الثلاثاء أبريل 8, 2025

#20

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صَادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:

 

اِعْلَمْ رَحِمَكَ اللهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فَتْحُ قَبْرِ الْمُسْلِمِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، فَإِذَا مَضَتْ مُدَّةٌ يَعْرِفُ أَهْلُ تِلْكَ الأَرْضِ أَنَّ الْمَيِّتَ بَلِيَتْ أَعْضَاؤُهُ فِيهَا عِنْدَئِذٍ يَجُوزُ فَتْحُ الْقَبْرِ.

   وَلَوْ فُتِحَ الْقَبْرُ فَوُجِدَ فِيهِ الْعِظَامُ الْكَبِيرَةُ لا يَجُوزُ الدَّفْنُ فَوْقَهَا كَأَنْ كَانَتْ عِظَامُ الصَّدْرِ أَوِ السَّاقِ أَوِ الْجُمْجُمَةِ بَعْدُ مَا بَلِيَتْ. أَمَّا إِنْ بَلِيَتِ الْعِظَامُ الْكَبِيرَةُ وَبَقِيَتِ الصَّغِيرَةُ فَتُنَحَّى إِلَى جَانِبِ الْقَبْرِ وَيُدْفَنُ الْمَيِّتُ الْجَدِيدُ.

   وَمِمَّا لَا يَجُوزُ أَيْضًا الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ إِذَا كَانَتِ الأَرْضُ مُسَبَّلَةً أَيْ مَوْقُوفَةً لِلدَّفْنِ، وَإِنَّمَا يُعَلَّمُ الْقَبْرُ بِشَىْءٍ كَحَجَرٍ عِنْدَ الرَّأْسِ وَعِنْدَ الرِّجْلَيْنِ بِحَيْثُ يَهْتَدِي إِلَيْهِ قَاصِدُهُ لِلزِّيَارَةِ. أَمَّا إِنْ كَانَتِ الأَرْضُ مَمْلُوكَةً فَدُفِنَ الْمَيِّتُ فِيهَا بِإِذْنِ الْمَالِكِ وَبَنَوْا عَلَى الْقَبْرِ فَلَيْسَ حَرَامًا لَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ.

   وَالْمَعْنَى مِنْ تَحْرِيْمِ الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ أَنَّ فِيهِ تَضْيِيقًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يُؤْتَى بِهِمْ لِلدَّفْنِ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُمْ إِذَا وَجَدُوا عَلَى الْقَبْرِ بِنَاءً يَصْعُبُ عَلَيْهِمُ الدَّفْنُ فِيهِ. أَمَّا إِنْ بَنَوْا عَلَى الْقَبْرِ لِلضَّرُورَةِ كَأَنْ كَانَتِ السِّبَاعُ تَنْبُشُ الْقَبْرَ فَتَأْكُلُ الْجُثَّةَ أَوْ كَانَ يُخْشَى أَنْ يُفْتَحَ الْقَبْرُ قَبْلَ بِلَى الْجَسَدِ فَيُدْفَنَ فِيهِ غَيْرُهُ مَعَهُ فَيَجُوزُ، وَهَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ هُوَ الْمُقْتَضِي لِتَحْرِيْمِ الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ لَيْسَ مَا يَزْعُمُهُ الْوَهَّابِيَّةُ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْبِنَاءَ عَلَى الْقَبْرِ عِبَادَةً لَهُ فَالصَّلاةُ إِلَيْهِ عِنْدَهُمْ كُفْرٌ أَوْ كَبِيرَةٌ أَمَّا عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَلا تَحْرُمُ الصَّلاةُ إِلَى جهة الْقَبْرِ إِذَا كَانَ الْقَبْرُ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ بَلْ تُكْرَهُ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَأَى مُصَلِيًّا إِلَى الْقَبْرِ فَقَالَ الْقَبْرَ الْقَبْرَ أَيْ تَجَنَّبِ اسْتِقْبَالَ الْقَبْرِ وَلَمْ يَقُلْ إِنَّكَ عَمِلْتَ حَرَامًا. لَكِنْ إِنْ قَصَدَ الْقَبْرَ بِالصَّلاةِ إِلَيْهِ فَهُوَ حَرَامٌ وَإِنْ قَصَدَ عِبَادَتَهُ فَهُوَ كُفْرٌ. ثُمَّ كَرَاهَةُ الصَّلَاةِ إِلَى الْقَبْرِ تَزُولُ إِذَا كَانَ الْقَبْرُ مَسْتُورًا غَيْرَ بَارِزٍ، كَالْقَبْرِ النَّبَوِيِّ فَإِنَّهُ مَسْتُورٌ، فَلَا كَرَاهَةَ فِي الصَّلَاةِ أَمَامَهُ أَوْ خَلْفَهُ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ لِأَنَّهُ مَسْتُورٌ لَيْسَ بَارِزًا. فَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ.  أَيْ أَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ إِلَى الْقُبُورِ، يَتَوَجَّهُونَ إِلَى الْقَبْرِ فِي الصَّلَاةِ لِتَعْظِيمِ الْقَبْرِ. قَالَتْ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا يَعْنِي لَا تَفْعَلُوا مِثْلَهُمْ، قَالَتْ وَلَوْلا ذَلِكَ لَأُبْرِزَ قَبْرُهُ اهـ فَفَهِمَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْ أَبِيهَا رِاوَيَةَ الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ الصَّلاةِ إِلَى الْقَبْرِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَالِ كَوْنِهِ بَارِزًا، فَإِطْلاقُ الْوَهَّابِيَّةِ التَّحْرِيْمَ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ لا وَجْهَ لَهُ وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِمْ خَيْرًا لَهَدَاهُمْ لِعَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ لَكِنَّهُمْ حُرِمُوا ذَلِكَ فَهُمْ يَعْتَقِدُونَ التَّجْسِيمَ أَيْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ جِسْمٌ وَهَذَا ضَلَالٌ مُبِينٌ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ.

   وَيُكْرَهُ فَرْشُ الْقَبْرِ أَيْ وَضْعُ الْبِسَاطِ تَحْتَ الْمَيِّتِ، وَيُكْرَهُ وَضْعُ مِخَدَّةٍ لِلْمَيِّتِ وَيُكْرَهُ الْمَبِيتُ بِالْمَقْبَرَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْوَحْشَةِ، أَمَّا زِيَارَةُ الْقُبُورِ بِاللَّيْلِ فَمُسْتَحَبَّةٌ لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّ الرَّسُولَ كَانَ يَذْهَبُ إِلَى الْبَقِيعِ بِاللَّيْلِ وَيَسْتَغْفِرُ لِأَهْلِ الْقُبُورِ، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. الْمَبِيتُ مَعْنَاهُ أَنْ يَمْكُثَ إِلَى الْفَجْرِ أَوْ يَقْضِيَ مُعْظَمَ اللَّيْلِ هَذَا الْمَبِيتُ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَمَّا أَنْ يَمْكُثَ سَاعَةً أَوْ سَاعَتَيْنِ لِلِاعْتِبَارِ فَهَذَا سُنَّةٌ. وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ عَلَى الْقَبْرِ كَرَاهَةً شَدِيدَةً، وَيُكْرَهُ وَطْءُ الْقَبْرِ أَيْ دَوْسُهُ بِالْقَدَمِ بِلا حَاجَةٍ فَإِنْ كَانَتْ حَاجَةٌ فَلا كَرَاهَةَ، هَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْقَبْرِ كَلامٌ مُعَظَّمٌ وَإِلَّا فَلا يَجُوزُ.

