السبت أكتوبر 19, 2024

(192) مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾.

        قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ طَه ﴿الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ أَىْ قَهَرَ وَحَفِظَ وَأَبْقَى وَلا يَجُوزُ تَفْسِيرُهُ بِالْجُلُوسِ بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ تَفْسِيرُ الآيَةِ بِغَيْرِ الِاسْتِقْرَارِ وَالْجُلُوسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ صِفَاتِ الْخَلْقِ أَمَّا مَنْ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ جَالِسٌ عَلَى الْعَرْشِ أَوْ أَنَّهُ مُسْتَقِرٌّ عَلَيْهِ أَوْ مُحَاذٍ لَهُ بِوُجُودِ فَرَاغٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَرْشِ فَهُوَ كَافِرٌ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ اللَّهَ. فَتُحْمَلُ الآيَةُ عَلَى الْقَهْرِ أَوْ يُقَالُ اسْتَوَى اسْتِوَاءً يَلِيقُ بِهِ أَوِ اسْتَوَى بِلا كَيْفٍ. وَالْكَيْفُ الْمَنْفِىُّ عَنِ اللَّهِ هُوَ الْجُلُوسُ وَالِاسْتِقْرَارُ وَالْمُحَاذَاةُ أَىْ كَوْنُ الشَّىْءٍ فِى مُقَابِلِ شَىْءٍ وَالتَّحَيُّزُ فِى الْمَكَانِ وَكُلُّ الْهَيْئَاتِ مِنْ حَرَكَةٍ وَسُكُونٍ وَانْتِقَالٍ. وَمَعْنَى قَهْرِ اللَّهِ لِلْعَرْشِ الَّذِى هُوَ أَعْظَمُ الْمَخْلُوقَاتِ أَنَّ الْعَرْشَ تَحْتَ تَصَرُّفِ اللَّهِ هُوَ أَوْجَدَهُ وَحَفِظَهُ وَأَبْقَاهُ حَفِظَهُ مِنَ الْهُوِىِّ وَالسُّقُوطِ وَلَوْلا حِفْظُ اللَّهِ لَهُ لَهَوَى وَتَحَطَّمَ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ الِاسْتِوَاءَ فِى لُغَةِ الْعَرَبِ لَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ مَعْنًى مِنْهَا مَا لا يَلِيقُ بِاللَّهِ كَالْجُلُوسِ وَالِاسْتِقْرَارِ وَمِنْهَا مَا يَلِيقُ بِاللَّهِ كَالْقَهْرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الأَنْعَامِ ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾. أَمَّا الْمُشَبِّهَةُ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ بِظَاهِرِ ءَايَةِ الِاسْتِوَاءِ ﴿الرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾ فَيَقُولُونَ اللَّهُ جَالِسٌ عَلَى الْعَرْشِ فَمَاذَا يَقُولُونَ فِى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْحَدِيدِ ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ فُصِّلَتْ ﴿أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَىْءٍ مُّحِيطٌ﴾ فَيَنْبَغِى عَلَى مُقْتَضَى كَلامِهِمْ أَنْ نَأْخُذَ بِظَاهِرِ هَذِهِ الآيَاتِ حَتَّى يَكُونَ بِذَاتِهِ عَلَى الْعَرْشِ وَمَعَنَا فِى الأَرْضِ وَمُحِيطًا بِالْعَالَمِ كَالدَّائِرَةِ الْمُحِيطَةِ بِمَا فِيهَا.