الأحد ديسمبر 7, 2025

#18

ماذا يسن للمصلى أن يقول عقب صلاته.

        يسن له أن يستغفر الله ثلاثا وأن يقول اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك فقد روى أبو داود أن رسول الله ﷺ قال لمعاذ بن جبل رضى الله عنه يا معاذ والله إنى أحبك وأوصيك أن لا تدعن فى دبر كل صلاة أن تقول اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، معناه يسر لى ذكرك وأن أعمل العبادة الحسنة أى المقبولة. ويسن له أن يقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام فقد روى مسلم عن ثوبان رضى الله عنه أنه قال كان رسول الله ﷺ إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا ثم قال اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام. والسلام من أسماء الله ومعناه السالم من كل نقص أى أن الله منزه عن كل ما لا يليق به، ومنك السلام أى أنت الذى تعطى السلام فهذه الجملة فيها استعمال اللفظ الواحد لمعنيين مختلفين. ومعنى تباركت دام فضلك، وذو الجلال والإكرام معناه أن الله يستحق أن يجل فلا يجحد ولا يكفر به أى أنه يستحق منا أن نعظمه ولا يجوز لنا أن ننكر وجوده أو أن نكفر به وهو المكرم أهل ولايته بالفوز والنور التام يوم القيامة.

 

ماذا يسن للمصلى أن يقول عقب صلاة الصبح والمغرب.

        روى الترمذى أن رسول الله ﷺ قال من قال عقب صلاة المغرب وهو ثان رجله قبل أن يتكلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير عشر مرات كتبت له عشر حسنات موجبات ومحيت عنه عشر سيئات موبقات وإن فعل مثل ذلك بعد صلاة الفجر فله مثل ذلك، معناه من قال ذلك عقب صلاة المغرب عشر مرات قبل أن يتكلم بكلام الناس أو ينتقل من مكانه وقبل أن يمد رجله تكتب له عشر حسنات موجبات لدخول الجنة وتمحى عنه عشر سيئات موبقات أى من الكبائر ويحفظ من السحر والشياطين والمكروه أى ما يكرهه ويكون مطمئن البال وهذا لمن صلى الصلاة فى وقتها، وله مثل ذلك إن قاله عقب صلاة الصبح. ويستحب أن يقول عقب صلاة المغرب والصبح سبع مرات قبل أن يتكلم بكلام الناس اللهم أجرنى من النار فإنه ورد فى الحديث أن من قال هذا فمات فى ذلك اليوم لم تمسه النار أى نار جهنم. وورد فى الحديث الذى رواه الترمذى أن من سأل الله الجنة ثلاث مرات قالت الجنة اللهم أدخله الجنة ومن استجار من النار ثلاث مرات قالت النار اللهم أجره من النار، أى أن الجنة تدعو لهذا المسلم أن يرزقه الله إياها وأن النار تدعو له أن يجيره الله منها.

 

ما هو سجود السهو ومتى يشرع.

        سجود السهو هو سجدتان يسجدهما بعد التشهد الأخير والصلاة على النبى ﷺ ثم يسلم بعد ذلك. ويشرع إذا ترك ركنا سهوا ثم عاد إليه أو ترك التشهد الأول عمدا أو سهوا أو شك فى عدد ركعات الصلاة أو ترك دعاء القنوت فى صلاة الصبح عمدا أو سهوا. أما إذا ترك التسبيح فى الركوع أو فى السجود فلا يسجد للسهو فإذا سجد بطلت صلاته لأنه سجد سجودا فى غير محله.

 

ما حكم سجود التلاوة.

        سجود التلاوة سنة لقارئ القرءان والمستمع فقد روى البخارى ومسلم عن ابن عمر رضى الله عنهما أن رسول الله ﷺ كان يقرأ القرءان فيقرأ سورة فيها سجدة فيسجد ونسجد معه حتى ما يجد بعضنا مكانا لجبهته. فمن أراد أن يسجد سجود التلاوة فى غير الصلاة يقف وينوى سجود التلاوة ويكبر رافعا يديه حذو منكبيه ندبا ثم يكبر للسجود ندبا ولا يرفع يديه فيه ثم يسجد سجدة كسجدة الصلاة فى الواجبات والسنن ثم يكبر ندبا عند رفعه من السجود ويجلس ويسلم. ويشترط لسجود التلاوة استقبال القبلة وستر العورة والطهارة عن الحدثين. أما إن لم يكن متوضئا فيقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر يكرر ذلك أربع مرات. والسجدات الواردة فى القرءان هى أربع عشرة سجدة.

 

ما حكم من ذكر الله فى صلاته لتنبيه غيره.

        إن ذكر الله فى صلاته كأن قال سبحان الله للتنبيه فقط بطلت صلاته أما إذا نوى مع التنبيه الذكر فلا تبطل صلاته.

 

الجماعة والجمعة

 

قال المؤلف رحمه الله: فصل.

الشرح هذا فصل معقود لبيان أحكام الجماعة والجمعة (وشروط صحة الجمعة وفى أركان الخطبتين وشروطهما). (قال ﷺ صلاة الجماعة تعدل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة. لقد جعل الله عز وجل في صلاة الجماعة ثوابا عظيما يكف في ذلك حديث رسول الله ﷺ من صلى الصبح في جماعة كان كمن قام الليل وقوله ﷺ من صلى العشاء في جماعة كان كمن قام نصف الليل من هنا يتبين لنا أهمية صلاة الجماعة. وروى البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ قال صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة. وروى ابن ماجه والدارقطني وابن حبان والحاكم من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر. فالذي يترك الجماعة من غير عذر فصلاته مكروهة. قال سيدنا علي لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ومعناه لا تكون مقبولة صلاة من سمع النداء فلم يحضر بلا عذر يعني فلم يذهب إلى حيث سمع منه النداء، فصلاته ما فيها ثواب بالمرة، إنما هو كسلا قعد في البيت، معناه لا عذر له. وكلام سيدنا علي هذا إذا كان الإمام لا تكره الصلاة خلفه، أما إذا كان ممن تكره الصلاة خلفه، فهذا إن صلى في بيته له أجره. كثير من الأئمة فيهم صفات تمنع حصول الثواب، ومنهم من لا تصح الصلاة خلفه. قد يكون الإمام فاسقا، وقد يكون أكثر من فاسق، وقد يكون لا يحسن القراءة، فمثل هؤلاء لنا عذر بترك الصلاة خلفهم)

 

قال المؤلف رحمه الله: الجماعة (فى الصلوات الخمس) على الذكور الأحرار المقيمين البالغين (العاقلين) غير المعذورين فرض كفاية.

