(209) مَا حُكْمُ الِاسْتِخْفَافِ بِالْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ.
يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ كُتُبًا عَلَى بَعْضِ أَنْبِيَائِهِ أَشْهَرُهَا الْقُرْءَانُ وَالإِنْجِيلُ أَىِ الأَصْلِىُّ وَالتَّوْرَاةُ أَىِ الأَصْلِيَّةُ وَالزَّبُورُ. وَهَذِهِ الْكُتُبُ عِبَارَةٌ عَنْ كَلامِ اللَّهِ الأَزَلِىِّ الَّذِى لا يُشْبِهُ كَلامَ الْمَخْلُوقِينَ وَكُلُّ مَا فِيهَا حَقٌّ وَصِدْقٌ فَهِىَ مُعَظَّمَةٌ عِنْدَ اللَّهِ فَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُعَظِّمَهَا التَّعْظِيمَ الْوَاجِبَ وَأَنْ نُنْزِلَهَا الْمَنْزِلَةَ الَّتِى أَمَرَ بِهَا الشَّرْعُ فَمَنْ حَقَّرَهَا وَاسْتَخَفَّ بِهَا أَىِ اعْتَبَرَهَا شَيْئًا حَقِيرًا لا شَأْنَ لَهُ كَفَرَ سَوَاءٌ اسْتَخَفَّ بِهَا بِالْفِعْلِ أَوِ الْقَوْلِ أَوِ الِاعْتِقَادِ كَأَنْ أَلْقَى الْمُصْحَفَ أَوْ وَرَقَةً مَكْتُوبًا فِيهَا شَىْءٌ مِنَ الْقُرْءَانِ فِى الْقَاذُورَاتِ وَلَوْ لَمْ يَقْصِدِ الِاسْتِخْفَافَ لِأَنَّ فِعْلَهُ يَدُلُّ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَابِدِينَ الْحَنَفِىُّ، أَوْ دَاسَ عَلَى الْقُرْءَانِ بِقَدَمِهِ أَوْ كَتَبَ الْقُرْءَانَ بِالْبَوْلِ أَوْ شَكَّ فِى حَقِّيَّةِ وَصِحَّةِ مَا فِى الْقُرْءَانِ أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ مَا فِيهِ كَذِبٌ أَوِ اسْتَخَفَّ بِآيَةٍ مِنَ الْقُرْءَانِ كأَنْ قَالَ وَقَدْ مَلَأَ وِعَاءً ﴿وَكَأْسًا دِهَاقًا﴾ بِقَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ بِمَا وَعَدَ اللَّهُ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ فِى الْجَنَّةِ مِنَ الْكَأْسِ الْمُمْتَلِئَةِ شَرَابًا هَنِيئًا لِأَنَّ أَعْظَمَ نَعِيمٍ خَلَقَهُ اللَّهُ هُوَ نَعِيمُ الْجَنَّةِ فَمَنْ جَعَلَ نَعِيمَ الْجَنَّةِ شَيْئًا لا قَدْرَ لَهُ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ كَذَّبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَوْ قَالَ عِنْدَ رُؤْيَةِ جَمْعٍ مِنَ النَّاسِ ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدَا﴾ بِقَصْدِ الِاسْتِخْفَافِ بِهَذِهِ الآيَةِ كَفَرَ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ.