السبت سبتمبر 7, 2024

(187) مَا الدَّلِيلُ عَلَى بَرَاءَةِ يُوسُفَ مِمَّا نُسِبَ إِلَيْهِ.

        يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ كَسَائِرِ الأَنْبِيَاءِ عَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَىْ حَفِظَهُ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَالرَّذَائِلِ وَهُوَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَقَامَ فِى بَيْتِ الْعَزِيزِ وَزِيرِ مِصْرَ وَكَانَ فَائِقَ الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ فَلَمَّا شَبَّ وَكَبِرَ أَحَبَّتْهُ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ زَلِيخَةُ حُبًّا جَمًّا وَعَشِقَتْهُ. وَذَاتَ يَوْمٍ وَقِيلَ كَانَ عُمُرُهُ سَبْعَةَ عَشَرَ عَامًا أَرَادَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ أَنْ تَحْمِلَهُ عَلَى مُوَاقَعَتِهَا وَهِىَ فِى غَايَةِ الْحُسْنِ وَالْجَمَالِ وَالشَّبَابِ فَتَهَيَّأَتْ لَهُ وَتَصَنَّعَتْ وَلَبِسَتْ أَحْسَنَ ثِيَابِهَا وَدَعَتْهُ صَرَاحَةً إِلَى نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ حَيَاءٍ وَطَلَبَتْ مِنْهُ مَا لا يَلِيقُ بِحَالِهِ وَمَقَامِهِ فَأَبَى وَامْتَنَعَ وَقَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَىْ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَفْعَلَ ذَلِكَ فَأَمْسَكَتْ بِهِ تُرِيدُ أَنْ تُجْبِرَهُ عَلَى مُوَاقَعَتِهَا وَارْتِكَابِ الْفَاحِشَةِ مَعَهَا فَصَارَ يُحَاوِلُ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنْهَا فَأَفْلَتَ مِنْ يَدِهَا فَأَمْسَكَتْ ثَوْبَهُ مِنْ خَلْفٍ فَتَمَزَّقَ قَمِيصُهُ وَظَلَّتْ تُلاحِقُهُ وَهُمَا يَتَرَاكَضَانِ إِلَى الْبَابِ هُوَ يُرِيدُ الْوُصُولَ إِلَيْهِ لِيَفْتَحَهُ لِيَتَخَلَّصَ مِنْهَا وَهِىَ تُرِيدُ أَنْ تَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَابِ وَفِى تِلْكَ اللَّحَظَاتِ وَصَلَ زَوْجُهَا الْعَزِيزُ فَوَجَدَهُمَا فِى هَذِهِ الْحَالَةِ فَبَادَرَتْهُ بِالْكَلامِ وَحَرَّضَتْهُ عَلَيْهِ وَاتَّهَمَتْهُ بِأَنَّهُ حَاوَلَ الِاعْتِدَاءَ عَلَيْهَا بِالْفَاحِشَةِ فَرَدَّ يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلامُ هَذِهِ التُّهْمَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَفِى هَذَا الْمَوْقِفِ أَنْطَقَ اللَّهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ شَاهِدًا مِنْ أَهْلِهَا وَهُوَ طِفْلٌ صَغِيرٌ فِى الْمَهْدِ لِتَنْدَفِعَ التُّهْمَةُ عَنْ يُوسُفَ وَتَكُونَ الْحُجَّةُ عَلَيْهَا وَلِتَظْهَرَ بَرَاءَةُ يُوسُفَ وَاضِحَةً أَمَامَ الْعَزِيزِ فَقَالَ هَذَا الشَّاهِدُ مِنْ أَهْلِهَا ﴿إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ﴾ أَىْ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ رَاوَدَهَا فَدَفَعَتْهُ حَتَّى شَقَّتْ مُقَدَّمَ قَمِيصِهِ، ثُمَّ قَالَ ﴿وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ أَىْ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَرَكَهَا وَذَهَبَ فَتَبِعَتْهُ وَتَعَلَّقَتْ بِهِ مِنْ خَلْفٍ فَشَقَّتْ قَمِيصَهُ، فَلَمَّا وَجَدَ الْعَزِيزُ أَنَّ قَمِيصَ يُوسُفَ قَدِ انْشَقَّ مِنْ خَلْفٍ قَالَ ﴿يُوسُف أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ أَىْ لا تَذْكُرْهُ لِأَحَدٍ وَأَمَرَ زَوْجَتَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ قَائِلًا ﴿وَاسْتَغْفِرِى لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ﴾.