#21
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صَادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:
كِتَابُ الزَّكَاةِ
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (فَصْلٌ) وَتَجِبُ الزَّكَاةُ (فِي أَنْوَاعٍ مَخْصُوصَةٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَفِي الْبَدَنِ، وَبَدَأَ الْكَلامَ عَلَى الأَمْوَالِ فَقَرَّرَ أَنَّهَا تَجِبُ) فِي (الأَنْعَامِ مِنَ الْبَهَائِمِ وَهِيَ) الإِبِلِ (عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا. عِرَابًا أَيْ عَرَبِيَّةً وَبَخَاتِي أَيْ غَيْرَ الْعَرَبِيَّةِ) وَالْبَقَرِ (بِمَا يَشْمَلُ الْجَوَامِيسَ أَيْضًا) وَالْغَنَمِ (وَتَشْمَلُ الضَّأْنَ وَالْمَعْزَ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهَا) وَ (تَجِبُ فِي ثِمَارِ النَّخْلِ أَيْ) التَّمْرِ (يَنْتَظِرُ مَالِكُ النَّخْلِ الَّذِي فِي ثَمَرِ نَخْلِهِ زَكَاةً حَتَّى يَتَتَمَّرَ الثَّمَرُ فَيُخْرِجَ عِنْدَ ذَلِكَ الزَّكَاةَ مِنْهُ) وَ (تَجِبُ فِي ثِمَارِ الْكَرْمَةِ أَيِ) الزَّبِيبِ (مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِنَبٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ يَنْتَظِرُ حَتَّى يَتَزَبَّبَ ثُمَّ يُخْرِجُ مِنْهُ الزَّكَاةَ. وَأَمَّا سَائِرُ ثِمَارِ الأَشْجَارِ فَلا زَكَاةَ فِيهَا إِلَّا إِذَا كَانَتْ مَالَ تِجَارَةٍ) وَ (تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي) الزُّرُوعِ الْمُقْتَاتَةِ (أَيْ الْحُبُوبِ الَّتِي يَقُومُ بِهَا الْبَدَنُ أَيْ يَعِيشُ بِهَا الْبَدَنُ إِذَا أَكَلَهَا وَحْدَهَا مِثْلُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالْفُولِ وَالْحِمِّصِ وَالذُّرَةِ وَالأَرُزِّ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ) حَالَةَ الِاخْتِيَارِ (أَيْ الَّتِي تُتَّخَذُ قُوتًا حَالَ الِاخْتِيَارِ أَيْ فِي غَيْرِ حَالَةِ الشِّدَّةِ كَالْمَجَاعَةِ، لِأَنَّ فِي حَالَةِ الْمَجَاعَةِ النَّاسُ تَقْتَاتُ بِمَا لَيْسَ قُوتًا عَادَةً، قَدْ يَقْتَاتُونَ بِالْحَنظَلِ وَهُوَ شَيْءٌ مُرٌّ شَدِيدُ الْمَرَارَةِ وَهَذَا لا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ) وَ (تَجِبُ فِي النَّقْدَيْنِ وَهُمَا) الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ (الْمَضْرُوبَانِ عُمْلَةً مَعَ الْخِلافِ فِي الْحُلِيِّ الْمُبَاحِ مِنْهُمَا) وَ (تَجِبُ فِي) الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ مِنْهُمَا (أَيْ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَأَمَّا الْمَعْدِنُ فَهُوَ مَا كَانَ مِنْهُمَا مُسْتَخْرَجًا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي خَلَقَهُمَا اللَّهُ فِيهِ فَتَجِبُ فِيهِمَا الزَّكَاةُ بَعْدَ التَّنْقِيَةِ مِنَ التُّرَابِ وَأَمَّا الرِّكَازُ فَهُوَ دَفِينُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ) وَ (تَجِبُ الزَّكَاةُ أَيْضًا فِي) أَمْوَالِ التِّجَارَةِ (أَيْ فِي الأَمْوَالِ الَّتِي لا زَكَاةَ فِي أَعْيَانِهَا إِنْ قَلَّبَهَا شَخْصٌ لِغَرَضِ الرِّبْحِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ كَمَا إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِالثِّيَابِ أَوِ السُّكَّرِ أَوِ الْمِلْحِ أَوِ الْخَيْلِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَمْوَالُ التِّجَارَةِ هِيَ مَا يَشْتَرِيهِ الإِنْسَانُ لِيَبِيعَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِرِبْحٍ لِيَشْتَرِيَ غَيْرَهُ ثُمَّ يَبِيعَهُ بِرِبْحٍ وَهَكَذَا. مَا يَشْتَرِيهِ بِهَذِهِ النِّيَّةِ هَذَا هُوَ مَالُ التِّجَارَةِ) وَ (أَمَّا زَكَاةُ الْبَدَنِ فَهِيَ زَكَاةُ) الْفِطْرِ (زَكَاةُ الْفِطْرِ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّقُ بِالْبَدَنِ أَيْ بِالشَّخْصِ نَفْسِهِ لا بِالْمِلْكِ وَتَكُونُ فِي رَمَضَانَ)
الشَّرْحُ الزَّكَاةُ لُغَةً التَّطْهِيرُ وَالإِصْلاحُ (وَالنَّمَاءُ أَيْضًا أَيْ الزِّيَادَةُ، يُقَالُ زَكَتِ الثَّمَرَةُ أَيْ كَثُرَتْ وَكَذَلِكَ تُطْلَقُ عَلَى الشَّيْءِ الَّذِي يُبَارَكُ فِيهِ، يُقَالُ زَكَتْ نَفَقَتُهُ أَيْ بُورِكَ فِيهَا)، وَشَرْعًا اسْمٌ لِمَا يُخْرَجُ عَنْ مَالٍ أَوْ بَدَنٍ (وَهِيَ زَكَاةُ الْفِطْرَةِ) عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ. وَهِيَ أَحَدُ الأُمُورِ الَّتِي هِيَ أَعْظَمُ أُمُورِ الإِسْلامِ (وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ عَنْهَا مِنْ أَرْكَانِ الإِسْلَامِ أَوْ مِنْ أَهَمِّ أُمُورِ الإِسْلَامِ، كُلُّ هَذِهِ التَّعَابِيرِ صَحِيحَةٌ)، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ﴾ (هَذَا دَلِيلٌ مِنَ الْقُرْءَانِ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ) وَقَالَ ﷺ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ (الإِسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ) الْحَدِيثَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
وَمَنْعُ الزَّكَاةِ (أَيْ عَدَمُ دَفْعِهَا بِالْمَرَّةِ مَعَ وُجُوبِهَا عَلَى الشَّخْصِ وَكَذَا تَأْخِيرُ دَفْعِهَا عَنْ وَقْتِهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ) مِنَ الْكَبَائِرِ قَالَ ﷺ ءَاكِلُ الرِّبَا (وَالأَكْلُ هُنَا إِنْ كَانَ وَاصِلًا إِلَى الْبَطْنِ أَوْ إِنْ كَانَ بِمَعْنَى الِاسْتِعْمَالِ كَمَا يُقَالُ أَكَلَ فُلَانٌ مَالَ فُلَانٍ ظُلْمًا أَيْ تَصَرَّفَ بِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ. فَالْمُرَادُ هُنَا مَنْ أَخَذَ مَالَ الرِّبَا) وَمُوكِلُهُ (أَيْ الَّذِي يُعْطِي غَيْرَهُ مَالَ الرِّبَا) وَلاوِي الصَّدَقَةِ (أَيْ مَانِعُ الزَّكَاةِ) مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (مَعْنَاهُ وَاقِعُونَ فِي مَعْصِيَةٍ كَبِيرَةٍ) رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ. وَمَنْ مَنَعَهَا وَهُوَ مُعْتَقِدٌ وُجُوبَهَا لا يُكَفَّرُ.
ثُمَّ إِنَّ وُجُوبَهَا (أَيْ الزَّكَاةِ) خَاصٌّ بِالأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا وَهِيَ الإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ (يُقَالُ لَهَا الأَنْعَامُ) فَلَيْسَ فِي غَيْرِهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ زَكَاةٌ مِنْ حَيْثُ الْعَيْنُ (بِعَيْنِهَا لَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ، أَمَّا إِذَا صَارَتْ أَمْوَالَ تِجَارَةٍ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ مِنْ حَيْثُ كَوْنُهَا تِجَارَةً لَا فِي عَيْنِهَا. وَاحِدٌ تَاجَرَ بِالأَرَانِبِ أَوْ بِالدَّجَاجِ أَوْ بِالْبِغَالِ أَوْ بِالْحَمِيرِ، هَذِهِ حَيَوَانَاتٌ لَكِنْ لِأَنَّهَا صَارَتْ مَالَ تِجَارَةٍ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِبِلًا وَلَا بَقَرًا وَلَا غَنَمًا) وَثَمَرُ النَّخْلِ وَالْعِنَبِ (وَالْمُرَادُ هُنَا التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ) وَالزُّرُوعُ الَّتِي يَتَّخِذُهَا النَّاسُ قُوتًا فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ (أَيْ فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَجَاعَةِ) كَالْحِنْطَةِ (أَيْ الْقَمْحِ) وَالشَّعِيرِ وَالْحِمَّصِ وَالْفُولِ بِخِلافِ التِّينِ وَاللَّوْزِ وَالسِّمْسِمِ وَالتُّفَّاحِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّهُ لا يُقْتَاتُ بِهَا، وَلا تَجِبُ فِيمَا لا يُقْتَاتُ إِلَّا فِي حَالِ الضَّرُورَةِ كَالْحُلْبَةِ فَهَذِهِ لا زَكَاةَ فِيهَا لِأَنَّهَا لا تُتَّخَذُ قُوتًا حَالَةَ الِاخْتِيَارِ. وَالْقُوتُ مَا يَقُومُ بِهِ الْبَدَنُ أَيْ مَا يَعِيشُ بِهِ الْبَدَنُ (لِذَلِكَ الْبَنَدُورَةُ وَالْخِيَارُ وَالْكُوسَى هَذَا كُلُّهُ لَا يُعَدُّ قُوتًا فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كُلُّ هَذَا فِيهِ زَكَاةٌ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ وَاحِدًا يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا تُسْرِعُوا بِالنَّكِيرِ عَلَيْهِ).
وَتَجِبُ فِي النَّقْدِ أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمَضْرُوبِ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ (أَيِ الْمَعْمُولِ مِنْ ذَلِكَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ وَغَيْرِ الْمَعْمُولِ مِنْ ذَلِكَ دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ، فَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ نَقْدَانِ فِيهِمَا الزَّكَاةُ إِنْ بَلَغَا النِّصَابَ سَوَاءٌ عُمِلَا عُمْلَةً أَمْ لَا) وَأَمَّا غَيْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنَ الأَثْمَانِ (وَالثَّمَنُ مَا تَسْتَحِقُّ بِهِ الشَّيءَ. غَيْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنَ الْأَثْمَانِ كَالْفُلُوسِ النُّحَاسِيَّةِ لَا زَكَاةَ فِيهَا مَعَ أَنَّهُ يُبَاعُ بِهَا وَيُشْتَرَى، كَذَلِكَ الْعُمْلَةُ الْوَرَقِيَّةُ لَا زَكَاةَ فِي عَيْنِهَا وَلَوْ رَاجَتْ رَوَاجَ عُمْلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) فَلا زَكَاةَ فِيهِ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا (وَعَلَى قَوْلٍ عِنْدَ أَحْمَدَ) وَتَجِبُ فِيهِ (أَيْ فِي الْأَثْمَانِ) عِنْدَ الإِمَامِ أَبِي حَنِيفَةَ فَهَذِهِ الْعُمْلَةُ الْمُسْتَعْمَلَةُ فِي هَذَا الْعَصْرِ لا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عِنْدَ الإِمَامَيْنِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَتَجِبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا تَرُوجُ رَوَاجَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَنْ أَخَذَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَزَكَّاهَا أَخَذَ بِالِاحْتِيَاطِ (وَهَذَا أَحْسَنُ لِلْخُرُوجِ مِنَ الْخِلَافِ، هَذَا أَوْرَعُ. مَنْ أَخَذَ بِمَذْهَبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الشَّيْبَانِيِّ وَوَضَعَ مَالَهُ فِي الْبَنْكِ الْحَرْبِيِّ بِشُرُوطِهِ فَلَيْسَ لَهُ التَّلْفِيقُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَقُولُ: أَنَا لَا أُزَكِّيهَا أَخْذًا بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ تَزْكِيَتِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. فَنِصَابُهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مِائَتَا دِرْهَمِ فِضَّةٍ أَيْ ٥٩٥ غَرَامًا مِنَ الْفِضَّةِ، وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ حَوْلَانِ الْحَوْلِ، يُخْرِجُ 2.5 ٪.
تَنْبِيهٌ: هُوَ وَضَعَ مِثْلًا عَشَرَةَ آلَافِ دُولَارٍ فِي رَجَبٍ وَخَمْسَةَ آلَافٍ فِي شَعْبَانَ وَخَمْسَةَ آلَافٍ فِي رَمَضَانَ، فَهُنَا فِي رَجَبٍ مِنَ السَّنَةِ الَّتِي بَعْدَهَا يَدْفَعُ زَكَاةَ الْعَشَرَةِ، وَفِي شَعْبَانَ زَكَاةَ الْخَمْسَةِ، وَفِي رَمَضَانَ زَكَاةَ الْخَمْسَةِ الثَّانِيَةِ، وَيَجُوزُ لَهُ التَّعْجِيلُ بِضَوَابِطَ. مَثَلًا لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي رَجَبَ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاةَ الْعَشَرَةِ، لِأَنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ فِيهِ، وَيَدْفَعَ تَعْجِيلًا عَنْ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ، وَلَكِنْ مِنَ الشُّرُوطِ أَنْ يَبْقَى مَنْ دُفِعَتْ لَهُ الزَّكَاةُ تَعْجِيلًا مِنَ الْمُسْتَحِقِّينَ فِي شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ.
مَسْأَلَةٌ: إِنْ كَانَ شَخْصٌ عِنْدَهُ مَالٌ يَحْفَظُهُ وَهُوَ نِصَابٌ وَحَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَإِنْ كَانَ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، وَإِنْ كَانَ عُمْلَةً لَا تُسْتَعْمَلُ فِي التِّجَارَةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَمَنْ كَانَ وَضَعَهُ فِي بُنُوكِ الْحَرْبِيِّينَ لِغَلَبَةِ ظَنِّهِ أَنَّهُ يَرْبَحُ عَلَى مَذْهَبِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُزَكِّيَهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَتَجِبُ فِي الْمَعْدِنِ وَالرِّكَازِ. أَمَّا الْمَعْدِنُ فَهُوَ الذَّهَبُ أَوِ الْفِضَّةُ (الْمَعْدِنُ هُنَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ هَذَا الْمُرَادُ بِهِ، وَإِلَّا فَفِي اللُّغَةِ الْمَعْدِنُ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، لَكِنْ أَحْيَانًا يُطْلِقُونَ اسْمَ الْمَكَانِ عَلَى الشَّيْءِ، مِثْلُ الْغَائِطِ، هُوَ الْمَكَانُ الْمُنْخَفِضُ الَّذِي تُقْضَى فِيهِ الْحَاجَةُ، ثُمَّ صَارَ يُطْلَقُ الْغَائِطُ عَلَى الْخَارِجِ نَفْسِهِ، عَلَى الْخَرْءِ يَعْنِي. وَهَكَذَا الْمَعْدِنُ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، ثُمَّ صَارَ يُطْلَقُ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ نَفْسَيْهِمَا، فَإِذًا الْمَعْدِنُ هُوَ الذَّهَبُ أَوِ الْفِضَّةُ) إِذَا اسْتُخْرِجَا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي خَلَقَهُمَا اللَّهُ فِيهِ (فِي أَرْضِهِ أَوْ فِي أَرْضٍ مُوَاتٍ أَيْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهَا مِلْكٌ لأَحَدٍ) بَعْدَ التَّنْقِيَةِ مِنَ التُّرَابِ، وَأَمَّا الرِّكَازُ فَهُوَ الذَّهَبُ أَوِ الْفِضَّةُ الْمَدْفُونَانِ قَبْلَ بِعْثَةِ الرَّسُولِ ﷺ (وَالَّذِي يُسَمِّيهِ النَّاسُ الْيَوْمَ الْكَنْزَ. مَنْ وَجَدَ فِي أَرْضِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَقَدْ كُتِبَ عَلَيْهِ اسْمُ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الْكُفَّارِ قَبْلَ بِعْثَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، فَهَذَا يُقَالُ عَنْهُ رِكَازٌ، وَيَجُوزُ لِلشَّخْصِ أَنْ يَأْخُذَهُ، وَلَكِنَّهُ يُزَكِّيهِ فَوْرًا إِنْ بَلَغَ النِّصَابَ، وَلا يَنْتَظِرُ مُرُورَ سَنَةٍ، وَزَكَاتُهُ الْخُمُسُ، أَيْ عِشْرُونَ بِالْمِئَةِ، ثُمَّ يَتَصَرَّفُ بِالْبَاقِي) وَلَيْسَ الدَّفِينَ الإِسْلامِيَّ (لِأَنَّ الدَّفِينَ الْإِسْلَامِيَّ مِثْلُ اللُّقَطَةِ حُكْمُهُ، فَمَا دَفَنَهُ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ، فَإِنْ كَانَ قَدْ مَاتَ فَلِوَرَثَتِهِ).
