الأحد ديسمبر 22, 2024

#19  6-7 سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام

موضوع حلقة اليوم قصةُ الذبيحِ إسماعيل وبناءُ البيت. إنَّ الله إذا أمرَ بشىء يكونُ حسنًا، فالله يُبيحُ ما يشاء ويُحرِمُ ما يشاء، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون. وليُعلم أنّ أمرَ الله لإبراهيم بذبحِ ولدِه إسماعيل فيه حكمة وهي إظهارُ كمالِ انقيادِ إبراهيمَ وإسماعيل لله تعالى. يذكُرُ الله تبارك وتعالى في القرءان عن خليلِهِ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام أنه لما هاجرَ من بلاد قومه إلى حيث يتمكنُ من طاعةِ الله وعبادتِه والجهادِ في سبيلِه، سألَ ربَه أن يهَبَه ولدًا صالحًا فبَشَرَهُ الله تبارك وتعالى بغُلام مبارك حليم وهو إسماعيل عليه السلام. ثم رأى إبراهيمُ عليه السلام في منامِه رؤيا أنَّ الله تعالى يأمرُهُ بذبحِ ولدِه إسماعيل ورؤيا الأنبياءِ وحي، فما كان مِن نبي الله إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام بعد أن استيقظَ من النوم إلا أن سارَعَ لتنفيذِ أمرِ الله تبارك وتعالى دونَ تَردُد، فقد قيل: لما أرادَ إبراهيمُ عليه السلام ذبحَ ولدِه إسماعيل قالَ له: انطلِق فنقرِّبُ قُربانًا إلى الله عزّ وجلّ، فأخَذَ سِكينًا وحَبلًا ثم انطلقَ معَ ابنِه إسماعيل حتى إذا ذَهبا بينَ الجبال قالَ له إسماعيل: يا أبتِ اينَ قُربانُك؟ فقالَ لهُ إبراهيمُ: {إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى}. ويقالُ: عرضَ إبراهيمُ ذلك على إسماعيل ليكونَ أطيبَ لقلبِه وأهونَ عليه من أن يأخُذَهُ قَسرًا ويَذبَحَهُ قهرًا، فبادرَ إسماعيل الحليمُ أباهُ بقوله يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ،   فكان جوابُ إسماعيل لأبيه إبراهيمَ في غايةِ السدادِ والطاعةِ لأبيه إبراهيمَ عليه السلام. وأرادَ إسماعيل أن يُخَفِفَ عن أبيه لَوعَةَ الثُكْلِ ويُرشِدَهُ إلى أقربِ السُبل ليصلَ إلى قصدِه فقال لأبيه إبراهيمَ: يا أبتِ اجعل لي وِثاقًا وأحكِم رِباطي حتى لا أضطرِب، واكفُفْ عني ثيابَك حتى لا يَنْتَضِحَ عليكَ من دمي فتراهُ أمي فتَحزن، وأسرِع مَرَّ السكينِ على حلقي ليكونَ أهونَ للموتِ عليّ فإذا أتيتَ أمي فاقرأ عليها السلامَ مني، فأقبلَ عليهِ إبراهيمُ برأفةِ وحنانِ الآباء يُقبِلُهُ ويبكي ويقولُ له: نِعْمَ العونُ أنت لي يا بُني على أمرِ الله عزّ وجلّ، فَلَمَّا استسلما لأمرِ الله وألقاهُ على وجهِه، وقيل: أرادَ إبراهيمُ أن يذبَحَهُ من قفاهُ لِئلا يُشاهدَه في حالِ الذبح. وأمرَّ إبراهيمُ السكينَ على رَقَبَةِ ولدِه إسماعيل فلم تقطع شيئًا لأنّ الله تبارك وتعالى لم يشأ لها أن تَقطع، لأنّ السكينَ لا يَقطعُ بطبعِهِ وبذاتِهِ وإنما خالقُ القطعِ هو الله تعالى وحدَه، والسكينُ سببٌ للقطعِ فلا تَقْطَعُ إلا بمشيئةِ الله فالله تبارك وتعالى خالقٌ للسكينِ وخالقٌ للقطعِ أي خالقٌ للسبَبِ والمسبَب، فالأسبابُ لا تخلُق شيئًا وإنما الخالقُ هو الله تعالى وحدَه. وعندما أمرَّ إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام السكينَ على رقَبةِ إسماعيل عليه السلام فلم تَحْكِ شيئًا ولم تقطع أرسلَ الله تعالى لإبراهيمَ فِداءً لإسماعيل بذِبحٍ وهو كَبِشٌ عظيم، وكان هذا الكبِشُ أبيضَ عظيمًا أقرن ذبَحه إبراهيمُ بمنى فداءَ ابنه إسماعيل عليه السلام. و لما أراد إبراهيمُ ذبحَ إسماعيل تنفيذًا لأمرِ الله ظهرَ له إبليسُ ثلاثَ مرات عندَ موضِعِ الجمراتِ الثلاثِ اليوم، وذلك ليوسوسَ له بالمعصيةِ فرماهُ سيدُنا إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام عند هذه المواضعِ بالحصى إهانةً له، فأمةُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم أُمروا بهذا الرميِ إحياءً لسنةِ نبيِ الله إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام، وفي ذلكَ رمزٌ لمشروعيةِ مُخالفةِ الشيطانِ وإهانتِه وليس معنى الرجمِ أن الشيطانَ يسكُن هناك.   ننتقلُ الآن إلى الكلامِ عن بناءِ البيت، فقد أمرَ الله تبارك وتعالى إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام ببناءِ البيتِ الحرام أيِ الكعبِة وبَوّأهُ الله مكانَه أي أرشَدَهُ إليهِ ودَلَّهُ عليه، وقيلَ إنّ الذي دلّه على موضِعِ البيتِ هو جبريلُ عليه السلام، فسارَ إبراهيمُ عليه السلامُ إلى مكةَ المكرمة، فلما وصلَ إلى مكةَ وجدَ إسماعيلَ يُصلِحُ نبلًا لهُ وراءَ زمزم فقال له: يا إسماعيل إن الله قد أمرني أن أبنيَ بيتًا، قال له إسماعيل: فأطِع ربك، فقال له إبراهيم: قد أمرَكَ أن تُعينَني على بنائه، قال: إذن أفعل، فقام إبراهيمُ إلى مكانِ البيت، فجعلَ يَبني وإسماعيلُ يناولُه الحجارة، وكلما أنهيا بناءَ صفٍ منها ارتفَعَ مقامُ إبراهيمَ بهِ حتى يَبني الذي فوقَه، وهكذا حتى تَمّت عِمارتُها. ومقامُ إبراهيمَ هو حَجَرٌ كان يقفُ عليه إبراهيمُ عندَ بناءِ الكعبة وضعَه له ابنُه إسماعيلُ ليرتفِعَ عليه كلما ارتفعَ البناء، وهكذا بنى إبراهيمُ الخليلُ أشرفَ المساجِدِ في أشرفِ البِقاعِ في وادٍ غيرِ ذي زَرع، ودعا لأهلِها بالبركةِ وأن يُرزَقوا من الثمرات معَ قِلةِ المياه وعدَمِ الأشجارِ والزروعِ والثمار وأن يَجعلَه الله حرمًا ءامنًا. كذلك سألَ إبراهيمُ عليه السلام الله تعالى أن يبعَث فيهم رسولًا منهم أي من جِنسِهم وعلى لُغَتِهِمُ الفصيحةِ البليغةِ يعلمُهُمُ الكتابَ والحكمةَ ويُزكّيهم ويطهِرُهُم. وقدِ استجابَ الله تعالى دعوةَ نبيِه إبراهيمَ فبعثَ في العربِ وفي أشرفِ القبائلِ منهم رسولًا عظيمًا وهو سيدُنا محمدٌ سيدُ الأولينَ والآخرين.   إلى هنا نصل إلى نهاية حلقتنا لهذا اليوم، وحلقتنا المقبلة من سلسلة قصص الأنبياء تكون إن شاء الله تعالى عن مولدِ إسحاق وعن موتِ إبراهيمَ عليه السلام فتابعونا وإلى اللقاء.