#21 – سيدنا إسماعيل عليه الصلاة والسلام
الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ الأَشْكالَ والألوانَ ولا شَكْلَ ولا لَوْنَ لَه، والذي خَلَقَ الجِهَةَ والْمكانَ ولا جِهَةَ ولا مَكانَ لَه، سُبحانَهُ الأعلى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، والأكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَظَمَةً وَعِزَةً وَعِزًّا، سُبْحانَهُ غَنِيٌّ عَنِ العالَمين وَلا يُشْبِهُ الْمَخْلوقين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتَمِ وَأَفْضَلِ الأنْبِياءِ وَالْمُرْسَلين، سَيِدِنا مُحَمَّدٍ الصّادِقِ الأَمين، الذي جاءَ بِدينِ الإسْلامِ كَسَائِرِ إِخْوَانِهِ النَّبِيّين. أما بعد حلقتُنا اليوم خاصةٌ بسيدِنا إسماعيل عليه السلام. هو إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ خليلِ الرحمنِ عليهما الصلاةُ والسلام، وهو ابنُ هاجرَ المِصرية التي وهبَتها سارةُ زوجةُ إبراهيمَ إلى زوجِها إبراهيم، وهو جَدُّ الرسولِ سيدِنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم إذْ إنّ الرسولَ يعودُ نسبُه إلى إسماعيلَ بنِ إبراهيم. ولما شَبَّ إسماعيلُ وصارَ يسعى في مصالِحِه كأبيه رأى إبراهيمُ عليه السلام في المنامِ أنه يذبحُ ولدَهُ إسماعيل، ورؤيا الأنبياءِ وَحي، ومن خصائِص الأنبياءِ أنَّ قلوبَهم لا تنام إنما تنامُ أعينُهم، فأخبرَ إبراهيمُ ولدَه إسماعيلَ بهذه الرؤيا فكانَ موقفَ إسماعيل الصبرُ والثبات، وأظهر لأبيه التسليمَ لأمر الله وأنه سيكونُ عَوْنًا له على طاعةِ الله، فكانَ له بذلك الدرجاتُ العُلى عندَ الله. وقد أرسلَ الله تعالى إسماعيلَ عليه السلام إلى القبائلَ العربيةِ التي عاشَ في وسطِها وإلى العماليق وأهلِ اليمن فدعاهم إلى الإسلامِ العظيم وعبادةِ الله وحدَه. وقد أثنى الله عليه ووصفَه بالحلمِ والصبرِ وصِدقِ الوعدِ والمحافظةِ على الصلاة. ولما شبَّ إسماعيلُ عليه السلام في تلك البُقعةِ المباركةِ من مكةَ المكرمة وتَرعرَعَ في قبيلةِ جُرهُم وتعلمَ منهُمُ اللغةَ العربيةَ وأساليبَها، ولما رأوا عظيمَ سيرتِه وخُلُقِه زوّجوهُ من فتاةٍ عربيةٍ من قبيلتِهم قيل: هي عِمارةُ بنتُ سعد. ثم ماتت أمُه هاجرُ عليها السلام في مكة المكرمة، وجاءَ إبراهيمُ عليه السلام مرةً إلى مكة من فلسطينَ يُريد أن يتفقّدَ إسماعيل فلم يجد إسماعيلَ عليه السلام فسألَ امرأتَه عنه فقالت: خَرجَ يبتغي لنا، ثم سألها عن عيْشِهِم، فقالت: نحنُ في ضيقٍ وشِدّة، وشكَت إليه، فقالَ لها إبراهيمُ عليه السلام: فإذا جاءَ زوجُك فاقرَئي عليهِ السلام وقولي له: يُغيّرُ عتبةَ بابِه، فلما جاءَ إسماعيلُ عليه السلام كأنَّه ءانسَ شيئًا فقال لزوجتِه: هل جاءَكُم مِن أحد؟ فقالت: نعم جاءَنا شيخٌ كذا وكذا وذَكَرت له صفتَه، فسألني عنك فأخبرتُه وسألني كيف عيشُنا؟ فأخبرتُه أنَّا في جَهدٍ وشِدّة، فقالَ لها إسماعيل: هل أوصاكِ بشىء؟ قالت: نعم، أمرني أن أقرأَ عليكَ السلام ويقولُ لك: غيِّر عَتبَةَ بابِك، فقال عندئذٍ إسماعيلُ لزوجتِه: ذاك أبي وقد أمرني أن أفارقَكِ فالحَقي بأهلِك، فطلّقَها عليه السلام وتزوّجَ من قبيلةِ جُرهمٍ امرأةً أُخرى قيل: هي السيدةُ بنتُ مُضاضٍ الجُرهُمي، وغابَ عنهم نبيُ الله إبراهيمُ عليه السلام ما شاء الله، ثم أتاهم بعدَ مدة فلم يَجدْهُ فسألَ امرأتَه عنه فقالت له: خَرجَ يبتغي لنا، أي في أمورِ المعيشة، قال: كيف أنتم؟ وسألَها عن عيشِهم وهيئتِهم، فقالت: نحن بخيرٍ وسَعَة، وأثنت على اللهِ عزّ وجلّ فقالَ لها: وما طعامُكم؟ قالت: اللحم، قال: فما شرابُكم؟ قالت: الماء، فدعا عليه الصّلاة والسلام وقالَ في دعائِه: اللهمّ بارِك لهم في اللحمِ والماء، ثم قالَ لها عليه السلام: فإذا جاءَ زوجُكِ فاقرَئي عليه السلام، ومُريهِ يُثبِّتُ عَتبةَ بابه، فلما جاءَ إسماعيلُ قال: هل أتاكم من أحد؟ قالت: نعم، أتانا شيخٌ حَسَنُ الهيئة، وأثنت عليه، فسألني عنك فأخبرتُه، فسألني كيف عيشُنا فأخبرتُه أنّا بخير، فقالَ لها إسماعيلُ: أفأوصاكِ بشىء؟ قالت: نعم هو يَقرأُ عليكَ السلام ويأمرُكَ أن تُثْبِتَ عَتبةَ بابِك، فقالَ لها عندَ ذلكَ إسماعيلُ عليه السلام: ذاك أبي وأنتِ العَتَبَة. ومن قصة إسماعيل عليه السلام أنه تعاونَ مع أبيه إبراهيم على بناءِ الكعبةِ ورفعا القواعِدَ منَ البيت، وجعلَ إسماعيلُ يأتي بالحجارة وإبراهيمُ عليه الصلاة والسلام يبني. وقد ذَكَرَ أهلُ السِيَر عَن سيدِنا اسماعيلَ عليه السلام أنَه أوّلُ مَن ركِبَ الخيلَ وكانت قبلَ ذلكَ وحوشًا فآنَسها ورَكِبها، وكانَ إسماعيلُ عليه السلام قد تكلَّمَ بالعربيةِ الفصيحةِ البليغةِ التي تعلَّمَها من قبيلةِ جُرهُم الذين نَزلوا عندَهم بمكة بسببِ ماءِ زمزمَ الطيبِ المبارك. ووُلِدَ لإسماعيلَ عليه السلامُ (من زوجتِه الثانية وهي السيدةُ بنتُ مُضاضٍ الجُرهُمي) اثنا عشَر ولدًا ذكرًا، وعَربُ الحِجازِ كلُّهم يَنتسبون إليه. ثم إنه ماتَ عليه السلام في مكةَ المكرمة بعد أن أَدى رسالةَ ربِّه وبلّغَ ما أمرَه الله بتبليغِه، ودعا إلى دينِ الإسلام العظيم وإلى عبادةِ الملكِ الديّان الموجود بلا مكان، ودُفِنَ عليه السلام قُربَ أمِه هاجرَ في الحجر، وقيل: كان عمُرُهُ يومَ ماتَ مائةً وسبعًا وثلاثينَ سنة صلواتُ الله وسلامُه عليه والله أعلمُ وأحكم.