وَتَجِبُ الزَّكَاةُ أَيْضًا فِي أَمْوَالِ التِّجَارَةِ الَّتِي لا زَكَاةَ فِي أَعْيَانِهَا كَالثِّيَابِ وَالسُّكَّرِ وَالْمِلْحِ وَالْخَيْلِ وَالْحُمُرِ (جَمْعُ حِمَارٍ) وَالدَّجَاجِ لِمَنْ يَتْجَرُ بِهَا (أَمْوَالُ التِّجَارَةِ أَيْ الأَمْوَالُ الَّتِي يُقَلِّبُهَا الشَّخْصُ لِغَرَضِ الرِّبْحِ بِنِيَّةِ التِّجَارَةِ كَمَا إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ بِالثِّيَابِ أَوِ السُّكَّرِ أَوِ الْمِلْحِ أَوِ الْخَيْلِ أَوِ السَّيَّارَاتِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. أَمَّا الأُصُولُ الثَّابِتَةُ الَّتِي تُسْتَعْمَلُ لِلتَّصْنِيعِ فَلا زَكَاةَ فِيهَا).
فَلا زَكَاةَ فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنَ الأَمْوَالِ مِنْ نَحْوِ الْبَيْتِ الَّذِي يَمْتَلِكُهُ الشَّخْصُ لِيَسْتَغِلَّهُ بِالإِيجَارِ (بَلْ إِذَا زَكَّاهَا عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ فَاسِدَةٌ) وَ (هَذَا) لَوْ كَانَ يَمْلِكُ عِدَّةَ أَبْنِيَةٍ يَسْتَغِلُّهَا بِالإِيجَارِ، وَكَذَلِكَ السَّيَّارَاتُ الَّتِي يَمْتَلِكُهَا الشَّخْصُ لِاسْتِغْلالِهَا بِالإِيجَارِ أَوْ لِيَسْتَعْمِلَهَا بِالرُّكُوبِ لِنَفْسِهِ (أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ طَالَمَا أَنَّهُ لَا يُرِيدُهَا لِلتِّجَارَةِ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ ٣٥ بَيْتًا وَ٧٠ سَيَّارَةً وَ٧٠ قِطْعَةَ أَرْضٍ، لَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ بِأَعْيَانِهَا إِلَّا إِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا لِلتِّجَارَةِ، وَإِلَّا فَلَا زَكَاةَ فِيهَا وَلَوْ كَانَ يُؤَجِّرُهَا، لَوْ كَانَ يَدْخُلُ إِلَيْهِ مِنْهَا مَبْلَغٌ كَبِيرٌ بِالْإِيجَارِ لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي أَشْيَاءَ مُعَيَّنَةٍ وَلَيْسَ فِي كُلِّ مَالٍ يَدْخُلُ عَلَى الْإِنْسَانِ) كُلُّ ذَلِكَ لا زَكَاةَ فِي عَيْنِهِ.
وَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ (الْمُرَادُ بِهِ هُنَا حُلِيُّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْمُبَاحُ، أَمَّا غَيْرُ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَالْكَلَامُ فِي الْمُبَاحِ، أَمَّا الْحُلِيُّ الْمَكْرُوهُ وَالْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ فَفِيهِ زَكَاةٌ. الْحُلِيُّ الْمُحَرَّمُ مِثْلُ حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِلرَّجُلِ، أَوْ خَلْخَالِ الْمَرْأَةِ إِذَا وَصَلَ لِوَزْنٍ مَعَيَّنٍ وَهُوَ ٨٥٠ غِرَامًا، فَهَذَا بَطَرٌ، حَرَامٌ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَمَّا الْحُلِيُّ الْمُبَاحُ) مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِيهِ الأَئِمَّةُ فَأَبُو حَنِيفَةَ يَرَى وُجُوبَ الزَّكَاةِ فِي حُلِيِّ النِّسَاءِ وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَالَ فِيهِ قَوْلَيْنِ مَرَّةً قَال تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي حُلُيِّ النِّسَاءِ وَمَرَّةً قَالَ لا تَجِبُ، وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُزَكَّى الْحُلِيُّ.
وَأَمَّا الْفِطْرَةُ (أَيْ زَكَاةُ الْفِطْرِ) فَلا تُعَدُّ مِنْ زَكَاةِ الْمَالِ لِأَنَّهَا تَجِبُ فِي حَقِّ الطِّفْلِ الْمَوْلُودِ وَهُوَ لا يُعَدُّ مَالًا ثُمَّ إِنَّ الْمُؤَلِّفَ بَدَأَ بِتَفْصِيلِ زَكَاةِ الأَنْعَامِ فَقَالَ
الشَّرْحُ أَنَّ أَوَّلَ نِصَابِ الإِبِلِ أَيْ أَوَّلَ قَدْرٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ عَلَى مَنْ مَلَكَ مِنَ الإِبِلِ شَيْئًا هُوَ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ فَلا زَكَاةَ عَلَى مَنْ مَلَكَ أَقَلَّ مِنَ الْخَمْسِ، وَأَنَّ الْبَقَرَ أَوَّلُ نِصَابِهَا ثَلاثُونَ فَلا زَكَاةَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ، فَلا زَكَاةَ فِيمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ ثَلاثِينَ بَقَرَةٍ، وَأَنَّ الْغَنَمَ أَوَّلُ نِصَابِهَا أَرْبَعُونَ مِنْهَا فَلا زَكَاةَ قَبْلَ بُلُوغِهَا ذَلِكَ، وَالْغَنَمُ فِي اللُّغَةِ شَامِلٌ لِلضَّأْنِ وَالْمَعْزِ (ذُكُورًا وَإِنَاثًا).
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَلا زَكَاةَ قَبْلَ ذَلِكَ (أَيْ قَبْلَ بُلُوغِ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ) وَلا بُدَّ (فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ) مِنَ (مُضِيِّ) الْحَولِ (أَيْ مِنْ مُضِيِّ سَنَةٍ قَمَرِيَّةٍ) بَعْدَ ذَلِكَ (أَيْ بَعْدَ النِّصَابِ) وَلا بُدَّ (أَيْضًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الأَنْعَامِ) مِنَ السَّوْمِ (أَيِ الرَّعْيِ مِنَ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ) فِي كَلَإٍ مُبَاحٍ أَيْ أَنْ يَرْعَاهَا مَالِكُهَا أَوْ مَنْ أَذِنَ لَهُ (الْمَالِكُ) فِي كَلَإٍ مُبَاحٍ أَيْ مَرْعًى (يَشْتَرِكُ النَّاسُ فِيهِ وَ) لا مَالِكَ لَهُ (مِنَ النَّاسِ مَخْصُوصٌ فَلا زَكَاةَ فِي الأَنْعَامِ الْمَعْلُوفَةِ أَوِ السَّائِمَةِ بِنَفْسِهَا) وَ (لا بُدَّ لِلْوُجُوبِ أَيْضًا مِنْ) أَنْ لا تَكُونَ (الأَنْعَامُ السَّائِمَةُ) عَامِلَةً (فِي نَضْحِ مَاءٍ أَوْ حَرْثِ أَرْضٍ) فَالْعَامِلَةُ فِي نَحْوِ الْحَرْثِ لا زَكَاةَ فِيهَا.
الشَّرْحُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الأَنْعَامِ النِّصَابُ. وَالأَنْعَامُ هِيَ الإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَلا يُطْلَقُ هَذَا اللَّفْظُ عَلَى غَيْرِ هَؤُلاءِ الثَّلاثِ. وَمُفْرَدُ الأَنْعَامِ نَعَمٌ فَلا زَكَاةَ فِي الأَنْعَامِ قَبْلَ بُلُوغِ النِّصَابِ فَمَنْ أَخْرَجَ مِنْهَا شَيْئًا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ قَبْلَ النِّصَابِ فَهُوَ عَمَلٌ فَاسِدٌ كَمَنْ يُصَلِّي صَلاةً فَاسِدَةً (يَعْنِي عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ، كَالَّذِي يُصَلِّي الظُّهْرَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا، عَمَلٌ فَاسِدٌ، عِبَادَةٌ فَاسِدَةٌ، وَهَذَا كَذَلِكَ) لَكِنْ إِنْ نَوَى الصَّدَقَةَ تَطَوُّعًا كَانَ ذَلِكَ عَمَلًا حَسَنًا (أَمَّا مِنْ بَابِ الْوُجُوبِ فَلَا). وَلا بُدَّ أَيْضًا فِي زَكَاةِ الأَنْعَامِ مِنَ الْحَوْلِ أَيْ مِنْ مُضِيِّ سَنَةٍ قَمَرِيَّةٍ (فِي مِلْكِهِ) ابْتِدَاءً مِنْ تَمَامِ النِّصَابِ.
