلْطَةِ الْجِوَارِ، لَا عَنْ خُلْطَةِ الشَّرِيكَيْنِ. وَأَمْرُ الْخُلْطَةِ الْمَذْكُورُ لَيْسَ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ، إِنَّمَا أَمْرُ الْخُلْطَةِ حَتَّى يُزَكَّى زَكَاةَ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لَيْسَ لِوُجُوبِهَا، إِنَّمَا وُجُوبُهَا بِمُرُورِ الْحَوْلِ فِي مِلْكِ الشَّخْصِ.

   الشَّرْحُ إِذَا اخْتَلَطَ مَالُ شَخْصٍ بِمَالِ شَخْصٍ ءَاخَرَ أَوْ بِمَالِ أَكْثَرَ مِنْ شَخْصٍ وَكَانَ الْخُلَطَاءُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَالْمَجْمُوعُ نِصَابًا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَإِنِ اخْتَلَفَ النَّوْعُ (مِثْلَ قَمْحٍ شَامِيٍّ مَعَ قَمْحٍ مِصْرِيٍّ) وَلَوْ غَيْرُ مَاشِيَةٍ (أَي لَيْسَ فَقَطْ فِي الْمَاشِيَةِ، إِنَّمَا فِي غَيْرِ الْمَاشِيَةِ أَيْضًا. لَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ حَتَّى تَنْطَبِقَ الشُّرُوطُ الَّتِي سَنَذْكُرُهَا، إِنَّمَا قَدْ يَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصَابٌ وَاخْتَلَطَا، أَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا نِصَابٌ وَلِلْآخَرِ دُونَ النِّصَابِ، أَوْ لِكِلَيْهِمَا دُونَ النِّصَابِ وَلَكِنْ كَانَ الْمَجْمُوعُ نِصَابًا. يَكُونُ حُكْمُ هَذَا الْمَالِ كَحُكْمِ مَالِ الشَّخْصِ الْمُنْفَرِدِ، يَعْنِي يَصِيرُ الْمَالَانِ كَأَنَّهُمَا مَالُ وَاحِدٍ لِشَخْصٍ وَاحِدٍ، مَعَ أَنَّهُ لَا شَرِكَةَ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنْ مَعَ ذَلِكَ إِذَا تَمَّتِ الشُّرُوطُ يَصِيرَانِ كَمَالٍ وَاحِدٍ، فَيُخْرَجُ عَنْهُمَا الزَّكَاةُ كَأَنَّهُمَا مَالٌ وَاحِدٌ. وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ) يَكُونُ حُكْمُ هَذَا الْمَالِ كَمَالِ الشَّخْصِ الْمُنْفَرِدِ مِنْ حَيْثُ النِّصَابُ وَمِنْ حَيْثُ قَدْرُ الْمُخْرَجِ فَتَجِبُ عَلَيْهِمَا الزَّكَاةُ كَزَكَاةِ الْمَالِ الْوَاحِدِ إِذَا كَمَلَتْ شُرُوطُ الْخُلْطَةِ وَتُطْلَبُ شُرُوطُ الْخُلْطَةِ فِي النَّقْدِ وَالْحَبِّ وَالثَّمَرِ وَالْمَاشِيَةِ فِي مَوَاضِعِهَا مِنَ الْمَبْسُوطَاتِ.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَزَكَاةُ الْفِطْرِ (إِنَّمَا) تَجِبُ بِإِدْرَاكِ (ءَاخِرِ) جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ (وَهُوَ غُرُوبُ شَمْسِ اليَوْمِ الأَخِيرِ مِنْهُ) وَ (أَوَّلِ) جُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ (وَهُوَ حَيٌّ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً فَإِذَا مَاتَ شَخْصٌ قَبْلَ الْغُرُوبِ أَوْ وُلِدَ بَعْدَهُ فَلا يَجِبُ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهُ، فَلا تَجِبُ فِيمَا حَدَثَ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ وَلَدٍ أَوْ غِنًى أَوْ نِكَاحِ الزَّوْجَةِ أَوْ إِسْلامِ الشَّخْصِ. أَوْ شُكَّ فِي حُدُوثِهِ بَعْدَ الْغُرُوبِ وَالْمُرَادُ بِالْغِنَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّخْصِ مَالٌ يُخْرِجُهُ زَكَاةً فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ وَمَسْكَنِهِ وَعَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَ الْغُرُوبِ حَيًّا وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَفْضُلُ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ غَنِيٌّ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرَةِ.

   ولِهَذِهِ الزَّكَاةِ خَمْسَةُ أَوْقَات. وَقْتُ جَوَازٍ وَهُوَ رَمَضَان. وَوَقْتُ وُجُوبٍ وَهُوَ غُرُوبُ شَمْسِ ءَاخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ أَيْ مِنْ رَمَضَانَ. وَوَقْتُ فَضِيلَةٍ وَهُوَ قَبْلَ صَلاةِ الْعِيدِ. وَوَقْتُ كَرَاهَةٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ صَلاةِ الْعِيدِ إِلَى الْغُرُوبِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لِعُذْرٍ. وَوَقْتُ حُرْمَةٍ وَهُوَ مَا بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الْعِيدِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَخَّرَهَا لِعُذْرٍ).

   الشَّرْحُ زَكَاةُ الْفِطْرِ تَجِبُ عَلَى مَنْ أَدْرَكَ ءَاخِرَ جُزْءٍ مِنْ رَمَضَانَ وَأَوَّلَ جُزْءٍ مِنْ شَوَّالٍ وَذَلِكَ بِإِدْرَاكِ غُرُوبِ شَمْسِ ءَاخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ حَيٌّ حَيَاةً مُسْتَقِرَّةً (يَعْنِي كَانَ حَيًّا إِلَى تَمَامِ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ. لَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ حَيًّا مِنْ أَوَّلِ رَمَضَانَ، بَلْ قَدْ يَكُونُ وُلِدَ آخِرَ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَبَقِيَ حَيًّا إِلَى مَا بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَهَذَا يُخْرِجُونَ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ)، فَلا تَجِبُ فِيمَا حَدَثَ بَعْدَ الْغُرُوبِ مِنْ وَلَدٍ (يَعْنِي إِذَا وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، فَهَذَا لَا يُدْفَعُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ، لَا يَجِبُ) أَوْ غِنًى (يَعْنِي كَانَ فَقِيرًا إِلَى أَنْ غَابَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَارَ غَنِيًّا، لَا تَجِبُ عَلَيْهِ) أو نِكَاحِ الزَّوْجَةِ (كَأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، لَا يَجِبُ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهَا) أَوْ إِسْلامِ الشَّخْصِ (كَأَنْ كَانَ كَافِرًا، ثُمَّ أَسْلَمَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ، لَيْسَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ) أَوْ شُكَّ فِي حُدُوثِهِ (أَي فِي حُدُوثِ الْوَلَدِ، وَالْغِنَى، وَنَحْوِ ذَلِكَ) بَعْدَ الْغُرُوبِ. وَالْمُرَادُ بِالْغِنَى فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَنْ يَكُونَ لِلشَّخْصِ مَالٌ يُخْرِجُهُ زَكَاةً فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ (كُلِّ دَيْنِهِ) وَمَسْكَنِهِ (اللَّائِقِ بِهِ. مَثَلًا إِذَا كَانَتِ الْغُرْفَةُ ثَلَاثَةَ أَمْتَارٍ بِمِتْرَيْنِ، وَعِنْدَهُ خَمْسَةُ أَوْلَادٍ، فَهَذَا لَا يَكُونُ مَسْكَنًا لَائِقًا بِهِ. فَبِحَسَبِ حَالِ الشَّخْصِ يُقَدَّرُ الْمَكَانُ) وعَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ (تُحْسَبُ كِسْوَةُ الْعِيدِ فِي هَذَا أَيْضًا، وَالْحَلْوَى الَّتِي تُؤْكَلُ فِي الْعِيدِ) يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَ الْغُرُوبِ حَيًّا وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَفْضُلُ عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ غَنِيٌّ فِي بَابِ زَكَاةِ الْفِطْرَةِ، فَإنْ كَانَ حَالَ الْغُرُوبِ بِصِفَةِ الْوُجُوبِ ثُمَّ حَدَثَ لَهُ مَوْتٌ أَوْ طَلاقٌ لَمْ تَسْقُطْ زَكَاتُهُ (أَيْ تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ). ثُمَّ شَرَعَ الْمُؤَلِّفُ رحمه الله فِي بَيَانِ شُرُوطِ الْمُخْرَجِ عَنْهُ (يَعْنِي فِي بَيَانِ الشُّرُوطِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْ تَوَفُّرِهَا فِي الشَّخْصِ حَتَّى تُدْفَعَ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ) فَقَالَ (وَهِيَ تَجِبُ) عَلَى كُلِّ (شَخْصٍ) مُسْلِمٍ (حُرٍّ) عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ (وَجَبَتْ) عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ إِذَا كَانُوا (أَيْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ) مُسْلِمِينَ (كَزَوْجَتِهِ وَلَوْ رَجْعِيَّةً أَيْ طُلِّقَتْ بِطَلْقَةٍ واحدة أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَلَمْ تَنْتَهِ عِدَّتُهَا وَالْبَائِنِ الْحَامِلِ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ وَإِنْ سَفُلَ وَوَالِدَيْهِ الْفَقِيرَيْنِ وَإِنْ عَلا الْوَالِدُ وَلا يَصِحُّ إِخْرَاجُ الْفِطْرَةُ عَنِ الأَصْلِ الْغَنِيِّ وَالْوَلَدِ الْبَالِغِ إِلَّا بِإِذْنِهِ. يَعْنِي الشَّرْطُ الْأَوَّلُ الْإِسْلَامُ)

