#2
وليعلم أن الدين الصحيح المقبول عند الله هو الإسلام وهو دين جميع الأنبياء من أولهم ءادم إلى ءاخرهم محمد عليهم الصلاة والسلام قال تعالى فى سورة ءال عمران ﴿إن الدين عند الله الإسلام﴾ أى أن الدين الصحيح الذى ارتضاه الله لعباده من البشر والجن والملائكة هو الإسلام وما سواه من الأديان فهو باطل بدليل قوله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين﴾ أى من اتخذ لنفسه دينا غير دين الإسلام فلن يقبله الله منه. والأنبياء جميعا كانوا على الإسلام قال رسول الله ﷺ الأنبياء إخوة لعلات دينهم واحد وأمهاتهم شتى، رواه الإمام أحمد. شبه الرسول الأنبياء بالإخوة لعلات أى كما أن الإخوة لعلات أبوهم واحد وأمهاتهم مختلفات كذلك الأنبياء إخوة فى الدين دينهم واحد أى عقيدتهم واحدة وشرائعهم أى الأحكام التى أنزلها الله عليهم مختلفة. وهذا الحديث فيه دلالة صريحة على أن الأنبياء جميعهم كانوا على دين واحد هو الإسلام.
وليعلم أن الإسلام جاء لإبطال كل دين سواه ولكف الناس عن الفكر الذى يخالف الإسلام ولا يسمح بحرية العقيدة بدليل قوله تعالى فى سورة ءال عمران ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين﴾ وقوله تعالى فى سورة يوسف ﴿إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ وقوله تعالى فى سورة البينة ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين﴾ وقوله تعالى فى سورة التوبة ﴿وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون﴾ وقوله تعالى فى سورة الإسراء ﴿وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه﴾ أى أمر ربك ألا تعبدوا إلا إياه وقوله تعالى فى سورة الذاريات ﴿وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون﴾ أى خلقهم ليأمرهم بعبادته وينهاهم عن معصيته وقال تعالى فى سورة ءال عمران ﴿يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون﴾ وقال تعالى فى سورة الزمر ﴿ولا يرضى لعباده الكفر﴾. فالدين الذى رضيه الله لعباده وأمرنا باتباعه هو الإسلام قال تعالى فى سورة المائدة ﴿ورضيت لكم الإسلام دينا﴾. ثم كيف يقول ذو عقل يدعى الإسلام إن الإسلام جاء بحرية العقيدة ويسمح لكل إنسان أن يدين بأى دين يراه ويرتضيه ورسول الله ﷺ يقول أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، وهو حديث متواتر رواه البخارى. فلو كان الإسلام يسمح بحرية العقيدة بمعنى أن الإنسان له أن يختار الإسلام أو غيره كما يدعى هؤلاء الجهلة ما كان قاتلهم رسول الله ﷺ، وهدف هؤلاء إلغاء نشر عقيدة الإسلام. وأما الآية ﴿لا إكراه فى الدين﴾ فمعناها أنك يا محمد لا تستطيع أن تكره قلوب الكفار على الإيمان أى لا تستطيع أن تهدى قلوبهم فيؤمنوا وليس فيها ترخيص للناس أن يكفروا وأن يعبدوا غير الله. لو كانت الآية لإباحة الكفر كما يزعم هؤلاء فلأى شىء توعد الله الكافرين بجهنم، ولو كان للناس حرية الدين والفكر لما بعث الله الأنبياء ففى بعثة الأنبياء مصلحة ضرورية للعباد لأنهم يعلمون الناس ما ينجى فى الآخرة وما يهلك فى الآخرة. وكذلك الآية ﴿فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوى الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا﴾ فإنها نزلت على معنى التهديد والوعيد وليس فيها تخيير للإنسان بين أن يؤمن أو يكفر وسياق الآية يدل على هذا المعنى أى من يؤمن فله الجنة ومن يكفر فله العذاب الأليم فى جهنم. والظالمون فى الآية هم الكافرون قال تعالى فى سورة البقرة ﴿والكافرون هم الظالمون﴾. ومعنى قوله تعالى ﴿أحاط بهم سرادقها﴾ أن جهنم لها غشاوة لها غطاء ليزيد حرها والكفار فى جهنم من شدة العطش يطلبون الماء فيسقون من ماء بلغ الغاية فى الحرارة. وليس الأمر كما يقول عمرو خالد بلغته العامية بأن (الإنسان يعبد اللى هوا عايزه) فهذه دعوة إلى الإلحاد والكفر وليس كما يقول الوهابى عدنان العرعور (من أراد أن يعبد حجرا فليعبد حجرا نحن لا إكراه عندنا فى الدين) وكلامه فيه الرضا بكفر الغير ومن رضى بكفر غيره كفر وليس الأمر كما يقول محمد متولى الشعراوى فى كتابه الفتاوى بأن (المرأة لها حرية العقيدة تعتقد ما تشاء) ويقول فى كتابه المسمى أسئلة حرجة وأجوبة صريحة (وشرف الإسلام وقوته أنه أول من حارب من أجل حرية الرأى وحرية العقيدة) وليس الأمر كما يقول عدنان إبراهيم بأن (الله أعطى الناس الحرية فى أن يختاروا دينهم وعقيدتهم) فهؤلاء كذبوا الله ورسوله والعياذ بالله.
