الأحد ديسمبر 7, 2025

#19

   قال المؤلف رحمه الله: و (تبطل الصلاة أيضا بتأخر المأموم عن الإمام) بأكثر من ثلاثة أركان طويلة (كالركوع والسجودين) ولو (كان تأخره) لعذر (كبطء قراءته للفاتحة) فلو تأخر (المأموم عن الإمام) لإتمام (قراءة) الفاتحة (مثلا) حتى فرغ الإمام من الركوع والسجودين فجلس للتشهد (يعني تلبس بالركن الرابع) أو قام (للركعة التي بعدها، ترك المأموم فورا ترتيب نفسه و) وافق الإمام فيما هو فيه وأتى بركعة بعد سلام إمامه (لفواتها عليه لأنه يوجد ركعة فاتته فإن لم يتابعه واستمر على ترتيب نفسه بطلت صلاته) و (أما) إن أتمها (أي الفاتحة) قبل ذلك (أي قبل أن يسبقه الإمام بأكثر من ثلاثة أركان طويلة أي قبل أن يتلبس الإمام بالركن الرابع) مشى (المأموم) على ترتيب نفسه (هنا اعتبر المؤلف رحمه الله الاعتدال ركنا قصيرا، واعتبر الجلوس بين السجدتين ركنا قصيرا).

   الشرح أن من مبطلات الصلاة التأخر عن الإمام بأكثر من ثلاثة أركان طويلة كالركوع والسجودين كأن ركع الإمام ثم اعتدل ثم هوى للسجود فسجد السجود الأول والسجود الثاني وقعد للتشهد فإذا كان (المأموم) لم ينته من قراءة الفاتحة ترك ترتيب نفسه ووافق الإمام فيما هو فيه (أي فيما الإمام فيه) وفاتته ركعة فيأتي بركعة بعد سلام إمامه وإلا بأن لم يتابع الإمام ولا نوى مفارقته بل استمر على ترتيب نفسه فهذا تبطل صلاته لأنه تأخر بأكثر من ثلاثة أركان طويلة ولو كان تأخره لعذر كأن كان ناسيا أنه في الصلاة أو أنه مقتد أو كان بطيء القراءة أي لا يساعده لسانه على السرعة (صورة المسألة كالتالي إذا كان الإمام قد أنهى الفاتحة، والمأموم بطيء في قراءة الفاتحة، فركع الإمام والمأموم بعد واقف ليتم الفاتحة، ثم اعتدل الإمام، معناه أنهى الإمام الركوع، وهذا ركن طويل، ثم الاعتدال قصير، فبعد الاعتدال نزل إلى السجود، والمأموم بعد قائم. الاعتدال قصير، فلن نحسبه. سجد السجود الأول، فهذا طويل، ثم أنهاه الإمام، جلس والمأموم بعد قائم. فإلى هنا صارا ركنين طويلين. جلس الإمام، وهذا قصير، فلن نحسبه، ثم سجد الإمام السجود الثاني، فهنا صار الإمام في الركن الثالث. فرفع الإمام من السجود الثاني، فهنا الإمام عندما يرفع من السجود الثاني هناك احتمالان: إما أن يرفع ليجلس في التشهد وإما أن يرفع ليقوم لركعة أخرى. فإن جلس للتشهد، يترك المأموم القيام، يعني يترك إتمام الفاتحة، يترك ترتيب نفسه، ويقعد ليوافق الإمام فيما هو فيه، ثم يأتي بركعة بعد سلام إمامه. إن لم يفعل المأموم ذلك، فاستمر يقرأ الفاتحة، بطلت صلاته. هذه حال. الاحتمال الآخر أن يقوم الإمام لقراءة الفاتحة. قام الإمام فهنا المأموم يترك ترتيب نفسه، لا يتم قراءة الفاتحة، إنما يرجع من الأول، يعيدها من الأول، ثم يأتي بركعة بعد سلام إمامه. فإن قعد إمامه للتشهد، يقعد، وإن قام لقراءة الفاتحة، يبدأ بقراءة الفاتحة من جديد، وفي الحالين، يأتي بركعة بعد سلام إمامه لأنه فاتته ركعة).

   بيان. إنما شرطوا الركن الفعلي لأن التقدم بالركن القولي غير السلام لا يحرم ولا يبطل الصلاة كالتقدم بالفاتحة قبل أن يبدأ الإمام بها أو بالتشهد الأخير قبل أن يبدأ الإمام به فإذا قرأ المأموم الفاتحة وأنهاها والإمام بعد لم يشرع في قراءتها ثم اكتفى المأموم بتلك القراءة لم يحرم ذلك ولم تبطل صلاته لكنه ارتكب الكراهة إلا أن التقدم بتكبيرة الإحرام على الإمام يمنع صحة القدوة فيبطل الصلاة فمن أراد الاقتداء بإمام فكبر قبله تكبيرة الإحرام مع نية الاقتداء به لم تصح صلاته إلا أن يعيد التكبيرة بعد تكبيرة الإمام (أما لو كان لا يقتدي به أولا، ثم بعد أن دخل الثاني في الصلاة اقتدى به، فهنا صحت. لكن إذا كان كل منهما يصلي صلاة رباعية مثلا ثم قام الإمام إلى الركعة الرابعة، فالمأموم لا يقوم، لأنه يصير في الخامسة. فهنا ينتظره قاعدا إن شاء، ينتظره قاعدا حتى يسلم، فيسلم معه، أو يفارقه فيسلم. لا يقوم إلى خامسة، إنما تفسد صلاته إن قام إلى خامسة) وكذا السلام عمدا قبل الإمام يبطل الصلاة إلا أن ينوي المفارقة فيسلم قبله فإن صلاته لا تبطل (قال في قلبه مثلا أنا فارقت الإمام، ما عدت مقتديا بهذا الإمام، ما عدت مؤتما بهذا الإمام، فهنا يجوز أن يسلم قبله. لكن إن كانت المفارقة لغير عذر، خسر ثواب الجماعة، خسر فضيلة الجماعة).

فائدة: المسبوق الذي كان متأخرا عن الإمام، كبر ثم قال بسم الله الرحمٰن الرحيم، ثم ركع الإمام، لا يكمل الفاتحة، المأموم لا يكمل الفاتحة إنما يتبع الإمام. فإن لم يدرك الإمام في الركوع يعني رفع الإمام من الركوع وهو بعد ما أدرك الإمام في الركوع فاتته الركعة، ويأتي بركعة بعد سلام إمامه.