   الشَّرْحُ تَجِبُ زَكَاةُ الْفِطْرَةِ عَلَى الْمُسْلِمِ الْحُرِّ وَلَوْ كَانَ مُبعَّضًا أَيْ بَعْضُهُ حُرٌّ وَبَعْضُهُ عَبْدٌ مَمْلُوكٌ (كَأَنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِشَخْصَيْنِ، فَوَاحِدٌ مِنْهُمَا أَعْتَقَ حِصَّتَهُ، فَلَمْ يَسْرِ عَلَى الْكُلِّ، فَصَارَ نِصْفُهُ حُرًّا وَنِصْفُهُ مَمْلُوكًا). وَيَجِبُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُهَا عَمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمْ بِالشُّرُوطِ الْمُقَرَّرَةِ. وَمِمَّنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ الزَّوْجَةُ (وَلَوْ كَانَتْ غَنِيَّةً) وَلَوْ رَجْعِيَّةً أَيْ طُلِّقَتْ بِطَلْقَةٍ أَوْ طَلْقَتَيْنِ وَلَمْ تَنْتَهِ عِدَّتُهَا (فَالزَّوْجُ هُوَ الَّذِي يُخْرِجُ عَنْهَا الزَّكَاةَ. عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ إِذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَثَلَاثَةُ أَطْهَارٍ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ غَيْرِ ذَوَاتِ الْحَيْضِ فَثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ قَمَرِيَّةٍ، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا فَبِالْوَضْعِ) وَالْبَائِنُ الْحَامِلُ (أَيِ الْحَامِلُ الْمُطَلَّقَةُ بِالثَّلَاثِ، لِأَنَّ نَفَقَتَهَا عَلَى الزَّوْجِ. الْبَائِنُ لَيْسَ عَلَى الزَّوْجِ نَفَقَتُهَا مُدَّةَ الْعِدَّةِ، إِلَّا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا) وَعَبْدُ الزَّوْجَةِ الْمَمْلُوكُ لَهَا (وَقَدْ يَكُونُ أَمَةً) إِنْ أَخْدَمَهَا إِيَّاهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ فِطْرَةُ زَوْجَتِهِ وَفِطْرَةُ خَادِمِهَا الَّذِي هُوَ مَمْلُوكٌ لَهَا إِذَا كَانَتْ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ الإِخْدَامَ كَأَنْ كَانَتْ فِي أَهْلِهَا مِمَّنْ تُخْدَمُ أَيْ يُتَّخَذُ لَهَا خَادِمٌ، وَمِنْهُمُ الْوَلَدُ الصَّغِيرُ وَإِنْ سَفُلَ (كَابْنِ ابْنِ ابْنِ ابْنِهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَيُّ وَالِدٍ مِنَ الَّذِينَ قَبْلَ، إِنَّمَا كُلُّهُمْ مَيْتُونَ، فَتَكُونُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ، فَيُخْرِجُ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ) وَالْوَالِدُ (أَيِ وَالْوَالِدَةُ) وَإِنْ عَلا (أَيِ الْجَدُّ وَالْجَدَّةُ) إِذَا كَانَا فَقِيرَيْنِ (وَلَا يَحْتَاجُ لِإِذْنِهِمَا، لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا تَجِبُ عَلَيْهِ. إِنْ كَانُوا عَشَرَةَ إِخْوَةٍ وَأَخَوَاتٍ، تَجِبُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ، يَتَشَارَكُونَ وُجُوبًا أَمَّا لَوْ وَاحِدٌ قَالَ “أَنَا أَتَكَفَّلُ بِهِمَا”، فَهُنَا سَقَطَ الْفَرْضُ عَنِ الْبَاقِي) أَمَّا إِنْ كَانَا غَنِيَيْنِ بِمَالٍ فَلا تَجِبُ عَلَيْهِ زَكَاتُهُمَا (لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا لَيْسَتْ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الزَّوْجَةِ، الزَّوْجَةُ وَلَوْ كَانَتْ غَنِيَّةً، نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ).