   وَيُكْرَهُ سَدُّ الْقَبْرِ بِالْجَصِّ وَكَذَا يُكْرَهُ الْكِتَابَةُ عَلَيْهِ. وَمِمَّا يَحْرُمُ الطَّوَافُ حَوْلَ قُبُورِ الأَوْلِيَاءِ كَمَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْجُهَّالِ حَوْلَ مَشْهَدِ الْحُسَيْنِ فِي مِصْرَ بَلِ الْمَطْلُوبُ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ وَجْهِهِ وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ وَيَدْعُوَ اللَّهَ بِمَا شَاءَ وَلَوْ رَفَعَ يَدَيْهِ عِنْدَ الدُّعَاءِ فَلا بَأْسَ، وَإِنْ وَقَفَ عِنْدَ رِجْلِهِ أَوْ عِنْدَ ظَهْرِهِ فَلا بَأْسَ لَكِنِ الأَفْضَلُ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ وَجْهِهِ، أَمَّا وَضْعُ الْيَدِ عَلَى جِدَارِ الْقَبْرِ فَجَائِزٌ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ يَقُولُونَ مَكْرُوهٌ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ وَاحِدًا يَقُولُ: لَا يَنْبَغِي التَّمَسُّحُ بِشَبِيكَةِ الْقَبْرِ، فَلَا تُنْكِرُوا عَلَيْهِ. أَمَّا الإِمَامُ أَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فَقَالَ إِنْ كَانَ لِلتَّبَرُّكِ فَلا بَأْسَ بِذَلِكَ أَيْ إِنْ كَانَتْ عَقِيدَتُهُ أَنَّهُ لا أَحَدَ يَخْلُقُ مَنْفَعَةً وَلا مَضَرَّةً إِلَّا اللَّهُ وَقَصْدُهُ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ زِيَارَتَهُ لِهَذَا الْوَلِيِّ سَبَبًا لِدَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْهُ وَاسْتِجْلابِ الْمَنْفَعَةِ. الْمُسْلِمُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يَزُورُ قُبُورَ الأَوْلِيَاءِ، أَمَّا الَّذِي يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا الْوَلِيَّ بِخُصُوصِيَّةٍ لَهُ تَنْقَضِي الْحَاجَاتُ فَيَعْمَلُ نَذْرًا لَهُ لِلتَّقَرُّبِ لَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ التَّقَرُّبَ إِلَى اللَّهِ بِالصَّدَقَةِ عَنْهُ، فَهَذَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الشِّرْكِ، أَمَّا إِنْ نَذَرَ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى نِيَّةِ أَنْ يَكُونَ ثَوَابُ ذَلِكَ لِهَذَا الْوَلِيِّ فَالْوَلِيُّ يَنَالُهُ الثَّوَابُ وَهُوَ كَذَلِكَ.

  وَأَمَّا زِيَارَةُ الْقُبُورِ فَجَائِزَةٌ، وَالنَّهْيُ عَنْهَا مَنْسُوخٌ، أَيْ مَا وَرَدَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلا فَزُورُوهَا) بَلْ حَثَّنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى زِيَارَةِ الْقُبُورِ بِقَوْلِهِ (زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُكُمْ بِالآخِرَةِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ.

   وَأَمَّا حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَعَنَ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى زِيَارَةِ النِّسَاءِ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا النِّيَاحَةُ وَالنَّدْبُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَأَمَّا مَا خَلا عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ لِلنِّسَاءِ عِنْدَ بَعْضِ الأَئِمَّةِ وَبِدُونِ الْكَرَاهةِ عِنْدَ بَعْضٍ. الشَّافِعِيَّةُ يَقُولُونَ مَكْرُوهٌ أَنْ تَذْهَبَ الْمَرْأَةُ لِزِيَارَةِ الْقُبُورِ، لَيْسَ حَرَامًا، وَلَكِنْ مَكْرُوهٌ. وَهَذَا الْكَلَامُ لَيْسَ فِي قُبُورِ الأَنْبِيَاءِ. أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ زِيَارَةُ الْقُبُورِ سُنَّةٌ لِلنِّسَاءِ كَمَا لِلرِّجَالِ.

   وَمِمَّا يُسَنُّ قَوْلُهُ عِنْدَ زِيَارَةِ الْقُبُورِ (السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ، أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالأَثَرِ) أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ بِلَفْظِ (السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ) وَفِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ سَمَاعِ الْمَيِّتِ وَلَوْلا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الْخِطَابِ مَعْنًى، وَلا حُجَّةَ فِي اسْتِدْلالِ نُفَاةِ التَّوَسُّلِ الْوَهَّابِيَّةِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَّنْ فِي الْقُبُورِ﴾ فَإِنَّهُ مُؤَوَّلٌ لا يُحْمَلُ عَلَى الظَّاهِرِ وَالْمُرَادُ بِهِ تَشْبِيهُ الْكُفَّارِ بِمَنْ فِي الْقُبُورِ فِي عَدَمِ انْتِفَاعِهِمْ بِكَلامِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مَعَ كَوْنِهِمْ أَحْيَاءَ.

   وَمِنَ الْمُهِمِّ بَيَانُهُ أَنَّ الْمَيِّتَ يَنْتَفِعُ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ كَمَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ مَعْقِلِ بنِ يَسَارٍ (اقْرَءُوا يَس عَلَى مَوْتَاكُمْ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ. هَذَا الحَدِيثُ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ صَحِيحٌ. الوَهَّابِيَّةُ يَقُولُونَ “عَلَى مَوْتَاكُمْ” يَعْنِي عَلَى الْمُحْتَضَرِ، عَلَى الَّذِي يَمُوتُ الآنَ، الَّذِي تَخْرُجُ رُوحُهُ الآنَ، لَيْسَ الَّذِي مَاتَ. يُقَالُ لَهُمْ لِمَاذَا أَخْرَجْتُمُوهُ عَنِ الظَّاهِرِ؟ الْمَيِّتُ يَشْمَلُ هَذَا وَهَذَا، فَالأَصْلُ أَنَّ الْمَيِّتَ هُوَ الَّذِي خَرَجَتْ رُوحُهُ، وَالَّذِي الآنَ تَخْرُجُ رُوحُهُ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ يُقَالُ عَنْهُ مَيِّتٌ، فَيُقَالُ لَهُمْ لِمَ خَصَّصْتُمُوهُ بِهَذَا دُونَ هَذَا بِلا دَلِيلٍ؟ وَحَدِيثُ (يَس ثُلُثُ الْقُرْءَانِ لا يَقْرَؤُهَا رَجُلٌ يُرِيدُ اللَّهَ وَالدَّارَ الآخِرَةَ إِلَّا غُفِرَ لَهُ فَاقْرَءُوهَا عَلَى مَوْتَاكُمْ) رَوَاهُ أَحْمَدُ. وَأَوَّلَ جَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ الْقِرَاءَةَ لِلْمَيِّتِ بِالْمُحْتَضَرِ وَالتَّأْوِيلُ خِلافُ الظَّاهِرِ. يَعْنِي وَلَوْ كَانَ بَعْضُ التَّابِعِينَ قَالَ الْمُرَادُ بِهِ الْمُحْتَضَرُ، لَكِنْ أَيْنَ دَلِيلُهُمْ؟ مَا لَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا. وَهُنَا انْتَبِهُوا! أُولَئِكَ التَّابِعُونَ مَا أَرَادُوا الَّذِي يُرِيدُهُ الوَهَّابِيَّةُ. التَّابِعُونَ قَالُوا قِرَاءَةُ يَس الْمُرَادُ بِهَا القِرَاءَةُ عِنْدَ وَفَاةِ الشَّخْصِ وَهُوَ يَمُوتُ. اقْرَؤُوا يَس عِنْدَهُ وَهُوَ يَمُوتُ، هَذَا فِيهِ سِرٌّ، هَذَا فِيهِ خَيْرٌ، هَذَا فِيهِ بَرَكَةٌ، هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِمْ. أَمَّا الوَهَّابِيَّةُ فَيَقُولُونَ قِرَاءَتُهَا لا تَنْفَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ! فَرْقٌ كَبِيرٌ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ. وَمَعَ هَذَا، تَأْوِيلُ هَؤُلَاءِ التَّابِعِينَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، لَيْسَ لَهُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِ ذَلِكَ فَقَطْ بِالْمُحْتَضَرِ.