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (ثانيها) أن يعلم (المأموم) بانتقالات إمامه (من ركن فعلي إلى ركن فعلي. أن يعرف أن إمامه الآن ركع، والآن رفع، والآن سجد).

   الشرح من شروط القدوة علم المأموم بانتقالات إمامه قبل شروعه في الركوع ليتمكن من المتابعة. ويحصل هذا العلم برؤية الإمام أو بعض المأمومين ممن يرى الإمام أو بسماع الصوت من الإمام ولو بواسطة الآلة أو من المبلغ (ولو كان المبلغ غير مصل بشرط أن يكون عدلا أو أن يعتقد المأموم صدقه. فإذا كان المأموم لا يرى الإمام ولا يرى من يرى الإمام ولم يعلم بانتقالاته بسماع صوته وإنما اعتمد على المبلغ فذهب المبلغ فحينئذ إما أن ينوي المفارقة أو ينتظره إن كان يرجو عودته بقرب قبل مضي ركنين، فإن كان يرجو عوده قبل مضي ركنين فعاد لم تبطل صلاة المأموم).

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (ثالثها) أن يجتمعا (أي الإمام والمأموم) في مسجد (وإن بعدت المسافة بينهما أكثر من ثلاثمائة ذراع مع إمكان الـمتابعة يصح) وإلا (بأن كانا خارج المسجد) ففي مسافة ثلاثمائة ذراع يدوية (تقريبا فإن كان المأمومون صفوفا متتابعة اشترط أن لا تزيد المسافة بين المأموم والصف الذي قبله على ثلاثمائة ذراع وإن بلغ ما بين الإمام والمأموم فراسخ مع إمكان الـمتابعة صح).

   الشرح من شروط القدوة أن يجتمع الإمام والمأموم في مكان مسجد أو غيره من فضاء (وهو ما اتسع من الأرض) أو بناء أو أحدهما بمسجد والآخر بغيره (يعني لا بد أن يعدا مجتمعين، سواء كانا في مسجد أو في فضاء واحد أو بناء واحد أو أحدهما في مسجد والآخر خارج المسجد ولكن بحيث يعدان مجتمعين) فإن كانا في مسجد صحت القدوة وإن بعدت المسافة جدا (طالما يعلم بانتقالات إمامه يصح) كأن كانت المسافة بين الإمام والمأموم أربعمائة ذراع أو أكثر، وإن كانا في غير ذلك كأن كانا في فضاء اشترط أن لا تزيد المسافة بين الإمام والمأموم على ثلاثمائة ذراع بذراع الآدمي المعتدل تقريبا (هذا إذا كان إمام ومأموم منفردين)، فإن كان المأمومون صفوفا متتابعة اشترط أن لا تزيد المسافة بين الصف الذي فيه المأموم والصف الذي قبله على ثلاثمائة ذراع وإن بلغ ما بين الإمام والصف الأخير فراسخ (صح للكل لأن كل صف يعتبر الصف الذي قبله كأنه الإمام له، وهو الذي يربط صلاته بصلاة الإمام، والمسافة ليست أكثر من ثلاثمائة ذراع بين الصف والصف، فتصح) بشرط إمكان المتابعة (أما إذا زادت المسافة ما بين الصف والصف الذي قبله على ثلاثمائة ذراع، فهذا الصف المتأخر ما عادت تصح قدوته، وكذلك الذين خلفه). فإن لم ير الإمام اشترط عدم تقدمه على من يربط له صلاته بصلاة الإمام لأنه له كالإمام.

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (رابعها) أن لا يحول (في خارج المسجد) بينهما (أي الإمام والمأموم) حائل يمنع الاستطراق (أي المرور إلى الإمام كجدار أو باب مغلق أي مقفل أو حائل يمنع الرؤية كباب مردود).

   الشرح يشترط لصحة القدوة عدم وجود حائل بين الإمام والمأموم يمنع المرور إلى الإمام أو رؤية الإمام أو من خلفه كجدار أو باب مغلق أو مردود لمنعه الرؤية أو شباك لمنعه الاستطراق أي المرور.

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (خامسها) أن يتوافق نظم صلاتيهما (أي الإمام والمأموم وذلك بأن يتفقا في الأفعال الظاهرة وإن اختلفا عددا ونية) فلا تصح قدوة مصلي الفرض (كظهر) خلف (مصلي) صلاة الجنازة (لعدم اتفاقهما في النظم، لأن صلاة الجنازة ليس فيها ركوع ولا سجود).

   الشرح من شروط الجماعة والقدوة توافق نظم (أي هيئة) صلاة الإمام ونظم (أي هيئة) صلاة المأموم بأن يتفقا في الأفعال الظاهرة وإن اختلفا عددا (أي وإن اختلف عدد الركعات) ونية (أي وإن اختلفت النية كأن يقتدي مصلي الظهر بمن يصلي العصر، فهنا تصح القدوة لأن الهيئة الظاهرة تكون واحدة) فإن اختلفا في ذلك (أي في الأفعال الظاهرة) كمكتوبة اقتدى فاعلها بمن يصلي صلاة الجنازة فإنها لا تصح بهذه الكيفية لتعذر المتابعة (لأن صلاة الجنازة ليس فيها ركوع ولا سجود)

   ويصح (مع الكراهة) اقتداء القاضي بالمؤدي والمفترض بالمتنفل والعكس لكن الانفراد أفضل من هذه الجماعة. (إذا اختلفت النية واتفقت الأعمال الظاهرة فإن القدوة تصح ولكن مع الكراهة، مثلا هذا يصلي الظهر وهذا يصلي العصر تصح القدوة، هذا يصلي أداء وهذا يصلي قضاء تصح القدوة، هذا يصلي نفلا وهذا يصلي فرضا أو هذا يصلي فرضا وهذا يصلي نفلا فإن القدوة تصح ولكن مع الكراهة) فائدة: يقال جنازة وجنازة.

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (سادسها) أن لا يخالف (المأموم) الإمام في سنة تفحش المخالفة فيها (وذلك) فعلا كالتشهد الأول أي جلوسه (بأن تركه الإمام وفعله المأموم فتبطل صلاته بذلك) وتركا كسجود السهو (بأن فعله الإمام وتركه المأموم بخلاف ما لا تفحش المخالفة فيه كجلسة الاستراحة فإنها لا تبطل).