   وَلا يَصِحُّ إِخْرَاجُ الْفِطْرَةِ عَنِ الأَصْلِ الْغَنِيّ وَالْوَلَدِ الْبَالِغِ (ذَكَرًا كَانَ أَمْ أُنْثَى) إِلَّا بِإِذْنِهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لِذَلِكَ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يَغْفُلُونَ عَنْ هَذَا الْحُكْمِ فَيُخْرِجُونَ عَنِ الْوَلَدِ الْبَالِغِ بِدُونِ إِذْنِهِ (وَهَذَا لَا يَصِحُّ، فَيَكُونُ كَأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْ. فِي أَمْرِ النَّفَقَةِ، عَلَى قَوْلٍ الْأُنْثَى كَالذَّكَرِ، يَعْنِي بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا تَجِبُ نَفَقَتُهَا، وَعَلَى قَوْلٍ تَجِبُ نَفَقَةُ ابْنَتِكَ وَإِنْ بَلَغَتْ حَتَّى تَتَزَوَّجَ. فَعَلَى حَسَبِ أَيِّ الْقَوْلَيْنِ تَأْخُذُ، فَتَدْفَعُ بِإِذْنِهَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِنْ كَانَتْ غَنِيَّةً، وَبِلَا إِذْنِهَا عَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي). وَمِمَّنْ يَجِبُ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ عَنْهُ الْمَمْلُوكُ (الْمُسْلِمُ) وَلَوْ كَانَ هَذَا الْمَمْلُوكُ مَرْهُونًا (وَاحِدٌ رَهَنَ الْعَبْدَ الْمَمْلُوكَ الَّذِي عِنْدَهُ، وَضَعَهُ مُقَابِلَ دَيْنٍ كَانَ عَلَيْهِ، رَهْنًا، فَلَوْ كَانَ مَرْهُونًا يُخْرِجُ عَنْهُ زَكَاةَ الْفِطْرِ، لِأَنَّهُ مَا زَالَ يَمْلِكُهُ) أَوْ (كَانَ هَذَا الْمَمْلُوكُ) ءَابِقًا هَارِبًا (مِنَ الْحَقِّ الَّذِي يَلْزَمُهُ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي خِدْمَةِ سَيِّدِهِ، فَلَا يَهْرُبَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ. الْعَبْدُ الْآبِقُ الْهَارِبُ وَلَوْ انْقَطَعَتْ أَخْبَارُهُ، تُدْفَعُ عَنْهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ) وَإِنِ انْقَطَعَ خَبَرُهُ.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ صَاعٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ (وَهُوَ الْقَمْحُ حَبًّا لَا طَحِينًا فِي بِلَادٍ كَالشَّامِ وَمِصْرَ وَالرُّزُّ كَمَا فِي بَعْضِ نَوَاحِي الْهِنْدِ وَأَنْدَنُوسْيَا وَالذُّرَةُ فِي نَوَاحٍ مِنَ الْحَبَشَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ فِي بِلادٍ أُخْرَى فَيُخْرِجُ صَاعًا عَنْ نَفْسِهِ وَصَاعًا عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ. وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ) إِذَا فَضَلَتْ (أَيْ فَضَلَ مَا يُخْرِجُهُ لِلْفِطْرَةِ) عَنْ دَيْنِهِ (وَلَوْ مُؤَجَّلًا) وَ (عَنْ) كِسْوَتِهِ (وَكِسْوَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ اللَّائِقِتَيْنِ بِهِمْ) وَ (عَنْ) مَسْكَنِهِ (وَمَسْكَنِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ اللَّائِقَيْنِ بِهِمْ. إِذَا كَانَ مُسْتَأْجِرًا يَكُونُ زَائِدًا عَنْ إِيجَارِ بَيْتِهِ) وَ (عَنْ) قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ يَوْمَ الْعِيدِ وَلَيْلَتَهُ (الْمُتَأَخِّرَةَ عَنْهُ أَيِ اللَّيْلَةَ الْمُتَأَخِّرَةَ عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُ دَفْعِهَا عَنْ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الْعِيدِ بِلا عُذْرٍ. يَعْنِي بَعْدَ الْعِيدِ وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا فِي رَمَضَانَ وَلَوْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَالسُّنَّةُ إِخْرَاجُهَا يَوْمَ الْعِيدِ وَقَبْلَ الصَّلاةِ أَيْ صَلاةِ الْعِيدِ).

 

   الشَّرْحُ لا تَجِبُ الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ ذُكِرَ إِلَّا إِذَا فَضَلَ مَا يُخْرِجُهُ لِلْفِطْرَةِ عَنْ دَيْنِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا، وَعَنْ كِسْوَتِهِ وَكِسْوَةِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ اللَّائِقَيْنِ بِهِمَا مَنْصِبًا وَمُرُوءَةً قَدْرًا وَنَوْعًا (فَكِسْوَةُ الْقَاضِي مُخْتَلِفَةٌ عَنْ كِسْوَةِ غَيْرِهِ، مَثَلًا) وَزَمَانًا (فَكِسْوَةُ الصَّيْفِ غَيْرُ كِسْوَةِ الشِّتَاءِ) وَمَكَانًا (فَفِي بَعْضِ الْبِلَادِ، الْكِسْوَةُ الَّتِي تُعْتَبَرُ كِسْوَةً لَائِقَةً تَخْتَلِفُ عَنْ الْكِسْوَةِ الَّتِي تُعْتَبَرُ لَائِقَةً فِي بَلَدٍ آخَرَ، وَيَخْتَلِفُ الْأَمْرُ بِاشْتِدَادِ الْبَرْدِ وَالْحَرِّ وَإِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَيُرَاعَى كُلُّ ذَلِكَ فِي هَذَا) حَتَّى مَا يُتَجَمَّلُ بِهِ (يَعْنِي إِذَا كَانَ عِنْدَهُ الْكِسْوَةُ الَّتِي تَقِيهِ الْحَرَّ أَوِ الْبَرْدَ، كِسْوَةُ الْفَصْلِ، وَلَكِنْ لَا يُحَصِّلُ مَا يَتَجَمَّلُ بِهِ يَوْمَ الْعِيدِ، يَعْنِي إِنْ أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يَتَجَمَّلُ بِهِ يَوْمَ الْعِيدِ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ لَا يَفْضُلُ عِنْدَهُ شَيْءٌ، فَهَذَا لَا يَكُونُ مُكَلَّفًا بِزَكَاةِ الْفِطْرِ. هَذِهِ كِسْوَةُ يَوْمِ الْعِيدِ أَيْ مَا يَتَجَمَّلُ بِهِ يَوْمَ الْعِيدِ دَاخِلَةٌ) مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ مِثْلِهِ يَوْمَ الْعِيدِ أَوْ يَحْتَاجُهُ لِنَحْوِ بَرْدٍ، وَعَنْ مَسْكَنِهِ وَمَسْكَنِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمُ اللَّائِقَيْنِ بِهِمْ وَإِنِ اعْتَادَ السَّكَنَ بِأُجْرَةٍ وَكَذَا عَنْ خَادِمِهِ وَخَادِمِ زَوْجَتِهِ الَّذِي أَخْدَمَهَا إِيَّاهُ، وَعَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ مَنْ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ وَلَوْ مَا اعْتِيدَ لِلْعِيدِ كَالْحَلْوَى لَيْلَةَ الْعِيدِ (هُنَا الْمُرَادُ اللَّيْلَةُ الَّتِي بَعْدَ الْعِيدِ، أَيْ لَيْلَةُ الثَّانِي مِنْ شَوَّالٍ) الْمُتَأَخِّرَةَ عَنْ يَوْمِهِ وَيَوْمَهُ. وَأَمَّا مَنْ طَرَأَ لَهُ الْقُدْرَةُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ ءَاخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلَةِ أَوْ فِي أَثْنَاءِ يَوْمِ الْعِيدِ أَخْرَجَهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا عَلَيْهِ (إِنْ شَاءَ لَا يُخْرِجُهَا، وَإِنْ أَخْرَجَهَا، يُخْرِجُهَا تَطَوُّعًا، لَيْسَ بِنِيَّةِ أَنَّهَا فَرْضٌ).

   وَيَجُوزُ إِخْرَاجُهَا فِي رَمَضَانَ وَلَوْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَالسُّنَّةُ إِخْرَاجُهَا يَوْمَ الْعِيدِ (يَعْنِي بَعْدَ الْفَجْرِ) وَقَبْلَ الصَّلاةِ أَيْ صَلاةِ الْعِيدِ، وَيَحْرُمُ تَأْخِيرُهَا عَنْ يَوْمِ الْعِيدِ بِلا عُذْرٍ.

   وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ شَخْصٍ هِيَ صَاعٌ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ وَالصَّاعُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ وَالْمُدُّ مِلْءُ الْكَّفَيْنِ الْمُعْتَدِلَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَتَجِبُ النِّيَّةُ (فِي الْقَلْبِ) فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ (فَتَكْفِي) مَعَ الإِفْرَازِ لِلْقَدْرِ الْمُخْرَجِ (زَكَاةً كَأَنْ يَنْوِيَ أَنَّهَا زَكَاةُ مَالِي الْمَفْرُوضَةُ أَوْ صَدَقَةُ مَالِي الْوَاجِبَةُ أَوْ أَنَّهَا زَكَاةُ بَدَنِي، وَالإِفْرَازُ هُوَ عَزْلُ الْقَدْرِ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يُزَكِّيَهُ عَنْ بَاقِي مَالِهِ. فَتَكْفِي النِّيَّةُ عِنْدَ عَزْلِ الزَّكَاةِ عَنِ الْمَالِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ وَقَبْلَ التَّفْرِقَةِ أَوْ عِنْدَ التَّفْرِقَةِ).