ثُمَّ يُقَالُ لِلوَهَّابِيَّةِ أَلَيْسَ أَنْتُمْ تَقُولُونَ الْمُرَادُ بِالحَدِيثِ أَنْ يُقْرَأَ لِلمُحْتَضَرِ سُورَةُ يَس وَهُوَ يُحْتَضَرُ؟! فَإِذًا هُوَ يَنْتَفِعُ بِهَا وَلَيْسَتْ مِنْ سَعْيِهِ، فَلِمَ تَمْنَعُونَ انْتِفَاعَ الْمَيِّتِ أَيْضًا بِالقِرَاءَةِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ سَعْيِهِ؟! لَيْسَ لَهُ مَعْنًى مَا تَدَّعُونَ. الْمَيِّتُ يَنْتَفِعُ بِمَا شَاءَ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ، إِنْ كَانَ مِنْ سَعْيِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِ سَعْيِهِ، وَالحَيُّ يَنْتَفِعُ بِمَا شَاءَ اللَّهُ لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ، إِنْ كَانَ مِنْ سَعْيِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ سَعْيِهِ.

   وَأَمَّا الصَّلاةُ فِي مَسْجِدٍ فِيهِ قَبْرٌ فَجَائِزَةٌ وَحَدِيثُ الْبُخَارِيِّ (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ) وَفِيهِ قَوْلُ عَائِشَةَ وَلَوْلا ذَلِكَ لَأَبْرَزُوا قَبْرَهُ اهـ تَعْنِي قَبْرَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ يَقْصِدُ الصَّلاةَ إِلَى الْقَبْرِ لِتَعْظِيمِهِ وَهَذَا يُتَصَوَّرُ إِنْ كَانَ بَارِزًا غَيْرَ مَسْتُورٍ وَإِلَّا فَلا حُرْمَةَ ولا كراهة، وَذَلِكَ بِأَنْ لا يَقْصِدَ الْمُصَلِّي الصَّلاةَ إِلَيْهِ لِتَعْظِيمِهِ أَوْ يَكُونُ مَسْتُورًا فَإِنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ بَارِزًا لا يُقْصَدُ بِالصَّلاةِ إِلَيْهِ. أَمَّا مُجَرَّدُ وُجُودِ قَبْرٍ فِي مَسْجِدٍ لَمْ يَقْصِدْهُ الْمُصَلِّي بِالصَّلاةِ إِلَيْهِ فَلا يَنْطَبِقُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ، وَلِذَلِكَ نَصَّتِ الْحَنَابِلَةُ وَغَيْرُهُمْ عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ فِي الْمَقْبَرَةِ مَكْرُوهَةٌ وَلا تَحْرُمُ. هَؤُلَاءِ الحَنَابِلَةُ الَّذِينَ يَتَعَلَّقُ الوَهَّابِيَّةُ بِهِمْ زُورًا وَبُهْتَانًا، وَيَدَّعُونَ أَنَّهُمْ مِنْهُمْ زُورًا وَبُهْتَانًا، قَالُوا “الصَّلَاةُ فِي الْمَقْبَرَةِ مَكْرُوهَةٌ”، مَا قَالُوا “حَرَامٌ”. فِي الْمَقْبَرَةِ!! لَيْسَ قَبْرًا وَاحِدًا، إِنَّمَا قُبُورٌ كَثِيرَةٌ، قَالُوا “مَكْرُوهَةٌ”، مَا قَالُوا “حَرَامٌ”، لِأَنَّ الَّذِي يُصَلِّي هُنَاكَ لَا يَقْصِدُ تَعْظِيمَ القُبُورِ، إِنَّمَا يَتَوَجَّهُ إِلَى القِبْلَةِ، وَلَوْ كَانَ فِي قِبْلَتِهِ قَبْرٌ، لَا يُرِيدُ تَعْظِيمَ القَبْرِ بِالصَّلَاةِ إِلَيْهِ، لَا يُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى القَبْرِ لِتَعْظِيمِهِ، فَلَا حُرْمَةَ فِي ذَلِكَ.

   وَأَمَّا حَدِيثُ مُسْلِمٍ فِي صَحِيحِهِ (لا تُصَلُّوا إِلَى الْقُبُورِ) فَلَيْسَ فِيهِ دِلالَةٌ عَلَى التَّحْرِيْمِ بَلْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلافِ أَحْوَالِ الْقَبْرِ عَلَى التَّفْصِيلِ السَّابِقِ. وَقَدْ نَصَّ الْبُهُوتِيُّ الْحَنْبَلِيُّ فِي شَرْحِ مُنْتَهَى الإِرَادَاتِ عَلَى أَنَّ الصَّلاةَ إِلَى الْقُبُورِ مَعَ الْحَائِلِ لا تُكْرَهُ.

   وَأَمَّا مَا فِي حَدِيثِ (لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ (يَعْنِي اللَّوَاتِي يَذْهَبْنَ لِلنَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ (أَيْ لِتَعْظِيمِ القَبْرِ) وَالسُّرُجَ (جَمْعُ سِرَاجٍ وَهُوَ مَا يُوقَدُ لِلإِنَارَةِ. أَيْ لِتَعْظِيمِ القَبْرِ)، فَمَعْنَاهُ الَّذِي يَبْنِي عَلَى الْقَبْرِ مَسْجِدًا لِتَعْظِيمِ هَذَا الْقَبْرِ فَهُوَ مَلْعُونٌ، كَذَلِكَ الَّذِي يَضَعُ السُّرُجَ أَوِ الشُّمُوعَ عَلَى الْقُبُورِ لِتَعْظِيمِهَا فَهُوَ أَيْضًا مَلْعُونٌ.
   فَائِدَةٌ وَرَدَ فِي الْبُخَارِيِّ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَفِيهِ أَنَّهُ لَمَّا مَرَّتْ جِنَازَةُ يَهُودِيٍّ قَامَ الرَّسُولُ ﷺ فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ (أَلَيْسَتْ نَفْسًا) فَهَذَا لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ وَقَفَ تَعْظِيمًا لَهَا إِنَّمَا تَعْظِيمًا لِلْمَلائِكَةِ الَّذِينَ مَعَهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ أَنَّهُ ﷺ قَالَ (إِنَّمَا تَقُومُونَ لِلَّذِي مَعَهَا) أَيْ لِلْمَلائِكَةِ. وَنَصُّ رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ وَأَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَمُرُّ بِنَا جِنَازَةُ الْكَافِرِ أَفَنَقُومُ لَهَا قَالَ (نَعَمْ قُومُوا لَهَا فَإِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَقُومُونَ لَهَا إِنَّمَا تَقُومُونَ إِعْظَامًا لِلَّذِي يَقْبِضُ الأَرْوَاحَ).

   فَائِدَةٌ أُخْرَى فِي الْحَثِّ عَلَى حُضُورِ جِنَازَةِ الْمُسْلِمِ فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ، وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ، قِيلَ: وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ: مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

   وَلِمُسْلِمٍ: (حَتَّى تُوضَعَ فِي اللَّحْدِ) وَلِلْبُخَارِيِّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ (مَنْ تَبِعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيـمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ) يَعْنِي مِنَ الثَّوَابِ.