أما قوله تعالى فى سورة البقرة ﴿لا إكراه فى الدين﴾ فليس معناه أنه يجوز لكل إنسان أن يعتقد ما يشاء بل الآية فيها ثلاثة أقوال الأول أنها منسوخة حكما لا تلاوة أى تتلى على أنها ءاية من القرءان لكن نسخ حكمها وهو النهى عن قتال الكفار بآيات القتال كقوله تعالى فى سورة الأنفال ﴿وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله﴾ أى قاتلوا الكفار حتى يدخلوا فى دين الإسلام ولا يفتنوا المسلمين عن دينهم فيكونوا سببا فى إخراج بعض المسلمين عن الدين والثانى أنها نزلت فى أهل الكتاب اليهود والنصارى فيكون المعنى أنه ليس لنا أن نكره اليهود والنصارى الذين التزموا دفع الجزية لإمام المسلمين على الإسلام بقوة السلاح. والثالث أن معنى ﴿لا إكراه فى الدين﴾ أنك يا محمد لا تستطيع أن تكره قلوب الكفار على الإيمان أى لا تستطيع أن تهدى قلوبهم فيؤمنوا إنما تستطيع أن تكره ظواهرهم أى أن تجبرهم بقوة السلاح على النطق بالشهادتين. وأما قوله تعالى فى سورة الكافرون ﴿لكم دينكم ولى دين﴾ أى لكم دينكم الباطل فاتركوه ولى دينى الصحيح وهو الإسلام فاتبعوه. ولا يجوز أن يسمى الله مسلما كما تلفظ به بعض الجهال لأن المسلم معناه المنقاد والله لا ينقاد لغيره بل غيره ينقاد له فليس من أسمائه تعالى مسلم بل اسمه السلام أى السالم من كل نقص. ولا يجوز تسمية الله إلا بما جاء فى القرءان أو الحديث الثابت عن رسول الله أو أجمعت عليه الأمة.
وليعلم أن البشر جميعهم فى زمن ءادم وشيث وإدريس كانوا على دين واحد هو الإسلام لم يكن بينهم كافر بدليل قوله تعالى فى سورة البقرة ﴿كان الناس أمة واحدة﴾ أى كانوا كلهم على الإسلام وإنما حدث الشرك والكفر بالله تعالى بعد وفاة النبى إدريس أى بعد وفاة ءادم بألف سنة واستمر الناس على الكفر زمانا إلى أن بعث الله سيدنا نوحا فكان نوح عليه السلام أول نبى أرسل إلى الكفار يدعو إلى عبادة الله الواحد الذى لا شريك له أما أول الأنبياء على الإطلاق فهو سيدنا ءادم عليه السلام قال تعالى فى سورة ءال عمران ﴿إن الله اصطفى ءادم ونوحا وءال إبراهيم وءال عمران على العالمين﴾ أى اختار ءادم للنبوة والرسالة. ويشهد لنبوته حديث الترمذى ءادم فمن سواه من الأنبياء تحت لوائى يوم القيامة. وأجمع المسلمون على نبوته فمن نفى نبوته فهو كافر بالإجماع.
الشرح أن أول ما يجب على الإنسان معرفة الله ومعرفة رسوله والنطق بالشهادتين مرة واحدة (يعني إن كان كافرا ليصير مسلما مرة واحدة تكفي) للدخول في الإسلام إن لم يكن مسلما، ومن حصل منه ذلك مع الاعتقاد الجازم فهو مسلم مؤمن ثم لا يكمل إيمانه وإسلامه إلا بأداء الواجبات واجتناب المحرمات (وليعلم أن الإسلام لغة الانقياد والاستسلام وشرعا انقياد مخصوص لما جاء به النبي ﷺ والإيـمان لغة معناه التصديق وشرعا تصديق مخصوص لما جاء به النبي ﷺ. والإيـمان والإسلام متلازمان لا يصح كل منهما بدون الآخر. قال الإمام أبو حنيفة في الفقه الأكبر والإسلام هو التسليم والانقياد لأوامر الله تعالى. فمن طريق اللغة فرق بين الإيـمان والإسلام ولكن لا يكون إيـمان بلا إسلام ولا يوجد إسلام بلا إيـمان وهما كالظهر مع البطن اﻫ قال ملا علي القاري: فإن الإيـمان في اللغة هو التصديق كما قال الله تعالى ﴿وما أنت بمؤمن لنا﴾ والإسلام مطلق الانقياد ومنه قوله تعالى ﴿وله أسلم﴾ أي انقاد ﴿من في السموات والأرض طوعا﴾ أي الملائكة والمسلمون ﴿وكرها﴾ أي الكفرة حين البأس، فالإيـمان مختص بالانقياد الباطني والإسلام مختص بالانقياد الظاهري كما يشير إليه قوله تعالى ﴿قالت الأعراب ءامنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيـمان في قلوبكم﴾ ثم قال (ولكن لا يكون) أي لا يوجد في اعتبار الشريعة (إيـمان بلا إسلام) أي انقياد باطني بلا انقياد ظاهري اﻫ ثم قال (فهما) أي الإسلام والإيـمان كشىء واحد حيث لا ينفكان (كالظهر