الشرح الحال التي تكون فيها الجماعة فرض كفاية هي الجماعة في الصلوات الخمس في حق الذكور الأحرار المقيمين البالغين (العاقلين) غير المعذورين (فإن قام عدد من هؤلاء الذين ذكروا بهذا الفرض، سقط عن البعض الآخر)

 فخرج بالذكور النساء فليست فرضا عليهن (لأن أمر النساء مبني على المبالغة في الستر. الرسول ﷺ قال صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدي هذا، فالمرأة لا يلزمها المجيء إلى المسجد لأداء الصلاة، إنما تصلي في بيتها مع زوجها، مع أبيها، مع أخيها، مع ولدها، مع من تجده، لتنال ثواب الجماعة) وخرج بالأحرار العبيد فليست فرضا عليهم (لأنهم مشغولون بخدمة أسيادهم) وخرج بالمقيمين المسافرون (فإن لهم عذرا أن لا يحضروا صلاة الجماعة) فمن دخل بلدة بنية الإقامة أقل من أربعة أيام فالجماعة في حقه غير فرض. وخرج بالبالغين الصبيان فليست فرضا في حقهم لعدم التكليف لكن يجب على الولي أن يأمر الطفل المميز بالجماعة والجمعة (وليس شرطا أن يأخذه لكل جماعة، إنما يأخذه من حين إلى آخر، ولكن يأخذه لكل جمعة، إما أن يأخذه هو بيده، أو يوكل شخصا أن يأخذه) وخرج بغير المعذورين المعذورون بعذر من الأعذار المسقطة لوجوب الجماعة كالمطر الذي يبل الثوب والخوف (على نفسه أو على ماله) من العدو بذهابه إلى مكان الجماعة وغير ذلك من أعذار ترك الجماعة وهي كثيرة. (كالمرض الذي يشق معه الحضور إلى الجمعة أو إلى الجماعة) ويشترط لوجوبها أيضا العقل ولم يذكر في المتن لظهور حكمه. ويحصل فرض الكفاية (أي إذا قام به البعض، سقط عن البعض الآخر) بإقامتها بحيث يظهر الشعار (أي العلامة أن هذه البلدة تقام فيها الجماعة) بأن تقام في البلد الصغيرة في محل (كأن كان أهلها نحو ثلاثين بيتا، يكفي في مكان واحد) وفي الكبيرة في محال متعددة بحيث يمكن قاصدها إدراكها بلا مشقة ظاهرة. (وضابط حصول الشعار أن يجدها طالبها من غير مشقة، ولا يحتشم كبير ولا صغير من دخول محالها، فإن أقيمت بمحل واحد من بلد كبير، بحيث يشق على البعيد عنه حضوره، أو أقيمت في البيوت، بحيث يحتشم من دخولها، لم يحصل ظهور الشعار، فلم يسقط الفرض)

  

قال المؤلف رحمه الله: وفي الجمعة فرض عين عليهم إذا كانوا أربعين مكلفين مستوطنين في أبنية لا في الخيام لأنها لا تجب على أهل الخيام. وتجب على من نوى الإقامة عندهم أربعة أيام صحاح أي غير يومي الدخول والخروج وعلى من بلغه نداء صيت من طرف يليه من بلدها. (روى مسلم من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما أنهما سمعا رسول الله ﷺ يقول على أعواد منبره لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات، أو ليختمن الله على قلوبهم، ثم ليكونن من الغافلين. حض ﷺ على شهود الجمعة، وحذر من التهاون فيها وتركها، والتخلف عنها تهاونا وتكاسلا من غير عذر)

الشرح أن الجماعة في (صلاة) الجمعة فرض عين (على كل من تجب عليه بعينه) فلا تصح فرادى، وفرضيتها على من كان موصوفا بالأوصاف السابقة الذكورة والحرية والإقامة والعقل والبلوغ وفقدان العذر، وكل ما هو عذر في ترك الجماعة فهو عذر في ترك الجمعة. وإنما تجب الجمعة عليهم (أي على هؤلاء المذكورين فيما قبل) إذا كانوا أربعين ذكرا مستوطنا (أما إذا كانوا أقل من أربعين فلا تجب عليهم. والمستوطن هو من توطن بالمحل الذي هو فيه فلا يرحل عنه شتاء ولا صيفا إلا لحاجة، لا يريد الرحيل عن هذا البلد إلى بلد آخر، بل يريد الإقامة فيه. فيعلم من هذا أن طلاب الجامعات الذين هم من نواح شتى في أوربا وأمريكا وكندا، هذا من الأردن وهذا من مصر وهذا من لبنان وهذا من العراق، هؤلاء لا يقال لهم مستوطنون لأن في نياتهم أن يعودوا بعد قضاء مدة الدراسة إلى بلادهم، فهؤلاء لا تنعقد بهم الجمعة. ولذلك قال المؤلف رحمه الله وإنما تجب الجمعة عليهم أي على الذكور الأحرار المقيمين البالغين العاقلين غير المعذورين، إذا كانوا أربعين ذكرا مستوطنا) إقامتهم في خطة أبنية أي (تكون إقامتهم) في مكان معدود من البلد ولو كانت الأبنية من خشب أو قصب أو سعف (طالما هي أبنية مجتمعة تعد خطة من خطط البلد، أي جزءا من البلد، وليس بناء هنا ثم بعد مسافة بعيدة تجد بناء آخر، ثم بعد مسافة بعيدة تجد بناء آخر، لا، لأن هذه ليست أبنية مجتمعة، فإذا ليست خطة من خطط البلد، وليس شرطا أن تكون الأبنية من أحجار كما نحن نقيم في هذه الأيام، والسعفة بفتحتين غصن النخل، والجمع سعف) ولا تجب على أهل الخيام (أي هؤلاء العرب الرحل البدو الذين لا يقيمون في مكان إقامة مستمرة، بل يرحلون من مكان إلى آخر يتبعون الأماكن التي فيها حشيش لأجل مواشيهم، لأجل الغنم والإبل ونحو ذلك. فهؤلاء ليست عليهم جمعة، لأنهم ليسوا مستقرين في مكان، إنما يتبعون أماكن الحشيش، فلو كان هناك أربعون هم أهل خيام يذهبون من مكان إلى مكان فلا تجب عليهم الجمعة. فلو أقاموا شهرا في الصحراء، لا تجب عليهم الجمعة، لأن الرسول ﷺ ما أمر أهل الخيام أن يقيموا صلاة الجمعة. أما إذا أقاموا في بلد تقام فيه الجمعة، لزمتهم، أو أقاموا في بلد يسمعون فيه النداء، لزمتهم. يعني لو كان في بلد أربعون مستوطنا يقيمون الجمعة، فعند ذلك تجب الجمعة على هؤلاء الذين يقيمون عندهم. لذلك قال المؤلف رحمه الله) وتجب الجمعة على من نوى الإقامة في بلد الجمعة أربعة أيام صحاح أي كوامل غير يومي الدخول والخروج فأكثر لأنه بذلك ينقطع السفر.

