الأحد ديسمبر 22, 2024

#18 5-7 سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام

يقال إنه لما ضاقت سبُلُ العيش في الشام وعمَّ القحطُ رحلَ إبراهيمُ عليه السلام إلى مصر وكانت معه زوجته سارة، وكان على هذه الأرض ملكٌ كافرٌ جبارٌ متسلّط، وكان قابضًا على زِمام الحكمِ في هذه البلاد، وكان من جملةِ الفسادِ الذي عند هذا الملكِ الخبيث أنه كان إذا دخلت إلى بلدتِه وأرضِه امرأةٌ متزوجةٌ جميلةٌ يأخذونها إليه ليفعلَ الفاحشةَ بها، فلما دخلَ إبراهيمُ عليه السلام مع زوجتِه سارة إلى أرضِ هذا الجبار العنيد وكانت سارة من أحسن وأجمل النساء، وُصف حسنُها وجمالُها عليها السلام لهذا الملكِ الجبارِ الخبيث فأرسل إلى إبراهيمَ فقال له: من هذه المرأة التي معك؟ ففطِن إبراهيمُ عليه السلام إلى مقصده الخبيث ومأرَبه فلم يُرِد أن يُخبِرَهُ أنها زوجتُه حتى لا يُبيِّت له الشرَ فيقتُلَه ليتخلصَ منه فيستأثرَ بسارة من بعده، فقال له إبراهيمُ: أختي أي أختي في الإسلام وهذا صدقٌ ما فيه كذب، فظن الملك الجبار أنها غيرُ متزوجة، ودخلت سارةُ عليه بعد أن قامت وتوضأت ودعتِ الله تعالى أن يكفيَها شره، فلما رءاها أُعجب بها ومدَّ يده إليها ليتناولها لكنه أُخِذ ويَبِست يدُهُ فقال لها: اِدعي الله لي ولا أضرُك، فدعتِ الله تبارك وتعالى فانفَكَتْ يدُه بعد يُبسها وعادت إلى طبيعتِها، ولكن هذا الخبيثَ طاوَعَ نفسَه الخبيثة وأمرَته أن يَمُدَ يدَه إلى سارة ليتناوَلها مرًة ثانية، فلما أهوى إليها يَبِست له مثلَ المرةِ الأولى أو أشد، فقال لها: ادعي الله لي ولا أضُرُكِ فدعت سارةُ الله تعالى فأطلق الله يده، فلما رأى هذا الخبيثُ ما رأى ردها إلى إبراهيمَ عليه السلام، ودعا بعضَ خدمه فقال لهم: إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بجنية، ووهب لسارة وأخدَمها هاجر، فأقبلت سارةُ عليها السلام بهاجرَ إلى زوجها إبراهيمَ عليه السلام وهو قائمٌ يصلي، ثم لما سألها إبراهيمُ عمّا جرى معها قالت له: كفاني الله كيدَ الكافرين وأخدمني هاجر. وقد مكث إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام مع زوجتِه سارة في فلسطين واستقر بها وكانت سارةُ عقيمًا لا تلِد وكان يَحزُنُها أن ترى زوجَها ليس له ولد. قيل: كان قد بلَغ من العمُر ستًا وثمانينَ سنة وهي قد جاوزت السبعين، فوهبت سارةُ هاجر وأعطَتْها لزوجِها إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام، فقبل إبراهيمُ ذلك فلما أعطت سارةُ هاجرَ لإبراهيمَ عليه السلام صارت مِلكه وحلالا له في شريعة الله لأنها كانت أَمَةً مملوكة، فلمّا دخل إبراهيمُ بهاجر ولدت له غلامًا زكيًا هو سيدُنا إسماعيل عليه السلام الذي كان من نسلِه سيدُنا محمد صلى الله عليه وسلم، ففَرِحَ إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام بهذا المولودِ الجديد وكذلك فرِحت زوجتُه سارة لفرحه، ولَمَّا بلغ إبراهيمُ مع ابنه إسماعيل وأمهِ هاجر مكة وكانت هاجرُ تُرضِعُ ابنَها إسماعيل، وضعها إبراهيمُ مع ابنه هناك وليس بمكة يومئذ أحدٌ ولا بُنيانٌ ولا عُمرانٌ ولا ماءٌ ولا كلأ، تركَهما هناك وتركَ لهما كيسًا فيه تمرٌ وسِقاءً فيه ماء، ثم لما ارادَ العودةَ إلى بلادِ فلسطين وقَفَّى راجِعًا لحِقَتْهُ هاجرُ أمُ إسماعيل وهي تقولُ له: يا إبراهيمَ أين تترُكُنا في هذا المكان الذي ليس فيه سميرٌ ولا أنيس؟ ءالله أمرك بهذا؟ قال: نعم، فقالت له بلسانِ اليقين وبالمنطِقِ القويم: إذًا لا يُضَيِّعُنا، ثم رَجَعت. ولما ابتعدَ إبراهيمُ عن ولدِه وأمِ إسماعيل قليلًا وعندَ الثَنِيّة التفَتَ جِهَةَ البيتِ ووقفَ يدعو الله تبارك وتعالى لهم بخير. مكثت هاجرُ أمُ إسماعيل مع ولدِها إسماعيل حيث وضعَهُما إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام وصارت تُرضِعُ ولدَها إسماعيل وتشربُ من ذلك الماءِ الذي تركَه لهما إبراهيم، حتى إذا نفَذَ ما في السِقاء عطِشت وعطِشَ ابنُها وجَعلَ يبكي ويتلوى من شدة العطش، وجعلت تنظرُ إليه وهو يتلوى، وانطلقت من مكانها كراهيةَ أن تنظُرَ إليه في هذه الحالة وصارت تُفَتِشُ له عن ماء، فوجدت الصفا أقربَ جبلٍ في الأرضِ يليها فصَعِدت عليه، ثم استقبَلَتِ الوادي تنظُرُ هل ترى أحدًا فلم تر أحدًا، فهبَطَت من الصفا حتى بلغتِ الوادي وصارت تَسعى سَعيَ الْمَجهود حتى وَصَلَت إلى جبلِ المروة، فصَعِدَت عليه ونظَرت فلم تَجد أحدًا ، فأخذت تذهبُ وتجيء ُبين الصفا والمروة سبعَ مرات، فلما أشرَفَت على المروة سمِعت صوتًا، فقالت: أغِثنا، فرأت مَلَكًا وهو جبريلُ عليه السلام يضرِبُ بقدمِهِ الأرض حتى ظهرَ الماءُ السلسبيلُ العذبُ وهو ماء زمزم، فجعلت أمُ إسماعيل تُحَوِّط الماء وتغرِفُ منه بسِقائِها وهو يَفور، وجعل جبريلُ يقولُ لها: لا تخافي الضَياع فإنّ لله هَهُنا بيتًا وأشارَ إلى أَكَمَةٍ مرتفعةٍ من الأرض يبنيه هذا الغلامُ وأبوه. شَرِبَت هاجَرُ من ماءِ زمزم، وارتوت وأرضعت ولدَها إسماعيل شاكرةً الله الكريمَ اللطيفَ على عظيم فضله ورحمته وعنايته، ثم بدأت الطيورُ ترِد ذلك الماءَ وتحومُ حوله، ومرَّت قبيلةُ جُرهُم العربية فرأوا الطيورَ حائمةً حولَ ذلكَ الماء، فاستدَلوا بذلك على وجودِ الماء، فوصلوا إلى ماءِ زمزم واستأذنوا من أم إسماعيل أن يضربوا خيامَهم حولَ ذلك المكانِ قريبًا منه فأذِنت لهم واستأنست بوجودِهم حولَها، ثم أخذَ العُمرانُ يتكاثرُ ببركةِ هذا الماءِ المبارك الذي خلقَه الله في ذلك المكانِ من هذه البقعةِ المباركةِ الطيبة. شَبَّ إسماعيلُ عليه السلامُ ولَدُ إبراهيمَ بينَ قبيلةِ جُرهُمٍ العربية وتعلّمَ منهمُ العربية وتَرَعْرَعَ بينَهم، ولما أعجبَهم سيرتُه وخُلقُه زوجوه امرأةً منهم، وأصبحت مكةُ مأهولةً بالسكان منذ ذلك الحين بعد أن كانت جَرداء، وكان سيدُنا إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام بعدَ أن رجَعَ إلى فِلسطين بعد كلِ مُدةٍ وحين، يذهبُ إلى مكةَ بالبُراق يَتَرَدَّدُ إليهم وينظُرُ إليهم ويتفقَدُهُم صلواتُ الله وسلامُه عليه. والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم. نترُكُكُم ونُوَدِعُكُم لِنَسْتَكْمِلَ في الحلْقَةِ القادِمَةِ بإذنِ الله تعالى قِصَةَ الذبيحِ إسماعيل عليه السلام وبناءِ البيت الكريم والحمد لله رب العالمين.