مع البطن) أي للإنسان فإنه لا يتحقق وجود أحدهما بدون الآخر اﻫ). ثم اختلف العلماء في وجوب النطق بالشهادتين بعد تلك المرة وأكثر العلماء على وجوب النطق بالشهادتين في كل صلاة (وقال مالك في أحد قوليه بعدم وجوب النطق بالشهادتين في الصلاة حيث إن التشهد عنده في الصلاة سنة ليس فرضا من فروض الصلاة أي على الراجح المشهور في المذهب، أي مذهبه. عنده إذا رفع رأسه من السجود الأخير ثم جلس بقدر “السلام عليكم” ثم سلم صحت صلاته). ثم إن النطق الذي يجب على الكافر يحصل بلفظ أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله باللغة العربية وبترجمته لغيرها من اللغات (قال الأردبيلي في الأنوار ويصح الإسلام بجميع اللغات) فمن كان أعجميا يقول (أن مهمدا) بالهاء يقال له قل (أبا القاسم رسول الله) وإذا لم يكن يأتي بهاء لفظ الجلالة (الله) فيكفي ترجمته بلغته. ولا يشترط خصوص هذا اللفظ بل يكفي ما يعطي معناه كأن يقول لا رب إلا الله أو لا خالق إلا الله ويكفي (محمد نبي الله) لكن لفظ أشهد أفضل من سائر الألفاظ لأن معناها اللغوي يتضمن العلم والاعتقاد والاعتراف (ففيها من تأكيد المعنى ما ليس في غيرها) (ومن قال أشهد أن لا إله إلا الله بلا إدغام صحت شهادته، أما الذي يقول أشهد أن لا إله إلا الله [بتشديد النون] لم تصح شهادته لأن هذا كلام مبتور كمن قال أشهد أن زيدا وسكت من غير أن يأتي بالخبر (أن تحتاج اسما وخبرا. جملة “لا إله إلا الله” اسمها، وأين الخبر؟ لا يوجد خبر هنا، لذلك هذا كلام مبتور لا يصح للدخول في الإسلام أن يقول “أشهد أن لا إله إلا الله”). ويصح إسلام من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله بنصب محمدا ورسول لأنه حصل منه وصف محمد بالرسالة وإن كان من حيث اللغة كلاما مبتورا إلا عند من أثبت جواز نصب اسم إن وأن وخبرهما، ذكر ذلك السيوطي في جمع الجوامع في النحو). ومن عجز عن النطق باللسان يكفيه إيمانه بالقلب (لأن بعض الناس من شدة ألم سكرات الموت الذي هو أشد من ألف ضربة بسيف، أعصابهم تسترخي فلا يطاوعهم لسانهم على النطق إلا بعض عباد الله من الصالحين وغيرهم).
الشهادة الخاصة: روى البخارى ومسلم أن رسول الله ﷺ قال من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل، أى وفقه الله إذا داوم على هذه الشهادة كل يوم إلى العمل الصالح بحيث يحسن حاله وختامه فيدخل الجنة بلا عذاب. وكلمته ألقاها إلى مريم أى أن عيسى بشارة الله لمريم التى بشرتها بها الملائكة بأمره قبل أن تحمل به، وروح منه أى أن روح عيسى روح مشرف أى عظيم عند الله صادر من الله خلقا وتكوينا، والجنة حق والنار حق أى أنهما موجودتان وباقيتان وأنهما دارا جزاء فالجنة دار نعيم للمؤمنين والنار دار عقاب للكافرين.
(ليعلم أن المعرفة إذا كانت بلا اعتقاد لا تنفع، الله تعالى أنزل وصف سيدنا محمد ﷺ وذكر رسالته في التوراة وفي الإنجيل المنزلين على موسى وعيسى، اليهود كانوا يعرفون أن نبينا محمدا نبي رسول بما عرفوا من التوراة من وصف محمد بالرسالة وكذلك في الإنجيل قال تعالى ﴿يعرفونه كما يعرفون أبنآءهم﴾ ومع ذلك يكذبونه ويكفرون به)
الشرح أن معنى قول الفقهاء لا معبود بحق إلا الله لا يستحق أحد أن يعبد أي أن يتذلل له نهاية التذلل إلا الله كما قال بذلك الإمام الحافظ الفقيه اللغوي تقي الدين (علي بن عبد الكافي) السبكي (في فتاويه) وغيره (كأبي منصور في كتاب (تهذيب اللغة) وابن منظور صاحب كتاب لسان العرب) ولفظه (لفظ السبكي) العبادة أقصى غاية الخشوع والخضوع (أي أقصى غاية التعظيم) اهــ (ذكر ذلك الإمام اللغوي الحافظ محمد مرتضى الزبيدي في شرح القاموس، وممن فسر العبادة بذلك أيضا الراغب الأصبهاني وهو لغوي مشهور يكثر النقل عنه صاحب شرح القاموس محمد مرتضى الزبيدي، قال في تأليفه مفردات القرءان: العبادة غاية التذلل (أي أقصى غاية التعظيم).