فائدة إذا جاء شخص يوم الإثنين إلى بلد مسافرا وهو ينوي أن يمكث فيها يوم الثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة، ثم يسافر السبت، فهذا يجب عليه أن يصلي الجمعة مع أهل البلد لأنه صار مقيما، لكن هم لو كانوا تسعة وثلاثين وأراد أن يصلي معهم، فهو لا يتم الأربعين، لأنه يشترط أن يكون الأربعون كلهم مستوطنين، أما هو فمقيم فلا يتم العدد به.

وتجب أيضا على من توطن محلا يبلغه منه النداء من شخص صيت أي عالي الصوت باعتبار كونه واقفا بمستو من طرف يلي السامع من بلد الجمعة مع اعتبار سكون الريح بحيث يعلم أن ما يسمعه نداء الجمعة ولو لم تتبين الكلمات وذلك باعتبار معتدل السمع (أي ليس باعتبار قوي السمع، فإذا كان الشخص في بلد لا تجب فيه الجمعة، لكن لو أن شخصا في بلد الجمعة أذن من طرف بلده وصوته قوي، وكان الذي في البلد الآخر الذي لا تجب فيه الجمعة واقفا في طرف بلده، لسمع أذان هذا الصيت، فهنا لزمه الحضور إلى بلد الجمعة ليصليها معهم، أما إذا كان لا يسمع الصوت فلا تجب عليه) ولا تجب على مسافر إلا أن يكون عاصيا بسفره. ولا يشترط في المسافر الذي سفره مباح أن يكون سفره مسافة قصر بشرط أن يكون في حكم المسافر قبل الفجر. (أما إن خرج بعد الفجر وقبل الزوال فتلزمه الجمعة، بل يحرم الخروج بعد الفجر بحيث يفوت على نفسه الجمعة، إلا إذا كان يمر بمسجد في طريقه يصلي الجمعة فيه فلا يحرم)

فائدة: يجوز له أن يسافر ليلة الجمعة ولا يصلي الجمعة، لكن الأحسن أن لا يفعل هذا، الأحسن أن لا يسافر ليلة الجمعة بحيث تفوت عنه الجمعة.

 

قال المؤلف رحمه الله: وشرطها (أى شرط صحة الجمعة) وقت الظهر وخطبتان قبلها فيه يسمعهما الأربعون وأن تصلى جماعة بهم وأن لا تقارنها أخرى ببلد واحد فإن سبقت إحداهما بالتحريمة صحت السابقة ولم تصح المسبوقة، هذا إذا كان يمكنهم الاجتماع في مكان واحد فإن شق ذلك صحت السابقة والمسبوقة.

الشرح شرط صحة الجمعة أن تقع وقت الظهر فلا تقضى الجمعة جمعة وإنما تقضى إذا فات وقتها (بسبب النوم مثلا يقضيها) ظهرا. (في البخاري عن أنس رضي الله عنهما أنه قال كان النبي ﷺ يصلي الجمعة حين تزول الشمس. معناه بعد دخول الظهر) وتدرك الجمعة بإدراك ركعة مع الإمام وأما إذا لم يدرك المأموم الإمام إلا بعد الركوع من الركعة الثانية في الجمعة فإنه عندئذ ينوي الجمعة ويصلي أربع ركعات. (هو لحق الإمام بعد أن رفع الإمام رأسه من ركوع الركعة الثانية، فهنا ينوي الجمعة، لكن بعد سلام الإمام يأتي بأربع ركعات، هذا يقال عنه نوى غير ما صلى. أما لو أدرك ركوع الركعة الثانية مع الإمام، فينوي الجمعة ويأتي بركعة) وتشترط خطبتان قبلها (أي قبل الصلاة و) بعد دخول الوقت فلو ضاق الوقت عن الخطبتين والركعتين صلوا ظهرا. (اجتمع الأربعون ولم يكن هناك وقت يكفي أو تكاسلوا ثم وجدوا أن الوقت ضاق لا يكفي لخطبتين وركعتين عند ذلك يصلون الظهر)

ويشترط في الخطبتين أن يسمعهما الأربعون (والمقصود أن يسمعوا الأركان وليس شرطا أن يسمعوا كل الخطبة. فإن كان هناك خمسون مستوطنا بالصفات التي ذكرناها يكفي أن يسمع أربعون منهم الخطبتين) وأن تصلى جماعة بهم (لأن الجمعة لا تصح أن تصلى إلا جماعة، فلو صليت فرادى لم تصح)

وأن لا تقارنها أو تسبقها جمعة أخرى ببلدها، (أي في بلد الجمعة) قال الشافعي رضي الله عنه وإن كبرت البلد (لأن الإمام الشافعي رضي الله عنه قال “لا تقام في مصر واحد جمعتان، فإن أقيمتا فإن الجمعة لمن سبق” أي لمن سبق بالتكبير، أي بالراء من تكبيرة الإحرام عند قول الإمام الله أكبر. واستدل على ذلك بأنه في عهد الرسول ﷺ والخلفاء الأربعة كانوا لا يقيمون في البلد الواحد إلا جمعة واحدة. في المدينة كانوا لا يقيمون إلا جمعة واحدة مع تعدد المساجد، لذلك الشافعي قال وإن كبرت البلد. لم يذكر إذا كان لا يشق على أهل البلد، إنما أطلق القول لذلك) قال أصحابه يعني إذا لم يشق اجتماع أهل البلد (بعض أهل مذهبه أولوا كلامه، فقالوا هذا إذا لم تدع الحاجة، أي بحيث لا يشق عليهم، أما إذا دعت الحاجة، كما هو الآن في معظم مدن الدنيا اليوم، فيجوز تعديد الجمعة. وبعض أصحابه قالوا لا، إن شق أو لم يشق، فالشافعي أطلق، ما قال إلا أن يشق اجتماعهم، إنما قال لا تقام في مصر واحد جمعتان) فإذا سبقت إحدى الجمعتين (أي تلفظ الإمام بالراء من تكبيرة الإحرام قبل غيره) صحت (التي سبقت) وبطلت التي بعدها وإن تقارنتا (أي وقعتا معا، أي إن تلفظا بالراء في وقت واحد) بطلتا (يحكم ببطلانهما) وكذلك إذا لم تعلم السابقة (أي جهلت السابقة يحكم ببطلانهما) والعبرة في السبق والمقارنة بالراء (في كلمة الله أكبر) من تكبيرة الإمام.

