الأحد ديسمبر 22, 2024

#2 سيدنا محمد رسول الله ﷺ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد طِبِّ القلوبِ ودوائها وعافيةِ الأبدانِ وشفائها ونورِ الأبصارِ وضيائها وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين. لما مر النبيُ صلى الله عليه وسلم في الهجرة على خيمة أم معبد، واسمُها عاتكةُ بنتُ خالد الخُزاعية، وهي على طريقهم، وصفته لزوجها عندما سأل عنه فقالت: ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ أَبْلَجُ الْوَجْهِ حَسَنُ الْخُلُقِ لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَةٌ وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ وَسِيمٌ قَسِيمٌ فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ وَفِي صوَتِهِ صَحَلٌ وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ. وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ أَحْوَرُ أَكْحَلُ أَزَجُّ أَقْرَنُ شَدِيدُ سَوَادِ الشّعْرِ، إذَا صَمَتَ عَلاهُ الْوَقَارُ وَإِذَا تَكَلّمَ عَلاهُ الْبَهَاءُ، أَجْمَلُ النّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلاهُ مِنْ قَرِيبٍ. حُلْوُ الْمَنْطِقِ. فصلٌ لا نَزْرٌ ولا هَذَرٌ كَأَنّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَنحدِرنَ، رَبْعَةٌ لا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ ولا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ. غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثلاثَةِ مَنْظَرًا، وَأَحْسَنُهُمْ قَدًا. لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفّونَ بِهِ، إن قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ، وَإن أَمَرَ تَبَادَرُوا إلَى أَمْرِهِ مَحْفُودٌ مَحْشُودٌ. لا عَابِسٌ وَلا مُفْنِدٌ، صلى الله عليه وسلم. قولُها (ظَاهِرُ الْوَضَاءَةِ) أي ظاهرُ الجمال، (أَبْلَجُ الْوَجْهِ) أي مشرقُ الوجه مُضيؤه، (حَسَنُ الْخُلُقِ) (لَمْ تَعِبْهُ ثُجْلَة) الثُجلةُ عِظَمُ البطنِ مع استرخاءِ أسفَلِه (وَلَمْ تُزْرِ بِهِ صَعْلَةٌ) أي ليس صغير الرأس (وَسِيمٌ) وهو المشهورُ بالحسن كأنه صار الحسنُ له سِمَةٌ (قَسِيمٌ) أي كلُ موضع منه أخذ قسما من الجمال (فِي عَيْنَيْهِ دَعَجٌ) أي اشتدَ سوادُها وبياضُها واتَّسعت (وَفِي أَشْفَارِهِ وَطَفٌ) أي طول (وَفِي صوَتِهِ صَحَلٌ) أي شِبْهُ البُحّة (وَفِي عُنُقِهِ سَطَعٌ) أي طولُ العنُق (وَفِي لِحْيَتِهِ كَثَاثَةٌ) (أَحْوَرُ) أي اشتد بياضُ عينيه مع سوادِ سوادِهما (أَكْحَلُ) أي ذو كُحْلٍ (أَزَجُّ أَقْرَنُ) أي مقوّسُ الحاجبين أي طويلُهما دقيقُهُما مُمتدُّهُما إلى مؤخَّر العين، (سوابغُ في غيرِ قرَن) كان بِحَسَبِ ما يبدو للناظر من بُعدٍ أو بغيرِ تأمّلٍ أقرن وأما القريبُ المتأملُ فيبصرُ بين حاجبيهِ فاصلًا لطيفًا فهو أبلَجُ فِي الواقع، أقرنُ بحسب الناظرِ من بُعْدٍ أو بغير تأمُّلٍ، وليعلم أن بين حاجبيه الشريفين عِرقٌ يُدِرّهُ الغضب أي يظهر عند الغضب (شَدِيدُ سَوَادِ الشّعْرِ) (إذَا صَمَتَ عَلاهُ الْوَقَارُ) أي الرزانةُ والحِلْم (وَإِذَا تَكَلّمَ عَلاهُ الْبَهَاءُ) أي من الحُسن والجلال والعظمة (أَجْمَلُ النّاسِ وَأَبْهَاهُ مِنْ بَعِيدٍ وَأَحْسَنُهُ وَأَحْلاهُ مِنْ قَرِيبٍ حُلْوُ الْمَنْطِقِ) (فصْلٌ لا نَزْرٌ وَلا هَذرٌ) أي لا قليلٌ ولا كثيرٌ أي ليسَ بقليلٍ فيدلُ على عِيٍّ ولا كثيرٌ فاسد (كَأَنّ مَنْطِقَهُ خَرَزَاتُ نَظْمٍ يَنحدرنَ) أي كلامُه مُحكم بليغ (رَبْعَةٌ) (لا تَقْتَحِمُهُ عَيْنٌ مِنْ قِصَرٍ) أي لا تزدريه لِقِصَرِه فتجاوزُه إلى غيره بل تهابُه وتَقبَلُه (وَلا تَشْنَؤُهُ مِنْ طُولٍ) أي لا يُبْغَضُ لفرطِ طولِه (غُصْنٌ بَيْنَ غُصْنَيْنِ فَهُوَ أَنْضَرُ الثّلاثَةِ مَنْظَرًا) (وَأَحْسَنُهُمْ قَدًا) أي قامةً (لَهُ رُفَقَاءُ يَحُفّونَ بِهِ. إذَا قَالَ اسْتَمَعُوا لِقَوْلِهِ. وَإذَا أَمَرَ تَبَادَرُوا إلَى أَمْرِهِ) (مَحْفُودٌ) أي مخدوم (مَحْشُودٌ) الذي يجتمع الناس حوله (لا عَابِسٌ) (وَلا مُفْنِدٌ) أي ليس منسوبا إلى الجهل وقلةِ العقل. هذا شرحُ وصف أمِ معبدٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يسعني إلا أن أقول: سبحان الذي خلقه صلى الله عليه وسلم، إنْ ذُكِرَ أهلُ الحلم فهو أحلمُ الناس، وإنْ ذُكِرَ أهلُ الغيرة على الدين فهو أغيرُ الناس، وإنْ ذُكِرَ أهلُ الشجاعة فهو أشجعُ الناس، وإنْ ذُكِرَ أهلُ الجود فهو أجودُ الناس، فهو في كلِّ باب من أبواب الخُلُق الحسن، قد بلغ أحسنَ غايةٍ يمكنُ أن يبلَغَها أحدٌ من الناس. جمع الله تبارك وتعالى فيه كمالَ الخُلق في كل مجال خيِّرٍ وفي كلٍ بابٍ حَسَنٍ، تحدَّث عما شئت، وائتِ بالشواهد من هنا وهناك فلن ترى أصدقَ شاهدًا مما رُوِي عن هذا الرجل العظيم، تحدَّث عن الجودِ والكرم، وتحدَّث عن الحلمِ والرحمةِ والصبر، عن أي خُلُقٍ حسن، فسترى النبيَّ عليه الصلاة والسلام قد بلغ الغايةَ فيه. وأقسم بربِّ الكعبةِ أنك لن تجدَ في البشريةِ جمعاء أفضلَ وأنفعَ وأنجحَ وأكملَ وأفخمَ وأعظمَ وأجلَّ وأوقرَ وأكرمَ وأرحمَ وأحكم وأعلم وأحزم وأحسن وأخلص وأجمل وأوسم وأبهج وأنبل وأعزّ وأعقل وأفهم وأكيس وألطف وأرأف وأعرف وأبرع وأرفع وأهمّ وأمجد وأنجدَ وأشجع وأبسل وأهيب وأنصف وأصرح وأجرأ وأصدق وأصبرَ وأعدل وأنزه وأصلح وأورع وأكرم وأجود وأفصح وأبلغ وأشرف وأفطن وأذكى وأزكى وأزهى وأعلى وأنقى وأتقى وأسمى وأسنى وأوفى وأندى وأرضى وأرقى وأسخى وأحلى وأبهى منه صلى الله عليه وسلم. فهو الموصوفُ بالصدقِ والإيمانِ والأمانةِ والفطانة والرحمة والرأفة والأناة والشجاعة والمروءة والمودة والصبر والحلم والإحسان والعدل والاعتدال والجود والكرم والإيثار والعفاف وسلامة الصدر والرفق والحياء والشكر والعفة والوفاء والتواضع والعزة والعفو والرضا والقناعة والبر والإعراضِ عن الجاهلين ومقابلةِ الإساءةِ بالإحسان وإفشاء السلام وإطعام الطعام وطيبِ الكلام وطلاقةِ الوجه وحسنِ الظن وحسن المعاملة وجبرِ الخواطر ومراعاةِ المشاعر ونُصرة الحق بالحق وعُلُوّ الهمة وكظم الغيظ، وَطَاعَةِ اللَّهِ فِى كُلِّ حَالٍ وَأَوَانٍ وَلَحْظَةٍ وَنَفَسٍ مَعَ الْفَصَاحَةِ الْبَاهِرَةِ وَالنُّصْحِ التَّامِّ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالشَّفَقَةِ وَالإِحْسَانِ وَمُوَاسَاةِ الْفُقَرَاءِ وَالأَيْتَامِ وَالأَرَامِلِ وَالضُّعَفَاءِ وَكَانَ أَشَدَّ النَّاسِ تَوَاضُعًا يُحِبُّ الْمَسَاكِينَ وَيَشْهَدُ جَنَائِزَهُمْ وَيَعُودُ مَرْضَاهُمْ صلى الله عليه وسلم كلما ذكر اللهَ الذاكرون وغفلَ عن ذكره الغافلون.    