(وقد قال الحافظ السيوطي عن السبكي: إنه حافظ فقيه أصولي لغوي نحوي متكلم، وقال الذهبي فيه [في طبقات الشافعية الكبرى]: [الوافر] ليهن (أي ليهنأ، أي ليتهنأ) المنبر الأموي لما \ علاه الحاكم البحر التقي. شيوخ العصر أحفظهم جميعا \ وأخطبهم وأقضاهم علي) ولو كان معنى العبادة مطلق الطاعة لمخلوق في أي شىء طاعة كان أو معصية لكان عمال الحكام الجائرين كفارا (لأن كثيرا من الناس يطيعون الحكام، فلا يقال مطلق الطاعة لمخلوق عبادة لغير الله، بل الرسول ﷺ أرشدنا إلى ذلك بقوله والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه) فهل يقول هؤلاء الذين يقولون إن مجرد الطاعة أو التوسل عبادة ويكفرون المتوسلين بالأنبياء والأولياء عن أنفسهم إنهم مشركون (لا يتجرؤون على ذلك لكن هذا مؤدى كلامهم). أليس هؤلاء أنفسهم يطيعون الحكام في بعض المعاصي فيكونون كفروا أنفسهم وإن لم يشعروا. فهؤلاء الذين يكفرون المستغيثين بالأولياء والأنبياء ليتعلموا معنى العبادة في لغة العرب قبل إطلاق ألسنتهم بالتكفير.
وما ذكرناه هو معنى العبادة المرادة بقوله تعالى ﴿لا إله إلا أنا فاعبدون﴾ وبقوله تعالى ﴿إياك نعبد﴾.
وهذه هي العبادة المختصة لله تعالى التي من صرفها لغيره صار مشركا وليس معناها مجرد النداء أو الاستعانة أو الاستغاثة (قول الشخص لشخص معين أغثني أو أعني أو أدركني أو تداركني كما يقول بعض المسلمين يا رسول الله أغثني فهذا جائز أليس قال ﷺ (إذا أصابت أحدكم عرجة في فلاة من الأرض ليقل يا عباد الله أعينوا) هذا يبيح لنا أن نقول. ومعنى هذا الحديث أنه يجوز أن يقول الإنسان يا رسول الله أغثني يا شيخ أحمد الرفاعي أعني يجوز ليس حراما، معناه أدركني يا أحمد الرفاعي بدعائك إلى الله. ليس مجرد هذا عبادة للرسول أو للخضر أو لعبد القادر الجيلاني أو لأحمد الرفاعي) أو الخوف أو الرجاء (ابن عبد الوهاب يقول الخوف والرجاء والاستعانة والاستغاثة والنداء عبادة فمن صرفها لغير الله أشرك وضع لهم قاعدة أضلهم بها. الخوف من إنسان أو الخوف من جني ليس معناه ذلك الخوف الذي هو يكون عبادة لغير الله كما أن الخوف من الله عبادة له. أليس قال موسى عليه السلام ﴿فأخاف أن يقتلون﴾ يعني أخاف الخوف الطبيعي الذي جعله الله تعالى في الإنسان. وكذلك الرجاء، ليس مجرد أن يرجو إنسان إنسانا لتحصيل منفعة له لا على وجه نهاية التذلل لهذا الإنسان بل على وجه أنه يكون سببا لقضاء حاجته، هذا ما فيه عبادة لغير الله كما يزعم أولائك).
(قال الليث وهو إمام من أئمة اللغة متقدم قال الله عز وجل ﴿اعبدوا ربكم﴾ أي أطيعوا ربكم، وقوله ﴿إياك نعبد وإياك نستعين﴾ أي نطيع الطاعة التي يخضع معها (أي نطيع الطاعة المقرونة بغاية التعظيم) اهـ [ذكره الزبيدي في تاج العروس]، وقال ابن الأثير [نقله الزبيدي في تاج العروس] والعبادة في اللغة الطاعة مع الخضوع (أي الطاعة المقرونة بغاية التعظيم). وفي المصباح للفيومي أحد مشاهير اللغويين: عبدت الله أعبده عبادة وهي الانقياد والخضوع. وفي تاج العروس شرح القاموس للحافظ اللغوي محمد مرتضى الزبيدي: والعبادة بالكسر الطاعة (أي التي يخضع معها أي الطاعة المقرونة بغاية التعظيم))
(فإن قال هؤلاء وأمثالهم أليس ورد في تفسير ﴿اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم﴾ أن عبادتهم لهم طاعتهم فيما حرموا وحللوا من تلقاء أنفسهم؟ فالجواب: أن ذلك داخل تحت هذا التعريف (الانقياد ونهاية التذلل) فإنهم انقادوا وتذللوا لهم نهاية التذلل في ذلك لأنهم كانوا يعتقدون أنهم يستحقون أن يطاعوا في ذلك حقيقة، وليس الذي حصل منهم مجرد أنهم أطاعوهم فإن المسلم قد يطيع من له عليه رئاسة في المعصية لكنه لا يطيعه على الوجه الذي أطاعته النصارى أحبارهم ورهبانهم فلا يكونون عابدين لرؤسائهم كأولئك، وكذلك مجرد الطاعة لمخلوق في المعصية ليس عبادة له وإشراكا بالله، وإنما الطاعة التي يكفر فاعلها هي الطاعة التي مع غاية التذلل والتعظيم، وهذا مراد من قال من اللغويين العبادة الطاعة فكأنهم قالوا الطاعة المخصوصة. ومعنى الآية أنهم كما عبدوا المسيح بقولهم هو الله أو هو ابنه وهو بريء من ذلك كذلك القرءان أخبرنا بأنهم اتخذوا أحبارهم أي علماءهم ورهبانهم أي الذين اتخذوا صوامع بعيدة عن الناس أربابا من دون الله أي عبدوهم من دون الله لأنهم اعتقدوا أنه لهم حق التحليل (فيما حرم الله) والتحريم (فيما أحل الله)، ولأن الذي يقول لشخص اعترف عندي بذنوبك أنا أغفرها لك فقد ادعى الألوهية لنفسه لأن ذلك لا يكون إلا لله، والله يقول ﴿ومن يغفر الذنوب إلا الله﴾ معناه لا أحد يستطيع أن يغفر الذنوب لمن عصى إلا الله، لأن دعوى الربوبية لها وجوه من جملتها أن يعتقد الإنسان أن للعبد حق التحليل والتحريم أو مغفرة الذنوب أو الإيجاب لبعض الأشياء)
(مسئلة: إذا إنسان عصى الله تعالى بسبب إساءة فعلها مع مسلم، فقال المسيء للمظلوم (اغفر لي) على معنى سامحني، فلا ضرر في ذلك. قال الله تعالى ﴿وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم﴾. وقال ﷺ “من ابتلي فصبر وأعطي فشكر وظلم فغفر وظلم فاستغفر أولئك لهم الأمن وهم مهتدون” رواه السيوطي بإسناد صحيح. وأما إن قال له (اغفر لي) على معنى مغفرة الذنوب فقد وقع في الكفر. لا يقال لغير الله (اغفر لي ذنبي). قال تعالى ﴿ومن يغفر الذنوب إلا الله﴾ معناه لا يغفر الذنوب إلا الله وحده)
الشرح أن معنى الواحد الذي لا ثاني له أي لا شريك له في الألوهية (قال الله تعالى ﴿وإلهكم إله واحد﴾) فالله واحد لا من طريق العدد (قال أبو حنيفة رضي الله عنه في الفقه الأكبر: والله واحد لا من طريق العدد ولكن من طريق أنه لا شريك له اهـ). معنى الواحد أن الله لا شريك له فى الألوهية أى لا يستحق العبادة أحد إلا الله قال الله تعالى فى سورة البقرة ﴿وإلهكم إله واحد﴾ فلو لم يكن الله واحدا وكان متعددا لم يكن العالم منتظما لكن العالم منتظم فوجب أن الله واحد كما قال تعالى فى سورة الأنبياء ﴿لو كان فيهما ءالهة إلا الله لفسدتا﴾ أى لو كان للسموات والأرض ءالهة غير الله لفسدتا أى ما كانتا تستمران على انتظام وروى الحاكم فى المستدرك أن النبى ﷺ كان إذا تعار من الليل (أى استيقظ بالليل) قال لا إله إلا الله الواحد القهار رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار. وليس المراد بوحدانية الله وحدانية العدد لأن الجسم الواحد له أجزاء بل المراد أنه لا مثيل ولا شبيه له.
وأما الأحد فقال بعض العلماء هو بمعنى الواحد وقال بعضهم الأحد هو الذي لا يقبل الانقسام والتجزؤ أي ليس جسما لأن الجسم يقبل الانقسام عقلا والله ليس جسما. والجسم ما له طول وعرض وسمك. (قال الإمام أبو الفضل عبد الواحد بن عبد العزيز البغدادي التميمي رئيس الحنابلة ببغداد في كتابه اعتقاد الإمام أحمد (ص/٤٥) وأنكر يعني أحمد على من يقول بالجسم وقال إن الأسماء مأخوذة من الشريعة واللغة وأهل اللغة وضعوا هذا الاسم على ذي طول وعرض وسمك وتركيب وصورة وتأليف والله تعالى خارج عن ذلك كله فلم يجز أن يسمى جسما لخروجه عن معنى الجسمية ولم يجئ في الشريعة ذلك فبطل اﻫ وقال تعالى في ذم الكفار ﴿وجعلوا له من عباده جزءا﴾)
ومعنى الأول الذي لا ابتداء لوجوده فهو وحده الأول بهذا المعنى (قال تعالى ﴿هو الأول والآخر﴾ قال علماء البيان إذا كان المبتدأ معرفة والخبر معرفة أفاد الحصر فيكون معنى ﴿هو الأول﴾ أنه لا أول بمعنى الذي لم يسبق وجوده عدم إلا الله. وكل ما سوى الله كان معدوما ثم صار موجودا بإيجاد الله له) وبمعناه القديم إذا أطلق على الله لأن قدم الله ذاتي وليس زمنيا (وقد ورد في تعداد أسماء الله الحسنى القديم وإن لم يثبت إسناده، لكن أجمعت الأمة على جواز إطلاق القديم على الله، ذكره الحافظ الزبيدي في شرح إحياء علوم الدين. ويدل على ذلك أيضا