وَلا بُدَّ أَيْضًا لِوُجُوبِ زَكَاةِ الأَنْعَامِ مِنَ السَّوْمِ مِنَ الْمَالِكِ أَوْ نَائِبِهِ فِي كَلَإٍ مُبَاحٍ (يَعْنِي لَا بُدَّ أَيْضًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْمَوَاشِي تَرْعَى فِي كَلَإٍ مُبَاحٍ وَلَيْسَ وَحْدَهَا تَذْهَبُ فَتَرْعَى، إِنَّمَا يَرْعَاهَا الْمَالِكُ أَوْ وَاحِدٌ يُوَكِّلُهُ الْمَالِكُ، أَجِيرٌ يَسْتَأْجِرُهُ الْمَالِكُ أَوْ مُتَبَرِّعٌ يُوَكِّلُهُ الْمَالِكُ، لَيْسَ وَحْدَهَا، إِذَا ذَهَبَتْ وَحْدَهَا فَأَكَلَتْ لَيْسَ هَذَا الْمُرَادُ. لَا بُدَّ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ أَنْ يَرْعَاهَا هُوَ أَوْ مَنْ يُوَكِّلُهُ فِي كَلَإٍ مُبَاحٍ، أَيْ لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ، لَا يَتَكَلَّفُ عَلَيْهِ مَالًا) فَلا زَكَاةَ فِي الْمَعْلُوفَةِ (أَيْ الَّتِي يَشْتَرِي لَهَا الْأَكْلَ) أَوِ السَّائِمَةِ بِنَفْسِهَا (كَالَّتِي كُلَّ صَبَاحٍ تَذْهَبُ لِوَحْدِهَا تَرْعَى وَتَعُودُ مَثَلًا). وَالسَّائِمَةُ مَعْنَاهَا الرَّاعِيَةُ، فَالْغَنَمُ إِنْ كَانَتْ تَرْعى بِنَفْسِهَا بِأَنْ تُسَرَّحَ إِلَى الْمَرْعَى فَتَرْعَى بِنَفْسِهَا (كَأَنْ يَفْتَحَ لَهَا الْبَابَ فَتَخْرُجَ) فَتَأْكُلَ مِنْ نَبَاتِ الأَرْضِ وَلا يَكُونُ مَعَهَا صَاحِبُهَا وَلا وَكِيلُهُ فَلا زَكَاةَ فِيهَا، إِنَّمَا الزَّكَاةُ فِي الأَنْعَامِ الَّتِي يُسِيمُهَا (أَيْ يَرْعَاهَا) صَاحِبُهَا أَيْ هُوَ أَوْ نَائِبُهُ يَأْخُذُهَا إِلَى مَحَلِّ الْمَرْعَى حَتَّى تَأْكُلَ مِنْ هَذَا الْكَلَإِ الْمُبَاحِ أَيِ الْكَلَإِ الَّذِي لا مَالِكَ لَهُ إِنَّمَا هُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ النَّاسِ.
وَلا بُدَّ أَيْضًا لِوُجُوبِ زَكَاةِ الأَنْعَامِ مِنْ أَنْ لا تَكُونَ عَامِلَةً فِي نَحْوِ حَرْثٍ لِمَالِكِهَا (أَيْضًا الْعَامِلَةُ لَا زَكَاةَ فِيهَا. الْبَقَرُ الَّذِي يُفْلَحُ عَلَيْهِ، الثَّوْرُ الَّذِي يُفْلَحُ عَلَيْهِ، الْإِبِلُ الَّذِي يُنْقَلُ عَلَيْهِ الْمَاءُ أَوِ الَّذِي يُدِيرُ الدُّولَابَ لِإِخْرَاجِ الْمَاءِ مِنَ الْبِئْرِ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْمَاشِيَةِ الْعَامِلَةِ، هَذِهِ لَا زَكَاةَ فِيهَا) أَوِ (الْأَنْعَامُ الَّتِي تَعْمَلُ لِغَيْرِهِ) بِأُجْرَةٍ فَلا زَكَاةَ فِي الْعَامِلَةِ وَإِنْ أُسِيمَتْ فِي كَلَإٍ مُبَاحٍ (لِأَنَّهَا عَامِلَةٌ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا).
الشَّرْحُ أَوَّلُ نِصَابِ الإِبِلِ خَمْسٌ مِنَ الإِبِلِ وَلا زَكَاةَ فِيهَا إِلَّا شَاةٌ وَاحِدَةٌ، ثُمَّ هَذِهِ الشَّاةُ إِمَّا جَذَعَةُ ضَأْنٍ وَهِيَ الضَّأْنُ (أَيِ الْخَرُوفُ) الَّتِي أَكْمَلَتْ سَنَةً أَوْ أَسْقَطَتْ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا قَبْلَ ذَلِكَ (فَائِدَةٌ: الْحَمَلُ، لَمَا يُولَدُ بَعْدَ مُدَّةٍ أَسْنَانُهُ تَقَعُ وَيَنْبُتُ لَهُ غَيْرُهَا كَمَا فِي الْوَلَدِ الصَّغِيرِ، فَلَمَّا تَقَعُ يُقَالُ عَنْهَا أَجْذَعَتْ، مَتَى مَا أَسْقَطَتْ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا مِنْ تَحْتُ فَهِيَ جَذَعَةٌ. وَإِنَّمَا قُلْنَا مِنْ تَحْتُ لِأَنَّ أَسْنَانَ الضَّأْنِ الْأَمَامِيَّةِ تُوجَدُ فَقَطْ فِي الْفَكِّ السُّفْلِيِّ أَمَّا الْفَكُّ الْعُلْوِيُّ فَلَيْسَ لَهُ أَسْنَانٌ أَمَامِيَّةٌ. فَإِذًا يَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاةٌ وَاحِدَةٌ إِمَّا جَذَعَةُ ضَأْنٍ وَهِيَ الضَّأْنُ الَّتِي أَكْمَلَتْ سَنَةً أَوْ أَسْقَطَتْ مُقَدَّمَ أَسْنَانِهَا قَبْلَ ذَلِكَ) وَإِمَّا ثَنِيَّةُ الْمَعْزِ وَهِيَ الأُنْثَى مِنَ الْمَعْزِ الَّتِي أَكْمَلَتْ سَنَتَيْنِ (قَمَرِيَّتَيْنِ)، فَصَاحِبُ الإِبِلِ الْخَمْسِ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ عَنِ الْخَمْسِ جَذَعَةَ ضَأْنِ وَبَيْنَ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهَا ثَنِيَّةَ مَعْزٍ (إِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَيَشْتَرِي وَيُخْرِجُهَا زَكَاةً). ثُمَّ لا يُزَادُ عَلَى الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ إِبِلُهُ عَشْرًا فَفِي الْعَشْرِ ثِنْتَانِ (يَعْنِي فِي الْخَمْسِ شَاةٌ، وَفِي السِّتَّةِ شَاةٌ، وَفِي السَّبْعَةِ شَاةٌ، وَفِي الثَّمَانِيَةِ شَاةٌ، وَفِي التِّسْعَةِ شَاةٌ، ثُمَّ إِذَا صَارَتْ عَشْرَةً صَارَ يُخْرِجُ شَاتَيْنِ). ثُمَّ لا يُزَادُ عَلَى الثِّنْتَيْنِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسَ عَشْرَةَ وَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ. ثُمَّ لا يُزَادُ عَلَيْهَا إِلَى عِشْرِينَ وَفِيهَا أَرْبَعٌ (أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَرْبَعُ شِيَاهٍ). ثُمَّ لا يُزَادُ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ إِبِلُهُ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ وَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ مِنَ الإِبِلِ (الْآنَ صَارَ يَدْفَعُ مِنْ نَفْسِ الْإِبِلِ، مِنْ نَفْسِ الْجِنْسِ، إِذَا صَارَتْ إِبِلُهُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَعِنْدَ ذَلِكَ يَدْفَعُ إِبِلًا، وَبِنْتُ الْمَخَاضِ هِيَ النَّاقَةُ الَّتِي أَتَمَّتْ سَنَةً. يُسَمُّونَهَا بِنْتَ مَخَاضٍ لِأَنَّ أُمَّهَا حَانَ لَهَا أَنْ تَلِدَ. الْمَخَاضُ أَيْ الْوِلَادَةُ، لَمَّا يَمُرُّ عَلَيْهَا سَنَةٌ تَكُونُ أُمُّهَا حَامِلَةً وَحَانَ وَقْتُ وِلَادَتِهَا فَيُقَالُ لَهَا بِنْتُ مَخَاضٍ، وَيُجْزِئُ عَنْ بِنْتِ مَخَاضٍ ابْنُ لَبُونٍ، لَمَّا قُلْنَا ابْنُ فَهُوَ ذَكَرٌ، وَلَبُونٌ أَيْ أُمُّهُ الْآنَ تُرْضِعُ، أَيْ ذَكَرٌ مِنَ الْإِبِلِ لَهُ سَنَتَانِ. إِنْ فَقَدَ فِي إِبِلِهِ بِنْتُ الْمَخَاضِ، أَيْ إِنْ لَمْ يَجِدْ أُنْثَى فِي إِبِلِهِ أَتَمَّتْ سَنَةً، فَيَكْفِي ذَكَرٌ مَضَى عَلَيْهِ سَنَتَانِ).