   الشَّرْحُ تَجِبُ النِّيَّةُ الْقَلْبِيَّةُ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ (مَعَ الْإِفْرَازِ) كَأَنْ يَقُولَ بِقَلْبِهِ هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي أَوْ بَدَنِي أَوْ صَدَقَةُ مَالِي الْمَفْرُوضَةُ أَوْ صَدَقَةُ الْمَالِ الْمَفْرُوضَةُ أَوِ الْوَاجِبَةُ وَلا يَجِبُ تَعْيِينُ الْمُخْرَجِ عَنْهُ (يعني لَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَسْتَحْضِرَ أَنَّنِي أَدْفَعُ هَذَا عَنْ وَلَدِي فُلَانٍ، وَوَلَدِي فُلَانٍ، وَأُمِّي، وَأَبِي، وَزَوْجَتِي، إِنَّمَا يَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ فِي قَلْبِهِ أَنَّ هَذِهِ هِيَ الزَّكَاةُ الْوَاجِبَةُ عَلَيَّ) فِي النِّيَّةِ فَلَوْ لَمْ يَنْوِ إِلَّا بَعْدَ الدَّفْعِ لَمْ تَصِحَّ. وَالإِفْرَازُ هُوَ عَزْلُ الْقَدْرِ الَّذِي يَكُونُ زَكَاةً عَنْ مَالِهِ فَتَكْفِي النِّيَّةُ عِنْدَ عَزْلِ الزَّكَاةِ عَنِ الْمَالِ أَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ وَقَبْلَ التَّفْرِقَةِ أَوْ عِنْدَ التَّفْرِقَةِ.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ صَرْفُهَا (أَيِ الزَّكَاةِ) إِلَى مَنْ وُجِدَ فِي بَلَدِ الْمَالِ مِنَ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ (الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْءَانِ) مِنَ الْفُقُرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَهُمُ الْمَدِينُونَ الْعَاجِزُونَ عَنِ الْوَفَاءِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَهُمُ الْغُزَاةُ الْمُتَطَوِّعُونَ لَيْسَ مَعْنَاهُ كُلَّ عَمَلٍ خَيْرِيٍّ وَ (تُصْرَفُ الزَّكَاةُ أَيْضًا إِلَى) ابْنِ السَّبِيلِ وَهُوَ الْمُسَافِرُ (أَوْ مُرِيدُ السَّفَرِ) الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ مَا يُوصِلُهُ إِلَى مَقْصَدِهِ.

   الشَّرْحُ لا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى غَيْرِ هَؤُلاءِ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي الْقُرْءَانِ بِقَوْلِهِ ﴿إِنَّمَـا الصَّدَقَاتُ (أَيْ الصَّدَقَاتُ الْوَاجِبَةُ، يَعْنِي الزَّكَاةَ) لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ وَلا يَجُوزُ صَرْفُهَا عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ إِلَّا إِلَى ثَلاثَةٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ فَأَكْثَرَ مِنْ هَؤُلاءِ الثَّمَانِيَةِ (يَعْنِي عَلَى الْأَقَلِّ ثَلَاثَةٌ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، إِلَّا الْعَامِلَ، لِأَنَّ الْعَامِلَ قَدْ لَا يَكُونُ إِلَّا وَاحِدًا. فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ إِلَّا أَرْبَعَةُ أَصْنَافٍ، فَيُدْفَعُ إِلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ، وَهَكَذَا) أَيْ إِلَى مَنْ يُوجَدُ مِنْهُمْ فِي بَلَدِ الزَّكَاةِ أَيْ فِي بَلَدِ الْمَالِ لَكِنِ اخْتَارَ جَمْعٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ جَوَازَ صَرْفِ زَكَاةِ الْفِطْرِ لِثَلاثَةِ فُقَرَاءَ أَوْ مَسَاكِينَ (جَمْعٌ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ قَالُوا لَوْ أَعْطَى ثَلَاثَةَ فُقَرَاءَ فَقَطْ، أَوْ ثَلَاثَةَ مَسَاكِينَ فَقَطْ، يَكْفِي، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ كُلَّ الْأَصْنَافِ)، وَجَمْعٌ ءَاخَرُونَ اخْتَارُوا جَوَازَ صَرْفِ زَكَاةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ لِمُسْتَحِقٍّ وَاحِدٍ.

   وَالْفَقِيرُ هُوَ مَنْ لا نَفَقَةَ عَلَى غَيْرِهِ وَاجِبَةٌ لَهُ (أَي لَا يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ يَجِبُ عَلَى غَيْرِهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ، يَكُونُ مَكْفِيًّا بِغَيْرِهِ. الزَّوْجَةُ مَكْفِيَّةٌ بِغَيْرِهَا، بِزَوْجِهَا، وَالْأَبُ الْفَقِيرُ مَكْفِيٌّ بِغَيْرِهِ، بِالْوَلَدِ إِذَا كَانَ الْوَلَدُ مُوسِرًا. لِذَلِكَ قَالَ “مَنْ لَا نَفَقَةَ عَلَى غَيْرِهِ وَاجِبَةٌ لَهُ”) وَلا يَجِدُ إِلَّا أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ كِفَايَتِهِ (أَيْ مَا يَتَعَلَّقُ بِالطَّعَامِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْكَنِ، وَاللِّبَاسِ، وَسَائِرِ مَا يَحْتَاجُهُ مِمَّا لَا بُدَّ مِنْهُ. وَيُنْظَرُ إِلَى حَالِهِ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ، فَالْقَاضِي غَيْرُ غَيْرِ الْقَاضِي، وَالْأَعْزَبُ غَيْرُ الْمُتَزَوِّجِ، ثُمَّ عَلَى حَالِهِ تُنْظَرُ الْكِفَايَةُ) كَالَّذِي يَحْتَاجُ لِعَشْرَةٍ وَلا يَجِدُ إِلَّا أَرْبَعَةً فَأَقَلَّ (وَذَلِكَ لِلْحَاجَاتِ الْأَصْلِيَّةِ، يَعْنِي الَّذِي يُقَسِّطُ مِيكْرُوُويف أَوْ تِلِفِزْيُونًا فَيَدْفَعُ شَهْرِيًّا، فَهَذَا لَا يَكُونُ فَقِيرًا.

الْمِيكْرُوُويفُ، وَالتِّلِفِزْيُونُ، وَالسَّاتِلَايتُ لَيْسَتْ مِنَ الْحَاجَاتِ الْأَصْلِيَّةِ).

   وَالْمِسْكِينُ هُوَ الَّذِي لَهُ مَا يَسُدُّ مَسَدًّا مِنْ حَاجَتِهِ (أَيْ شَيْئًا مِنْ حَاجَتِهِ) إِمَّا بِمِلْكٍ أَوْ بِعَمَلٍ يُغِلُّ لَهُ لَكِنَّهُ لا يَكْفِيهِ كِفَايَةً لائِقَةً بِحَالِهِ كَمَنْ يَحْتَاجُ لِعَشْرَةٍ فَلا يَجِدُ إِلَّا ثَمَانِيَةً فَيُعْطَى كِفَايَتُهُ (الْمِسْكِينُ أَحْسَنُ حَالًا مِنَ الْفَقِيرِ، وَهَذِهِ الْكِفَايَةُ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْحَالِ، بِاخْتِلَافِ السِّنِّ، مِثْلًا. مَثَلًا وَاحِدٌ بَلَغَ الْعُمُرَ الْغَالِبَ، يُعْطَى كِفَايَةَ سَنَةٍ، فَإِذَا عَاشَ هَذِهِ السَّنَةَ، يُعْطَى سَنَةً ثَانِيَةً، إِنْ كَانَ مَا زَالَ بِحَالِ الْمَسْكَنَةِ. الْعُمُرُ الْغَالِبُ سِتُّونَ، وَهَكَذَا، وَلَوْ عَاشَ إِلَى الْمِائَةِ. أَمَّا مَنْ كَانَ دُونَ السِّنِّ الْغَالِبِ، فَتَتَفَاوَتُ كِفَايَتُهُ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ. الْمُعْضُوبُ لَيْسَ كَمَنْ هُوَ لَيْسَ مُعْضُوبًا. الْمُعْضُوبُ يُعْطَى إِلَى كِفَايَةِ السِّنِّ الْغَالِبِ، يَعْنِي إِلَى السِّتِّينِ. فَإِذَا كَانَ عُمُرُهُ أَرْبَعِينَ وَمُعْضُوبًا، يُعْطَى كِفَايَتَهُ لِعِشْرِينَ سَنَةً. يُوجَدُ تَفَاصِيلُ فِي مَوْضُوعِ الْكِفَايَةِ، تُؤْخَذُ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الثِّقَاتِ).

   فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِلْكٌ يَجِدُ مِنْهُ كِفَايَتَهُ فَلا يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَخَذَ الزَّكَاةَ بِاسْمِ الْمَسْكَنَةِ أَوِ الْفَقْرِ، وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ يَكْفِيهِ دَخْلُهُ لا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الزَّكَاةَ بِاسْمِ الْفَقْرِ أَوِ الْمَسْكَنَةِ لِأَنَّ هَذَا غَنِيٌّ بِعَمَلِهِ كَمَا أَنَّ الأَوَّلَ غَنِيٌّ بِمَالِهِ.

   وَالْعَامِلُونَ عَلَيْهَا (هَذَا السَّهْمُ فِي أَيَّامِنَا لَا وُجُودَ لَهُ، لِأَنَّ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) فَهُمُ الَّذِينَ نَصَّبَهُمُ الْخَلِيفَةُ أَوِ السُّلْطَانُ لِأَخْذِ الزَّكَوَاتِ مِنْ أَصْحَابِ الأَمْوَال (وَلَا خَلِيفَةَ فِي أَيَّامِنَا، وَنَحْنُ الْآنَ فِي أَوَّلِ أَشْهُرِ سَنَةِ ٢٠٢٥ رُومِيَّةٍ. وَمِنَ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا السَّاعِي الَّذِي يَذْهَبُ إِلَيْهِمْ وَيَأْمُرُهُمْ بِدَفْعِ الزَّكَاةِ، أَوِ الْكَاتِبُ الَّذِي يَكْتُبُ أَمْوَالَ الزَّكَاةِ، أَوِ الْقَاسِمُ الَّذِي يُقَسِّمُ عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ، أَوِ الْحَاشِرُ الَّذِي يَحْشُرُ مَالَ الزَّكَاةِ، وَالْكَيَّالُ، وَالْوَزَّانُ، وَغَيْرُهُمْ… أَصْنَافٌ كَثِيرَةٌ تَدْخُلُ تَحْتَ سَهْمِ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا. فَهَؤُلَاءِ الْعَامِلُونَ عَلَيْهَا، إِمَّا أَنْ يَسْتَأْجِرَهُمُ الْخَلِيفَةُ اسْتِئْجَارًا، أَوْ لَا. فَإِنِ اسْتَأْجَرَهُمْ بِأُجْرَةٍ، صَارُوا أُجَرَاءَ، فَإِنْ أَدَّوُا الْعَمَلَ، يَسْتَحِقُّونَ الْأُجْرَةَ فَقَطْ، لَا زِيَادَةً وَلَا نُقْصَانَ. أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنِ اسْتَأْجَرَهُمْ، فَعِنْدَ ذَلِكَ يُعْطَوْنَ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ. لِذَلِكَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُمْ أُجْرَةً مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَإِلَّا فَلا يَجُوزُ إِعْطَاؤُهُمْ مِنَ الزَّكَاةِ. ثُمَّ إِذَا دَفَعَ الْمَالِكُ الزَّكَاةَ بِنَفْسِهِ سَقَطَ الْعَامِلُ (أَيْ فِي زَكَاةِ هَذَا الشَّخْصِ بِعَيْنِهِ الْعَامِلُ لَيْسَ لَهُ حِصَّةٌ. وَالْقَادِرُ عَلَى أَنْ يُوصِلَ الزَّكَاةَ لِلْمُسْتَحِقِّينَ بِنَفْسِهِ، الْأَفْضَلُ أَنْ يُخْرِجَهَا هُوَ) وَكَذَلِكَ إِذَا وَكَّلَ إِنْسَانًا يُوَزِّعُ عَنْهُ يَسْقُطُ سَهْمُ الْعَامِلِ فَتَصِيرُ الزَّكَاةُ لِسَبْعَةِ أَصْنَافٍ.

   وَأَمَّا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ هُمْ مَنْ كَانَ ضَعِيفَ النِّيَّةِ فِي أَهْلِ الإِسْلامِ أَيْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنْ يَكُونَ دَخَلَ فِي الإِسْلامِ وَفِي نَفْسِهِ وَحْشَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَيْ لَمْ يَتَآلَفْ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فَيُعْطَى حَتَّى تَقْوَى نِيَّتُهُ بِالإِسْلامِ مِنَ الزَّكَاةِ أَوْ يَكُونُ شَرِيفًا فِي قَوْمِهِ يُتَوَقَّعُ بِإِعْطَائِهِ إِسْلامُ نُظَرَائِهِ فَهَذَا أَيْضًا دَاخِلٌ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ حَتَّى إِذَا أُعْطِيَ هَذَا يَرْغَبُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هُمْ أَمْثَالُهُ مِنَ الْكُفَّارِ أَنْ يَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ. وَكَذَلِكَ يُعَدُّ مِنَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مَنْ يَكُفَّ عَنَّا (مِنَ الْمُسْلِمِينَ) شَرَّ مَنْ يَلِيهِ (أَيْ مَنْ هُوَ عَلَى الْحُدُودِ مَعَهُمْ) مِنْ كُفَّارٍ وَمَانِعِي الزَّكَاةِ فَيُعْطَى لِهَذِهِ الْمَصْلَحَةِ مِنَ الزَّكَاةِ. (وَفِي هَذَا مَشَقَّةٌ أَقَلُّ مِنْ إِرْسَالِ الْجَيْشِ، وَفِيهَا تَوْفِيرٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ)

   وَأَمَّا الرِّقَابُ فَهُمُ الْمُكَاتَبُونَ كِتَابَةً صَحِيحَةً وَهَؤُلاءِ هُمُ الَّذِينَ تَشَارَطُوا مَعَ أَسْيَادِهِمْ أَيِ الأُنَاسِ الَّذِينَ يَمْلِكُونَهُمْ عَلَى أَنْ يَدْفَعُوا كَذَا مِنَ الْمَالِ فَإِذَا دَفَعُوا ذَلِكَ الْمَبْلَغَ يَكُونُونَ أَحْرَارًا فَاللَّهُ تَعَالَى جَعَلَ لَهُمْ حَقًّا فِي الزَّكَاةِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ مَا يَفِي بِالْمَالِ الَّذِي اشْتُرِطَ عَلَيْهِمْ لِتَحَرُّرِهِمْ.