ما ورد من أنه ﷺ كان يقول إذا أراد دخول المسجد (أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم) رواه أبو داود والحديث إسناده حسن. فإذا ثبت جواز إطلاق القديم على سلطان الله تعالى جاز إطلاقه على الذات). (الرسول ﷺ مرة عندما أصيب الحسن والحسين بالعين اغتم ﷺ فجاءه سيدنا جبريل عليه السلام وعلمه أن يعوذهما بكلمات (اللهم ذا السلطان العظيم والمن القديم ذا الرحمة الكريم ولي الكلمات التامات والدعواة المستجابات عاف حسنا وحسينا من أنفس الجن وأعين الإنس) ففهمنا أن الرسول ﷺ قال بعدما أخذ من سيدنا جبريل (اللهم ذا السلطان العظيم والمن القديم) فإذا قيل عن من الله تعالى قديم جاز أن يقال عن الله تعالى قديم ومعناه الأزلي الذي لا بداية لوجوده وقد ورد في ذلك حديث وهو ضعيف الإسناد لكن الأمة أجمعت على جواز إطلاق القديم على الله نقل الإجماع الإمام أبو المعين النسفي في كتابه تبصرة الأدلة في أصول الدين)
فائدة: (من الله تعالى معناه إحسانه إلى عباده)
* وأما معنى الحي إذا وصف الله به فهو أنه موصوف بحياة أزلية أبدية ليست بروح ولحم ودم وعصب (العصب هو أطناب المفاصل. الذي يشد المفاصل) ومخ (هو السائل الذي في داخل العظم) بل حياته صفة قديمة قائمة بذاته (أي ثابتة له أي لا بد أن يكون متصفا بها. وقال تعالى ﴿وتوكل على الحي الذي لا يموت﴾). ومعنى القيوم الدائم الذي لا يزول (كما في تفسير الطبري عن الضحاك في تفسير قوله تعالى ﴿الله لا إله إلا هو الحي القيوم﴾ قال القيوم الدائم اﻫ. القيوم أي القائم بنفسه أي الذي لا يحتاج لغيره).
* وأما الدائم فمعناه الذي لا يلحقه ولا يجوز عليه الفناء وبمعناه الباقي فالله يستحيل عليه الفناء عقلا (ولا يفنى) ولا دائم بهذا المعنى إلا الله (لأنه لو كان يجوز عليه الفناء لكان حادثا لأن ما جاز عليه الفناء تارة والوجود تارة يكون جائزا عقليا يتصور وجوده تارة وعدمه تارة أخرى فإذا اختص بالوجود فهو بحاجة لمن خصصه بذلك لذلك يقولون ما جاز عليه العدم استحال عليه القدم معناه ما جاز عليه العدم بدل الوجود لا بد له من مخصص خصصه بالوجود بدل العدم أو بالعدم بدل الوجود) فلا شريك لله في الديمومية (أي البقاء إلى ما لا نهاية) لأن ديموميته استحقها لذاته لا شىء غيره أوجب له ذلك وأما ديمومية غيره كالجنة والنار فهي ليست ذاتية بل هما شاء الله لهما البقاء (نقول الله باق، والجنة والنار باقيتان. الاتحاد في اللفظ لا يوجب الاتحاد في المعنى. مثلا، “مولى” تطلق على العبد وتطلق على السيد. إذا كان السيد مالك العبد، يقال له مولى، والعبد يقال له مولى، لا يصير معنى العبد هو السيد والسيد هو العبد) أما من حيث ذاتهما فيجوز عليهما عقلا الفناء لكن ورد في الشرع بقاؤهما بنص القرءان والسنة النبوية وإجماع الأمة (نقل الإجماع على ذلك أبو منصور البغدادي في الفرق بين الفرق) ولذلك فإن القول بفنائهما أو فناء النار دون الجنة كفر. وقد قال ابن تيمية بفناء النار (ذكر ذلك في كتابه المسمى (الرد على من قال بفناء الجنة والنار) (ص/٥۲، ٦٧، ٧۲،٧١)، ونقله عنه تلميذه ابن قيم الجوزية أيضا في كتابه حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، وهذا الاعتقاد كفر) بعد أن ذكر (أي ابن تيمية) في كتابه منهاج السنة النبوية أن المسلمين اتفقوا على بقاء الجنة والنار وأن جهم بن صفوان خالف في ذلك فقال بفنائهما فكفره المسلمون (قال ابن تيمية في كتاب (الرد على من قال بفناء الجنة والنار) (١/٤۲): وقد تنازع الناس في ذلك على ثلاثة أقوال قيل ببقائهما وقيل بفنائهما وقيل ببقاء الجنة دون النار أما القول بفنائها فما رأينا أحدا حكاه عن أحد من السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وإنما حكوه عن الجهم بن صفوان وأتباعه الجهمية وهذا مما أنكر عليه أئمة الإسلام بل ذلك مما أكفروهم به) فحكمه حكم جهم فكلاهما كافر.