الشَّرْحُ الْوَاجِبُ إِخْرَاجُهُ فِي أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ هُوَ شَاةٌ أُنْثَى جَذَعُة ضَأْنٍ أَوْ ثَنِيَّةُ مَعْزٍ وَهِيَ مَا لَهَا سَنَتَانِ كَامِلَتَانِ.
الشَّرْحُ الْوَاجِبُ فِي أَوَّلِ نِصَابِ الْبَقَرِ الَّذِي هُوَ ثَلاثُونَ تَبِيعٌ وَاحِدٌ أَيْ ذَكَرٌ مِنَ الْبَقَرِ لَهُ سَنَةٌ كَامِلَةٌ، وَيُجْزِئُ أَنْ يُخْرِجَ عَنِ الثَّلاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعَةً أَيْ أُنْثَى لَهَا سَنَةٌ كَامِلَةٌ (وَفِيمَا دُونَ الثَّلَاثِينَ لَا زَكَاةَ).
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: ثُمَّ إِنْ زَادَتْ مَاشِيَتُهُ عَلَى ذَلِكَ (الْمَذْكُورِ) فَفِي ذَلِكَ الزَّائِد (يَعْنِي إِنْ زَادَتْ مَاشِيَتُهُ عَلَى ذَلِكَ يَدْفَعُ فِي الزِّيَادَةِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ). وَيَجِبُ عَلَيْهِ (أَيْ عَلَى مَنْ مَلَكَ شَيْئًا زَائِدًا مِنَ الأَنْعَامِ عَنِ النِّصَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ) أَنْ يَتَعَلَّمَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ (مِنَ الزَّكَاةِ) فِيهَا (أَيْ فِي الزِّيَادَةِ يَعْنِي).
الشَّرْحُ لَمَّا كَانَ الْمُؤَلِّفُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَتْنِ إِلَّا النِّصَابَ الأَوَّلَ فِي الأَنْعَامِ الثَّلاثَةِ بَيَّنَ فِي قَوْلِهِ هَذَا أَنَّ عَلَى الْمُكَلَّفِ الَّذِي تَزِيدُ مَاشِيَتُهِ عَلَى أَوَّلِ النِّصَابِ أَنْ يَتَعَلَّمَ وُجُوبًا عَيْنِيًّا حُكْمَ مَا زَادَ عَلَى أَوَّلِ النِّصَابِ.
الشَّرْحُ نِصَابُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالزُّرُوعِ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ لَيْسَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ زَكَاةٌ لِقَوْلِهِ ﷺ لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ (أَيْ زَكَاةٌ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
الشَّرْحُ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ هِيَ ثَلاثُمِائَةِ صَاعٍ لِأَنَّ كُلَّ وَسْقٍ سِتُّونَ صَاعًا فَمَجْمُوعُ الْخَمْسَةِ أَوْسُقٍ ثَلاثُمِائَةِ صَاعٍ، وَمِعْيَارُ (أَيْ الْمِقْدَارُ الَّذِي كَانَ صَاعُ النَّبِيِّ ﷺ يَمْلَؤُهُ أَيِ) الصَّاعِ النَّبَوِيِّ الَّذِي كَانَ مَعْرُوفًا فِي عَهْدِهِ ﷺ لا يَزَالُ مَوْجُودًا فِي الْحِجَازِ وَهُوَ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ (هَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَالصَّاعُ عِنْدَهُمْ سِتَّةُ أَمْدَادٍ) وَالْمُدُّ هُوَ الْحَفْنَةُ بِكَفِيِّ رَجُلٍ مُعْتَدِلٍ لا طَوِيلِ الْكَفِّ وَلا قَصِيرِهَا.
الشَّرْحُ يَجِبُ ضَمُّ زَرْعِ الْعَامِ بَعْضِهُ إِلَى بَعْضٍ فِي إِكْمَالِ النِّصَابِ (يَعْنِي زَرْعُ الْعَامِ يُضَمُّ بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ فِي إِكْمَالِ النِّصَابِ، يُضَمُّ الزَّرْعُ الَّذِي يَنْبُتُ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، إِذَا كَانَ عِنْدَهُ نَخْلٌ يُثْمِرُ بَعْضُهُ فِي وَقْتٍ وَبَعْضُهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ لَكِنَّ الْكُلَّ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، يَضُمُّ بَعْضَهُ إِلَى بَعْضٍ، إِذَا كَانَ عِنْدَهُ زَرْعٌ كَالْقَمْحِ، يَشْتَدُّ حَبُّ بَعْضِهِ فِي وَقْتٍ وَحَبُّ بَعْضِهِ فِي وَقْتٍ آخَرَ، يَحْصُدُ بَعْضَهُ فِي وَقْتٍ وَبَعْضَهُ فِي وَقْتٍ آخَرَ لَكِنَّ الْكُلَّ فِي عَامٍ وَاحِدٍ، يُضَمُّ كُلُّ هَذَا بَعْضُهُ إِلَى بَعْضٍ لِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ، لَا يَقُولُ أَنَا هَذَا حَصَدْتُهُ الْآنَ أَمَّا ذَاكَ أَحْصُدُهُ بَعْدَ عِشْرِينَ يَوْمًا فَهَذَا حِسَابُهُ عَلَى حِدَةٍ، لَا يَقُولُ هَذَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَهَذَا أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، لَا. يَعْنِي وَاحِدٌ عِنْدَهُ حَقْلُ قَمْحٍ مِثْلًا، قَمْحٌ مِنْهَا حَانَ وَقْتُ حَصَادِهِ قَبْلَ الْآخَرِ أَوِ اشْتَدَّ حَبُّهُ قَبْلَ الْآخَرِ فَلَا يَقُولُ هَذَا اشْتَدَّ حَبُّهُ فِي وَقْتٍ غَيْرِ اشْتِدَادِ حَبِّ الْآخَرِ فَأَنَا أَعْتَبِرُ هَذَا وَحْدَهُ لِلزَّكَاةِ وَهَذَا وَحْدَهُ، لَا. طَالَمَا أَنَّ الزَّرْعَيْنِ يُعْتَبَرَانِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ زَرْعًا وَاحِدًا فَيُضَمَّانِ، هَذَا إِلَى هَذَا. يُعْتَبَرُ النِّصَابُ بِالْمَجْمُوعِ، لَيْسَ بِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ، وَالتَّمْرُ كَذَلِكَ وَالْعِنَبُ كَذَلِكَ، وَلِذَلِكَ قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ) وَكَذَلِكَ الثَّمَرُ، مِثَالُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ نَخْلٌ يُثْمِرُ بَعْضُهُ فِي الرَّبِيعِ وَبَعْضُهُ فِي الصَّيْفِ أَوْ يُثْمِرُ نَخْلُهُ فِي الْعَامِ مَرَّتَيْنِ (وَهَذَا قَلِيلٌ) وَيَكُونُ إِطْلاعُ (أَطْلَعَ النَّخْلُ أَخْرَجَ طَلْعَهُ، أَثْمَرَ. إِطْلَاعُ أَيْ ظُهُورُ) الثَّانِي قَبْلَ جَدَادِ الأَوَّلِ (الْجَدَادُ وَالْجِدَادُ: أَوَانُ الْقَطْعِ) وَجَدَادُ الْكُلِّ فِي عَامٍ وَاحِدٍ فَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ كَمَلَ النِّصَابُ بِضَمِّ الأَوَّلِ إِلَى الثَّانِي وَجَبَ إِخْرَاجُ الزَّكَاةِ.
