الجمعة يوليو 26, 2024

(182) تَكَلَّمْ عَنْ فَصَاحَةِ الأَنْبِيَاءِ.

        يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّ الأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ فُصَحَاءُ يَتَكَلَّمُونَ بِكَلامٍ وَاضِحٍ مَفْهُومٍ وَلَيْسَ فِيهِمْ مَنْ لا يُحْسِنُ النُّطْقَ أَوْ مَنْ يَعْجَلُ فِى كَلامِهِ فَلا يُطَاوِعُهُ لِسَانُهُ وَلَيْسَ فِى أَلْسِنَتِهِمْ عِلَّةٌ تَجْعَلُ كَلامَهُمْ غَيْرَ مَفْهُومٍ لِلسَّامِعِينَ. وَقَدْ كَانَ ءَادَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَصِيحَ اللِّسَانِ وَيَتَكَلَّمُ كُلَّ اللُّغَاتِ وَكَانَ يَتَفَاهَمُ مَعَ أَوْلادِهِ بِالْكَلامِ الْوَاضِحِ وَلَيْسَ بِالإِشَارَةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿وَعَلَّمَ ءادَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا﴾ وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَّسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ﴾ وَقَوْلِهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ عَلَّمَ ءَادَمَ أَسْمَاءَ كُلِّ شَىْءٍ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِى الْمُسْتَدْرَكِ. وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلامُ حَسَنَ الصَّوْتِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا حَسَنَ الْوَجْهِ حَسَنَ الصَّوْتِ وَإِنَّ نَبِيَّكُمْ أَحْسَنُهُمْ وَجْهًا وَأَحْسَنُهُمْ صَوْتًا، رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ. وَرَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جُبَيْرِ بنِ مُطْعِمٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ ﴿وَالطُّورِ﴾ فَكَادَ قَلْبِى يَطِيرُ، أَىْ مِنْ حُسْنِ صَوْتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ. أَمَّا سَيِّدُنَا مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ فَقَدْ تَأَثَّرَ لِسَانُهُ بِالْجَمْرَةِ الَّتِى تَنَاوَلَهَا وَوَضَعَهَا فِى فَمِهِ حِينَ كَانَ طِفْلًا أَمَامَ فِرْعَوْنَ أَىْ أَثَّرَتْ تِلْكَ الْجَمْرَةُ شَيْئًا قَلِيلًا فِى اللَّحْمِ وَلَمْ تُؤَثِّرْ عَلَى فَصَاحَتِهِ وَلا عَلَى بَلاغَتِهِ ولا عَلَى حُسْنِ نُطْقِهِ وَلا عَلَى مَخَارِجِ حُرُوفِهِ بَلْ كَانَ يَتَكَلَّمُ عَلَى الصَّوَابِ وَكَانَ كَلامُهُ وَاضِحًا مُفْهِمًا لا يُبْدِلُ حَرْفًا بِحَرْفٍ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شَىْءٌ بِحَيْثُ يَكُونُ مَعِيبًا عِنْدَ النَّاسِ فَدَعَا اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ الْوَحْىُ فَقَالَ ﴿وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّنْ لِّسَانِى﴾ فَذَهَبَ ذَلِكَ الأَثَرُ مِنْ لِسَانِهِ.