  وَيُسَنُّ أَنْ يُقَالَ عِنْدَ التَّعْزِيَةِ بِالْمُسْلِمِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ. وَمَعْنَى وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ أَيْ جَعَلَ صَبْرَكَ حَسَنًا.

   تَنْبِيهٌ لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَتَمَنَّى الْمَوْتَ إِذَا أَصَابَتْهُ مُصِيبَةٌ فَعَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ (لا يَتَمَنَيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لا بُدَّ مُتَمَنِّيًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتِ الْوَفَاةُ خَيْرًا لِي) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 

مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ مَاذَا يُسَنُّ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ.

        يُسَنُّ أَنْ يُؤَذِّنَ فِى أُذُنِهِ الْيُمْنَى وَيُقِيمَ فِى أُذُنِهِ الْيُسْرَى أَوَّلَ وِلادَتِهِ وَيُسَنُّ أَنْ يُحَنِّكَهُ بِتَمْرٍ أَوْ حُلْوٍ غَيْرِهِ فَيَمْضَغَهُ ويَدْلِكَ بِهِ حَنَكَهُ دَاخِلَ فَمِهِ لِيَنْزِلَ مِنْهُ شَىْءٌ إِلَى الْجَوْفِ وَأَنْ يُسَمِّيَهُ فِى الْيَوْمِ السَّابِعِ بِاسْمٍ حَسَنٍ وَأَنْ يَحْلِقَ شَعَرَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِوَزْنِهِ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً وَأَنْ يَذْبَحَ شَاةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكْسِرَ عَظْمَهَا وَيَتَصَدَّقَ بِثُلُثٍ وَيَجْعَلَ ثُلُثًا لِأَهْلِ بَيْتِهِ وَثُلُثًا يُهْدِيهِ وَيُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلادَةِ مِنْهَا وَيُسَنُّ تَعْجِيلُ خِتَانِهِ فِى سَابِعِ وِلادَتِهِ إِنْ أَطَاقَ وَلا يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلادَةِ مِنْهَا.

 

تَكَلَّمْ عَنْ كَيْفِيَّةِ غَسْلِ الْمَيِّتِ.

        أَقَلُّ الْغُسْلِ لِلْمَيِّتِ إِزَالَةُ النَّجَاسَةِ إِنْ كَانَتْ عَلَى بَدَنِهِ وَتَعْمِيمُ جَمِيعِ الْبَدَنِ مَرَّةً بِالْمَاءِ الْمُطَهِّرِ وَالأَفْضَلُ تَثْلِيثُ غَسْلِهِ. وَيُسَنُّ أَنَّ يُغْسَلَ فِى خَلْوَةٍ لا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إِلَّا الْغَاسِلُ وَمُعِينُهُ وَوَلِيُّهُ وَأَنْ يَكُونَ تَحْتَ سَقْفٍ وَيُسَنُّ أَنْ يُغْسَلَ فِى قَمِيصٍ وَأَنْ يُغَطَّى وَجْهُهُ بِخِرْقَةٍ وَأَنْ يُسْتَقْبَلَ بِهِ الْقِبْلَةُ. وَيُسَنُّ أَنْ يَغُضَّ الْغَاسِلُ بَصَرَهُ عَنْ غَيْرِ عَوْرَتِهِ وَأَمَّا عَنْ عَوْرَتِهِ فَوَاجِبٌ وَالْمُرَادُ بِالْعَوْرَةِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ. وَيُسَنُّ غَسْلُهُ بِمَاءٍ بَارِدٍ وَأَنْ يَكُونَ مَعَ الْمَاءِ فِى أَوَّلِ غَسْلِهِ سِدْرٌ وَفِى ءَاخِرِهِ شَىْءٌ قَلِيلٌ مِنْ كَافُورٍ لِأَنَّ رَائِحَتَهُ تَطْرُدُ الْهَوَامَّ. وَيَحْرُمُ مَسُّ عَوْرَتِهِ بِغَيْرِ حَائِلٍ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لا يَمَسَّ سَائِرَ بَدَنِهِ إِلَّا بِخِرْقَةٍ. وَيُسَنُّ أَنْ يُدْخِلَ إِصْبَعَهُ وَعَلَيْهَا خِرْقَةٌ فِى فَمِهِ وَيُمِرَّهَا عَلَى أَسْنَانِهِ وَيُزِيلَ مَا فِى مِنْخَرَيْهِ مِنْ أَذًى بِإِصْبَعِهِ مَعَ شَىْءٍ مِنَ الْمَاءِ وَيُوَضِّئَهُ كَوُضُوءِ الْحَىِّ. ثُمَّ يَبْدَأُ بِغَسْلِ رَأْسِهِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ مَعَ نِيَّةِ غَسْلِ الْمَيِّتِ وَيُسَرِّحُ شَعْرَهُ بِمِشْطٍ وَاسِعِ الأَسْنَانِ ثُمَّ لِحْيَتَهُ ثُمَّ يَغْسِلُ بِهَذَا الْمَاءِ شِقَّهُ الأَيْمَنَ مَا أَقْبَلَ مِنْهُ ثُمَّ شِقَّهُ الأَيْسَرَ ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الأَيْمَنَ مِنْ خَلْفٍ ثُمَّ شِقَّهُ الأَيْسَرَ ثُمَّ يُعَمِّمُ بَدَنَهُ بِالْمَاءِ لِإِزَالَةِ السِّدْرِ. ثُمَّ بَعْدَ إِزَالَتِهِ يَصُبُّ الْمَاءَ عَلَى جَمِيعِ بَدَنِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاثًا يَصُبُّ فِى الثَّالِثَةِ مَاءً فِيهِ شَىْءٌ مِنَ الْكَافُورِ وَيَمْسَحُ بَطْنَهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى بِقُوَّةٍ فِى كُلٍّ مِنَ الْغَسَلاتِ الثَّلاثِ بَعْدَ إِجْلاسِهِ عَلَى الْمُغْتَسَلِ مَائِلًا إِلَى وَرَائِهِ وَوَاضِعًا يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كَتِفِهِ وَإِبْهَامَهُ فِى نُقْرَةِ قَفَاهُ وَمُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى رُكْبَتِهِ الْيُمْنَى لِيُخْرِجَ مَا فِيهِ مِنَ الْفَضَلاتِ ثُمَّ يُنَشِّفُهُ بِخِرْقَةٍ وَيَضَعُهُ فِى كَفَنِهِ. وَمَنْ مَاتَتْ زَوْجَتُهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْسِلَهَا فَقَدْ غَسَلَ عَلِىٌّ فَاطِمَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَكِنْ لا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْظُرَ بِشَهْوَةٍ إِلَى مَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا بَعْدَ مَوْتِهَا وَلَوْ عِنْدَ تَغْسِيلِهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ يَنْفَسِخُ بِمَوْتِهَا فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ جِمَاعُهَا وَلا يَحْرُمُ عَلَيْهِ لَمْسُهَا. وَيَجُوزُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَغْسِلَ زَوْجَهَا الْمَيِّتَ فَقَدْ غَسَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ زَوْجَهَا أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاتِهِ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

 

تَكَلَّمْ عَنْ تَكْفِينِ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ.