   الشرح من شروط القدوة أن لا يخالف المأموم الإمام في ترك سنة بحيث تفحش المخالفة من المأموم للإمام (أي تظهر ظهورا كبيرا) كأن ترك الإمام التشهد الأول وفعله المأموم فإن صلاة المأموم تبطل إن كان عالما بالحرمة وتعمد ذلك ولو لحقه عن قرب (يعني ولو لحقه قبل أن يركع) لتركه المتابعة المفروضة (لأنه مفروض عليه متابعته، وقد ترك الإمام التشهد وفعله المأموم فلم يتابعه، أتى بسنة المخالفة فيها فاحشة، ظاهرة كبيرة) وأما إن كان جاهلا بحرمة ذلك فلا تفسد صلاته، أما لو أتى الإمام بالتشهد الأول وتركه المأموم عمدا لم تبطل صلاة المأموم لأنه خرج من فرض (وهو المتابعة المفروضة للإمام) إلى فرض (وهو القيام، فلأجل ذلك لا تبطل صلاته) ولو فعل ذلك سهوا لزمه العود (يعني إن عرف، وإلا إن سها فوقف ولم يعلم أن الإمام بعد قاعد لأنه ما زال ساهيا، فلا تبطل، إنما إن فعل ذلك سهوا ثم عرف أنه سها، فهنا لزمه العود إلى التشهد الأول ليلحق الإمام) وإلا بطلت (لأن الناسي لا يعتد بفعله فأوجبوا عليه العود ليعظم أجره، أما العامد فهو ضيع على نفسه). ولو قام الإمام (فقام المأموم) من غير أن يجلس للتشهد ثم عاد (الإمام) ناسيا لم يجز للمأموم أن يعود معه إلى القعود (لأنه تلبس بالفرض وهو القيام. الإمام سها فقعد، فالمأموم لا يرجع إلى القعود) بل ينتظره قائما أو يفارقه بالنية (كما يشاء). وإن سجد الإمام للسهو لزم المأموم متابعته فلو لم يفعل وانتظره قاعدا بطلت صلاته. وأما المخالفة في سنة لا تفحش المخالفة فيها كجلسة الاستراحة (مثلا الإمام لم يجلس للاستراحة بعد الرفع من السجود الثاني وقبل القيام، وإنما قام فورا إلى الركعة الثانية، أما المأموم فأتى بجلسة الاستراحة ثم قام، فهذا لا يؤثر لأن هذه المخالفة هي في سنة لا تفحش المخالفة فيها) فلا تضر لأنها يسيرة (أي خفيفة).

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (سابعها) أن ينوي (المأموم) الاقتداء (أو الائتمام بالإمام أو الجماعة) مع التحرم (أي مع تكبيرة الإحرام) في الجمعة (والمعادة والمجموعة للمطر والمنذورة جماعة) و (أن ينوي ذلك) قبل المتابعة (للإمام) وطول الانتظار (له ولو بعد التكبيرة) في غيرها (أي المذكورات فإن تابعه بعد انتظار طويل بلا نية اقتداء بطلت صلاته وأما إن انتظره ولم يتابعه أو تابعه مصادفة بغير قصد لا يقصد أن يتابعه ولكن كلما أراد أن يرفع رفع معه أو تابعه قصدا من غير انتظار طويل صار ينتظر ركوعه ليركع وينتظر سجوده ليسجد لم تبطل. إنما الذي يبطل طول الانتظار مع المتابعة).

   الشرح من شروط القدوة أن ينوي المأموم القدوة أو الجماعة في التكبيرة أو فيما بعدها (إن شاء يقتدي في التكبيرة أو بعد ذلك ينوي الاقتداء، من حين ينوي الاقتداء يصير مقتديا. وليس شرطا أن ينوي الاقتداء بالتكبيرة إلا في الجمعة أو نحوها، ولذلك قال المؤلف رحمه الله) وفي تكبيرة التحرم في الجمعة والصلاة المعادة والمجموعة للمطر فيشترط في هذه المذكورات نية الاقتداء في أثناء تكبيرة التحرم وكذلك المنذورة جماعة (لأن هذه الأربعة لا تصح إلا جماعة، لذلك لا بد من نية الاقتداء في التكبيرة) وما سوى هؤلاء الأربع يشترط فيه (يعني يشترط فيما سوى هذه الأربع) أن تكون النية قبل المتابعة بحيث لو تابع بلا نية فسدت صلاته أي إن طال انتظاره بخلاف ما إذا انتظره (أي انتظر المأموم الإمام) انتظارا طويلا بلا متابعة فإنه لا تفسد صلاته، أي أن الذي يتابع شخصا لم ينو الاقتداء به قصدا أي ينتظر ركوعه فيركع بعد ركوعه أو ينتظر سجوده فيسجد بعد سجوده كأنه مأموم وهو ليس بمأموم فسدت صلاته إن طال انتظاره بخلاف ما لو تابعه اتفاقا أي مصادفة لا بقصد فإن صلاته لا تفسد ولا تفسد متابعته في الأقوال إلا في السلام، وكذلك إن انتظره انتظارا طويلا ولم يتابعه في الفعل فلا تفسد صلاته.

 

   قال المؤلف رحمه الله: ويجب على الإمام نية الإمامة في الجمعة والمعادة (وكل ما تشترط له الجماعة في تكبيرة الإحرام) وتسن (نية الإمامة) في غيرهما (أي الجمعة والمعادة ونحوهما لينال فضيلة ثواب الجماعة).

   الشرح أنه لا تشترط نية الإمامة أو الجماعة من الإمام بل يسن له ذلك فلو تركها أي نية الإمامة لم يحز (أي لم ينل) فضيلة الجماعة، وهذا في غير الجمعة فإن تركها في الجمعة لم تصح جمعته. وكذلك يجب على الإمام نية الإمامة في التكبير في الصلاة المعادة وفي المجموعة للمطر.

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (الصلاة) المعادة هي الصلاة التي يصليها (الشخص) جماعة مرة ثانية بعد أن (كان قد) صلاها (قبل) جماعة أو منفردا (كأن صلى منفردا ثم وجد جماعة فقال أعيدها حتى أكسب ثواب الجماعة أو صلى جماعة ثم رأى من يريد أن يصلي فصلى معه جماعة حتى يكسبه ثواب الجماعة).

