(218) مَا الدَّلِيلُ عَلَى بَرَاءَةِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهَا.
اعْلَمْ أَنَّهُ لا يَجُوزُ اعْتِقَادُ أَنَّ النَّبِىَّ ظَنَّ بِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ الزِّنَى إِنَّمَا بَعْضُ الْمُنَافِقِينَ نَسَبُوا لِعَائِشَةَ الزِّنَى بُهْتَانًا وَهَؤُلاءِ كَانُوا يَدَّعُونَ الإِسْلامَ ظَاهِرًا وَيُبْطِنُونَ الْكُرْهَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ سُمِّيَتْ تِلْكَ الْحَادِثَةُ بِحَادِثَةِ الإِفْكِ، وَلَمَّا سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِذَلِكَ تَأَذَّى أَذًى شَدِيدًا وَكَيْفَ لا وَقَدْ رُمِيَتْ أَقْرَبُ زَوْجَاتِهِ إِلَى قَلْبِهِ بِالْفَاحِشَةِ، وَلَمَّا سَأَلُوا النَّبِىَّ وَمَاذَا يَقُولُ فِى ذَلِكَ سَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا وَهَذَا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ شَكَّ أَوْ ظَنَّ بِعَائِشَةَ أَنَّهَا ارْتَكَبَتْ تِلْكَ الْفِعْلَةَ الْخَبِيثَةَ كَمَا يَدَّعِى بَعْضُ الْجَهَلَةِ وَإِنَّمَا الرَّسُولُ ﷺ مَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِدُونِ وَحْىٍ مِنَ اللَّهِ حَتَّى لا يُقَالَ فِيهِ إِنَّهُ يُدَافِعُ عَنْ زَوْجَتِهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ، وَكَانَ ﷺ يَعْلَمُ أَنَّهَا بَرِيئَةٌ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهَا وَقَدْ نَزَلَ الْوَحْىُ بِتَبْرِئَتِهَا فِى سُورَةِ النُّورِ قَالَ تَعَالَى ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ مَعْنَاهُ الرَّسُولُ طَيِّبٌ وَعَائِشَةُ طَيِّبَةٌ فَهَذِهِ تَبْرِئَةٌ مِنَ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ الَّذِى لا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ وَقَالَ الرَّسُولُ ﷺ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الآيَةِ يَا عَائِشَةُ أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ، فَالْقَوْلُ بِأَنَّ عَائِشَةَ ارْتَكَبَتِ الْفَاحِشَةَ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْءَانِ وَطَعْنٌ فِى عِرْضِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَأَذًى لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَةِ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ مَا ذَكَرَهُ النَّيْسَابُورِىُّ فِى مُسْتَدْرَكِهِ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ قَالَ لِعَائِشَةَ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِى زَوْجَتِى فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ قَالَتْ بَلَى وَاللَّهِ قَالَ فَأَنْتِ زَوْجَتِى فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَا عَائِشُ هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلام، رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ ﷺ إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَىَّ الْوَحْىُ وَأَنَا فِى لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا، يَعْنِى عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. فَأَىُّ مَكْرُمَةٍ تَنَالُهَا امْرَأَةٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ كَهَذِهِ الَّتِى خَصَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا. إِنَّهَا أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةُ الطَّاهِرَةُ أَفْقَهُ النِّسَاءِ وَأَحَبُّ النِّسَاءِ إِلَى النَّبِىِّ ﷺ فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ عَنْ عَمْرِو بنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَىُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ، قُلْتُ مِنْ الرِّجَالِ قَالَ أَبُوهَا، قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَىْ بُنَيَّةُ (يَقْصِدُ فَاطِمَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا) أَلَسْتِ تُحِبِّينَ مَا أُحِبُّ فَقَالَتْ بَلَى قَالَ فَأَحِبِّى هَذِهِ (يَعْنِى عَائِشَةَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.