        الْوَاجِبُ فِى تَكْفِينِ الْمَيِّتِ مَا يَسْتُرُ جَمِيعَ الْبَدَنِ إِلَّا رَأْسَ مُحْرِمٍ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَوَجْهَ مُحْرِمَةٍ. وَلا يَجُوزُ تَكْفِينُهُ بِمَا لا يَلِيقُ بِهِ أَوْ بِمَا لا يَحِلُّ لَهُ فِى حَيَاتِهِ فَالرَّجُلُ لا يَجُوزُ تَكْفِينُهُ بِالْحَرِيرِ لِأَنَّهُ لا يَحِلُّ لَهُ فِى حَيَاتِهِ أَمَّا الْمَرْأَةُ وَالصَّبِىُّ فَيَجُوزُ تَكْفِينُهُمَا بِالْحَرِيرِ. وَلا يَجُوزُ تَكْفِينُ الْمَيِّتِ بِالْخَيْشِ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِاحْتِقَارِهِ. وَلا يَجِبُ تَكْفِينُهُ بِالْجَدِيدِ بَلْ يَكْفِى الْمُسْتَعْمَلُ وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ ثَلاثَ لَفَائِفَ لِلذَّكَرِ أَمَّا مَنْ تَرَكَ تَرِكَةً زَائِدَةً عَلَى دَيْنِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَصْلًا فَيَجِبُ تَكْفِينُهُ بِثَلاثِ لَفَائِفَ وَهِىَ خِرَقٌ تُنْشَرُ ثُمَّ يُوضَعُ عَلَيْهَا الْمَيِّتُ أَمَّا إِنْ كَانَ أَوْصَى بِأَنْ يَتْرُكُوا تَكْفِينَهُ بِالثَّلاثِ فَلا تَجِبُ. وَالْكَفَنُ لِلْمَرْأَةِ قَمِيصٌ وَخِمَارٌ وَإِزَارٌ وَلِفَافَتَانِ. وَالْقَمِيصُ هُوَ مَا يَسْتُرُ أَغْلَبَ الْبَدَنِ وَالإِزَارُ هُوَ مَا يُلْبَسُ لِلنِّصْفِ الأَسْفَلِ غَيْرُ السِّرْوَالِ وَالْخِمَارُ هُوَ مَا تُغَطِّى بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا وَأَمَّا اللِّفَافَتَانِ فَهُمَا مَا يُلَفُّ عَلَيْهَا.

 

تَكَلَّمْ عَنْ كَيْفِيَّةِ صَلاةِ الْجِنَازَةِ.

        صَلاةُ الْجِنَازَةِ لا رُكُوعَ وَلا سُجُودَ فِيهَا يُصَلِّيهَا الْمُؤْمِنُ قَائِمًا إِنْ قَدَرَ وَيُسِرُّ بِهَا. وَلا بُدَّ فِيهَا مِنَ شُرُوطِ الصَّلاةِ كَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالطَّهَارَةِ عَنِ الْحَدَثَيْنِ وَعَنِ النَّجَاسَةِ الَّتِى لا يُعْفَى عَنْهَا وَتَرْكِ الْمُبْطِلاتِ. وَيُسَنُّ أَنْ تُصَلَّى فِى مَسْجِدٍ وَأَنْ تَكُونَ صُفُوفُهُمْ ثَلاثَةً قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَأَوْلَى النَّاسِ بِالصَّلاةِ إِمَامًا أَبُوهُ ثُمَّ جَدُّهُ ثُمَّ ابْنُهُ ثُمَّ ابْنُ ابْنِهِ ثُمَّ الأَخُ الشَّقِيقُ وَيَقِفُ الإِمَامُ عِنْدَ رَأْسِ الرَّجُلِ وَعِنْدَ عَجِيزَةِ الْمَرْأَةِ أَىْ وَسَطِهَا فَيَبْدَأُ صَلاتَهُ بِالتَّكْبِيرِ مَعَ النِّيَّةِ فَيَنْوِى فِى قَلْبِهِ أَنَّهُ يُصَلِّى فَرْضَ صَلاةِ الْجِنَازَةِ جَمَاعَةً عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ وَيُسَنُّ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ عِنْدَ التَّكْبِيرِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَالأَفْضَلُ أَنْ تُقْرَأَ بَعْدَ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ وَيَجُوزُ تَأْخِيرُهَا وَلَوْ إِلَى مَا بَعْدَ التَّكْبِيرَةِ الرَّابِعَةِ ثُمَّ يُكَبِّرُ التَّكْبِيرَةَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ يُصَلِّى عَلَى النَّبِىِّ لِحَدِيثِ لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةً إِلَّا بِطُهُورٍ وَالصَّلاةِ عَلَىَّ رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ، وَلا يَجُوزُ تَقْدِيمُ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ وَلا تَأْخِيرُهَا. وَأَكْمَلُ الصَّلاةِ عَلَى النَّبِىِّ فِى صَلاةِ الْجِنَازَةِ اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد اللَّهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ مُحَمَّد كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد. ثُمَّ يُكَبِّرُ التَّكْبِيرَةَ الثَّالِثَةَ ثُمَّ يَدْعُو لِلْمَيِّتِ بِخُصُوصِهِ بِأَمْرٍ أُخْرَوِىٍّ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإِسْلامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإِيمَانِ، ثُمَّ يُكَبِّرُ التَّكْبِيرَةَ الرَّابِعَةَ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا أَجْرَهُ وَلا تَفْتِنَّا بَعْدَهُ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ ثُمَّ يَقُولُ السَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ مَرَّتَيْنِ. وَإِذَا كَانَ الْمَيِّتُ غَائِبًا عَنِ الْبَلَدِ يَنْوِى الْمُصَلِّى فِى قَلْبِهِ أَنَّهُ يُصَلِّى عَلَيْهِ صَلاةَ الْغَائِبِ. صَلاةُ الْجِنَازَةِ شَفَاعَةٌ لِلْمُؤْمِنِ، مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مِائَةُ شَخْصٍ مِنَ الأَتْقِيَاءِ اللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ذُنُوبَهُ فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ قَالَ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مِائَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ غُفِرَ لَهُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ أَبِى شَيْبَةَ. الْمُسْلِمُ إِنْ صَلَّى عَلَيْهِ أَرْبَعُونَ أَوْ مِائَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الطَّيِّبِينَ يُرْجَى لَهُ أَنْ لا يُعَذَّبَ.

 

هَلْ يَجُوزُ الِاسْتِغْفَارُ لِلصَّغِيرِ الَّذِى دُونَ الْبُلُوغِ.

      الدُّعَاءُ بِالْمَغْفِرَةِ لَيْسَ خَاصًّا بِالْبَالِغِ بَلْ لِلصَّغِيرِ أَيْضًا فَقَدْ ثَبَتَ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ وَابْنُ حِبَّانَ. فَالِاسْتِغْفَارُ يَكُونُ أَحْيَانًا لِمَحْوِ الْمَعْصِيَةِ وأَحْيَانًا لِمَحْوِ الْخِصَالِ الْقَبِيحَةِ كَاسْتِغْفَارِ الصَّغِيرِ الَّذِى دُونَ الْبُلُوغِ فَالطِّفْلُ إِذَا قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ أَذْهِبْ عَنِّى الْخِصَالَ الْقَبِيحَةَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ سَبَقَ لَهُ ذَنْبٌ كُتِبَ عَلَيْهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ ﷺ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنِ الصَّبِىِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ. وَيَكُونُ الِاسْتِغْفَارُ أَحْيَانًا لِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ فَقَدْ رَوَى النَّسَائِىُّ فِى عَمَلِ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ عَنْ أَبِى مُوسَى الأَشْعَرِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنِّى لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّة، وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ كَانَ يُذْنِبُ الذَّنْبَ ثُمَّ يَطْلُبُ الْمَغْفِرَةَ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ يُذْنِبُ فِى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّة بَلْ كَانَ اسْتِغْفَارُهُ ﷺ لِلتَّرَقِّى مِنْ مَرْتَبَةٍ إِلَى مَرْتَبَةٍ وَلِرَفْعِ دَرَجَاتِهِ.

