الخميس مارس 28, 2024

21- صلح الحديبية

حضر سيدنا عليُّ رضي الله عنه الصلح بين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبين المشركين يوم الحديبية فكتب: “هذا ما كاتب عليه محمدٌ رسول الله” فقال المشركون “لا تكتب رسولَ الله فلو نعلم أنك رسول الله لم نقاتلك” فقال النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعليّ: “امحُهُ” ولكنّ عليًا رضي الله عنه لم يفهم من النبيِّ تحتيم المحو فقال: “ما أنا بالذي أمحوه”، ولو حتَّم محوَه بنفسه لم يجز لعلي تركه ولَمَا أقرَّه النبيُّ على المخالفة، فقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أرني مكانها” فأراه مكانها فمحاها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بيده، ثم كتب عليٌّ “محمدُ بنُ عبدِ الله”. ومن جملة ما اشترط المشركون على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنّ من جاء منكم لم نردّه عليكم، ومن جاءكم منا رددتموه علينا. قال العلماء: وافقهم النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في كتابة “محمدُ بنُ عبد الله” وتركِ كتابة رسولُ الله، وكذا وافقهم في ردّ من جاء منهم إلينا دون من ذهب منَّا إليهم للمصلحة المهمة الحاصلة بالصُلح. فالمصلحة المترتبة على إتمام هذا الصلح ما ظهر من ثمراته الباهرة وفوائده المتظاهرة التي كانت عاقبتُها فتحَ مكة، وإسلامَ أهلها كلِّها، ودخولَ الناس في دين الله أفواجًا، وذلك أنهم قبل الصلح لم يكونوا يختلطون بالمسلمين، فلمّا حصل الصلح اختلطوا بالمسلمين وجاؤوا إلى المدينة وذهب المسلمون إلى مكّة فسمعوا منهم أحوالَ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مفصّلة بجزئياتها ومعجزاته الظاهرة وأعلامَ نبوته المتظاهرَة وحسنَ سيرته وجميلَ طريقته وعاينوا بأنفسهم كثيرًا من ذلك فبادرَ قسمٌ منهم إلى الإسلام العظيم قبل فتح مكة فأسلموا بين صلح الحديبية وفتح مكة.