 

قال المؤلف رحمه الله: وأركان الخطبتين حمد الله والصلاة على النبي ﷺ والوصية بالتقوى فيهما وءاية مفهمة في إحداهما والدعاء للمؤمنين في الثانية.

الشرح أن الخطبتين لا تكونان مجزئتين إلا بهذه الأمور الخمسة أولها حمد الله بلفظ الحمد لله أو لله الحمد أو حمدا لله (أو إن الحمد لله أو نحمد الله أو أحمد الله) أو نحو ذلك. (لكن لا بد من استعمال لفظ الحمد ولفظ الجلالة الله، فلا يجزئ بلفظ الشكر لله) .والثاني الصلاة على النبي بنحو اللهم صل على محمد أو صلى الله على محمد (أو أصلي على محمد، ولا يكفي أن يقول “سلام الله على محمد”، ولا يقتصر على الضمير في الصلاة على النبي ﷺ فيقول “اللهم صل عليه”، لأن هذا الاقتصار على الضمير بعض الشافعية يقول لا يجزئ. فلا بد من حمد الله والصلاة على النبي ﷺ، ولو أرفقها بالسلام فقال “الصلاة والسلام على سيدنا محمد” أو “أصلي وأسلم على محمد” أجزأ)

والثالث الوصية بالتقوى وهي (أداء الواجبات واجتناب المحرمات وهذا هو) المقصود الأعظم (من الخطبة. لذلك قال) فلا يكفي التحذير من الدنيا بل لا بد من الحث على الطاعة أو الزجر عن المعصية (كأن يقول اتقوا الله أو أوصيكم ونفسي بتقوى الله) ولا يشترط لفظ التقوى فلو قال أطيعوا الله كفى. وهذه الثلاثة (حمد الله والصلاة على النبي والوصية بالتقوى) يشترط أن تكون في كل من الخطبتين. والرابع ءاية مفهمة كاملة (أي تفهم معنا تاما أما الآية التي لا تفهم معنا وحدها فلا تكفي كأن يقول ﴿ثم نظر﴾ لأنها وحدها لا تفهم معنى تاما، أما لو قال ﴿قل هو الله أحد﴾ فيكفي ذلك، وهذه الآية تكون في إحدى الخطبتين، أي في الأولى أو الثانية) وإن كانت متعلقة بقصة، في إحداهما (أي في إحدى الخطبتين) في ابتدائها أو انتهائها أو وسطها والأفضل أن تكون قراءة الآية (المفهمة) في الخطبة الأولى لتقابل الدعاء في الثانية (معناه ليس شرطا أن تكون في الأولى وليس شرطا أن تكون في الثانية) والخامس (من الأركان) الدعاء للمؤمنين الشامل للمؤمنات (كأن يقول اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات) في الخطبة الثانية (أي لا بد أن يكون هذا الدعاء في الخطبة الثانية. ولا يشترط ذكر المؤمنات بل يكفي لو استغفر للحاضرين في الجمعة فقط، أو حتى لأربعين منهم لكن هذا عادة لا يحصل، لكن إن حصل يجزئ. بعد أن فرغ المؤلف رحمه الله من بيان أركان الخطبتين شرع في الكلام على شروطهما)

 

قال المؤلف رحمه الله: وشروطهما الطهارة عن الحدثين وعن النجاسة في البدن والمكان والمحمول وستر العورة والقيام والجلوس بينهما والموالاة بين أركانهما وبينهما وبين الصلاة وأن تكونا بالعربية.

 الشرح أن للخطبتين شروطا وهي تسعة الأول الطهارة عن الحدث الأصغر والأكبر والطهارة عن النجاسة غير المعفو عنها في البدن والمكان (الذي يقف عليه أو يباشره بشيء من جسمه) وما يحمله من ثوب وغيره (أو ما في جيبه كقنينة يحملها تحوي نجاسة). والثاني ستر العورة. (كما في الصلاة فإنه يشترط أن يستر العورة لصحة الخطبتين كما يشترط لصحة الصلاة). والثالث القيام فيهما للقادر بالمعنى السابق في قيام الفرض (أي أن يكون قائما) فإن عجز فجالسا ثم مضطجعا، والأولى في هذه الحال الاستخلاف. (أي الأحسن أن يستخلف غيره). والرابع الجلوس بينهما (أي بين الخطبتين) فلو تركه ولو سهوا لم تصحا وأما من كان يخطب جالسا بعذر (ولم يستخلف غيره) فيفصل بين الخطبتين بسكتة (أو أكثر، لأن الإمام يسن له عند الجلوس أن يقرأ سورة الإخلاص، لذلك قلنا بسكتة أو أكثر)  وأقل هذا الجلوس قدر الطمأنينة وأكمله قدر سورة الإخلاص (ويسن أن يقرأها). والخامس الموالاة بينهما (أي بين الخطبتين) وبين أركانهما وبينهما وبين الصلاة لئلا يطول الفصل عرفا بما لا يتعلق بهما (أي بين الخطبتين) والسادس أن تكون أركان كل منهما (أي الخطبتين) بالعربية (فلو ترجم الأركان إلى غير العربية لم يصح) وإن كان كل الحاضرين أعاجم. (أما ما سوى الأركان فيستطيع أن يقوله بغير اللغة العربية كالتركية أو غيرها من اللغات)

والسابع كونهما بعد الزوال (أي بعد دخول وقت صلاة الظهر). والثامن سماع الأربعين الأركان ولا يشترط سماعهم كل الخطبة. والتاسع كونهما (أي الخطبتان) قبل الصلاة.