 

مَا هُوَ الدُّعَاءُ الَّذِى يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْعَى بِهِ لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ.                                                          

        يُسْتَحَبُّ الدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ بِهَذَا الدُّعَاءِ اللَّهُمَّ هَذَا عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدَيْكَ، خَـرَجَ مِنْ رَوْحِ الدُّنْيَا وَسَعَتِهَا وَمَـحْبُوبُهُ وَأَحِبَّاؤُهُ فِيهَا إِلَى ظُلْمَةِ الْقَبْرِ وَمَا هُوَ لاقِيهِ، كَانَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيكَ لَكَ وَأَنَّ مُـحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ وَأَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنَّا، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَـمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ، وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ، وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ، وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، وَنَقِّهِ مِنَ الْخَطَايَا كَمَا نَقَّيْتَ الثَّوْبَ الْأَبْيَضَ مِنَ الدَّنَسِ، وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ، وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ، وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، اللَّهُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ بِكَ وَأَنْتَ خَيْرُ مَنْزُولٍ بِهِ، وَأَصبَحَ فَقِيـرًا إِلَى رَحـمَتِكَ وَأَنْتَ غَنِىٌّ عَنْ عَذَابِهِ، وَقَدْ جِئْنَاكَ رَاغِبِينَ إِلَيْكَ شُفَعَاءَ لَهُ، اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ مُـحْسِنًا فَزِدْ فِى إِحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ، وَلَقِّهِ بِرَحْـمَتِكَ رِضَاكَ، وَقِـهِ فِتنَةَ الْقَبْرِ وَعَذَابَهُ وَافْسَحْ لَهُ فِى قَبْرِهِ وَجَافِ الْأَرْضَ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَلَقِّهِ بِرَحْـمَتِكَ الْأَمْنَ مِنْ عَذَابِكَ حَتَّى تَبْعَثَهُ ءَامِنًا إِلَى جَنَّتِكَ بِرَحْـمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِـمِينَ.

 

تَكَلَّمْ عَنْ كَيْفِيَّةِ الدَّفْنِ.

        اعْلَمْ أَنَّ الأَفْضَلَ فِى حَمْلِ الْجِنَازَةِ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّرْبِيعِ وَالْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَىْ أَنْ يَحْمِلَهَا تَارَةً أَرْبَعَةٌ اثْنَانِ مُتَقَدِّمَانِ وَاثْنَانِ مُتَأَخِّرَانِ وَتَارَةً ثَلاثَةٌ اثْنَانِ مُتَأَخِّرَانِ وَوَاحِدٌ مُتَقَدِّمٌ يَضَعُ الْخَشَبَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَرَأْسُهُ بَيْنَهُمَا. أَمَّا إِذَا أَرَادُوا الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَوْقَ الْمَشْىِ الْمُعْتَادِ وَأَنْ يَكُونَ النَّاسُ أَمَامَهَا بِقُرْبِهَا عَنْ يَمِينِهَا وَشِمَالِهَا بِحَيْثُ لَوِ الْتَفَتَ أَحَدُهُمْ لَرَءَاهَا. وَإِذَا اشْتَغَلَ الْمُشَيِّعُونَ بِالتَّهْلِيلِ بِصَوْتٍ جَمَاعِىٍّ فَلا بَأْسَ وَتَحْرِيمُ الْوَهَّابِيَّةِ لِذَلِكَ بَاطِلٌ وَهَذَا شَأْنُ الْوَهَّابِيَّةِ التَّحْرِيمُ بِالْهَوَى وَتَكْفِيرُ الْمُسْلِمِينَ بِلا ذَنْبٍ. ثُمَّ يُدْفَنُ فِى قَبْرِهِ وَأَقَلُّ الدَّفْنِ حُفْرَةٌ تَكْتُمُ رَائِحَتَهُ بَعْدَ طَمِّهِ وَتَحْرُسُهُ مِنَ السِّبَاعِ أَنْ تَنْبُشَهُ وَتَأْكُلَ جُثَّتَهُ. وَيُسَنُّ أَنْ يُعَمَّقَ الْقَبْرُ قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ بِأَنْ يَقُومَ فِيهِ وَيَبْسُطَ يَدَهُ مُرْتَفِعَةً وَأَنْ يُوَسَّعَ بِحَيْثُ يَسَعُ مَنْ يُنْزِلُهُ وَمُعِينَهُ وَيَجِبُ تَوْجِيهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ بِأَنْ يُضْجَعَ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ أَوِ الأَيْسَرِ لَكِنْ إِضْجَاعُهُ عَلَى الأَيْسَرِ مَكْرُوهٌ. وَيُسَنُّ أَنْ يُلْحَدَ لَهُ لَحْدٌ أَىْ أَنْ يُحْفَرَ فِى أَسْفَلِ حَائِطِ الْقَبْرِ الَّذِى مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الأَرْضُ رِخْوَةً أَىْ لَيِّنَةً فَيُشَقُّ لَهُ شَقٌّ فِى وَسَطِهَا كَالنَّهْرِ وَيُوضَعُ فِيهِ وَيُبْنَى الْجَانِبَانِ بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ وَيُسَقَّفُ عَلَيْهِ وَيُسَنُّ رَفْعُ السَّقْفِ أَىْ سَقْفِ اللَّحْدِ أَوِ الشَّقِّ بِأَنْ لا يَكُونَ جَسَدُ الْمَيِّتِ مُلاصِقًا لِسَقْفِ اللَّحْدِ أَوْ لِسَقْفِ الشَّقِّ. وَيُكْرَهُ الدَّفْنُ فِى التَّابُوتِ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الأَرْضُ رِخْوَةً فَلا كَرَاهَةَ. وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ مَنْ يُدْخِلُهُ إِلَى الْقَبْرِ وِتْرًا وَأَنْ يَقُولَ مَنْ يُدْخِلُهُ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَيُسَلُّ الْمَيِّتُ بِرِفْقٍ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ إِلَى الْقَبْرِ. وَيُسَنُّ إِسْنَادُ وَجْهِهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى جِدَارِ الْقَبْرِ مُجَافِيًا بِبَاقِيهِ كَالرَّاكِع وَوَضْعُ لَبِنَةٍ أَىْ طِينٍ يَابِسٍ تَحْتَ رَأْسِهِ وَيُجْعَلُ خَلْفَهُ لَبِنَةٌ تُسْنِدُهُ وَتَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَسْتَلْقِىَ. وَيَحْثِى كُلُّ مَنْ حَضَرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ سَدِّ اللَّحْدِ عَلَيْهِ التُّرَابَ بِكِلْتَا يَدَيْهِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ. وَالدَّفْنُ بِالنَّهَارِ أَفْضَلُ وَيَجُوزُ لَيْلًا بِلا كَرَاهَةٍ. وَيُسْتَحَبُّ رَشُّ الْمَاءِ عَلَى الْقَبْرِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ وَالدَّوْسُ عَلَيْهِ. وَيُسَنُّ أَنْ يُقَالَ بَعْدَ إِتْمَامِ الدَّفْنِ يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ اذْكُرِ الْعَهْدَ الَّذِى خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَبِالْقُرْءَانِ إِمَامًا، فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ انْطَلِقْ بِنَا مَا يُقْعِدُنَا عِنْدَ رَجُلٍ لُقِّنَ حُجَّتَهُ. وَأَمَّا لِلأُنْثَى فَيُقَالُ يَا أَمَةَ اللَّهِ ابْنَةَ أَمَةِ اللَّهِ أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ الْمَقْدِسِىُّ فِى كِتَابِهِ الْمُخْتَارَةِ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ إِسْنَادُهُ ثَابِتٌ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْوَهَّابِيَّةِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ التَّلْقِينَ. وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْقُرْءَانِ عَلَى الْقَبْرِ كَسُورَةِ يَس لِحَدِيثِ اقْرَءُوا يَس عَلَى مَوْتَاكُمْ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ. وَعَلَى هَذَا كُلُّ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ سَلَفًا وَخَلَفًا وَخَالَفَ الْوَهَّابِيَّةُ كَعَادَتِهِمْ كُلَّ الْمُسْلِمِينَ وَحَرَّمُوا ذَلِكَ. وَمَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى تُدْفَنَ لَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ فَعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ شَهِدَ الْجِنَازَةَ حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا فَلَهُ قِيرَاطٌ وَمَنْ شَهِدَهَا حَتَّى تُدْفَنَ فَلَهُ قِيرَاطَانِ، قِيلَ وَمَا الْقِيرَاطَانِ قَالَ مِثْلُ الْجَبَلَيْنِ الْعَظِيمَيْنِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِمُسْلِمٍ حَتَّى تُوضَعَ فِى اللَّحْدِ وَلِلْبُخَارِىِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِى هُرَيْرَةَ مَنْ تَبِعَ جِنَازَةَ مُسْلِمٍ إِيـمَانًا وَاحْتِسَابًا وَكَانَ مَعَهَا حَتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا وَيُفْرَغَ مِنْ دَفْنِهَا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيرَاطَيْنِ كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ جَبَلِ أُحُدٍ.