   الشرح أنه من صلى منفردا أو جماعة ثم رأى من يصلي معه جماعة يسن له إعادتها لأن النبي ﷺ صلى الصبح فرأى رجلين لم يصليا معه فقال «ما منعكما أن تصليا معنا» قالا صلينا في رحالنا (أي في منازلنا) فقال «إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصلياها معهم فإنها لكما نافلة» رواه أبو داود وغيره وصححه الترمذي وغيره. وتكون نية المعادة بأن يقول في قلبه مثلا أصلي فرض الظهر معادا جماعة.

 

فائدة في صلاة المسبوق. اعلم رحمك الله أن الرسول ﷺ حثنا على صلاة الجماعة، وبين فضلها على صلاة المنفرد فقال صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة. رواه البخاري ومسلم.

من هو المسبوق؟ المسبوق هو الذي دخل في صلاة الجماعة بعد أن بدأ الإمام بها بحيث لم يدرك قدر الفاتحة من قيام الإمام، أو كان الإمام في ركن ءاخر من أركان الصلاة كالركوع أو الاعتدال أو السجود أو التشهد مثلا. وتدرك فضيلة الجماعة بإدراك جزء من الصلاة مع الإمام. ماذا يفعل المسبوق؟ يدخل المسبوق في الصلاة بتكبيرة الإحرام مع النية ويتابع الإمام فيما هو فيه. فإذا كان الإمام في ءاخر الفاتحة يبدأ المأموم بالقراءة، فإذا نزل الإمام للركوع يقطع القراءة ويركع معه وتسقط عنه بقية الفاتحة. وإذا كان الإمام في الركوع، يركع المأموم، فإن اطمأن راكعا قبل أن يرفع الإمام تحسب له الركعة وإن لم يطمئن يأتي بركعة بعد سلام الإمام. أما إذا كان الإمام في ما بعد الركوع، في الاعتدال أو السجود أو الجلوس، فالمأموم يتابعه ولا تحسب له هذه الركعة، بل يأتي بركعة بعد سلام الإمام. وإن دخل في الصلاة والإمام في التشهد الأخير تابعه، وبعد أن يسلم الإمام يقوم ويأتي بكل ركعات الصلاة. تنبيه: تكبيرة الإحرام تقال في حال الوقوف ولو كان الشخص يريد إدراك الصلاة مع مصل راكع مثلا)

فائدة في قضاء الصلوات. قال رسول الله ﷺ من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك. رواه البخاري. فمن كان نائما وقت الصلاة، ولم يستيقظ إلا بعد انتهاء وقتها فإنه يقضي تلك الصلاة وإذا نسي المسلم أداء الصلاة ولم يتذكرها إلا بعد انتهاء الوقت فإنه يقضيها وأما من فاتته صلوات كثيرة لا يعلم عددها بالضبط فإنه يبدأ بقضاء هذه الصلوات حتى يغلب على ظنه أنه قضاها كلها. ولا يهمل المسلم الكامل قضاء ما عليه من الصلوات بل يسرع في قضائها ولا يتقاعس عن القضاء ليشتغل بأمور المال والأولاد والتجارة ونحو ذلك. ويسن ترتيب قضاء الصلوات الفائتة فيقضي الصبح ثم الظهر وهكذا. فمن مات ولم يتم قضاء ما عليه من الصلوات وكان قد باشر بقضائها بهمة وفي نيته أن يكملها فالله لا يعذبه عليها إذا لم يتكاسل. ولا تصلي المرأة في حال الحيض أو النفاس، ولا يجب عليها قضاء ما فاتها من صلاة أثناء الحيض والنفاس إنما يلزمها قضاء ما فاتها من الصيام أثناء الحيض والنفاس.

 

   قال المؤلف رحمه الله: فصل (في بيان كيفية تجهيز الميت وصلاة الجنازة).

   الشرح أن هذا فصل معقود لبيان أحكام تجهيز الميت.

 

   قال المؤلف رحمه الله: غسل الميت وتكفينه (بعد الغسل) والصلاة عليه ودفنه فرض كفاية (على كل من علم بحاله فإذا قام بها البعض سقط عن البعض الآخر، وهذا يكون فرضا) إذا كان (الميت) مسلما (ولو طفلا إذا) ولد حيا (بأن علمت حياته بنحو صياح أو تحرك اختياري وأما الكافر الحربي والمرتد فلا يجب لهما شىء من ذلك)، ووجب لذمي (أي كافر يدفع الجزية لخليفة المسلمين) تكفين ودفن (إن لم يقم بذلك أهل ملته فإن كان له مال فمن ماله وإن لم يكن له مال فمن بيت الـمال وفاء لذمته لكن لا يكون دفنه في مقابر المسلمين لأنها موقوفة للمسلمين).

   الشرح تجهيز الميت المسلم من فروض الكفاية فإذا مات ميت مسلم ثم أهمل تجهيزه فلم يجهز فظل على الأرض حتى انتفخ وأنتنت رائحته أثم كل من علم بحاله فلم يفعل (أي لم يجهزه) من غير عذر من رجال أو نساء، هذا الحكم شامل للجميع (للذكور والإناث)، فيجب غسل الغريق ولا يكتفى بغرقه وكذلك قاتل نفس مسلمة وقاتل نفسه. أما غير المسلم فلا يجب له ذلك فمن علم بموت الكافر فلم يفعل شيئا مما ذكر لم يكن عليه إثم إلا أن الكافر الذمي يجب تكفينه ودفنه فقط (يعني إن لم يقم بذلك أهل ملته) فلا تجوز الصلاة عليه ولا يجب غسله فلو غسل لم يكن فيه إثم. والكافر الذمي هو من كان له عهد مع سلطان المسلمين لكونه التزم دفع الجزية كل سنة مرة واحدة فهذا الكافر الذمي إذا مات له حق التكفين والدفن لكنه لا يدفن في مقابر المسلمين فإن لم يكن ترك مالا يكفن به ويجهز به للدفن (يعني ولم يفعل ذلك أهل ملته) كان ذلك حقا أن يؤخذ من بيت مال المسلمين.

   أما المرتد فليس له شىء من ذلك ولو كان أبوه وأمه مسلمين فلا يستحق إذا مات على قريبه المسلم أن يدفنه ولا أن يكفنه، ولو تركه للكلاب أو للوحوش والسباع لم يكن عليه ذنب لكنه يسن أن يفعل به ما يكفي الناس رائحته الكريهة.