مسئلة. يحرم التشاغل عن (الحضور إلى) الجمعة ببيع ونحو ذلك (مما فيه تشاغل عن الحضور) كالإجارة (لقوله تعالى ﴿يآ أيها الذين ءامنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع﴾ فإن باع بعد الأذان الثاني وقع في الحرام ولكن صح بيعه لأن النهي لمعنى خارج عن العقد، وهو التشاغل للحضور إلى الجمعة. فإذا يحرم التشاغل عن الحضور إلى الجمعة ببيع ونحو ذلك مما فيه تشاغل عن الحضور كالإجارة) وكأن يهب مالا ليهبه في مقابله غرضا بعد الأذان الثاني (لأن هذا في معنى البيع. هذه الهبة التي ليست هبة محضة إنما هبة بمقابل، فهذه في الحقيقة بيع من حيث الحكم لكن بلفظ الهبة، وهبتك شرط أن تهبني يعني بعتك هذا بهذا، لذلك كان بمعنى البيع) ويكره قبله وبعد الزوال (أي يكره قبل الأذان الثاني وبعد دخول الظهر، ويحرم بعد الأذان الثاني) وأما لو ركب الشخص سيارة الأجرة للذهاب لصلاة الجمعة (ولو كان هذا بعد الأذان الثاني) فيجوز لأن هذا ليس فيه تشاغل عنها (إنما هذا وسيلة لإدراك الجمعة)

 

من هو المستوطن والمسافر والمقيم.

        المستوطن هو الذى يقيم فى مكان ولا يفارقه إلا لحاجة. والمقيم هو من نوى الإقامة فى بلد غير وطنه أربعة أيام أو أكثر غير يومى الدخول والخروج أما المسافر فهو من نوى الإقامة فيه أقل من أربعة أيام غير يومى الدخول والخروج.

 

هل تجب صلاة الجمعة على المسافر والمقيم.

        تجب صلاة الجمعة على المقيم ولا تجب على المسافر إلا أن يكون عاصيا بسفره. ولا يشترط فى المسافر الذى سفره فى غير معصية أن يكون سفره مسافة قصر بشرط أن يكون فى حكم المسافر قبل الفجر أما من كان فى حكم المسافر بعد الفجر أى غادر بنيان بلده بعد الفجر ودخل بلد الجمعة فتجب عليه الجمعة.

 

هل تسقط الجمعة إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة.

        لا تسقط صلاة الجمعة بصلاة العيد إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة لأن صلاة العيد سنة مؤكدة أما صلاة الجمعة فهى فريضة محتمة والسنة لا تسقط الفريضة ولا تجزئ عنها لقوله تعالى ﴿يا أيها الذين ءامنوا إذا نودى للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون﴾ وهذا ما ذهب إليه جمهور فقهاء المسلمين من الحنفية والمالكية والشافعية ورواية عند الحنابلة. وذهب الحنابلة فى الرواية الأخرى أن من صلى العيد لا يطالب بصلاة الجمعة مطلقا وإنما يصلى الظهر.

 

ماذا يسن أن يفعل من أراد حضور صلاة الجمعة.

        قال رسول الله ﷺ من اغتسل يوم الجمعة واستن (أى استاك بالسواك) ومس من طيب إن كان عنده ولبس من أحسن ثيابه ثم خرج حتى يأتى المسجد ولم يتخط رقاب الناس ثم ركع ما شاء الله أن يركع وأنصت إذا خرج الإمام كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التى قبلها رواه الحاكم وأبو داود. وروى البخارى أن رسول الله ﷺ قال من جاء منكم الجمعة فليغتسل. فيستحب لمن أراد حضور صلاة الجمعة أن يغتسل غسل الجمعة ويقص شاربه بحيث تظهر حمرة شفتيه وأن يقلم أظافره إن طالت ينوى بذلك السنة اقتداء برسول الله ﷺ فقد روى البزار والطبرانى فى الأوسط عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله ﷺ كان يقلم أظفاره ويقص شاربه يوم الجمعة قبل أن يخرج إلى الصلاة. ويستحب له أن يحلق عانته والمراد بالعانة الشعر النابت فوق ذكر الرجل وحواليه وأن يلبس أحسن ثيابه وأفضلها البياض لقوله ﷺ عليكم بالبياض فإنها خير الثياب، أى أن الثياب البيضاء أحسن الثياب. ويستحب له أن يستاك فقد روى البخارى ومسلم أن رسول الله ﷺ كان إذا قام من الليل يشوص فاه أى يدلك فمه بالسواك، فهو سنة مؤكدة، والسواك يضاعف أجر الصلاة إلى السبعين لقوله ﷺ ركعتان بسواك خير من سبعين ركعة بغير سواك. ويستحب للرجل أن يتطيب وأطيب الطيب المسك أما المرأة فيكره لها أن تتطيب وتخرج من بيتها. ويستحب له أن يبكر إلى الصلاة فقد روى البخارى عن أنس رضى الله عنه أنه قال كنا نبكر بالجمعة ونقيل بعد الجمعة. ويستحب له أن يخرج من بيته برجله اليمنى وأن يقول بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله. وفى مسند أحمد وسنن ابن ماجه عن أبى سعيد الخدرى رضى الله عنه أنه قال قال رسول الله ﷺ إذا خرج الرجل من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إنى أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاى هذا فإنى لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة، خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك، أسألك أن تنقذنى من النار وأن تغفر لى ذنوبى إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له. وإذا ذهبت المرأة إلى المسجد وقالت هذا الدعاء كان لها ثواب ولها أن تعتكف فى المسجد. اللهم إنى أسألك بحق السائلين عليك أى متوسلا إليك فى قضاء الحاجة بما للسائلين عندك من الفضل الذى يستحقونه بمقتضى فضلك ووعدك وجودك وإحسانك يا الله. فإنى لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة أى ما خرجت ليرى الناس أننى إنسان معتن بالعبادة ولا للرياء ولا للبطر ولا للأشر، والبطر العجب والأشر الكبر. وهذا الحديث صريح فى جواز التوسل إلى الله تعالى بالأنبياء والصالحين. ويستحب أن يقرأ سورة الكهف لحديث الحاكم من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين، وأن يكثر من الصلاة على النبى ﷺ لحديث أكثروا من الصلاة على ليلة الجمعة ويوم الجمعة فمن صلى على صلاة صلى الله عليه بها عشرا رواه البيهقى ورواه بلفظ فمن فعل ذلك كنت له شهيدا أو شافعا يوم القيامة. ويسن أن يدخل المسجد برجله اليمنى ويقول بسم الله اللهم صل على سيدنا محمد ﷺ اللهم افتح لى أبواب رحمتك ويستحب له إذا دخل المسجد أن يصلى ركعتين قبل أن يجلس ينوى بهما تحية المسجد لحديث إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين رواه البخارى ومسلم. ويسن أن يخرج من المسجد برجله اليسرى ويقول اللهم صل على سيدنا محمد ﷺ اللهم إنى أسألك من فضلك

 

تكلم عن فضل التبكير لصلاة الجمعة.