 

مَا الدَّلِيلُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ قِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ عَلَى قَبْرِ الْمُسْلِمِ.

        اعْلَمْ أَنَّ الإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ قِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ عِنْدَ الْمَيِّتِ نَقَلَ ذَلِكَ ابْنُ قُدَامَةَ الْمَقْدِسِىُّ شَيْخُ الْحَنَابِلَةِ وَأَحَدُ أَشْهَرِ أَئِمَّتِهِمْ فِى كِتَابِهِ الْمُغْنِى قَالَ مَا نَصُّهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِذَا قُرِئَ الْقُرْءَانُ عِنْدَ الْمَيِّتِ أَوْ أُهْدِىَ إِلَيْهِ ثَوَابُهُ كَانَ الثَّوَابُ لِقَارِئِهِ وَيَكُونُ الْمَيِّتُ كَأَنَّهُ حَاضِرُهَا فَتُرْجَى لَهُ الرَّحْمَةُ. وَلَنَا مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَنَّهُ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ فِى كُلِّ عَصْرٍ وَمِصْرٍ يَجْتَمِعُونَ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْءَانَ وَيُهْدُونَ ثَوَابَهُ إِلَى مَوْتَاهُمْ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ. وَعَلَى هَذَا عُلَمَاءُ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ بِخِلافِ الْوَهَّابِيَّةِ أَدْعِيَاءِ السَّلَفِيَّةِ فَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ النَّوَوِىُّ الشَّافِعِىُّ فِى كِتَابِ الأَذْكَارِ مَا نَصُّهُ قَالَ الشَّافِعِىُّ وَالأَصْحَابُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَءُوا عِنْدَهُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْءَانِ وَقَالَ الْبُهُوتِىُّ الْحَنْبَلِىُّ فِى كَشَّافِ الْقِنَاعِ مَمْزُوجًا بِالْمَتْنِ وَلا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ عَلَى الْقَبْرِ وَلا فِى الْمَقْبَرَةِ بَلْ تُسْتَحَبُّ وَقَالَ الْقُرْطُبِىُّ الْمَالِكِىُّ فِى كِتَابِهِ التَّذْكِرَةِ مَا نَصُّهُ بَابُ مَا جَاءَ فِى قِرَاءَةِ الْقُرْءَانِ عِنْدَ الْقَبْرِ حَالَةَ الدَّفْنِ وَبَعْدَهُ وَأَنَّهُ يَصِلُ ثَوَابُ مَا يُقْرَأُ وَيُدْعَى وَيُسْتَغْفَرُ لَهُ وَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ. وَقَالَ الزَّيْلَعِىُّ الْحَنَفِىُّ فِى كِتَابِ تَبْيِينِ الْحَقَائِقِ مَا نَصُّهُ بَابُ الْحَجِّ عَنِ الْغَيْرِ الأَصْلُ فِى هَذَا الْبَابِ أَنَّ الإِنْسَانَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ ثَوَابَ عَمَلِهِ لِغَيْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ صَلاةً كَانَ أَوْ صَوْمًا أَوْ حَجًّا أَوْ صَدَقَةً أَوْ تِلاوَةَ قُرْءَانٍ أَوِ الأَذْكَار إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الْبِرِّ وَيَصِلُ ذَلِكَ إِلَى الْمَيِّتِ وَيَنْفَعُهُ. وَأَخِيرًا نَذْكُرُ مَا قَالَهُ ابْنُ تَيْمِيَة شَيْخُ الْمُجَسِّمَةِ فِى هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ وَلَيْسَ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ يُرْجَعُ إِلَيْهِمْ فِى مَعْرِفَةِ أُمُورِ الدِّينِ بَلْ لِيَكُونَ كَلامُهُ حُجَّةً فِى هَذِهِ الْمَسْئَلَةِ عَلَى الْفِرْقَةِ الْوَهَّابِيَّةِ أَدْعِيَاءِ السَّلَفِيَّةِ الَّذِينَ يُشَنِّعُونَ عَلَى الْمُسْلِمِ الَّذِى يَقْرَأُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْءَانِ ثُمَّ يَجْعَلُ ثَوَابَ الْقِرَاءَةِ لِأَمْوَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَيُبَدِّعُونَهُ بَلْ يُكَفِّرُونَهُ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ، قَالَ الْفَيْلَسُوُفُ الْمُجَسِّمُ ابْنُ تَيْمِيَةَ فِى فَتَاوِيهِ مَا نَصُّهُ مَنْ قَرَأَ الْقُرْءَانَ مُحْتَسِبًا وَأَهْدَاهُ إِلَى الْمَيِّتِ نَفَعَهُ ذَلِكَ وَقَالَ يَصِلُ إِلَى الْمَيِّتِ قِرَاءَةُ أَهْلِهِ وَتَسْبِيحُهُمْ وَتَكْبِيرُهُمْ وَسَائِرُ ذِكْرِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى إِذَا أَهْدَوْهُ إِلَى الْمَيِّتِ وَصَلَ إِلَيْهِ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الْمَيِّتَ الْمُسْلِمَ إِذَا قَرَأَ لَهُ مُسْلِمٌ الْفَاتِحَةَ تَقُولُ لَهُ الْمَلائِكَةُ أَهْدَى لَكَ فُلانٌ كَذَا فَيَفْرَحُ بِالْقِرَاءَةِ أَكْثَرَ مِمَّا يَفْرَحُ بِالْهَدِيَّةِ الْكَبِيرَةِ فِى هَذِهِ الدُّنْيَا. هَذَا الَّذِى يَنْتَظِرُهُ الْمَيِّتُ فِى الْقَبْرِ أَنْ يُقْرَأَ لَهُ أَنْ يُسْتَغْفَرَ لَهُ أَنْ يُدْعَى لَهُ بِخَيْرٍ. وَيَشْعُرُ الْمَيِّتُ بِمَنْ يَزُورُهُ لا سِيَّمَا فِى لَيْلَةِ الْجُمُعَةِ وَفِى يَوْمِ الْجُمُعَةِ إِلَى صَبِيحَةِ السَّبْتِ أَىْ يَكُونُ شُعُورُهُ فِى هَذَا الْوَقْتِ أَقْوَى مِنْ سَائِرِ الأَوْقَاتِ كَمَا قَالَ بِذَلِكَ بَعْضُ السَّلَفِ. رَابِعَةُ الْعَدَوِيَّةُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا كَانَتْ وَلِيَّةً عَابِدَةً زَاهِدَةً صَالِحَةً وَشَخْصٌ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَقْرَأَ لَهَا مِنَ الْقُرْءَانِ فَرَءَاهَا فِى الرُّؤْيَا فِى الْمَنَامِ قَالَتْ لَهُ هَدَايَاكَ تَصِلُنَا عَلَى أَطْبَاقٍ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ مَعْنَاهُ يَبْلُغُهَا ذَلِكَ الْخَيْرُ وَهِىَ تَفْرَحُ بِهِ. وَوَرَدَ أَنَّ الشَّخْصَ فِى الْقَبْرِ أَحْيَانًا يَرَى أَثَرَ ثَوَابٍ لا يَعْرِفُهُ مِنْ نَفْسِهِ أَنَّهُ عَمِلَ عَمَلًا لِيَكُونَ لَهُ هَذَا الثَّوَابُ فَيَسْأَلُ الْمَلائِكَةَ فَيَقُولُونَ لَهُ هَذَا مِنَ اسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ بَعْدَ مَوْتِكَ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ مِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا زِيَارَتَهُمَا وَقِرَاءَةَ الْقُرْءَانِ لَهُمَا وَالدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ لَهُمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِوُجُوبِ الِاسْتِغْفَارِ لِلأَبَوَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فِى الْعُمُرِ مَرَّةً وَلَيْسَ شَرْطًا أَنْ يَكُونَ بَعْدَ وَفَاتِهِمَا.