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (وجب) لسقط ميت (وهو الذي لم تظهر فيه أمارة الحياة) غسل وكفن ودفن (إن ظهرت فيه خلقة ءادمي وإلا ندب لفه بخرقة ودفنه إن لم تظهر فيه خلقة ءادمي) ولا يصلى عليهما (أي على الذمي والسقط. وقال بعض الفقهاء الشافعية إذا كان الولد نزل بعد ستة أشهر فإنه يعامل معاملة الكبير مطلقا، هذا إذا كان مسلما أي ولد من أبوين مسلمين سواء تحرك أم لا).

   الشرح أن هذه الأمور لا تجب للميت إلا إذا كان الميت مسلما قد ولد حيا بأن صرخ (أو بكى) أو اختلج أي تحرك اختلاجا اختياريا بعد انفصاله عن البطن فهذا يجب له الأمور الأربعة غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، فإن لم يظهر منه أمارة الحياة كالاختلاج الاختياري والصياح فلا تجب الصلاة عليه لكن يجب غسله وتكفينه ودفنه، هذا إن ظهر فيه خلقة ءادمي وأما إن لم تظهر فيه خلقة ءادمي ندب لفه بخرقة ودفنه ولا يجبان. وقول المؤلف (عليهما) الضمير فيه يعود إلى الذمي والسقط أي لا يصلى على السقط ولا على الذمي الميت (لا يصلى على الذمي لكفره، ولا يصلى على السقط لأنه لم يولد حيا).

 

   قال المؤلف رحمه الله: ومن مات (مسلما) في قتال الكفار (ولو كافرا واحدا) بسببه (أي بسبب القتال) كفن في ثيابه (الملطخة بالدم ندبا) فإن لم تكفه (ثيابه هذه التي استشهد وهو يلبسها) زيد عليها (أي على تلك الثياب حتى يغطى جميع البدن إلى ثلاث لفائف) ودفن (أي الشهيد في مقابر المسلمين) ولا يغسل ولا يصلى عليه (وذلك لأن الله تعالى غفر له جميع ذنوبه لأنه شهيد معركة في سبيل الله. قال ﷺ السيف محاء الخطايا، أي الذي يموت بالسيف في سبيل الله تغفر له ذنوبه، والله تعالى أغناه عن صلاة الـمصلين لأنه غفر له بالشهادة. أما بقية أنواع الشهداء فيغسلون ويكفنون ويصلى عليهم كالـمسلم العادي، لكن الـمزية التي له أن تغفر له جميع ذنوبه)

فائدة: إذا شخص أصيب في الـمعركة ولم يمت وقتها بل بعد الـمعركة لكن بسبب هذا الجرح فهذا يعد شهيدا لكن ليس شهيد معركة لأنه لم يمت في أرض الـمعركة.

   الشرح الشهيد لا يجوز غسله ولا الصلاة عليه وهو من مات مسلما لو كان أنثى أو عبدا مسلما مملوكا أو صبيا في قتال الكفار ولو كان كافرا واحدا أو مرتدا بسبب القتال، فالمسلم الذي كان موته بسبب القتال ولو رمحته دابته فقتلته أو قتله مسلم خطأ في حال القتال أو عاد سلاحه إليه فقتله أو سقط من دابته فمات فله هذا الحكم. أما من مات بسلاح الكافر ولم يكن هو مقاتلا (يعني ما كان بنية القتال لكن قتله الكافر) فإنه يغسل ويصلى عليه كسائر الشهداء (هذا شهيد لأنه قتل ظلما ولا يكون شهيد معركة لأنه لم ينو القتال). الذين لم يكن سبب موتهم قتال الكفار كالمبطون أي الذي مات بمرض بطنه كالإسهال والقولنج وهو مرض يحبس الريح والغائط فإنهم يغسلون ويصلى عليهم (وورد أن الذي يموت بالحرق شهيد، والذي يموت مبطونا شهيد، والغريق شهيد، والمتردي من مكان عال أي وقع من مكان عال فمات شهيد، والذي يقتل ظلما شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والذي يموت مدافعا عن ماله أو نفسه أو عرضه شهيد، والذي يموت غريبا شهيد. لكن هؤلاء شهداء الآخرة، لا يعاملون عند الغسل والتكفين معاملة شهيد المعركة).

   ويسن أن يكفن الشهيد في ثيابه الملطخة بالدم (إبقاء لأثر الشهادة عليه. هذا في ثياب اعتيد لبسها، أما ثياب الحرب كدرع وخف وجلد فيندب نزعها)، ولو نزعت منه ثم كفن بغيرها كان جائزا، فإن كانت ثيابه التي هي ملطخة بالدم لا تكفيه (لستر جسده) زيد عليها (الشهيد يكفن كما يكفن الميت لكن بثيابه، فإن لم تكفه يزاد عليها) إلى ثلاث وإنما ترك غسل الشهيد والصلاة عليه لأن الله تبارك وتعالى طهره بالشهادة وتولاه برحمته فأغناه عن دعاء المصلين (لذلك لا يصلى عليه ولا يغسل) ولا يسأل الشهيد في قبره ولذلك لا يلقن بل تصعد روحه إلى الجنة فيعيش فيها إلى أن يبعث أهل القبور من قبورهم فترد روحه إلى جسمه ردا تاما فيخرج من قبره ثم يتبوأ منزله في الجنة بجسده وروحه ولا يأكل التراب جسده لأن أثر الحياة متصل به كالشمس تكون بعيدة عن الأرض ويتصل أثرها بالأرض (هكذا، مع أن روحه في الجنة، لكن الأثر يصل إلى جسده فلا تأكل الأرض جسده. بعض شهداء أحد عندما جاء السيل في أيام معاوية فكشف بعض قبورهم، وجدوا أحدهم كانت يده على جرحه، فحركها واحد فنزل الدم من الجرح، ورئي من غيرهم أيضا. وتكون أرواحهم في الجنة بشكل طيور خضر. وليس المعنى أنها تدخل في أجساد طيور تصير بهذه الأرواح حية في الجنة، لا. ومما خص به الشهيد يوم القيامة أن جرحه يكون عند البعث لونه لون الدم وريحه ريح المسك علامة على أنه فائز عند الله في الآخرة. ومن جملة خصوصياتهم أنهم يتمنون أن يعودوا إلى الدنيا ليقاتلوا فيقتلوا في سبيل الله مرة أخرى لما رأوا من عظيم فضل الشهادة، أما غيرهم من أهل النعيم فلا يحب الرجوع إلى الدنيا حتى لو كان تقيا وقيل له استلم الدنيا بما فيها. وقد ورد في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم أن رسول الله ﷺ قال من سأل الله الشهادة صادقا من قلبه بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه، فمن عقد قلبه على طلب الشهادة ولم تكتب له الشهادة فله أجر شهيد بنيته لأن النية لها اعتبار كبير عند الله. وكذا لو تمنى أن يكون له مال كثير من حلال ليصرفه في وجوه البر يكتب له ثواب من صرف أموالا كثيرة في سبيل الله بهذه النية إن كانت نيته جازمة)