أَمَّا أَخْبَارُ زُهْدِهِ وَتَوَاضُعِهِ وَاخْتِيَارِهِ الدَّارَ الآخِرَةَ فَكَثِيرَةٌ مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِىُّ وَالتِّرْمِذِىُّ وَابْنُ مَاجَهْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ اضْطَجَعَ النَّبِىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَأَثَّرَ الْحَصِيرُ بِجِلْدِهِ فَجَعَلْتُ أَمْسَحُهُ عَنْهُ وَأَقُولُ بِأَبِى أَنْتَ وَأُمِّى يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلا أَذِنْتَنَا فَنَبْسِطَ لَكَ شَيْئًا يَقِيكَ مِنْهُ تَنَامُ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا لِى وَلِلدُّنْيَا مَا أَنَا وَالدُّنْيَا، إِنَّمَا أَنَا وَالدُّنْيَا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا. وهنا قد يسألك أحدهم: قد علمنا الفائدةَ من معرفةِ صفات النبيّ صلى الله عليه وسلّم الخُلُقية، وهي الاقتداءُ به والاهتداءُ بهديه في تلك الأخلاقِ التي تحتاج إليها البشرية، ولكن ماذا بالنسبة لبيان صفات النبيّ عليه الصلاة والسلام الخِلقية؟ لماذا نتكلم عن أوصافه الخِلقية وما النتيجةُ من معرفةِ الناس كونَ النبيِ صلى الله عليه وسلم معتدلَ القامة أميلَ إلى الطول، أبيضَ مُشربًا بحمرة وغيرَ ذلك من صفاته الخِلقية الشريفة صلى الله عليه وسلم. والأجوبة على مثل هذه التساؤلات كثيرة ومنها: «الحب»، نعم! الحب الذي لا يفهمُه بعضُ الجفاة الذين قست قلوبهم فهي كالحجارة أو أشدَ قسوة، ونحن مأمورون بحبه صلى الله عليه وسلم، والتأمّل في صفات النبي الجميلة لن يزيدنا إلا عِشقا وهِياما وحبًا وتعلّقا بالحبيب صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: لا يؤمن أحدُكُم حَتَّی أكونَ أَحبَّ إليهِ مِنْ وَلَدِهِ ووالدِهِ والناسِ أَجْمَعينَ. وقال أيضًا: ثلاثٌ مَن كُنَّ فِيِهِ وَجَدَ بهنَّ حَلَاوَةَ الإيمانِ: أن يكونَ اللهُ ورَسولُهُ أَحبَّ إليهِ مما سِواهُمَا، وأنْ يُحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا لله، وأن يكرهَ أنْ يعودَ في الكفرِ كَمَا يَكرَهُ أنْ يُقْذفَ في النارِ.  وليعلم يا أحبابنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أكملُ الخلق، والنفسُ تحبّ الكمال، ثم هو أعظمُ الخلقِ صلى الله عليه وسلّم فضلًا علينا وإحسانًا إلينا، والنفسُ تحبّ مَن أحسن إليها، ولا إحسانَ لبشريٍّ أعظمَ من أنه أخرجنا من الظلمات إلى النور، ولذا فهو أولى بنا من أنفسنا، بل وأحبُ إلينا منها.  عبروا عن حبِكم واحترامِكم وتعظيمِكم وتوقيرِكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الصلاة عليه والتسليم. قال الله تعالى إن الله وملائكتَه يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. وليعلم أنَّ الصَّلاةَ مِنَ اللَّهِ عَلَى النَّبِىِّ تَعْظِيمٌ وَرِفْعَةُ قَدْرٍ وَالصَّلاةَ مِنَ الْمَلائِكَةِ دُعَاءٌ. ومعنى الآية إن الله يَزيدُ محمدا شرفا وتعظيما والملائكةُ يسألون ربهم أن يزيد محمدا شرفا وتعظيما، يا أيها الذين آمنوا سلوا الله تعالى أن يزيدَ محمدًا شرفًا وتعظيمًا وسلوه أن يسلّم محمدًا مما يخافُ على أمته.   