الشَّرْحُ لا يُكَمَّلُ النِّصَابُ مِنْ جِنْسَيْنِ كَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ، وَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ، فَإِذَا كَانَتْ كَمِيَّةُ التَّمْرِ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلا يُكَمَّلُ نِصَابُهَا بِالزَّبِيبِ، كَذَلِكَ إِذَا كَانَ عِنْدَهُ قَمْحٌ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ وَكَانَ عِنْدَهُ مِنَ الشَّعِيرِ مَا يُكَمَّلُ بِهِ النِّصَابُ فَلا يُكَمَّلُ هَذَا بِهَذَا فَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ لَكِنَّ النَّوْعَ يُكَمَّلُ بِالنَّوْعِ الآخَرِ (لِأَنَّهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ) فَإِذَا كَانَ لَهُ نَوْعَانِ مِنَ التَّمْرِ كَالْبَرْنِيِّ وَالْعَجْوَةِ فَإِنَّهُ يُكَمَّلُ النِّصَابُ مِنَ النَّوْعَيْنِ (مَثَلًا عِنْدَهُ ثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ مِنَ الْبَرْنِيِّ وَثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ مِنَ الْعَجْوَةِ، فَلَا يَقُولُ هَذَا نَوْعٌ غَيْرُ الْآخَرِ، هَذَا عِنْدِي أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، وَهَذَا عِنْدِي أَقَلُّ مِنْ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهِ، لَا، لِأَنَّ الْبَرْنِيَّ وَالْعَجْوَةَ كُلُّهُ تَمْرٌ فَفِيهِ الزَّكَاةُ) فَتَجِبُ الزَّكَاةُ فِي ذَلِكَ إِنْ بَلَغَ مَجْمُوعُهُمَا نِصَابًا وَكَذَلِكَ الْبُرُّ (أَيْ الْحِنْطَةُ وَهُوَ الْقَمْحُ) فَالْمِصْرِيُّ مِنْهُ يُكَمَّلُ نِصَابُهُ بِالْبُرِّ الشَّامِيِّ لِاتِّحَادِ الِاسْمِ (كُلُّهُ قَمْحٌ، الْبُرُّ يَعْنِي الْقَمْحَ، فَلَوْ طَلَعَ عِنْدَهُ بُرٌّ مِصْرِيٌّ وَبُرٌّ شَامِيٌّ، الْبُرُّ الْمِصْرِيُّ ثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ وَالْبُرُّ الشَّامِيُّ ثَلَاثَةُ أَوْسُقٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ. الْقَمْحُ أَنْوَاعٌ، لَكِنَّهَا كُلُّهَا جِنْسٌ وَاحِدٌ يَجْمَعُهُ اسْمُ الْبُرِّ).
الشَّرْحُ زَكَاةُ الثَّمَرِ أَيْ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ لا تَجِبُ عَلَى مَالِكِهِمَا إِلَّا أَنْ يَبْدُوَ صَلاحُ الثَّمَرِ فَمَتَى بَدَا صَلاحُ الثَّمَرِ وَلَوْ فِي حَبَّةٍ وَاحِدَةٍ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ. وَمَعْنَى بُدُوِّ الصَّلاحِ أَنْ تَظْهَرَ عَلامَةُ بُلُوغِهِ صِفَةً يُطْلَبُ فِيهَا لِلأَكْلِ غَالِبًا (يَعْنِي وَصَلَ إِلَى الْحَالِ الَّتِي يُطْلَبُهَا فِيهَا أَغْلَبُ النَّاسِ لِلْأَكْلِ. هَذَا مَعْنَى بَدَا صَلَاحُهُ، بِاخْتِصَارٍ يَعْنِي بِالْعِنَبِ الْمُلَوَّنِ عِنْدَمَا يَتَلَوَّنُ وَالْأَبْيَضِ عِنْدَمَا يَصِيرُ طَرِيًّا، وَبِالنَّخْلِ عِنْدَمَا يَصِيرُ رُطَبًا. فَإِذًا إِذَا وَاحِدٌ عِنْدَهُ نَخْلٌ فَقَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ الصَّلَاحُ، قَبْلَ أَنْ يَصِلَ تَمْرُ النَّخْلِ إِلَى حَدِّ الرُّطَبِ قَطَعَهُ، فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ، أَمَّا إِذَا بَدَا الصَّلَاحُ وَلَوْ فِي ثَمَرَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَوْ فِي شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ ثَبَتَتِ الزَّكَاةُ فِي الْبَاقِي، عِنْدَ ذَلِكَ لَا يَقْطَعُهُ وَلَا يَبِيعُهُ بَلْ يَنْتَظِرُ إِلَى أَنْ يَتَتَمَّرَ لِيُخْرِجَ مِنْهُ الزَّكَاةَ تَمْرًا لِأَنَّ الزَّكَاةَ تَمْرٌ فَيَنْتَظِرُ إِلَى أَنْ يَتَتَمَّرَ إِلَّا إِذَا خَرَصَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، يَعْنِي إِلَّا إِذَا جَاءَ بِالشُّرُوطِ الَّتِي ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ، جَاءَ بِخَبِيرٍ قَدَّرَ لَهُ أَنَّ ثَمَرَ هَذَا الْبُسْتَانِ يُعْطِي كَذَا تَمْرًا فَعِنْدَ ذَلِكَ يُقَدِّرُ الزَّكَاةَ فِيهِ، كَأَنْ قَالَ لَهُ هَذَا يُعْطِي عَشَرَةَ أَوْسُقٍ، فَيُعْرَفُ مِقْدَارُ الزَّكَاةِ فِي الْعَشَرَةِ الْأَوْسُقِ فَتَكُونُ ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ الزَّكَاةُ وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِهَذَا الثَّمَرِ بَعْدَ ذَلِكَ. أُعِيدُ الْمَسْأَلَةَ: الَّذِي عِنْدَهُ ثَمَرُ نَخْلٍ أَوْ ثَمَرُ عِنَبٍ يُعْطِيهِ مِقْدَارَ الزَّكَاةِ، هَذَا إِذَا اسْتَوَى الثَّمَرُ وَلَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَسْتَوِيَ كُلُّهُ إِنَّمَا لَوِ اسْتَوَى شَيْءٌ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي هَذَا الثَّمَرِ بِبَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى يَتَتَمَّرَ ثَمَرُ النَّخْلِ وَيَتَزَبَّبَ ثَمَرُ الْعِنَبِ إِلَّا إِذَا خَرَصَ هَذَا الثَّمَرَ، أَيْ قَدَّرَهُ خَبِيرٌ بِشُرُوطِهِ، كَمْ يَكُونُ تَمْرًا أَوْ كَمْ يَكُونُ زَبِيبًا فَيَثْبُتُ فِي ذِمَّتِهِ عِنْدَ ذَلِكَ مِقْدَارُ الزَّكَاةِ مِنَ التَّمْرِ أَوْ مِقْدَارُ الزَّكَاةِ مِنَ الزَّبِيبِ وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ عِنْدَ ذَلِكَ بِالْقَطْعِ وَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ. فَإِذًا إِذَا بَدَا صَلَاحُ الثَّمَرِ ثَبَتَتِ الزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ أَمَّا لَوْ قَطَعَهُ قَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ فَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ، وَلَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ، يَبِيعَ يُهْدِيَ الْخ… يَعْنِي إِذَا قَطَعَ ثَمَرَ الْعِنَبِ وَهُوَ حِصْرِمٌ أَوْ ثَمَرَ النَّخْلِ وَهُوَ بَلَحٌ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ رُطَبًا فَهَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَتَصَرَّفَ فِيهِ وَلَا زَكَاةَ عَلَيْهِ) فَفِي حَالِ كَوْنِ ثَمَرَةِ الْكَرْمِ حِصْرِمًا لا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
وَكَذَلِكَ الْحَبُّ مِنَ الْقَمْحِ وَغَيْرِهِ لا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَشْتَدَّ الْحَبُّ (الْحُبُوبُ كَالْقَمْحِ وَالذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْعَدَسِ وَالْحِمَّصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا إِذَا اشْتَدَّ الْحَبُّ، مَتَى مَا اشْتَدَّ الْحَبُّ وَجَبَتِ الزَّكَاةُ. الْقَمْحُ يَشْتَدُّ حَبُّهُ قَبْلَ أَنْ يُحْصَدَ، لَكِنِ الْمَقْصُودُ إِذَا وَصَلَ إِلَى اشْتِدَادِ الْحَبِّ ثَبَتَتِ الزَّكَاةُ فِي ذِمَّتِهِ، فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يَبِيعُهُ وَلَا يَقْطَعُهُ، إِنَّمَا يَنْتَظِرُ إِلَى أَنْ يَحِينَ وَقْتُ حَصَادِهِ فَيَحْصُدُهُ فَيُخْرِجَ مِنْهُ الزَّكَاةَ، نَفْسُ الشَّيْءِ فِي الْحِمِّصِ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَالذُّرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ) لِأَنَّهُ عِنْدَهَا يَصِيرُ مَقْصُودًا لِلأَكْلِ (فَائِدَةٌ: الزَّرْعُ قَبْلَ اشْتِدَادِ الْحَبِّ لَا يُسَمَّى قَمْحًا وَلَا شَعِيرًا، إِنَّمَا يُسَمَّى بَقْلًا. وَقَبْلَ بُدُوِّ الصَّلَاحِ يُسَمَّى ثَمَرُ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ بَلَحًا وَحِصْرِمًا، وَلَا يُسَمَّى رُطَبًا وَلَا عِنَبًا). وَلا يَصِحُّ الإِخْرَاجُ إِلَّا بَعْدَ الْجَفَافِ فِي الثَّمَرِ وَالتَّصْفِيَةِ فِي الزَّرْعِ فَلا يُخرَجُ مِنْهُ مُخْتَلِطًا بِسُنْبُلِهِ (لَا بُدَّ أَنْ يَفْصِلَ الْحَبَّ عَنِ السُّنْبُلِ).