   وَأَمَّا الْغَارِمُونَ فَهُمُ الْمَدِينُونَ الْعَاجِزُونَ عَنْ رَدِّ الدَّيْنِ (بِشُرُوطٍ. يَدْخُلُ تَحْتَ الْغَارِمِينَ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ، مِثْلُ إِنْسَانٍ اسْتَدَانَ لِيَدْفَعَ دِيَةَ إِنْسَانٍ فِي الْبَلَدِ لَمْ يُعْلَمْ مَنْ قَتَلَهُ، لِتَسْكِينَ الْفِتْنَةِ، فَهَذَا يُعْطَى مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ بِضَوَابِطَ مَذْكُورَةٍ فِي كُتُبِ الْعُلَمَاءِ. فَهُنَا فِي الْكِتَابِ مِثَالٌ عَنِ الْغَارِمِينَ، لَا حَصْرًا لِلْغَارِمِينَ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَذَلِكَ كَالَّذِي اسْتَدَانَ لِنَفْسِهِ وَصَرَفَهُ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ (يَعْنِي لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ اسْتَدَانَ لِمَصْلَحَةٍ، إِنَّمَا إِنِ اسْتَدَانَ لِأَمْرٍ مُبَاحٍ أَيْضًا) أَوْ صَرَفَهُ فِي مَعْصِيَةٍ وَتَابَ وَظَهَرَتْ عَلامَاتُ صِدْقِهِ فَيُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ قَدْرُ دَيْنِهِ إِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَعَجَزَ عَنْ وَفَائِهِ.

(مَسْأَلَةٌ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَتْرُكْ مَا يَسُدُّ هَذَا الدَّيْنَ، لَا يَجِبُ عَلَى أَوْلَادِهِ سَدَادُ دُيُونِهِ. وَمِثْلُ هَذَا لَا تُسَدَّدُ دُيُونُهُ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ، لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ كَوْنِهِ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ. الزَّكَاةُ تُعْطَى لِلْأَحْيَاءِ)

   وَأَمَّا وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْغُزَاةُ (مُفْرَدُهُ غَازِي) الْمُتَطَوِّعُونَ بِالْجِهَادِ (الْكَلَامُ عَنِ الْجِهَادِ بِالسِّلَاحِ مَجَّانًا، مِنْ دُونِ رَاتِبٍ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ سَهْمٌ فِي دِيوَانِ الْمُرْتَزِقَةِ مِنَ الْفَىْءِ فَيُعْطَوْنَ مَا يَحْتَاجُونَهُ لِلْجِهَادِ وَلَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ إِعَانَةً لَهُمْ عَلَى الْغَزْوِ. (الْغُزَاةُ الْمُتَطَوِّعُونَ بِالْجِهَادِ هُمُ الَّذِينَ يَتَفَرَّغُونَ لِلْجِهَادِ وَيَأْخُذُونَ مِنْ مَالِ الْفَيْءِ، وَالْفَيْءُ مَدَاخِلُهُ كَثِيرَةٌ. مَثَلًا الْمُرْتَدُّ الَّذِي يَمُوتُ، مَالُهُ يَكُونُ فَيْئًا. هَذَا الْفَيْءُ يُقَسَّمُ خَمْسَةَ أَخْمَاسٍ (أَيْ يُجْعَلُ إِلَى خَمْسَةِ أَقْسَامٍ مُتَسَاوِيَةٍ) الْمُرْتَزِقَةُ لَهُمْ أَرْبَعَةُ أَخْمَاسٍ، وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ يُقَسِّمُونَهُ خَمْسَةَ أَقْسَامٍ، يُوضَعُ قِسْمٌ مِنْهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، وَثَانِي قِسْمٍ، وَهُوَ خُمُسٌ مِنَ الْخُمُسِ الْخَامِسِ، يَأْخُذُهُ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ، وَلَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ، نِسَاؤُهُمْ وَرِجَالُهُمْ، لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ، وَهَكَذَا…) وَالْمُرْتَزِقَةُ الأَجْنَادُ الْمَرْصُودُونَ فِي الدِّيوَانِ لِلْجِهَادِ (أَيِ الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي دِيوَانِ الْمُرْتَزِقَةِ) سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَرْصَدُوا نُفُوسَهُمْ لِلذَّبِّ (أَيْ لِلدِّفَاعِ) عَنِ الدِّينِ وَطَلَبِ الرِّزْقِ مِنْ مَالِهِ تَعَالَى (أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِطَلَبِ الرِّزْقِ، فَيَقُولُونَ يَأْتِينَا مِنَ الْجِهَادِ).

   وَأَمَّا الْمُتَطَوِّعُونَ بِالْغَزْوِ إِذَا نَشِطُوا فَهُمُ الْمُرَادُونَ بِسَبِيلِ اللَّهِ فَيُعْطَوْنَ مِنَ الزَّكَاةِ مِنْ سَهْمِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.

   وَأَمَّا ابْنُ السَّبِيلِ فَالْمُرَادُ بِهِ الْمُسَافِرُ أَوْ مُرِيدُ السَّفَرِ الْمُحْتَاجُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَكْفِيهِ لِسَفَرِهِ فَيُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ سَفَرُهُ غَيْرَ مُحَرَّمٍ فَمَنْ سَافَرَ لِغَيْرِ مَعْصِيَةٍ وَلَوْ لِنُـزْهَةٍ (ذَهَابًا وَإِيَابًا، يُسَافِرُ وَيَرْجِعُ) أَوْ كَانَ غَرِيبًا مُجْتَازًا بِمَحَلِّ الزَّكَاةِ وَكَانَ مُحْتَاجًا أُعْطِيَ مَا يَكْفِيهِ فِي سَفَرِهِ ذَهَابًا وَإِيَّابًا (وَاحِدٌ مُجْتَازٌ بِبَلَدِ الزَّكَاةِ، وَمَا عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ لِلْوُصُولِ إِلَى مَقْصِدِهِ وَالرُّجُوعِ إِلَى بَلَدِهِ، يُعْطَى مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ مَا يَكْفِيهِ لِذَلِكَ، أَيْ لِلْوُصُولِ وَالرُّجُوعِ) إِنْ كَانَ يَقْصِدُ الرُّجُوعَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يُسَافِرُ مِنْهُ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ بِغَيْرِ مَحَلِّ الزَّكَاةِ (مَثَلًا أَتَى مِنْ فِلَسْطِينَ إِلَى لُبْنَانَ، وَانْقَطَعَ فِي بَيْرُوتَ، لَكِنْ عِنْدَهُ مَالٌ فِي فِلَسْطِينِ) أَوْ وُجِدَ مَنْ يُقْرِضُهُ فَإِنَّهُ يُعْطَى (لَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَقْتَرِضَ، إِنَّمَا نُعْطِيهِ مِنْ مَالِ الزَّكَاةِ. لَا يُقَالُ لَهُ “أَنْتَ يُوجَدُ مَنْ يُقْرِضُكَ فَلَا تُعْطَى مِنَ الزَّكَاةِ”، بَلْ يُعْطَى). أَمَّا الْمُسَافِرُ سَفَرًا مُحَرَّمًا (مِثْلَ الَّذِي سَافَرَ لِيَسْرِقَ، أَوِ الَّذِي هَرَبَ مِنَ الدَّائِنِ بَعْدَ حُلُولِ الدَّيْنِ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الْوَفَاءِ، أَوْ مِثْلَ الَّذِي هَرَبَ مِنْ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ، أَوْ مِثْلَ الْمَرْأَةِ الَّتِي سَافَرَتْ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ زَوْجِهَا، أَوِ الْعَبْدِ الَّذِي هَرَبَ مِنْ سَيِّدِهِ، أَوِ الْمَرْأَةِ الَّتِي تُسَافِرُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ… كُلُّ هَذَا. أَمَّا لَوْ كَانَ وَاحِدٌ سَافَرَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، ثُمَّ فِي أَثْنَاءِ السَّفَرِ عَمِلَ مَعْصِيَةً، كَذَبَ مَثَلًا، فَهَذَا لَا يَكُونُ سَفَرُهُ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ. هَذِهِ مَعْصِيَةٌ عَمِلَهَا فِي السَّفَرِ، أَمَّا نَحْنُ فَكَلَامُنَا إِذَا كَانَ نَفْسُ السَّفَرِ مَعْصِيَةً) فَلا يُعْطَى لِأَنَّ فِيهِ إِعَانَةً عَلَى مَعْصِيَةٍ فَإِنْ تَابَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ (ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى بَلادِهِ) أُعْطِيَ مَا يَحْتَاجُهُ لِبَقِيَّةِ سَفَرِهِ.

   وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الدَّفْعِ أَنْ يَكُونَ الآخِذُ غَيْرَ هَاشِمِيٍّ وَلا مُطَّلِبِيٍّ (هَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ أَخَوَانِ، وَالنَّبِيُّ ﷺ جَاءَ مِنْ ذُرِّيَّةِ هَاشِمٍ) وَلا مَوْلًى لَهُمْ (أَيْ وَلَا إِنْسَانًا كَانَ عَبْدًا لِهَاشِمِيٍّ أَوْ مُطَّلِبِيٍّ، ثُمَّ حُرِّرَ، أَعْتَقَهُ هَاشِمِيٌّ أَوْ مُطَّلِبِيٌّ. لَيْسَ الْمُرَادُ الْعَبْدَ، لِأَنَّ الْعَبْدَ أَصْلًا لَا يُعْطَى، إِنَّمَا الْمُرَادُ الَّذِي أَعْتَقَهُ هَاشِمِيٌّ أَوْ مُطَّلِبِيٌّ) فَالْهَاشِمِيُّ وَالْمُطَّلِبِيُّ وَمَوَالِيهِمْ لا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَيْهِمْ وَالْهَاشِمِيُّ هُوَ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا مِنْ ذُرِّيَّةِ هَاشِمِ بنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَالْمُطَّلِبِيُّ هُوَ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا مِنْ ذُرِّيَّةِ الْمُطَّلِبِ، وَهَاشِمٌ وَمُطَّلِبٌ أَخَوَانِ (وَمُطَّلِبُ هُوَ عَمُّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ. عَبْدُ الْمُطَّلِبِ اسْمُهُ شَيْبَةُ الْحَمْدِ، وَعَمُّ شَيْبَةِ الْحَمْدِ هُوَ الْمُطَّلِبُ)، فَمَنْ كَانَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا فَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي الزَّكَاةِ إِنَّمَا حَقُّهُ فِي خُمْسِ الْخُمُسِ (٤%) مِنَ الْغَنِيمَةِ وَالْفَىْءِ، وَالْفَىْءُ هُوَ مَا هَرَبَ عَنْهُ الْكُفَّارُ مِنْ مَالٍ خَوْفًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ قِتَالِهِمْ (أَيْ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيكٍ لِجَيْشِ الْمُسْلِمِينَ).

مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ: حَدِيثُ إِنَّمَا الصَّدَقَةُ لَا تَنْبَغِي لِآلِ مُحَمَّدٍ، إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ. أَوْسَاخُ النَّاسِ مَعْنَاهُ تُغَسِّلُ ذُنُوبَهُمْ. هَذَا لَيْسَ سَبًّا لِلزَّكَاةِ، إِنَّمَا شَبَّهَ الرَّسُولُ ﷺ الزَّكَاةَ بِالْمَاءِ الَّذِي يُغْسَلُ بِهِ الْوَسَخُ وَالنَّجَاسَةُ. الزَّكَاةُ تُطَهِّرُ مِنَ الذُّنُوبِ، هَذَا مَعْنَاهُ.

مَسْأَلَةٌ: الَّذِي يَشُكُّ هَلْ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ أَمْ لَا، لَا يَأْخُذُ مِنَ الزَّكَاةِ.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلا يَجُوزُ (أَيْ حَرامٌ) وَلا يُجْزِئُ (أَيْ لا يَكْفي) صَرْفُهَا (أَىِ الزَّكَاةِ) لِغَيْرِهِمْ (أَيْ لَا تَبْرَأُ ذِمَّةُ مَنْ دَفَعَ الزَّكَاةَ لِغَيْرِهِمْ ، أَيْ لِغَيْرِ الْمُسْتَحِقِّينَ لَهَا وَهُمُ الأَصْنَافُ الثَّمَانِيَةُ الَّذِينَ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي الْقُرْءَانِ في ءايَةِ الصَّدَقاتِ، وَلا يَصِحَّ ذَلِكَ فَتَبْقَى دَيْنًا في ذِمَّتِهِ حَتَّى يَدْفَعَها وَإِنْ ماتَ وَلَمْ يَدْفَعْهَا يَسْتَحِقُّ العُقوبَةَ في الآخِرَةِ. وَإِنَّمَا تُصْرَفُ إِلَيْهِمْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ مِنْ غَيْرِ بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَأَمَّا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ فَلا تَحِلُّ لَهُمُ الزَّكَاةُ وَلَوْ كَانُوا فُقَرَاءَ. لِأَنَّ الرَّسُولُ ﷺ قالَ عَنْ هاشِمٍ وعَبْدِ الـمُطَّلِبِ إنَّهُما أَخَوَانِ وَشَبَّكَ بِأَصابِعِ يَدَيْهِ، بَنُو هاشِمٍ وَبَنُو عَبْدِ الـمُطَّلِبِ حُكْمُهُمْ واحِدٌ. لا يَأْخُذُ مَنْ كانَ مَنْسُوبًا إِلَيْهِما مِنَ الزَّكاة. وَلَا يَجوزُ دَفْعُ الزَّكاةِ لِمَنْ كانَ مَنْسُوبًا لِلرَّسولِ ﷺ لِأَنَّ الرَّسولَ ﷺ قالَ عَنْهَا وَإِنَّها لا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلا لآلِ مُحَمَّدٍ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِإِخْراجِ الزَّكاةِ مِنْ بَلَدِ الزَّكاةِ إِلى بَلَدٍ ءاخَرَ فَهَذا فيهِ خِلافٌ، قالَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَجوزُ وَقالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ).

   الشَّرْحُ لا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إِلَّا لِمَنْ عُلِمَ أَنَّهُ مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ مِنَ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ. وَقَوْلُهُ (وَلا يَجُوزُ وَلا يُجْزِئُ صَرْفُهَا لِغَيْرِهِمْ) أَفَادَ بِهِ أَنَّهُ لا يَجُوزُ أَيْ يَحْرُمُ وَلا يَصِحُّ دَفْعُ الزَّكَاةِ إِلَى غَيْرِ هَؤُلاءِ الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ الْمَذْكُورِينَ فِي ءَايَةِ بَرَاءَةَ فَإِنْ وُجِدُوا كُلُّهُمْ وَكَانَ الإِمَامُ (أَيِ الْخَلِيفَةُ) هُوَ الْقَاسِمُ لِلزَّكَاةِ وَجَبَ تَعْمِيمُهُمْ (أَيِ اسْتِيعَابُهُمْ، اسْتِيعَابُ جَمِيعِ الْأَصْنَافِ، يَعْنِي يَجِبُ أَنْ يُعْطَى الْكُلُّ، لَيْسَ صِنْفًا وَاحِدًا. أَمَّا لَوْ كَانَ الشَّخْصُ يَدْفَعُ زَكَاتَهُ بِيَدِهِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ، سَقَطَ سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا بِالنِّسْبَةِ لَهُ، فَيُعَمِّمُهَا عَلَى مَنْ وُجِدَ فِي بَلَدِ الزَّكَاةِ مِنَ الْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ الْبَاقِيَةِ. وَهَذَا) عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الإِمَامُ هُوَ الْقَاسِمُ فَمَنْ عَدَا الْعَامِلِ يَجِبُ تَعْمِيمُهُ فِي الْمَذْهَبِ إِنْ كَانُوا مَحْصُورِينَ فِي الْبَلَدِ وَكَانَ الْمَالُ يَكْفِي حَاجَاتَهُمُ النَّاجِزَةَ (إِنْ كَانَ الْإِمَامُ أَيِ الْخَلِيفَةُ هُوَ الَّذِي يُقَسِّمُ أَمْوَالَ الزَّكَاةِ، يَكُونُ هُنَاكَ عَامِلُونَ عَلَيْهَا. أَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ إِمَامٌ، أَي خَلِيفَةٌ، سَقَطَ سَهْمُ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا، فَتُوَزَّعُ عَلَى الْأَصْنَافِ السَّبْعَةِ، أَي عَلَى مَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ)، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِي بَلَدِ الزَّكَاةِ إِلَّا بَعْضُهُمْ دُفِعَ لِمَنْ وُجِدَ مِنْهُمْ.