الشرح معنى الخالق الذي أبدع وكون جميع الكائنات وأبرزها من العدم إلى الوجود فلا خلق بهذا المعنى إلا لله فما سوى الله تعالى حدث بخلقه تعالى وتكوينه وإبداعه فالخلق هو الإبراز من العدم إلى الوجود ولا خالق إلا الله. قال الله تعالى ﴿قل الله خالق كل شىء﴾ والشىء يشمل الأجسام والأعمال وقال ﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ (أي وعملكم) فالآيتان صريحتان في أن الله هو خالق الأجسام والأعمال (وأما قوله تعالى ﴿فتبارك الله أحسن الخالقين﴾ فمعناه أن الله أحسن المقدرين لأن تقديره لا يخطئ ولا يتغير وتقدير غيره يجوز عليه الخطأ والتغير، فيجوز بهذا المعنى أي التقدير إطلاق الخلق على غير الله كما قال زهير الشاعر في وصف ممدوحه هرم بن سنان: [الكامل]
ولأنت تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري
معناه أنت تقدر وتنفذ وبعض الناس يقدرون ولا ينفذون، أي أنت لك مزية بذلك. ويقال في اللغة خلقت الأديم حذاء أي الجلد قدرته حذاء فقطعته وصنعته أي أنفذت ما قدرت.
كما أنه يأتي بمعنى التصوير كما قال تعالى في حق عيسى عليه السلام ﴿وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير﴾ فعيسى عليه السلام كان يصور من الطين (كان يعمل بيديه من الطين شكل خفاش، يعني وطواط) صورة خفاش ثم يخلق الله فيها الروح ثم تطير حتى تغيب عن أنظار الناس ثم تقع ميتة، هذه من جملة معجزات المسيح عليه السلام.
ويطلق أيضا على افتراء الكذب قال تعالى ﴿وتخلقون إفكا﴾ أي تفترون الكذب. يقال خلق فلان الإفك أي افتراه وبهذا المعنى جاء في القرءان أيضا ﴿إن هذا إلا اختلاق﴾ أي افتراء يقال خلق فلان الكذب واختلقة أي افتراه.
ويقال في اللغة أيضا خلقت هذا الخشب كرسيا أي سويته أملس بحيث يصلح للجلوس عليه فمعنى خلق هنا سوى وملس).
* ومعنى الرازق الذي يوصل الأرزاق إلى عباده (كل رزق يصل إليك بطريق أيا كان، الذي أوصله إليك على الحقيقة هو الله، خالقه هو الله، هو الرازق. والرزق هو كل ما ينفع حسا حلالا كان أو حراما).
* ومعنى العالم المتصف بالعلم فالله موصوف بعلم أزلي أبدي لا يتغير لا يزداد ولا ينقص (فالله يعلم بعلمه الأزلي ما كان في الماضي وما سيحصل في المستقبل وما يحصل الآن، فهو سبحانه وتعالى محيط علما بالكائنات التي تحدث إلى ما لا نهاية له، حتى ما يحدث في الدار الآخرة التي لا انقطاع لها يعلم ذلك جملة وتفصيلا) فهو عالم لا كالعلماء لأن علم غيره حادث (قال تعالى ﴿ويعلم ما في السموات وما في الأرض والله على كل شىء قدير﴾).
* ومعنى القدير المتصف بالقدرة (التامة) وهي صفة أزلية أبدية يؤثر بها في الممكنات (المخلوقات) أي في كل ما يجوز في العقل وجوده وعدمه، بها يوجد ويعدم وبمعناه القادر إلا أن القدير أبلغ (أي يعطي معنى أوسع لأن معنى القادر المتصف بالقدرة، وأما القدير فمعناه المتصف بالقدرة التامة فمن حيث اللغة القدير أبلغ من القادر، وقال الرازي وهذا اللفظ يفيد المبالغة في وصفه بكونه قادرا اﻫ وقال البيهقي في الأسماء والصفات قال الحليمي والقدير التام القدرة، لا يلابس قدرته عجز بوجه اﻫ. وقدرة الله صفة أزلية أبدية يؤثر الله بها في الممكنات (المخلوقات) أي في كل ما يجوز في العقل وجوده تارة وعدمه تارة أخرى (وهو كل ما سوى الله) فبها يوجد (ما يجوز في العقل وجوده تارة وعدمه تارة أخرى) ويعدم (ما يجوز في العقل وجوده تارة وعدمه تارة أخرى)).