        روى البيهقى من حديث أوس بن أوس أن رسول الله ﷺ قال من بكر فى يوم الجمعة وابتكر وغسل واغتسل ومشى ولم يركب وأنصت ولم يلغ كان له بكل خطوة يخطوها أجر سنة صيامها وقيامها، أى من النوافل. من بكر فى يوم الجمعة أى خرج فى أول النهار بعد الفجر لصلاة الجمعة، وابتكر أى فعل خيرا كأن قرأ القرءان أو ذكر الله أو علم علم الدين وهو أفضل، وغسل أى أمر زوجته بالغسل ليوم الجمعة، واغتسل أى غسل الجمعة وهو سنة مؤكدة وتركه بلا عذر يذهب أكثر ثواب الجمعة، ومشى أى لصلاة الجمعة ولم يركب، وأنصت أى للخطيب ولم يلغ أى لم يتكلم أثناء الخطبة فإن تكلم بلا عذر فلا ثواب له فى صلاة الجمعة لقوله ﷺ ومن لغا فلا جمعة له، ويحتمل أن يكون مراد الرسول ﷺ أنه يبقى له شىء من الثواب القليل. ويستحب له قبل الخطبة أن يشتغل بعبادة كصلاة أو ذكر أو تلاوة قرءان.

 

ما حكم الكلام أثناء خطبة الجمعة.

        يستحب الإنصات للخطيب ولا يحرم الكلام أثناء الخطبة بل يكره فمن تكلم أثناء الخطبة بلا عذر فلا ثواب له فى صلاة الجمعة وكذلك إذا تكلم خارج المسجد وكان قريبا منه قال رسول الله ﷺ مثل الذى يتكلم يوم الجمعة والخطيب يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارا رواه البيهقى. ويباح الكلام بلا كراهة قبل البدء بالخطبة وبعد انتهائها وبين الخطبتين. ولا تكره الصلاة على النبى عند ذكر اسمه ﷺ أثناء الخطبة بل تشرع.

 

ماذا يستحب للمسلم أن يقول عند الدخول إلى المسجد والخروج منه.

        يستحب له أن يخلص نيته ويقدم رجله اليمنى فى الدخول ويقول بسم الله الحمد لله اللهم صل وسلم على محمد وعلى ءال محمد اللهم اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب رحمتك أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. ويستحب له أن يقدم رجله اليسرى فى الخروج ويقول بسم الله الحمد لله اللهم صل وسلم على محمد وعلى ءال محمد اللهم اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب فضلك اللهم أعذنى من الشيطان الرجيم.

 

ماذا يستحب للمسلم أن يفعل إذا دخل المسجد.

        يستحب لمن دخل المسجد أن يصلى ركعتى تحية المسجد قبل أن يجلس وينبغى للجالس فى المسجد أن ينوى الاعتكاف فى المسجد وأن يكثر فيه من ذكر الله وقراءة القرءان وأن يتدارس العلوم الدينية ولا يجوز له أن يشوش على المصلين أو على من يدرس علم الدين.

 

   قال المؤلف رحمه الله: فصل.

   الشرح أن هذا فصل معقود لبيان شروط الاقتداء (لبيان الشروط التي لا بد منها لصحة اقتداء المأموم بالإمام).

 

   قال المؤلف رحمه الله: ويجب على كل من صلى مقتديا (بغيره) في جمعة أو غيرها أن لا يتقدم (المأموم) على إمامه في الموقف (أي في المكان الذي يقف فيه المقصود أن يكون المأموم متأخرا عن الإمام في الموقف بحيث يكون القدر الذي يلاقي الأرض من مؤخر القدم من رجل المأموم متأخرا عما يلاقي الأرض من مؤخر رجل الإمام ولا تبطل مساواته فيه لكن تكره) و (أن لا يتقدم على إمامه في تكبيرة) الإحرام (فيجب تأخير جميع تكبيرة المأموم عن جميع تكبيرة الإمام) بل تبطل المقارنة (أي تمنع من الانعقاد يعني في الأصل ما انعقدت إذا كانت) في الإحرام وتكره (المقارنة) في غيره (أي في غير الإحرام من الأفعال وتفوت بها فضيلة الجماعة إذا قارن المأموم الإمام فيها لا تبطل صلاته إنما تفوته فضيلة الجماعة) إلا التأمين (أي قول ءامين عقب الفاتحة فيسن للمأموم أن يقارن الإمام فيه. الإمام والمأموم ينتظران بقدر سبحان الله ثم يقولان ءامين).

   الشرح يجب على من أراد الصلاة مقتديا بغيره سواء كان في جمعة أو غيرها أن يراعي شروط الاقتداء في إمامه الذي يريد الاقتداء به وهي ستة

   الأول أن لا يعلم (يعني بيقين) بطلان صلاته فإن علم بطلان صلاته بحدث أو غيره كأن علم على ثوبه نجاسة غير معفو عنها واقتدى به فسدت صلاته لتلاعبه.

   والثاني أن لا يظن (أي أن لا يغلب على ظنه) البطلان فلو اجتهد اثنان في القبلة فاختلف اجتهادهما فليس لأحدهما أن يقتدي بالآخر فإن اقتدى أحدهما بالآخر بطلت صلاة المقتدي (لا هذا متيقن، ولا هذا متيقن، ولكن هذا يغلب على ظنه أن القبلة إلى اتجاه معين، والآخر يغلب على ظنه أن القبلة إلى اتجاه آخر، فالمقتدي يغلب على ظنه أن الإمام مخطئ، فلا يصح أن يقتدي به. هو ليس متيقنا، لأنه لا هو يرى الكعبة، ولا ذاك يرى الكعبة، ولا هو يعتمد على قول من يرى الكعبة، ولا ذاك يعتمد على قول من يرى الكعبة، إنما كل منهما بالاجتهاد. مع ذلك، وإن كان ليس متيقنا، لا يصح الاقتداء به، لأنه غلب على ظنه أن صلاة الإمام بالنسبة إليه هو فقدت شرطا، وهو استقبال القبلة. اتجاه الإمام ليس صحيحا بالنسبة إليه. لذلك يقولون إذا اختلف اجتهاد اثنين في القبلة، فلا يقتدي أحدهما بالآخر).