تَنْبِيهٌ. مَا كَانَ مِنَ الْعِنَبِ مِنَ الصِّنْفِ الَّذِي لا يَتَزَبَّبُ يُخْرَجُ مِنْهُ وَهُوَ عِنَبٌ رَطْبٌ قَبْلَ الْجَفَافِ، وَكَذَلِكَ مَا لا يَتَتَمَّرُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ يُخْرَجُ مِنْهُ زَكَاتُهُ وَهُوَ رَطْبٌ.
الشَّرْحُ زَكَاةُ الثَّمَرِ أَيْ ثَمَرِ النَّخْلِ وَالْكَرْمِ أَيِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَالزُّرُعِ أَيِ الْحَبِّ مِنَ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ وَالأَرُزِ وَنَحْوِ ذَلِكَ عُشْرُ الْمَحْصُولِ وَهُوَ ثَلاثُونَ صَاعًا عَنْ ثَلاثِمِائَةٍ، إِنْ سُقِيَتْ بِلا مُؤْنَةٍ (أَيْ بِلا كُلْفَةٍ) كَأَنْ سُقِيَتْ بِمَطَرٍ أَوْ نَحْوِهِ كَمَاءِ النَّهْرِ (يُعْمَلُ لِلنَّهْرِ مَجْرًى وَلَوْ تَكَلَّفَ عَلَيْهِ فَيَسْقِيهَا) أَوِ الْعُيُونِ (أَيْ مَاءُ الْعَيْنِ أَيْ النَّبْعِ) أَوِ الثَّلْجِ (يُعْمَلُ لِلْمَاءِ النَّازِلِ مِنْ ذَوَبَانِ الثَّلْجِ مَجْرًى يَسْقِي الْأَرْضَ، هَذَا يُعَدُّ بِلا كُلْفَةٍ فَفِيهِ الْعُشْرُ. الثَّلْجُ أَيْ مَاءُ الثَّلْجِ. أَيْ الثَّلْجُ بَعْدَ الذَّوَبَانِ) أَوْ بِمَا يَجْرِي فِي السَّوَاقِي الْمَحْفُورَةِ مِنَ النَّهْرِ وَإِنِ احْتَاجَتْ لِمُؤْنَةٍ (يَعْنِي وَإِنِ احْتَاجَ حَفْرُ هَذِهِ السَّاقِيَةِ إِلَى مُؤْنَةٍ، هَذَا لَا يُعْتَبَرُ) وَأَمَّا مَا سُقِيَ بِالْمُؤْنَةِ فَيَجِبُ فِيهِ نِصْفُ الْعُشْرِ أَيْ خَمْسَةَ عَشَرَ صَاعًا عَنِ الثَّلاثِمِائَةِ (أَيْ سِتُّونَ مُدًّا عَنِ الْأَلْفِ وَمِائَتَيْنِ) وَذَلِكَ كَالْمَسْقِيِّ بِالنَّوَاضِحِ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ (النَّوَاضِحُ هِيَ الْمَوَاشِي الَّتِي تُسْتَعْمَلُ فِي نَقْلِ الْمَاءِ. يَعْنِي الْمَاءُ لَا يَصِلُ إِلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِنَقْلِهِ عَلَى الْمَاشِيَةِ. وَأَيْضًا إِذَا كَانَ يُخْرِجُ بِيَدِهِ مِنَ الْبِئْرِ ثُمَّ يَسْقِي، كَذَلِكَ الْمَسْقِيُّ بِوَاسِطَةِ الْمُوَلِّدِ الْكَهْرَبَائِيِّ الَّذِي يُخْرِجُ مِنَ الْبِئْرِ، هَذَا كُلُّهُ يُعَدُّ بِمُؤْنَةٍ) وَالدَّوَالِيبِ، وَكَذَلِكَ الْمَسْقِيُّ بِالْمَاءِ الْمَمْلُوكِ (كَأَنْ اشْتَرَى مَاءً فَسَقَى بِهِ مِثْلًا، هَذَا نِصْفُ الْعُشْرِ). قَالَ الْقَاضِي ابْنُ كَجٍّ لَوِ اشْتَرَى الْمَاءَ كَانَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْعُشْرِ وَكَذَا لَوْ سَقَاهُ بِمَاءٍ مَغْصُوبٍ لِأَنَّ عَلَيْهِ ضَمَانَهُ اهـ (الَّذِي غَصَبَ مَاءً فَسَقَى بِهِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَغْرَمَ، فَفِي ذَلِكَ كُلْفَةٌ، وَلِذَلِكَ يَدْفَعُ نِصْفَ الْعُشْرِ).
وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ حُكْمَ مَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ فِي الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ أَنَّهُ يَجِبُ الإِخْرَاجُ مِنْهُ بِحِسَابِهِ وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا (يَعْنِي إِذَا طَلَعَ عِنْدَهُ بَدَلَ الثَّلَاثِمِائَةِ صَاعٍ، ثَلَاثِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَهُنَا يُخْرِجُ الزَّكَاةَ عَنِ الثَّلَاثِمِائَةِ وَعِشْرِينَ، لَا يَقُولُ أُخْرِجُ عَنِ الثَّلَاثِمِائَةِ فَقَطْ) وَهُوَ الْعُشْرُ أَوْ نِصْفُهُ بِخِلافِ مَا يَزِيدُ فِي النَّعَمِ (أَيْ الْأَنْعَامِ) عَلَى النِّصَابِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَبْلُغَ النِّصَابَ الَّذِي يَلِيهِ فَإِنَّهُ عَفْوٌ لَيْسَ فِيهِ زَكَاةٌ (قُلْنَا الَّذِي عِنْدَهُ أَرْبَعَةٌ مِنَ الْإِبِلِ لَيْسَ فِيهَا زَكَاةٌ، خَمْسَةٌ فِيهَا زَكَاةٌ. سِتَّةٌ مِثْلُ الْخَمْسَةِ، وَالسَّبْعَةُ مِثْلُ الْخَمْسَةِ، أَمَّا فِي الزُّرُوعِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ. فِي الزُّرُوعِ فِي ثَلَاثِمِائَةِ صَاعٍ يُخْرِجُ ثَلَاثِينَ إِنْ كَانَتِ الزَّكَاةُ الْعُشْرَ، وَفِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ يُخْرِجُ وَاحِدًا وَثَلَاثِينَ، وَهَكَذَا دَائِمًا دَائِمًا يَدْفَعُ الْعُشْرَ فِي الْكُلِّ مَهْمَا زَادَ عَنِ النِّصَابِ، فِي أَرْبَعِمِائَةٍ يُخْرِجُ أَرْبَعِينَ، وَفِي أَرْبَعِمِائَةٍ وَعِشْرِينَ يُخْرِجُ اثْنَيْنِ وَأَرْبَعِينَ، وَهَكَذَا).
الشَّرْحُ لا زَكَاةَ فِيمَا كَانَ مِنَ الْحَبِّ وَالثَّمَرِ أَقَلَّ مِنَ النِّصَابِ إِلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ مَالِكُهُ خِلافًا لِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ فِي الثِّمَارِ وَالزُّرُوعِ (أَبُو حَنِيفَةَ مَا عِنْدَهُ نِصَابٌ لِلثِّمَارِ، إِنَّمَا عِنْدَهُ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ الزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ، أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ فَلَا تَجِبُ الزَّكَاةُ إِلَّا فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ)
فَائِدَةٌ: لَا يَجِبُ أَنْ يُخْرِجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ زَكَاةٍ مِنْ عَيْنِ الْمَحْصُولِ، إِنَّمَا لَهُ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ مَحْصُولٍ آخَرَ، كَأَنْ يُخْرِجَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ الْآنَ مِنْ زَكَاةٍ مِمَّا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ قَبْلُ.
قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَأَمَّا الذَّهَبُ فَنِصَابُهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا (الْمِثْقَالُ أَيِ الدِّينَارُ. الدِّينَارُ يَكُونُ ذَهَبًا، وَالدِّرْهَمُ يَكُونُ فِضَّةً) وَ (أَمَّا) الْفِضَّةُ (فَنِصَابُهَا) مِائَتَا دِرْهَمٍ وَيَجِبُ فِيهِمَا (أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إِذَا بَلَغَا النِّصَابَ) رُبْعُ الْعُشْرِ (2.5%) وَمَا زَادَ (عَلَى النِّصَابِ) فَبِحِسَابِهِ (وَلَوْ كَانَ الزَّائِدُ يَسِيرًا كَمَا مَرَّ فِي الزُّرُوعِ. فِي الزَّائِدِ بِحِسَابِهِ لَيْسَ كَالْمَاشِيَةِ).