 

   قال المؤلف رحمه الله: وأقل الغسل (للميت) إزالة النجاسة (إن كانت على بدنه عند غسله) وتعميم (أي استيعاب) جميع (جسده) بشره وشعره وإن كثف (الشعر) مرة (واحدة) بالماء (الطاهر) المطهر (والأفضل التثليث).

   الشرح أن الواجب في غسل الميت تعميم جسده شعره وبشره بالماء المطهر مرة واحدة (هذا أقل الغسل. إن كان على بدنه نجاسة تزال، ثم يعمم مرة واحدة بالماء، يعني غسلة لإزالة النجاسة إن أزالتها، وغسلة أخرى للموضع بحيث يعمم كل جسده مرة واحدة بالماء المطهر) وما زاد على الغسلة الواحدة فهو سنة والأفضل تثليث غسله. والماء المطهر هو الذي لم يتنجس ولا صار مستعملا ولا تغير بمخالط طاهر تغيرا كثيرا. ولا يجب لهذا الغسل نية بل تسن ولذلك لو غسله كافر أجزأ (في غسل الميت لا يشترط نية، فلذلك لا يشترط أن يكون غاسله مسلما، بل لو غسله كافر صح) ويسن أن يغض الغاسل بصره عن غير عورته وأما عن عورته فواجب أن يغض بصره (لأنه حرام أن ينظر إلى عورته). ويغسل عورته بخرقة ونحوها مما يمنع المس وجوبا إن احتاج للدلك.

(ومما يسن أن يغسل في قميص بال، أي غير جديد، وفي خلوة لا يحضره غير الغاسل ومعينه ووليه، أي ولي الميت. الذي أولى بالغسل يقال له الولي.

وأن يكون تحت سقف، يعني ليس في العراء، وأن يكون على لوح ونحوه، يعني لا يضعه على الأرض عند غسله، إنما يسن أن يكون على لوح. وتغطية وجهه بخرقة.

وأن يغض الغاسل بصره عن غير عورته، وأما عن عورته فواجب أن يغض بصره، لأنه حرام أن ينظر إلى عورته.

وأن يغسل بماء بارد إلا لحاجة، كوسخ أو كان هناك برد فيسخن الماء، والمالح كماء البحر أولى.

ومسح بطنه بيده اليسرى بقوة ليخرج ما فيها من قذر، بعد إجلاسه مائلا لورائه بإسناد ظهره بركبته اليمنى، ووضع يده اليمنى على كتفه، وإبهامه في نقرة قفاه التي في مؤخر العنق.

وتبخير مجمرة بالطيب من وقت موته إلى انقضاء غسله.

وكثرة صب الماء، بخلاف الغسل من الجنابة أو الغسل من الحيض. هنا يندب كثرة صب الماء.

ويغسل عورته بخرقة ونحوها مما يمنع مس عورته وجوبا، وندبا في غير عورته، والمراد بالعورة ما بين السرة والركبة.

وأن يستعمل خرقة ثانية لغسل البدن، أي غير الخرقة التي استعملها لغسل العورة، وثالثة يسوكه بها، يعني يدلك أسنانه بخرقة ثالثة، بسبابة يسراه، لأنها في حكم إزالة المستقذرات، واليسرى أولى بذلك.

وأن يوضئه كوضوء الحي، أي يسن ذلك، ثم ينشفه، ثم يبدأ بغسل رأسه، ثم ما أقبل منه، ثم ما أدبر منه، ثلاث غسلات، ثم بعد تثليث الغسل ينشفه بخرقة بعد تليينه، أي تليين أعضائه)

   والأولى بغسل الذكر الذكور فلو غسلته زوجته جاز لكن الذكر يقدم عليها وكذلك لو غسل الزوج زوجته والأولى بالمرأة النساء فإن لم يحضرها إلا أجنبي (أي إذا ماتت المرأة في مكان لا فيه نساء، ولا زوجها موجود، ولا فيه إلا رجال أجانب) وجب أن تيمم أي بحائل (أي بخرقة) وكذلك الرجل إذا لم يحضره إلا النساء الأجنبيات وجب أن ييمم فإذا خشي على الميت أن يتهرى جسمه إن غسل لكونه احترق أو لكونه مسموما سقط غسله وييمم عندئذ. (أما الصغير الذي لا يشتهى يغسله الرجال والنساء ذكرا كان أو أنثى)

تنبيه من ماتت زوجته لا يجوز له أن ينظر بشهوة إلى ما بين سرتها وركبتها بعد موتها ولو عند تغسيلها لأن النكاح ينفسخ بموتها لا بمعنى أنه يحرم لمسها بل بمعنى أنه يحرم عليه جماعها.

فائدة: يجوز للرجل أن يغسل زوجته والعكس، وقد ثبت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه غسلته زوجته، وأن عليا رضي الله عنه غسل زوجته فاطمة رضي الله عنها.

 

   قال المؤلف رحمه الله: وأقل الكفن (للميت) ساتر (يستر) جميع البدن (إلا رأس محرم ووجه محرمة فلا يستران) وثلاث لفائف لمن ترك تركة زائدة على دينه (أو لم يكن عليه دين أصلا فيؤخذ من ماله ما يشترى به ثلاث لفائف، والأحسن البياض وأن تكون لفائف جديدة من القطن الـمغسول لأن الرسول ﷺ كفن بثلاث جديدة، ويجوز من الـمستعمل) و (ذلك إن) لم يوص بتركها (أي بترك تكفينه بالثلاث. طالما لم يوص بترك الثلاث وجب تكفينه بالثلاث فإن أوصى بترك تكفينه بالثلاث فالواجب في حقه تكفينه بالساتر للبدن).