   والثالث أن لا يعتقد (المأموم المتوضئ) وجوب القضاء عليه (أي على الإمام) كمتيمم لفقد ماء بمحل يغلب فيه وجوده فلا يصح أن يقتدي بمن علمه متيمما لفقد الماء في هذا المحل لأنه لا بد له (أي للإمام) من القضاء، ومثله من كان وضع جبيرة على موضع التيمم.

   والرابع أن لا يشك في كونه مأموما أو إماما فيحرم الاقتداء بمن شك فيه هل هو إمام أو مأموم (مثلا، واحد بعيد عن الإمام، وشك من الإمام في هذه الجماعة هذا أم هذا؟ شك بين اثنين أيهما الإمام، فقال في قلبه أنا أقتدي بهذا، اختار واحدا من غير أن يعلم يقينا أنه الإمام، هو يشك، لكن اختاره، واقتدى به مع شكه في كونه إماما أو مأموما، فهنا لا تصح. انتبهوا ولا تخلطوا بين مسألتين واحد دخل المسجد لا يرى الإمام، فنوى الائتمام بالإمام الذي يقوم بالمصلين، فهنا صحت. كلامنا ليس في هذه، إنما كلامنا في واحد عينه هو، ثم قال هل هذا هو الإمام أم لا؟ فنوى الاقتداء به مع شكه هل هو الإمام أم لا؟ هذا الذي لا يصح. أما لو دخل المسجد أو أتى إلى جمع كبير من الناس لا يرى الإمام، فوقف في الصف ونوى الائتمام بالإمام الذي يؤم الصلاة، فهنا صحت) وبالأولى إن علم أنه مأموم (وهو الآن يقتدي به، فهنا لا تصح. أما إن علم أنه كان مأموما في أول هذه الصلاة التي يصليها، أما الآن هو ليس مأموما، صحت القدوة، ولكن مكروه) وهذا إن كان اقتدى به قبل انقضاء صلاة إمامه أما بعد انتهاء صلاة الإمام فإن اقتدى بمن كان مأموما مسبوقا صحت قدوته مع الكراهة إن علم بالحال، فلو رأى اثنين وشك أيهما الإمام لم يصح الاقتداء بأحدهما ولو اجتهد في ذلك.

   والخامس أن لا يكون أميا (أي) لا يحسن (قراءة) الفاتحة كأن يعجز عن حرف من حروف الفاتحة أو عن إخراجه من مخرجه (ليس المراد بالأمي هنا من لا يعرف قراءة المكتوب، إنما هنا الأمي المراد به الذي لا يحسن الفاتحة، ولو كان عجزه عن حرف واحد منها. لو كان يعجز عن حرف واحد من الفاتحة، لا يقتدي به إلا من كان يعجز عن نفس الحرف الذي هو يعجز عنه. أما إن كان يعجز واحد عن حرف، والآخر يعجز عن حرف آخر، لا يقتدي أحدهما بالآخر. هذا الذي يعجز، لا يقرأ على الغلط. لما نقول يعجز ويقتدي به من كان مثله، ليس معناه يقرأ مع الغلط، لا، إنما الآية التي يعجز عنها، يقرأ بدلها من القرءان آية أخرى يحسنها في مكانها. إذا كان يعجز عن الحاء مثلا، لا يستطيع أن يقول الحمد لله، لا يقول “رب العالمين” فقط، إنما يقرأ بدل الآية آية أخرى).

   والسادس أن لا يقتدي الذكر بالمرأة والخنثى المشكل (لأنه لا يصح قدوة رجل بامرأة. أما الخنثى المشكل هو الذي له ءالة الذكور وءالة الإناث ولم يتبين بعلامة كونه ذكرا في الحقيقة أو كونه أنثى. فإذا بال الخنثى بالذكر فقط ولم يبل بالفرج هذا صار خنثى واضحا أنه ذكر، لكن إذا بال من ذكره وحاض من فرجه فهذا يقال له خنثى مشكل).

   تنبيه المرأة يصح أن تقتدي برجل وخنثى وامرأة، وأما الخنثى فيقتدي بالرجل دون المرأة.

   وقول المؤلف «أن لا يتقدم على إمامه في الموقف والإحرام بل تبطل المقارنة في الإحرام وتكره في غيره إلا التأمين» فيه ذكر أمور من الشروط. الأول منها أن لا يتقدم على إمامه في الموقف (معناه يقف خلف الإمام، فإذا تقدم عقب الـمأموم على عقب الإمام فإن صلاته لا تصح عند الإمام الشافعي، وتصح في مذهب الإمام مالك رضي الله عنه) والعبرة بالتقدم بعقب الرجل في القائم المعتمد عليها (وبألية القاعد وبجنب المضطجع، وإن كانا يصليان مستلقيين فالعبرة بالرأس. وقول المؤلف رحمه الله والعبرة بالتقدم بعقب الرجل في القائم المعتمد عليها، أي إذا كان يعتمد على قدمه كلها، ليس إذا كان يعتمد على جزء منها. أحيانا، لأمر ما، لا يكون اعتماده على كل قدمه، إنما قد يعتمد على رؤوس أصابعه، فعند ذلك تكون العبرة فيما يعتمد عليه. فلذلك قال المؤلف رحمه الله والعبرة بالتقدم بعقب الرجل في القائم المعتمد عليها) فإن تقدم بعقبه على الإمام لم تصح صلاته، والثاني المتابعة له في التحرم فيجب أن لا يتقدم عليه بتكبيرة الإحرام بل تبطل المقارنة للإمام يقينا أو شكا بالإحرام فيجب تأخير جميع تكبيرة المأموم عن جميع تكبيرة الإمام (أي لا يصح أن يكبر تكبيرة الإحرام قبل تكبيرة الإمام، فلو لم ينه الإمام التكبيرة والـمأموم بدأ بها لم يصح. بعد أن يقول الإمام الراء من كلمة “الله أكبر” يكبر الـمأموم لقوله ﷺ إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا. رواه البخاري وأبو داود). وأما المقارنة في غيره من سائر الأفعال فمكروهة (أي المقارنة في غير ذلك من أفعال الصلاة مكروهة، يعني إذا ركع معه ورفع معه، ما انتظر حتى يرفع ليرفع، وإنما قارنه في الركوع وقارنه في الرفع وقارنه في السجود، فهذا مكروه) وتفوت بها فضيلة الجماعة (أي الثواب الزائد يفوته) ويستثنى مما ذكر التأمين أي قول ءامين فالأفضل فيه المقارنة أي لا يسبقه ولا يتأخر عنه. (معناه يسن للمأموم أن يقارن الإمام في قول ءامين. أي بعد أن يلفظ الإمام النون من كلمة {ولا الضالين} ويبدأ بقول ءامين، المأموم يقول معه. ومعنى ءامين: رب استجب، وهي كلمة عربية فصيحة، كان الرسول ﷺ يقولها بعد الفاتحة)