(الحكم العقلي ينقسم إلى ثلاثة: الوجوب والاستحالة والجواز. الواجب العقلي: ما لا يتصور في العقل عدمه، وهو الله تعالى وصفاته (هو ما لا يقبل العدم أصلا لذاته، فوجوده ليس بإيجاد غيره، بل أصلا لذاته لا يقبل العدم، فلا تتعلق به القدرة). والمستحيل العقلي: ما لا يتصور في العقل وجوده، كوجود الشريك لله (هو ما لا يقبل الوجود أصلا لذاته، ليس لأن غيره خصصه بالعدم، بل أصلا لذاته لا يقبل الوجود، فلا تتعلق به القدرة). والجائز العقلي: ما يتصور في العقل وجوده تارة وعدمه تارة أخرى كسائر المخلوقات)
ومعنى الفعال لما يريد أنه قادر على تكوين ما سبقت به إرادته (أي أنه قادر على تكوين ما شاء في الأزل أن يكون. عبارة “سبقت به إرادته” ليس معناها أن إرادته كانت قبل صفة أخرى من صفاته، إنما صفات الله تعالى ليس فيها صفة قبل صفة، أو صفة بعد صفة، إنما كلها أزلية. “سبقت إرادته” أي أراده في الأزل، هذا معناه) لا يعجزه عن ذلك شىء، يفعل ما يشاء بلا مشقة ولا يمانعه أحد ولا يحتاج إلى استعمال ءالة وحركة ولا إلى استعانة بغيره، ولا تخلف لمراده (أي إذا أراد شيئا فلا بد أن يحصل. قال الله تعالى ﴿ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد﴾ وقال تعالى ﴿إن ربك فعال لما يريد﴾) (وتأتي الإرادة بمعنى المحبة كما في قوله تعالى ﴿يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر﴾).
ومعنى ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن أن كل ما شاء الله في الأزل أن يكون كان وما لم يشأ الله في الأزل أن يكون لا يكون ولا تتغير مشيئته لأن تغير المشيئة دليل الحدوث والحدوث مستحيل على الله فهو على حسب مشيئته الأزلية يغير المخلوقات من غير أن تتغير مشيئته (وهذا اللفظ أجمع عليه المسلمون سلفهم وخلفهم وهو مأخوذ عن رسول الله ﷺ، فقد روى أبو داود في سننه أنه ﷺ علم بعض بناته (ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن) ولم يخالف فيه إلا المعتزلة ومن اتبعهم) (الله تعالى يغير المخلوقات من غير أن تتغير مشيئته، لأن التغير دليل الحدوث، المتغير يكون حادثا مخلوقا، لأن المتغير يجوز عليه من حيث العقل الحال التي كان عليها والحال التي تغير إليها. من حيث ذاته لا يترجح أحد الحالين على الآخر، لا يترجح اتصافه بأحد الحالين على الآخر من حيث ذاته، لأنه لو كان أحدهما راجحا لما جاز عليه الآخر، فمن حيث ذاته لا يترجح أحدهما على الآخر، فإذا اتصف بهذا أو بهذا فهو بحاجة إلى من خصصه بذلك، فيكون مخلوقا، لذلك قالوا: التغير أكبر أدلة الحدوث).
الشرح معنى لا حول ولا قوة إلا بالله لا حول عن معصية الله إلا بعصمة الله ولا قوة على طاعة الله إلا بعون الله (والإعانة معناها الإقدار والتمكين)كما ورد ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه البزار. (ثبت عن رسول الله ﷺ أنه رغب في قول “لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم” وورد عنه هذا اللفظ بكماله [أخرجه ابن ماجه في سننه]، وثبت عنه بدون زيادة (العلي العظيم) [أخرجه البخاري في صحيحه]، فمن شاء ذكر لا حول ولا قوة إلا بالله، ومن شاء ذكر لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وقد ورد أيضا بزيادة العزيز الحكيم [أخرجه مسلم في صحيحه]. وورد في حديث رواه الحاكم [في المستدرك] أن لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم تنفع لتسعين داء أقلها الهم)
والله تعالى موصوف بكل كمال يليق به وإنما قيدت هذه العبارة (أي لفظ كمال) بلفظ يليق به لأن الكمال (أي اللفظ من الألفاظ التي تدل على الكمال) إما أن يكون (إطلاقها) كمالا (أي يعطي معنى الكمال) في حق الله و (يعطي معنى الكمال) في حق غيره كالعلم أو لا، كالوصف بالجبار مدح في حق الله وذم في حق الإنسان لأن الجبار في حق الله معناه المصلح لأمور خلقه على ما يشاء (والجبار في حق الإنسان معناه الظلوم) وكالوصف برجاحة العقل هو مدح في حق الإنسان ولا يجوز أن يوصف الله بذلك (حاصل المسئلة: أن اللفظ الدال على الكمال إما أن يكون دالا على الكمال في حق الله وفي حق غيره كالعلم أو لا، كالوصف بالجبار مدح في حق الله وذم في حق الإنسان وكالوصف برجاحة العقل هو مدح في حق الإنسان ولا يجوز أن يوصف الله بذلك) فكما أنه تعالى متصف بكل كمال في حقه فهو منزه عن كل نقص أي ما لا يليق به تعالى كالجهل والعجز واللون (اللون عرض يقوم بالجسم، فهو محتاج إلى جسم يقوم به، إلى جوهر يقوم به. البياض والسواد لا يوجد إلا قائما بالجوهر، يكون جسم أبيض وجسم أسود وهكذا) والحد (أي الحجم) والتحيز في المكان والجهة.
والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين
لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/m5aT7SwUens
للاستماع إلى الدرس: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-2