و رَوَى التِّرْمِذِىُّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَىَّ. رَغِمَ أَنْفُ فُلانٍ فِى الأَصْلِ مَعْنَاهُ جُعِلَ فِى الرَّغَامِ وَهُوَ التُّرَابُ وَالْمَقْصُودُ بِهِ هُنَا فَوَّتَ خَيْرًا كَثِيرًا. فصلوا وسلموا على رسول الله ولا تفوتوا عليكمُ الخير.    وَرَوَى الْبُخَارِىُّ فِى الأَدَبِ الْمُفْرَدِ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا.    وَرَوَى النَّسَائِىُّ وَأَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ وَغَيْرُهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِلَّهِ مَلائِكَةً سَيَّاحِينَ فِى الأَرْضِ يُبَلِّغُونِى عَنْ أُمَّتِى السَّلامَ. الله أكبر ومن منا لا يحب أن تبلّغَ الملائكةُ النبيَّ صلاتَه وسلامَه عليه. تخيل أن تصليَ وتسلمَ على الحبيب صلى الله عليه وسلم فيقولُ الملَكُ لرسول الله فلانٌ يصلي ويسلم عليك يا رسول الله والرسول يرُدُ عليك السلام. وأيُ فرحةٍ هذه وأيُّ شرفٍ هذا.    وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَأَكْثِرُوا عَلَىَّ مِنَ الصَّلاةِ فِيهِ فَإِنَّ صَلاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَىَّ. مَعْنَاهُ الْمَلائِكَةُ يَعْرِضُونَ عَلَيْهِ فُلانٌ صَلَّى عَلَيْكَ يَا نَبِىَّ اللَّهِ، بَعْضُ النَّاسِ الرَّسُولُ يَسْمَعُ صَلاتَهُمْ وَسَلامَهُمْ هُوَ بِأُذُنِهِ يَسْمَعُ وَبَعْضٌ تَعْرِضُهُ الْمَلائِكَةُ عَلَيْهِ.  وَرَوَى الْحَافِظُ السَّخَاوِىُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِىَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عَصْرَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ ثَمَانِينَ مَرَّةً غُفِرَتْ لَهُ ذُنُوبُ ثَمَانِينَ سَنَةً. أَىْ لَوْ كَانَتْ عِنْدَهُ ذنوبٌ تُقَدّر بذنوب من عاش ثمانين سنة، تُغفرُ له بصلاته على رسول الله عصرَ يوم الجمعة ثمانينَ مرة، وتكون بهذه الصيغة: اللهم صلِّ على محمدٍ عبدِك ونبيِك ورسولِك النبيِّ الأميّ. واسمعوا الآن هذه القصة، قال سفيانُ الثوريُّ رضي الله عنه : رأيتُ رجلًا في الباديةِ لا يرفعُ قدمًا ولا يضعُ أُخرى إلا وهو يصلّي على النبيّ صلى الله عليه وسلّم. فقلت يا هذا قد تركتَ التسبيحَ والتهليلَ وأقبلتَ بالصلاةِ على النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم فهل عندك من هذا شىء ؟ قال: مَن أنت ؟ قلت: أنا سفيان الثوري، فقال: لولا أنت غريبٌ في أهلِ زمانِك ما كشفتُ عن حالي ولا أطلعتُك على سرِّي، ثُمّ قال: خرجتُ أنا ووالدي حاجّين إلى بيت الله الحرام حتى كنّا في بعض المنازلِ مرِضَ والدي فقمتُ لأعالجَهُ فبينما أنا عند رأسه ماتَ واسوَدّ وجهُه، فجرّيت الإزارَ على وجهه، فغلبتني عينايَ فنِمتُ فإذا أنا برجلٍ لم أرَ أجملَ منه وجهًا ولا أنظفَ منه ثوبًا ولا أطيبَ منه ريحًا يرفعُ قدَمًا ويضعُ قدمًا أخرى، حتى دنا من والدي فكشفَ الثوبَ عن وجهِه وأمرَّ بيدِه على وجهِه فعادَ وجهُه أبيض ثُمّ ولّى راجعًا، فتعلّقتُ بثوبِه فقلتُ له: مَن أنت يرحمُك الله لقد منّ اللهُ بكَ على والدي في دارِ الغربة؟ فقال: أوَ ما تعرفُني ؟ أنا محمّدُ بنُ عبدِ الله، أنا صاحبُ القرءان، أما إنَّ والدَك كان مُسرفًا على نفسه (أي يقعُ في المعاصي) ولكن كان يُكثِرُ الصلاةَ عليّ، فلمّا نزلَ به ما نزلَ استغاثَ بي فأنا غِياثُ من أكثرَ الصلاةَ عليّ ، قال : فانتبهتُ من نومي فكشفتُ عن وجهِ أبي فإذا وجهُهُ أبيض  . اللهم انفعنا ببركاتِ سيدنا محمد يا أكرم الأكرمين.  وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ عَنِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الأَوْفَى إِذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِىِّ وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَذُرِّيَّتِهِ وَأَهْلِ بَيْتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى ءَالِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَاعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ جُرِّبَتْ كَثِيرًا لِرُؤْيَةِ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى الْمَنَامِ. فالنبي صلى الله عليه وسلم يجوز أن يُرى في المنام على صورتهِ الأصليَّةِ التي ذكرْنا، فقد روى البخاريُّ من حديثِ قتادَةَ قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : مَنْ رءاني في المنامِ فقد رأى الحقَّ لأنَّ الشيطانَ لا يتزَيَّ بي. أي مَن رَأى صورتي الأصليةَ في المنامِ فقد رأى خاتمَ النبيينَ، وذلكَ لأنَّ اللهَ تعالى لم يُعطِ الشيطانَ القدرةَ على أن يتشكلَ بصورةِ سيدِنا محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. وليُعلَم أيضًا أنَّ من رأى النبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في المنامِ فذلكَ بشرى له بأنَّهُ يموتُ على الإيمانِ فقد روى البُخاريُّ من حديثِ أبي هريرة رضيَ اللهُ عنه أنَّ النبِيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ : مَن رءاني في المنامِ فَسَيَراني في اليقظةِ. وبيانُ ذلكَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ رؤيتُهُ في المنامِ فيها بشرى كبيرة للرائي وهيَ أنه لا بُدَّ أن يراهُ في اليقظةِ حتى لو كان حينَ رؤيَتِهِ لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على غيرِ دينِ الإسلامِ فإنَّهُ لا بُدَّ أن يُسلِمَ ويرى رسولَ الله يقظَةً قبلَ أن يُفارِقَ الدنيا. وقد ورَدَ بالإسنادِ المتصلِ أنَّ رجلًا كانَ في عصرِ السلَفِ أي في وقتٍ قريبٍ من رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وذلكَ بعدَ نحوِ مائة وخمسينَ سنةٍ يُسَمَّى الحسنَ بنَ حيّ، هذا كان من العلماءِ العاملين من أهلِ الحديثِ الأتقياءِ ولهُ أخٌ مثلُهُ، هذا الحسنُ بنُ حيّ لما كانَ على فراشِ الموتِ سمعَهُ أخوهُ يقرأُ قولَ اللهِ تعالى : وَ مَن يُطِعِ اللهَ والرسولَ فأولئك مع الذينَ أنعمَ اللهُ عليهم من النبيين والصِدِّيقين والشهداءِ والصالحين وحَسُنَ أولئكَ رفيقا. وكان بجانبهِ أخوهُ ، فقالَ له : يا أخي تتلو تلاوةً أم ماذا ؟. قالَ : لا ، أرى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يضحَكُ إلَيَّ و يُبشرُني بالجنةِ وأرى الملائكةَ وأرى الحورَ العين، ثم مات. فالوعدُ الذي ورَدَ في الحديثِ فسيراني في اليقظَةِ فإنه يُرادُ بهِ الرؤيةُ في الدنيا قبلَ الموتِ. نسألُ اللهَ تعالى أن يرزُقَنا رؤيَتَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في المنامِ هذه الليلة. وفي ختام هذه الحلقة أذكر لكم ما سيزيدُكم شوقا إلى رسول الله وحبا به صلى الله عليه وسلم، وهو ما حصل مع ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وكان شديدَ الحبِ لرسول الله صلى الله عليه وسلّم، قليلَ الصبرِ عنه، فأتاه ذاتَ يوم وقد تغيّرَ لونُه يُعْرَفُ الحزنُ في وجهه، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلّم: ما غير لونَك؟ فقال: يا رسول الله، ما بي مرضٌ ولا وجعٌ، غيرَ أنّي إذا لم أركَ استوحشتُ وَحشةً شديدةً حتى ألقاك، ثم ذكرتُ الآخرةَ فأخافُ أني لا أراك؛ لأنك تُرفَعُ مع النبيين، وإني إن دخلتُ الجنةَ، في منزلةٍ أدنى من منزلتِك، وإن لم أدخلِ الجنةَ لا أراكَ أبدًا! فنزلت هذه الآية وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَٰئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا . الله أكبر كم هو الشوقُ عظيمٌ لملاقاةِ رسول الله صلى الله عليه وسلّم! وكم هي اللهفةُ مشتعلةٌ في قلوبِنا لمرءاهُ والتمتعَ بمشاهدةِ جمالِه المحمديِّ الباهرِ الظاهر! وكم هي عاجزةٌ كلماتُنا أن تُوفيَ هذا الإنسانَ العظيمَ ما يناسبُ مقامَه الشامخَ العالي من وصفٍ يُحاکي صفاتِه النبيلةِ الجميلة التي جمّلَه بها ربُه سبحانه وكمّلَه بها وأعلاهُ بها! نبضاتُ أفئدتِنا بالشوقِ إليه لا تهدأُ أبدًا حتى وكأنها في ارتفاعٍ مستمرٍ لا تستكينُ إلا بانتهاءِ أعمارِنا معها! ولسنا أولَ من اشتاقَ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلّم ولا ءاخرَ من سيشتاقُ إليه. وكما همُ المسلمونَ في كلِ زمانٍ ومکانٍ مشتاقون إليه صلى الله عليه وسلّم كذلك هو مشتاقٌ إليهم، فقد قال صلى الله عليه وسلّم: وَدِدْتُ أَنَّا قَدْ رَأَيْنَا إِخْوانَنَا، قالوا: أولسنا إخوانَك يا رسول الله؟ قال: أنْتُم أصحابِي، وإخوَانُنَا الّذينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، فقالوا: كيفَ تعرفُ مَنْ لَم يَأْتِ بَعْدُ مِن أمتك يا رسول الله؟ فقال: أَرَأَيْتَ لَوْ أنَّ رَجُلًا لَهُ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ بَيْنَ ظَهْرَيْ خَيْلٍ دُهْمٍ بُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟، قالوا: بلی یا رسول الله، قال: فإنَّهُمْ يَأْتُونَ غُرًّا مُحَجَّلِين مِنَ الوُضُوءِ وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الحَوْضِ أي وأنا من سأتقدّمُهم على الحوض.  اللهم صل على سيدنا محمد طبِ القلوب ودوائها وعافيةِ الأبدان وشفائها ونورِ الأبصار وضيائِها وعلى آله وصحبه وسلم️   . اللهم صل على سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقرّة أعيننا ونور أبصارنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . اللهم صل على سيد الأولين والآخرين قائد الغر المحجلين إمام الأتقياء والأولياءِ والمجاهدين، جدِ الحسنين، نورِ العين، أبي الزهراء، سيدِ أهل الأرض والسماء ومصباحِ الدنيا وخاتمِ الأنبياء محمد وعلى آله وصحبه وسلم. اللهم صل على سيدنا محمد سيدِ البشر وفخرِ ربيعة ومضر ومن انشق له القمر وسلّم عليه الحجر وسعى إلى خدمته الشجر  وعلى آله وصحبه وسلم. اللهم صل على سيدنا محمد النبيِ الكريمِ والسيدِ العظيم وعلى آله وصحبه وسلم. والله تعالى أعلم وأحكم