   وَأَقَلُّ الْعَدَدِ الَّذِي يُدْفَعُ إِلَيْهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ ثَلاثَةُ أَشْخَاصٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ، وَاخْتَارَ جَمْعٌ مِنْ أَتْبَاعِ الشَّافِعِيِّ جَوَازَ دَفْعِ زَكَاةِ وَاحِدٍ لِمُسْتَحِقٍّ وَاحِدٍ كَمَا تَقَدَّمَ وَهُوَ قَوْلُ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَةِ (أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَاحْتَجَّ، فَقَالَ اللهُ تَعَالَى قَالَ ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ مَا قَالَ “لِلْفَقِيرِ”، فَأَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ، وَ﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾ مَا قَالَ “لِلْمِسْكِينِ”، وَالْمَسَاكِينُ أَقَلُّهُ يَكُونُ ثَلَاثَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ أَيْضًا اللهُ تَعَالَى قَالَ ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا﴾ مَا قَالَ “لِلْفُقَرَاءِ أَوِ الْمَسَاكِينِ أَوِ الْعَامِلِينَ عَلَيْهَا” قَالَ الشَّافِعِيُّ فَظَاهِرُ الْآيَةِ يُوجِبُ اسْتِيعَابَ الْكُلِّ، وَأَنْ يُعْطَى لِكُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةٌ عَلَى الْأَقَلِّ).

   وَمِمَّا تَقَدَّمَ يُعْلَمُ أَنَّهُ لا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ وَالْمُسْتَشْفَيَاتِ وَالْمَدَارِسِ فَمَنْ دَفَعَ مِنْ زَكَاتِهِ لِبِنَاءِ مَدْرَسَةٍ أَوْ مُسْتَشْفًى أَوْ لِبِنَاءِ مَسْجِدٍ فَلْيَعَلَمْ أَنَّ زَكَاتَهُ مَا صَحَّتْ فَيَجِبُ عَلَيْهِ إِعَادَةُ الدَّفْعِ لِلْمُسْتَحِقِّينَ. (لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَمْلِيكٌ. ﴿إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ﴾ هَذِهِ اللَّامُ لِلْمِلْكِ، أَيْ تُـمَلَّكُ لِلْفُقَرَاءِ، وَدَفْعُ الزَّكَاةِ فِي مَدْرَسَةٍ أَوْ مُسْتَشْفًى أَوْ مَسْجِدٍ لَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكٌ لِلْفَقِيرِ. ثُمَّ الْمَسْجِدُ يَدْخُلُهُ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ) وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِكُلِّ مَا هُوَ بِرٌّ وَخَيْرٌ مِمَّا عَدَا الأَصْنَافِ الثَّمَانِيَةِ وَأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ لَيْسَ كُلَّ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَالإِحْسَانِ مِنْ بِنَاءِ مَسْجِدٍ وَمَدْرَسَةٍ وَمَارَسْتَانٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ هُوَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ ذَكَرَ الزَّكَاةَ (إِنَّهَا لا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَـوِيٍّ) وَقَوْلُهُ ﷺ لِرَجُلَيْنِ جَاءَا يَسْأَلانِهِ الزَّكَاةَ وَكَانَا قَوِيَيْنِ (إِنْ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا وَلَيْسَ فِيهَا حَقٌّ لِغَنِيٍّ وَلا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ) رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُدَ وَالْبَيْهَقِيُّ (حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الزَّكَاةَ عَلَى مَنْ يَمْلِكُ مَالًا يَكْفِيهِ لِحَاجَاتِهِ، وَعَلَى مَنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي يَكْفِيهِ لِحَاجَاتِهِ الْأَصْلِيَّةِ، لِأَنَّ “الْمِرَّةَ” هِيَ الْقُوَّةُ وَهِيَ الْقُدْرَةُ عَلَى الِاكْتِسَابِ، وَ”السَّوِيُّ” أَيِ التَّامُّ الْخَلْقِ، أَيْ مَنْ كَانَتْ خِلْقَتُهُ تَامَّةً، يَعْنِي لَيْسَ خُلِقَ مِنْ غَيْرِ يَدَيْنِ مِثْلًا بِحَيْثُ يَعْجِزُ عَنْ اكْتِسَابِ مَا يَكْفِيهِ) وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ كَلِمَةَ ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ تَعُمُّ كُلَّ مَشْرُوعٍ خَيْرِيٍّ أَحَدٌ مِنَ الأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ إِنَّمَا ذَلِكَ ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِمَّنْ لَيْسَ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِينَ هُمْ مُجْتَهِدُونَ بَلْ قَوْلُهُ يُخَالِفُ أَقْوَالَ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَصْحَابِ الْوُجُوهِ مِنْ أَهْلِ الْمَذْهَبِ فَحَرَامٌ أَنْ يُؤْخَذَ بِقَوْلِ هَذَا الْعَالِمِ. وَلْيُحْذَرْ مِنْ هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَجْمَعُونَ أَمْوَالَ الزَّكَوَاتِ هَذِهِ بِاسْمِ الْمُسْتَشْفَى أَوْ بِنَاءِ جَامِعٍ أَوْ بِنَاءِ مَدْرَسَةٍ فَإِنَّ هَذَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ وَحَرَامٌ عَلَى الَّذِينَ يُعْطُونَهُمْ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كُلُّ عَمَلٍ خَيْرِيٍّ يَدْخُلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ مَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ (لَيْسَ فِيهَا حَقٌّ لِغَنِيٍّ وَلا لِقَوِيٍّ مُكْتَسِبٍ) وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ (إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ (أَيْ يَتَصَرَّفُونَ) فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ).

 

هَلْ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ لِزَوْجَتِهِ أَوْ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ الْفُقَرَاءِ.

        لا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ لِزَوْجَتِهِ وَلا لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ الْفُقَرَاءِ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُمْ. وَيَجُوزُ فِى الْمَذْهَبِ الشَّافِعِىِّ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ لِوَلَدِهِ الْبَالِغِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى إِنْ كَانَ فَقِيرًا وَلَمْ يَكُنْ مَنْسُوبًا أَىْ لا يَنْتَهِى نَسَبُهُ إِلَى الْحَسَنِ أَوِ الْحُسَيْنِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَمَنْ كَانَ مَنْسُوبًا إِلَى عَلِىٍّ أَوْ جَعْفَرٍ أَوْ عَقِيلٍ أَوِ الْعَبَّاسِ لا يَجُوزُ أَنْ يَأْكُلَ مَالَ الزَّكَاةِ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ الشَّافِعِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ دَفْعُ الزَّكَاةِ بِالْعُمْلَةِ الْوَرَقِيَّةِ. أَمَّا فِى الْمَذْهَبِ الْحَنَفِىِّ فَلا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ لِلأُصُولِ كَالأَبِ وَالأُمِّ وَلا لِلْفُرُوعِ كَالِابْنِ وَالْبِنْتِ فَالَّذِى يُخْرِجُ زَكَاتَهُ بِالْعُمْلَةِ الْوَرَقِيَّةِ أَىْ يَدْفَعُ الْقِيمَةَ بِالْعُمْلَةِ الْوَرَقِيَّةِ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ لِزَوْجَتِهِ وَلا لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَلا لِأَوْلادِهِ الْبَالِغِينَ وَيَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ لِأَخِيهِ وأُخْتِهِ الْفَقِيرَيْنِ.

وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 

لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/exRZsiiAFFk

 

لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ:   https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-22