الأحد ديسمبر 22, 2024

#18 سيدنا محمد رسول الله ﷺ

تكلمنا في الحلقة السابقة عن غزوة أحُد، وحديثنا الآن عن غزوة حمْراءِ الأسد، وهي مَوضِعٌ على ثمانيةِ أميالٍ من المدينة عن يسارِ الطريقِ إذا أردْتَ الحُلَيْفة، سار النبيُّ ثاني يومٍ من أُحُد ونادى مناديه بطلبِ العدو وأن لا يخرج معنا أحد إلا من حَضَر يومنا بالأمس، وأذِنَ لجابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام فخرج وكان تخَلَف عن أحد لوصيةِ أبيه له، واستخلف على المدينة ابنَ أمِّ مكتوم وسار حتى وصل بحمراءِ الأسد ودَفَع لواءَه وهو معقودٌ ولم يُحَلَّ إلى عليٍّ أو إلى أبي بكرٍ إظهارًا للقوة وإرهابًا للعدو ولئلا يظنوا بالمسلمين الوَهَن، فأقام بها ثلاثًا وكان يُوْقِدُ كل ليلةٍ خمسمائةٍ نارٍ حتى تُرى من البُعد، وذهب صوْب معسكرهم ونيرانُهم في كل وجه، وغاب خمسًا ثم رجع إلى المدينةِ يومَ الجمعة ومرَّ به هناك معبدُ بن أبي معْبَدٍ الخُزاعي، وهو مُشْرِكٌ يومئذٍ قال: يا محمد قد عزَّ علينا ما أصابَك في أصحابِك وَوِدْنَا أن الله عافاك فيهم، وتوجه فلقيَ أبا سفيان ومن معه بالرَوْحاء وقد أجمعوا الرُجْعَةَ إلى المسلمين فقالوا: ما وراءَك قال: محمدٌ خرج في أصحابه يطلبُكُم في جَمْعٍ لم أر مثله قط يتحرقون عليكم تحرقًا وبهم من الحَنَقِ عليكم ما لم أرَ مثله، قال: لقد أجمعنا الكَرَةَ عليهم لنسْتَأَصِلَ بقيتَهُم قال: فإني أنْهاك فلا أرى أن ترحلَ حتى ترى نواصيَ الخيل، يعني أنهاك عن قتالهم وانسحب راجعا إلى مكة قبل أن ترى نواصيَ خيلهم، فثَنَى ذلك أبا سفيان عن الرُجْعَةِ ورَجَع. وفي السنة الرابعة من الهجرة كانت سَريّةُ الْمُنذرِ بنِ عمرو إلى بئر مَعونة لبني عامرَ بنِ صَعْصَعةَ في صفر ومعهم القراء وهم سبعون وباءوا بتلك الفاجعة أي الرزيّةِ الْمُؤلمة وهي أن عامر بنَ الطُفَيْل خرج بقومه فقتل القراء جميعًا إلا كعبَ بنَ زيد وعمروَ بنَ أمية، ودعا النبيُ عليهم في صلاته شهرًا، وفيها كانت غزوة بني النَضِير في ربيعٍ الأول سنة أربعٍ على رأس سبعةٍ وثلاثينَ شهرًا من هجرته عليه السلام. وفي يوم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه الكرام بينهم أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم وغيرهم للذهاب معه حيث يقيم يهود بني النضير. ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير وأخبرهم حاجته قالوا وهم يظهرون البشاشة ويضمرون الحقد والكيد: نعم يا أبا القاسم نعينك ما أحببت بما طلبته منا، استرح إلى هذا الجدار وأمهلنا قليلا حتى نأتي بما تريد، وجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتفيء إلى الجدار وحوله أصحابه الكرام ينتظرون ما وعدوا به، أما بنو النضير اليهود فسرعان ما ألف الشر بين جموعهم داخل بيوتهم وأقبلوا على بعضهم يتآمرون ويحض بعضهم بعضا على الكيد برسول الله غير مبالين بما أعطوه من وعود وعهود بعدم إيذائه. وفكروا سريعا وتناقشوا فقد اعتبروا هذا الأمر فرصة ذهبية لهم إذ ليس مع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة كثيرة وأصحابه الذين معه لم يحملوا سلاحهم وقالوا لئن قتلتموه لتستريحن وتستريح العرب من هم ناصب ولئن أفلت منكم اليوم فلن تنتصروا عليه أبدا. من منكم يقوم في قتله؟ فقام خبيث منهم يأكل الغيظُ قلبَه واسمه عمرو بنُ جِحاش وقال أنا لذلك، فنزل سيدنا جبريل عليه السلام وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بكيدهم فقام الرسول فانصرف مع أصحابه فصعد عمرو إلى سطح الدار الذي كان يتفيء رسول الله صلى الله عليه وسلم عند جدارها وحمل صخرة كبيرة ليرميها عليه لكنه وجد الرسول وأصحابه قد انصرفوا فخاب كيد المجرمين وكان واحد من بني النضير واسمه سلامُ بنُ مَشْكَم قد نهاهم عن الغدر بالنبي لأن هذا نقض للعهد معه فلم يبالوا بكلامه ثم أمر النبي أحد صحابته الأجلاء وهو محمد بن سلامة الأنصاري بأن يذهب مع جماعة وينذر بني النضير بالخروج من ديارهم وترك أوطانهم وإلا فالحرب وسيلاقون قتالا شديدا. أدرك بنو النضير عاقبة فعلتهم وقاموا ليتهيأوا للخروج فقد أحسوا بخطورة الوضع إلا أن رأس المنافقين في المدينة المنورة عبد الله بن أبي بن سلول أتاهم خادعا إياهم يثبتهم ويحرضهم على عدم الخروج ويعدهم بأنه سينصرهم وجماعته ويدافع عنهم، فقويت عند ذلك نفوسهم الخبيثة وأرسل زعيمهم حيي بن أخطب إلى النبي يخبره أنهم لن يتركوا أرضهم وهم مستعدون لقتاله وقتال أصحابه فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنادهم وتكبرهم تهيأ لحربهم وأمر المسلمين بالخروج إليهم وسار حتى نزل بهم فحاصرهم ست ليال وأمر بقطع نخيلهم وإحراقه لإظهار قوة المسلمين وإرعاب الكافرين واستعد هو وأصحابه صلى الله عليه وسلم للهجوم الأخير وعندما رأى المنافقون ما يحل ببني النضير تراجعوا عن وعدهم ونصرهم وولوا الأدبار وقالوا لا طاقة لنا بقتال محمد، وألقى الله تعالى الرعب في قلوب اليهود وخرج فرسانهم فأوقع بهم سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ضربا وطعنا مع أصحاب له وقتل زعيمهم ثم قام الزبير بن العوام رضي الله عنه باللحاق بمن هرب منهم وأجهز عليهم ثم شدد المسلمون الحصار على اليهود فارتعبوا وخافوا ولما علا لهيب النيران التي تحرق نخيلهم لم تعد لديهم ركب تحملهم فاستسلموا واستسلم زعيمهم حيي بن أخطب فأمرهم رسول الله بأن يخرجوا بأمان ويأخذوا ما حملت إبلهم من أموال إلا السلاح فخرج اليهود مذلولين منكسرين متوجهين إلى خيبر بعد أن حوصروا وخاب مكرهم وخاب معهم المنافقون الذين كانوا يظهرون الإسلام بألسنتهم وقلوبهم على خلاف ذلك. وانتصر رسول الله صلى الله عليه وسلم بفضل الله ومنه وارتفعت راية التوحيد خفاقة في الأعالي وكان من نتائج انتصار المسلمين أن أسلم اثنان من بني النضير هما سعد بن وهب ويامين بن عمير بن كعب الذي أرسل شخصا قتل ذاك اليهودي الذي حاول رمي الحجر على رسول الله وقتله. وهكذا ورغم كثرة أعداء الإسلام وكثرة ما يحاك من المؤامرات ضد هذا الدين الحنيف نصر الله المسلمين على أعدائهم وكانت كلمة الله هي العليا.  ولما حان وقت تقسيم الغنائم دعا رسول الله الأنصار من أهل المدينة ثم حمد الله وأثنى عليه وذكر محاسنهم وكيف أنهم أسكنوا المهاجرين في بيوتهم وأشركوهم في أعمالهم بكل طيب نفس وطاعة لله ولرسوله. ثم خيرهم بين قسمة الغنائم بينهم وبين المهاجرين ويبقى المهاجرون في بيوت الأنصار أو أن يأخذ المهاجرون الغنائم ويخرجوا من بيوت الأنصار، فظهرت المحبة الصادقة والأخوة الطيبة بين المؤمنين فتكلم سعد بن عبادة وسعد بن معاذ فقالا: يا رسول الله بل تَقسم بين المهاجرين ويكونون في دورنا كما كانوا. ونادى الأنصار من خلفهم رضينا وسلّمنا يا رسول الله. فقال الرسول اللهم ارحم الأنصار وأبناء الأنصار. وفي السنة الرابعة أيضا كانت غزوةُ ذات الرِقاع وكانت بعد غزوة بني النضير. وفي السنة الرابعةِ للهجرة نَزل تحريمُ الخمر. و في العام الخامس نزلت ءايُ الحِجاب، وفيه كان الخُسوف، وصلى النبي صلى الله عليه وسلم لخسوفِ القمر صلاتَه على الكيفيةِ المشهورة، وفيها كانت  غزوة الخندق أي الأحزاب وكان من خبرها أن نفرا من اليهود من زعماء بني النضير الذين أجلاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة خرجوا حتى قدموا مكة ودعوا المشركين من قريش إلى حرب رسول الله والمسلمين وتواعدوا لذلك. ثم خرج اليهود حتى جاءوا إلى قبائل