   الشرح أقل الكفن أي أقل واجب في تكفين الميت ما يستر جميع بدنه، لكن يستثنى رأس محرم بحج أو عمرة مات قبل التحلل من الإحرام فإنه يحرم ستر رأسه بل يترك مكشوفا (وجوبا) حتى يبعث يوم القيامة بصفته التي مات عليها لأن من مات محرما بحج أو عمرة يحشر من قبره يوم القيامة بهيئة الإحرام ملبيا أي قائلا لبيك اللهم لبيك، وكذلك وجه المرأة المحرمة أي أن المرأة إذا ماتت في إحرام الحج أو العمرة قبل أن تتحلل من الإحرام (أي تحلل العمرة أو التحلل الأول في الحج) لا يغطى وجهها بالكفن بل يترك مكشوفا. وتكون تلك الثياب من الثياب التي تحل له حيا وتليق به (فلا يكفن الرجل بالحرير مثلا، ولا يجوز تكفينه بثوب لا يليق به أي يزري به أي يشعر باحتقاره كثوب الخيش أي الجنفيص بالعامية نقول)، ولا يجب تكفينه بالجديد بل يكفي اللبيس وهو الثوب الذي استعمل. (وأما المرأة والطفل أي الصبي فيجوز تكفينهما بالحرير لأنه كان يجوز لهما في حال حياتهما لبس الحرير. ويسن أن يكون الكفن ثلاث لفائف للذكر وهي خرق تنشر ثم يوضع عليها الميت. وللمرأة قميص وخمار وإزار ولفافتان. أما القميص فهو ما يستر أغلب الجسم، وأما الإزار فهو ما يلبس للنصف الأسفل غير السراويل، وأما الخمار فهو ما تغطي به المرأة رأسها، وأما اللفافتان فهما ما يلف عليها فوق ما ذكر من الثلاث)

   والتكفين بالثلاث واجب لمن يكفن من ماله ولا دين عليه مستغرق (كل تركته) بأن ترك تركة زائدة على دينه (ولم يوص بأن يتركوا تكفينه بالثلاث) أو لم يكن عليه دين أصلا ولو لم يملك سوى هذه الثلاثة. قال بعض الفقهاء هذا إن لم يكن أوصى بترك التكفين بالثلاث أما إن كان أوصى بأن يتركوا تكفينه بالثلاث فلا تجب وإنما الواجب له حينئذ ساتر البدن.

 

   قال المؤلف رحمه الله: وأقل الصلاة عليه (أي على الميت) أن ينوي فعل الصلاة عليه والفرض (يعني فرض الكفاية هنا، لكن اسمه فرض) ويعين (أي يعين أنها صلاة الجنازة كأن يقول أصلي فرض صلاة الجنازة على هذا الميت، ويكفي ويصح لو صلى الـمسلمون صلاة الجنازة على عدة أشخاص في وقت واحد فيقول الـمصلي في قلبه نويت أن أصلي صلاة الجنازة على هؤلاء الـموتى) ويقول الله أكبر وهو قائم إن قدر ثم يقرأ الفاتحة (ولا بد منها لكن يندب أن تكون بعد التكبيرة الأولى ولو أخرها لما بعد ذلك جاز. ولا بد من مراعاة شروط الفاتحة كما في الصلوات المكتوبات).

   الشرح (صلاة الجنازة شفاعة للمصلى عليه معناها يا رب اغفر له وارحمه) صلاة الجنازة لها أقل ولها أكمل فالأقل هو ما يتأدى به الفرض الذي فرضه الله للمسلم إذا مات على المسلمين، فأقل صلاة الجنازة أي القدر الضروري الذي لا بد منه بحيث إذا ترك كان الناس الذين علموا بذلك ءاثمين يحصل بالنية مع التكبير يكبر المصلي أي يقول الله أكبر وينوي في قلبه أن يصلي صلاة الجنازة على هذا الميت إن كان حاضرا وبالتعيين أي تعيين أنها صلاة جنازة وهو فرض لأن نية مطلق الصلاة من دون أن ينوي أنها صلاة الجنازة لا تكفي. ويشترط لصحة هذه الصلاة القيام أي لا بد من ذلك إن قدر.

   ومن لوازم صلاة الجنازة قراءة الفاتحة كما أنها ركن في الصلوات المكتوبات، ويشترط لصحة قراءتها في الجنازة ما يشترط لصحة قراءتها في غيرها من إخراج كل حرف من مخرجه وغير ذلك.

   تنبيه لا يشترط أن تكون قراءة الفاتحة عقب التحريمة لكن الأفضل أن تقرأ الفاتحة بعد تكبيرة التحرم ويجوز تأخيرها لما بعدها، ولو أخرها إلى ما بعد التكبيرة الرابعة جاز (هي صلاة الجنازة أربع تكبيرات، هذا هو الأصل، لكن لو زاد الإمام خامسة يزيد المأموم خامسة. فلو كبر خامسة وأراد أن يقرأ بعد الخامسة الفاتحة يصح. ويعلم مما قال المؤلف رحمه الله أنه يجوز أن يزيد في تكبيرات صلاة الجنازة إلى خمس).

 

   قال المؤلف رحمه الله: ثم (يكبر مرة ثانية أي) يقول الله أكبر ثم يقول (بعد التكبيرة الثانية) اللهم صل على محمد.

   الشرح تجب الصلاة على النبي ﷺ بعد التكبيرة الثانية ولا يجوز تقديمها ولا تأخيرها. وأقل الصلاة على النبي في صلاة الجنازة اللهم صل على محمد (أما إذا أراد الأكمل فيقرأ الصلاة الإبراهيمية).

 

   قال المؤلف رحمه الله: ثم (يكبر مرة ثالثة أي) يقول الله أكبر (ويدعو للميت بخصوصه بدعاء أخروي من نحو) اللهم اغفر له وارحمه (والأكمل الدعاء المأثور عن رسول الله ﷺ).

   الشرح الواجب أن يكبر التكبيرة الثالثة ويدعو بعدها للميت بخصوصه بأمر أخروي ولو بأقل ما يطلق عليه اسم الدعاء. وليس الدعاء بالمغفرة خاصا بالبالغ بل يكون للميت الطفل (بمعنى اللهم استره) والأكمل الدعاء المأثور (عن رسول الله وهو اللهم اغفر لحينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفه على الإيـمان، هذا ثبت عن النبي ﷺ أنه قاله في الصلاة على بعض الموتى. رواه ابن حبان والبيهقي وغيرهما).