مسألة: إذا تقدم المأموم على إمامه في التسليمة الأولى فسدت صلاته، أما لو قارنه فيها فلا تفسد، لكن يكره ذلك.

 

   قال المؤلف رحمه الله: ويحرم (على المأموم) تقدمه (على الإمام) بركن فعلي (تام ولا تبطل الصلاة بذلك، كأن ركع المأموم ثم اعتدل والإمام لا زال قائما لم يركع بعد، هنا تقدم المأموم على الإمام بركن فعلي تام، أما لو ركع فقط فالفقهاء يقولون هذا تقدم ببعض الركن فوقع في الكراهة).

   الشرح من أحكام الجماعة أن لا يتقدم المأموم على الإمام بركن فعلي فتقدم المأموم على الإمام بركن فعلي كالركوع والسجود حرام وهو من الكبائر (لكن لا يبطل الصلاة). ومعنى السبق بركن فعلي أن يكون الإمام في القيام فيسبقه المأموم فيركع ثم يرفع رأسه فهذا حرام من الكبائر (لأنه ورد في الحديث الصحيح أن النبي ﷺ قال أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحول الله صورته صورة حمار. رواه البخاري ومسلم. المعنى أن هذا الذي يركع والإمام في القيام ثم يرفع رأسه والإمام بعد قائم يستحق أن يحول الله رأسه رأس حمار لعظم ذنبه، ومثله الذي يسجد والإمام في الاعتدال قائم فيرفع رأسه من السجدة والإمام قائم فهذا أيضا من الكبائر) ولا تبطل الصلاة بذلك فلو سبق الإمام ببعض الركن لا بكله كأن ركع والإمام قائم فانتظر في الركوع حتى ركع الإمام فهو مكروه (ومثله الذي يسجد والإمام قائم في الاعتدال ثم ينتظر الإمام في السجود حتى يضع الإمام جبهته بالأرض ثم يرفع رأسه مع الإمام، فهذا إن تعمد مكروه).

فائدة: إذا سبق المأموم الإمام في الركوع لأنه ظن أن الإمام ركع فركع، فله أن يرجع ليتبعه.

   قال المؤلف رحمه الله: وتبطل الصلاة بالتقدم على الإمام بركنين فعليين متواليين (أي خلف بعضهما، واحد يلي الآخر) طويلين أو طويل وقصير بلا عذر. (صورة المسألة على النحو التالي: الإمام قائم، والمأموم قائم، فيسبق المأموم الإمام، فيركع، ثم يرفع من الركوع، فإلى هنا يكون سبقه بركن واحد، والإمام بعد قائم. ثم يعتدل المأموم، فيكون المأموم هنا وصل إلى الركن الثاني. فإذا ترك المأموم الاعتدال وهوى إلى السجود، والإمام بعد قائم، فهنا يكون سبقه بركنين، فبطلت صلاته، لأنه أنهى كل الركوع، وأنهى كل الاعتدال، والإمام بعد في القراءة التي قبلهما، ففرغ المأموم من ركنين قبل الإمام، فلذلك بطلت صلاته)

   الشرح ذلك كأن يركع المأموم ويعتدل ويهوي للسجود والإمام قائم، ومثله أن يركع المأموم قبل الإمام فلما أراد أن يركع رفع فلما أراد أن يرفع سجد فلم يجتمع معه في ركوع ولا اعتدال فهذا أيضا تقدم على الإمام بركنين فعليين.

 

   قال المؤلف رحمه الله: وكذا (يبطل الصلاة) التأخر (أي تأخر المأموم) عنه (أي عن الإمام) بهما (أي بركنين فعليين متواليين طويلين أو طويل وقصير إذا كان ذلك) بغير عذر (كأن رفع الإمام رأسه من الركوع واعتدل وبدأ بالهوي للسجود والمأموم بعد قائم لم يركع بلا عذر بطلت صلاته).

   الشرح لو رفع الإمام رأسه من الركوع واعتدل وبدأ بالهوي للسجود والمأموم بعد قائم لم يركع بلا عذر فهذا تأخر عن الإمام بركنين فعليين وهو مبطل (هنا المسألة بالعكس، المأموم ما سبق الإمام، إنما تأخر عن الإمام. فإن تأخر عن الإمام بركنين فعليين لغير عذر، بطلت صلاته. كيف يتأخر عنه بركنين فعليين؟ الإمام يقرأ الفاتحة، والمأموم يقرأ الفاتحة، أنهى الإمام الفاتحة، أنهى المأموم الفاتحة. ركع الإمام، ما ركع المأموم، وهو ذاكر أنه مؤتم به، ليس أنه نسي. ما ركع، لا يريد أن يركع خلفه الآن. فرفع الإمام من الركوع، والمأموم بعد ما ركع، فهنا الإمام سبق المأموم بركن كامل، وصار الإمام في الركن الثاني. إلى هنا يكون الإمام سبق المأموم بركن وبعض الركن. فإذا ترك الإمام الاعتدال وهوى للسجود، فهنا يكون قد سبق الإمام المأموم بركنين فعليين كاملين، والمأموم بغير عذر بعد قائم ما ركع، فهنا بطلت صلاة المأموم).

والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/hJPaCRI9nnk

للاستماع إلى الدرس: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-18