 

مَا حُكْمُ التَّعْزِيَةِ.

        يُسْتَحَبُّ التَّعْزِيَةُ وَهِىَ الأَمْرُ بِالصَّبْرِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ بِالْمَغْفِرَةِ لِقَوْلِهِ ﷺ مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يُعَزِّى أَخَاهُ بِمُصِيبَتِهِ إِلَّا كَسَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ حُلَلِ الْكَرَامَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْبَيْهَقِىُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ. وَوَقْتُ التَّعْزِيَةِ مِنْ حِينِ الْمَوْتِ إِلَى مَا بَعْدَ الدَّفْنِ بِثَلاثَةِ أَيَّامٍ وَهِىَ بَعْدَ الدَّفْنِ أَفْضَلُ لِاشْتِغَالِ أَهْلِ الْمَيِّتِ بِتَجْهِيزِهِ. وَتُكْرَهُ بَعْدَ الثَّلاثَةِ لِغَيْرِ عُذْرٍ لِمَا فِيهَا مِنْ تَجْدِيدِ الْحُزْنِ بَعْدَ سُكُونِهِ. وَيُقَالُ فِى تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكَ (أَىْ جَعَلَ أَجْرَكَ عَظِيمًا) وَأَحْسَنَ عَزَاءَكَ (أَىْ جَعَلَ صَبْرَكَ حَسَنًا) وَغَفَرَ لِمَيِّتِكَ. أَمَّا الْكَافِرُ فَيُقَالُ لَهُ عِنْدَ تَعْزِيَتِهِ اللَّهُ يُصَبِّرُ قَلْبَكَ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.

 

مَا حُكْمُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ.

        يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ بِالإِجْمَاعِ نَقَلَ الإِجْمَاعَ الْحَافِظُ النَّوَوِىُّ فِى كِتَابِهِ الْمَجْمُوعِ أَمَّا لِلنِّسَاءِ فَفِيهَا قَوْلانِ قَوْلٌ بِالْكَرَاهَةِ وَقَوْلٌ بِعَدَمِ الْكَرَاهَةِ قَالَ النَّوَوِىُّ الشَّافِعِىُّ فِى رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ يُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ وَهَلْ يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا وَبِهِ قَطَعَ الأَكْثَرُونَ يُكْرَهُ وَالثَّانِى وَهُوَ الأَصَحُّ عِنْدَ الرُّوْيَانِىِّ لا يُكْرَهُ إِذَا أَمِنَتْ مِنَ الْفِتْنَةِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لا يُكْرَهُ وَهُوَ الأَوْفَقُ لِعُمُومِ حَدِيثِ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلَا فَزُورُوهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ فَقَدْ قَالَ التِّرْمِذِىُّ فِى سُنَنِهِ وَقَدْ رَأَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يُرَخِّصَ النَّبِىُّ ﷺ فِى زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَلَمَّا رَخَصَّ دَخَلَ فِى رُخْصَتِهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إِنَّمَا كُرِهَ لِلنِّسَاءِ لِقِلَّةِ صَبْرِهِنَّ وَكَثْرَةِ جَزَعِهِنَّ وَقَالَ الْحَاكِمُ النَّيْسَابُورِىُّ فِى الْمُسْتَدْرَكِ وَهَذِهِ الأَحَادِيثُ الْمَرْوِيَّةُ فِى النَّهْىِ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ مَنْسُوخَةٌ وَالنَّاسِخُ لَهَا حَدِيثُ عَلْقَمَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ بنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ أَلا فَزُورُوهَا. وَرَوَى الْحَاكِمُ فِى مُسْتَدْرَكِهِ عَنْ جَعْفَرِ بنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِىِّ بنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِىِّ ﷺ كَانَتْ تَزُورُ قَبْرَ عَمِّهَا حَمْزَةَ كُلَّ جُمُعَةٍ فَتُصَلِّى وَتَبْكِى. أَمَّا زِيَارَةُ قَبْرِهِ الشَّرِيفِ ﷺ فَتُسَنُّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. وَيُسَنُّ لِلْمُسْلِمِ إِذَا أَتَى الْمَقْبَرَةَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى أَهْلِهَا فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ وَالطَّبَرَانِىُّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ أَتَى الْمَقْبَرَةَ فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلاحِقُونَ وَرَوَى التِّرْمِذِىُّ فِى سُنَنِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِقُبُورِ الْمَدِينَةِ فَأَقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الْقُبُورِ يَغْفِرُ اللَّهُ لَنَا وَلَكُمْ أَنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحْنُ بِالأَثَرِ.

 

هَلْ يَصِحُّ قَضَاءُ الصَّلاةِ وَالصِّيَامِ عَنِ الْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ.

        لا يَصِحُّ قَضَاءُ الصَّلاةِ عَنِ الْمَيِّتِ لِقَوْلِهِ ﷺ مَنْ نَامَ عَنْ صَلاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. أَمَّا إِذَا مَاتَ مُسْلِمٌ وَكَانَ عَلَيْهِ صَوْمٌ جَازَ لِقَرِيبِهِ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ لِقَوْلِهِ ﷺ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ، أَىْ تَطَوُّعًا وَلا يَلْزَمُ الْقَرِيبَ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ. وَأَمَّا الْحَجُّ فَيَصِحُّ عَنِ الْمَيِّتِ بَلْ يَجِبُ إِخْرَاجُ أُجْرَةِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ قَبْلَ قِسْمَةِ تَرِكَتِهِ بَيْنَ الْوَرَثَةِ إِنْ كَانَا عَلَيْهِ وَيَكْفِى أَنْ تُسَلَّمَ إِلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ وَيَعْتَمِرُ وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِىِّ ﷺ فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّى نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ حُجِّى عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ اقْضُوا دَيْنَ اللَّهِ فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ الْوَارِثَ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِىَ دَيْنَ مُوَرِّثِهِ مِنْ مَالِهِ إِنَّمَا مِنَ الْمَالِ الَّذِى تَرَكَهُ الْمَيِّتُ تُقْضَى دُيُونُهُ.

وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 

لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/cGz3PcoCJkQ

لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ:  https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-20