الشَّرْحُ الْقَدْرُ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الذَّهَبِ عِشْرُونَ مِثْقَالًا، وَالْمِثْقَالُ هُوَ مَا كَانَ وَزْنُهُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ حَبَّةَ شَعِيرٍ (مِنْ شَعِيرِ الْحِجَازِ الَّذِي كَانَ فِي الْمَاضِي) مُتَوَسِّطَةً لَمْ تُقْشَرْ وَقُطِعَ مِنْ طَرَفَيْهَا مَا دَقَّ وَطَالَ بِاعْتِبَارِ الْوَسَطِ مِنَ الْحَبَّةِ (أَيْ نَحْوَ ٨٥ غِرَامًا مِنَ الذَّهَبِ الْخَالِصِ. عِيَارُ ٢٤ نِصَابُهُ نَحْوَ ٨٦ غِرَامًا، عِيَارُ ٢١ نِصَابُهُ نَحْوَ ٩٧ غِرَامًا، عِيَارُ ١٨ نِصَابُهُ نَحْوَ ١١٤ غِرَامًا).
وَأَمَّا الْفِضَّةُ فَنِصَابُهَا أَيِ الْقَدْرُ الَّذِي تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهِ مِنْهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ (أَيْ نَحْوَ ٥٩٥ غِرَامًا مِنَ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ)، وَالدِّرْهَمُ الإِسْلامِيُّ وَزْنُهُ خَمْسُونَ حَبَّةَ شَعِيرٍ مُتَوَسِّطَةً وَخُمْسَا حَبَّةٍ (يَعْنِي الْحَبَّةُ نُقَسِّمُهَا إِلَى خَمْسَةِ أَجْزَاءٍ وَنَأْخُذُ مِنْهَا جُزْءَيْنِ). وَلا يَجِبُ فِيهِمَا إِلَّا رُبْعَ الْعُشْرِ. وَمَا زَادَ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ عَلَى النِّصَابِ وَإِنْ قَلَّ فَبِحِسَابِهِ (لِأَنَّهُ لَا عَفْوَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِيمَا زَادَ عَلَى النِّصَابِ كَالْأَقْوَاتِ، فَيَجِبُ إِخْرَاجُ رُبْعِ عُشْرِ الزَّائِدِ عَلَى النِّصَابِ). وَالِاعْتِبَارُ فِي النِّصَابِ بِخَالِصِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ. وَيُكَمَّلُ نَوْعٌ بِنَوْعٍ (مِثْلُ حُلِيٍّ ذَهَبٍ مُبَاحٍ وَدَنَانِيرِ ذَهَبٍ بِحَيْثُ إِنَّ مَجْمُوعَهُمَا يُسَاوِي مِائَةَ غِرَامٍ مِنَ الذَّهَبِ الْخَالِصِ، فَهُنَا وَجَبَتِ الزَّكَاةُ عَلَى الْكُلِّ) لا جِنْسٌ بِجِنْسٍ (يَعْنِي لَا يُكَمَّلُ الْفِضَّةُ بِالذَّهَبِ) فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ فِي مِلْكِهِ مِقْدَارٌ مِنَ الذَّهَبِ أَقَلُّ مِنَ النِّصَابِ وَمِقْدَارٌ مِنَ الْفِضَّةِ أَقَلُّ مِنَ النِّصَابِ وَلَوْ بِقَدْرٍ يَسِيرٍ فَلا زَكَاةَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْمُلِ النِّصَابُ مِنَ الذَّهَبِ بِمُفْرَدِهِ وَلا مِنَ الْفِضَّةِ بِمُفْرَدِهَا (لَا يُكَمَّلُ الذَّهَبُ بِالْفِضَّةِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ، كَمَا أَنَّهُ لَا يُكَمَّلُ الْقَمْحُ بِالشَّعِيرِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَلَا التَّمْرُ بِالزَّبِيبِ لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُخْتَلِفَانِ، وَهَكَذَا).
الشَّرْحُ لا بُدَّ فِي وُجُوبِ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مِنَ الْحَوْلِ أَيْ مِنْ حَوَلانِ عَامٍ كَامِلٍ بِاعْتِبَارِ السَّنَةِ الْقَمَرِيَّةِ وَذَلِكَ لِحَدِيثِ (لا زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ). فَإِذَا لَمْ يَسْتَمِرَّ سَنَةً كَامِلَةً فِي مِلْكِهِ فَقَدِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ (مَثَلًا فِي خِلَالِ السَّنَةِ، قَبْلَ أَنْ تَتِمَّ السَّنَةُ، بَاعَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، انْقَطَعَ الْحَوْلُ بِبَيْعِهِ، أَهْدَاهُ لِإِنْسَانٍ، انْقَطَعَ الْحَوْلُ بِذَلِكَ، وَهَكَذَا. لَا زَكَاةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَمُرَّ عَلَيْهِ سَنَةٌ فِي مِلْكِهِ) فَإِنْ عَادَ إِلَى مِلْكِهِ يُسْتَأْنَفُ لَهُ سَنَةً كَامِلَةً (أَيْ مِنْ حِينِ رُجُوعِهِ إِلَى مُلْكِهِ يَبْدَأُ الْعَامُ الْجَدِيدُ)
فَائِدَةٌ: لَا يَنْقَطِعُ الْحَوْلُ بِالْقَرْضِ. مَثَلًا عِنْدِي عِشْرُونَ دِينَارًا ذَهَبًا، أَقْرَضْتُهَا إِنْسَانًا فِي خِلَالِ السَّنَةِ، تَسْتَمِرُّ السَّنَةُ كَأَنَّ الْعِشْرِينَ عِنْدِي مَا زَالَتْ، فَإِذَا مَرَّتْ عَلَيْهَا السَّنَةُ أَدْفَعُ أَنَا فِيهَا الزَّكَاةَ.
وَالْمَعْدِنُ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ هُوَ الذَّهَبُ أَوِ الْفِضَّةُ اللَّذَانِ يُوجَدَانِ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي خَلَقَهُمَا اللَّهُ فِيهِ أَيْ لَيْسَ دَفِينًا فَالدَّفِينُ يُسَمَّى رِكَازًا كَمَا تَقَدَّمَ، فَهَذَا الْمَعْدِنُ يُزَكَّى بَعْدَ تَحْصِيلِهِ وَتَنْقِيَتِهِ وَلا يُنْتَظَرُ لَهُ حَوَلانُ حَوْلٍ (أَوَّلَ مَا يُحَصَّلُ وَيُنَقَّى وَيَبْلُغُ النِّصَابَ يُزَكَّى فَوْرًا).
وَأَمَّا الرِّكَازُ فَهُوَ الدَّفِينُ الْجَاهِلِيُّ أَيِ الَّذِي كَانَ دُفِنَ قَبْلَ بِعْثَةِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ﷺ أَيْ مَا دَفَنَهُ النَّاسُ قَبْلَ بِعْثَةِ الرَّسُولِ فَمَنْ عَثَرَ عَلَيْهِ فِي أَرْضٍ مَوَاتٍ (فِي أَرْضٍ لَمْ تُعْمَرْ، أَيْ لَيْسَ لَهَا مَالِكٌ، مَا جَرَى عَلَيْهَا تَمَلُّكٌ لِأَحَدٍ، إِنْ أَحْيَاهَا أَوْ لَمْ يُحْيِهَا وَوَجَدَ فِيهَا الرِّكَازَ، فَنَفْسُ الْحُكْمِ) أَوْ مَلَكَهَا بِالإِحْيَاءِ أَيْ كَانَتْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِأَحَدٍ إِنَّمَا هُوَ أَحْيَاهَا أَيِ اتَّخَذَهَا مَزْرَعَةً أَوْ بُسْتَانًا أَوْ مَسْكَنًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَمَلَكَهَا بِذَلِكَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَهُ فِي الْحَالِ أَيْ مَعَ بُلُوغِ النِّصَابِ أَيِ الْقَدْرِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ. وَيُعْرَفُ كَوْنُهُ دَفِينًا جَاهِلِيًّا بِوُجُودِ اسْمِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ تِلْكَ الأَزْمَانِ عَلَيْهِ. ثُمَّ حُكْمُ الرِّكَازِ أَنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهُ الْخُمُسُ (20%) لَيْسَ رُبْعُ الْعُشْرِ بِخِلافِ الْمَعْدِنِ فَإِنَّهُ يُخْرَجُ مِنْهُ رُبْعُ الْعُشْرِ (2.5%) وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لا مُؤْنَةَ فِي الرِّكَازِ بِخِلافِ الْمَعْدِنِ فَإِنَّ فِيهِ مُؤْنَةٌ لِتَصْفِيَتِهِ وَتَنْقِيَتِهِ مِنَ التُّرَابِ.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/14N8zby6f6I
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-21