(فائدة قول اللهم اغفر لي أو أستغفر الله يقوله الإنسان أحيانا لمحو التقصير وأحيانا للترقي في المقام وأحيانا لمحو المعصية، فالتوبة ليست من الذنب فقط بل من التقصير ولمحو ءاثار القبيح. الطفل إذا قال أستغفر الله معناه أذهب عني الخصال القبيحة)

 

   قال المؤلف رحمه الله: ثم (يكبر مرة رابعة أي) يقول الله أكبر (ثم يسلم فيقول) السلام عليكم (والأحسن العود إلى الدعاء بعد التكبيرة الرابعة).

   الشرح يجب بعد الدعاء أن يكبر تكبيرا رابعا والسلام بعده كسلام الصلاة وأما الأكمل فهو أن يعود إلى الدعاء ولو أطال في ذلك. (وأكمل السلام أن يقول السلام عليكم ورحمة الله، وقال بعض الشافعية يسن أن يزيد وبركاته)

 

   قال المؤلف رحمه الله: ولا بد فيها (أي صلاة الجنازة) من (استيفاء) شروط الصلاة (كاستقبال القبلة والطهارة) وترك المبطلات (فما أبطل الصلاة أبطلها).

   الشرح صلاة الجنازة يشترط فيها شروط الصلاة الواجبة من استقبال القبلة والطهارة عن الحدثين وعن النجاسة التي لا يعفى عنها وغير ذلك من الشروط، ولا بد فيها أيضا من تجنب المبطلات للصلاة فما أبطل الصلاة أبطلها.

   ويندب فعل المندوبات فيها كما يندب في الصلوات الخمس كرفع اليدين عند التكبيرات والتعوذ قبل القراءة لكن لا يسن فيها (دعاء) الافتتاح ولا قراءة السورة (بعد الفاتحة) بل ينتقل من تكبيرة التحرم إلى الاستعاذة ثم الفاتحة.

 

   قال المؤلف رحمه الله: وأقل الدفن (للميت أن يدفن في) حفرة تكتم رائحته (بعد طمه) وتحرسه من السباع (أن تنبشه وتأكل جسده كالأسد والنمر والذئب، هذه يقال لها سباع) ويسن (للإتيان بالأكمل) أن يعمق (القبر) قدر قامة وبسطة (من الرجل الـمعتدل بأن يقوم فيه ويبسط يده مرتفعة وذلك أربعة أذرع ونصف) و (أن) يوسع (القبر من اليمين والشمال ومن أمام الـميت ومن خلفه) ويجب توجيهه (أي الميت أي توجيه صدره) إلى القبلة (بأن يضجع على جنبه مستقبلا القبلة). ولا يجوز الدفن (أي دفن المسلم) في الفسقية ( ويقال لها خشخاشة، وهي بناء فيه طيقان يدفن الـميت في طاقة والـميت الآخر في طاقة وهكذا، يدخل فيه الميت على ءاخر قبل بلاه ولا يمنع الرائحة).

   الشرح الدفن الذي هو فرض على الكفاية حفرة تكتم رائحته بعد طمه من أن تظهر وتحرسه من السباع أن تنبشه وتأكله، وإن لم يمنعه إلا البناء أو الصندوق وجب ذلك (أي إن كان لا يمتنع نبش جثته إلا بأن يبنى على القبر أو بأن يوضع الميت في الصندوق، فلا بد من ذلك). هذا أقل الدفن أما أكمله فهو أن يكون القبر واسعا يسع من ينزله ومعينه وأن يكون قدر قامة وبسطة (يعني مقدار رجل واقف مادا لذراعه إلى فوق، ولو كان الميت طفلا يسن له أن يعمق له هذا المقدار) وهي أربعة أذرع ونصف بذراع اليد ولو للطفل. ويسن أن يلحد له لحد (اللحد معناه أن يحفر في جدار القبر فيوضع الميت في الداخل، وهذا) إن كانت الأرض صلبة (أي شديدة، حتى لا تنهار) وأن يشق له شق في الرخوة أي اللينة (من غير أن يلحد له لأنها لا تتحمل). ويحرم الدفن (أي دفن المسلم) في الفساقي ، والفساقي هي جمع فسقية (الفسقية هي المسماة عند الناس خشخاشة) والفسقية هي بناء تجمع فيه الجنائز وقد يبنون فيها طيقانا (الطيقان جمع طاق والطاق ما يحفر في الجدار) ويوضع كل ميت في طاق من هذه الطيقان. ولو أوصى بذلك فلا يجوز تنفيذ وصيته. وإنما حرم الدفن في الفساقي لأن فيه إدخال ميت على ءاخر قبل بلاه (يعني قبل أن يبلى الجسد) ولأنها لا تمنع الرائحة فهي إهانة للميت (المسلم. ويكره الدفن في التابوت إلا إذا كانت الأرض رخوة فلا كراهة)

   وذكر المؤلف أنه يجب توجيهه إلى القبلة (يعني توجيه صدره إلى القبلة) يعني أن من فرائض الجنازة التي تتبع الدفن التوجيه إلى القبلة وذلك بأن يضجع على جنبه الأيمن أو الأيسر لكن إضجاعه على الأيسر خلاف السنة فهو مكروه.

   ويسن أن يقال بعد إتمام الدفن (يا عبد الله ابن أمة الله ثلاث مرات اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا وبالقرءان إماما) فإن منكرا ونكيرا يقول أحدهما لصاحبه انطلق بنا ما يقعدنا عند رجل لقن حجته (يعني لا يسألانه) اهـ رواه الطبراني وحسنه الحافظ ابن حجر. وأما للأنثى فيقال يا أمة الله ابنة أمة الله. والتلقين يسن في حق البالغ ولو كان شهيدا أي غير شهيد المعركة. (أما أن هذا الشخص الذي لقناه يسلم بعد ذلك من عذاب القبر فهذا لم ينص عليه لكن المرجو له أنه يسلم)

   تنبيه من الهيئات المزرية بالميت التي لا تجوز أن يكب الميت على وجهه عند الغسل فذلك حرام، وكذلك ختانه إن كان غير مختون، ومن ذلك حمله على الأكتاف من غير نعش ونحوه إلا أنه يجوز حمل الطفل الصغير على اليد عند الذهاب به إلى الدفن.

والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/qQwPUY43mFo

للاستماع إلى الدرس: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-19