العرب من المشركين ودعوهم إلى ما دعوا إليه قريشا من قتال الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمين في المدينة، وتم لهم مع هؤلاء جميعيا تواعد في الزمان والمكان لحرب الرسول في المدينة المنورة. ووصل الخبر إلى الرسول فجمع أصحابه وأخبرهم بخبر العدو وشاورهم في الأمر فأشار عليه سلمان الفارسي بحفر الخندق فأعجب الرسول بذلك صلى الله عليه وسلم. وخرج النبي عليه الصلاة والسلام مع صحابته من المدينة وعسكر بهم في سفح جبل جعلوه خلفهم. ثم هب المسلمون جميعا ومعهم الرسول صلى الله عليه وسلم  يحفرون هذا الخندق بينهم وبين عدوهم، وكان عدد المسلمين ثلاثة ءالاف وعدد ما اجتمع من مشركي قريش والأحزاب الكافرة حوالي عشرة ءالاف. وصار الرسول صلى الله عليه وسلم يعمل بكد وتعب مع أصحابه ويشجعهم على حفر هذا الخندق وأخذ ينقل التراب مع الصحابة حتى غطى التراب جلدة بطنه. ثم إن أصحاب الرسول الله صلى الله عليه وسلم من مهاجرين وأنصار صاروا يرددون: نحن الذين بايعوا محمدا على الجهاد ما بقينا أبدا. وعندما يسمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا النداء كان يجيبهم وهو الرءوف الرحيم بأمته اللهم إنه لا خير إلا خير الآخرة فبارك في الأنصار والمهاجرة. ثم تابع صلى الله عليه وسلم حفر الخندق مع أصحابه حول المدينة وبطنه معصوب بحجر من الجوع، فرأى الصحابي جابر بن عبد الله هذا المشهد فهب مسرعا إلى بيته عله يقدم شيئا للرسول وأصحابه، وطلب من زوجته أن تحضر له طعاما ففعلت، وعندما قارب الطعام القليل أن ينضج، ذهب جابر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له قم أنت يا رسول الله ورجل أو رجلان وأخبره بما صنع من طعام. وفي بيت جابر ظهرت معجزة عظيمة باهرة من المعجزات الكثيرة التي أيد الله بها نبيه إذ نادى الرسول في المهاجرين والأنصار وهو يقول لهم: قوموا، ويخبرهم بأن جابرا صنع طعاما، ويسرع جابر إلى امرأته ويقول لها جاء النبي صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والأنصار ومن معهم فتقول له: هل سألك كم طعامك فيقول لها: نعم، فتقول له: الله ورسوله أعلم.  فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الصحابة إلى بيت جابر وأخذ يكسر الخبز ويجعل اللحم ثم يغطي القدر الذي فيه الطعام وهو على النار، ثم صار يأخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم ينزع وهكذا ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يكسر الخبز ويغرف ويعطي أصحابه حتى شبعوا كلهم وبقي بقية من الطعام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة جابر: كلي هذا وأهدي فإن الناس أصابتهم مجاعة. رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه من بيت جابر ليتابعوا ما بدأوا  به من حفر هذا الخندق، ولما انتهوا من حفره وصل المشركون ومن معهم من الأحزاب وفوجئوا بهذا الخندق العظيم يحول بينهم وبين المدينة فعسكروا حوله يحاصرون المسلمين والغيظ يملأ قلوبهم. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل رجلا كان مشركا ثم أسلم ليفرق ما بين اليهود الذين نقضوا العهد وبين بقية الأحزاب المجتمعة لحرب الرسول والمسلمين على بعض، وحتى ينزع الثقة مما بينهم، وتم ذلك بمشيئة الله الواحد القهار، وحذر الكفار بعضُهم من بعض وأصبح كل فريق منهم يتهم الآخر بالغدر والخيانة.  والذي حصل أنّ نُعيْمَ بنَ مسعود الأشْجَعيَ أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني أسلَمْتُ ولم يعلم قومي بإسلامي فمُرْني بما شِئت قال: “إنما أنت فينا رجلٌ واحد فخُذْ عنا ما استطعت فإن الحربَ خُدْعة” فأتى بني قريظة وكان لهم نَديمًا فقال: قد عَرَفْتم وُدي إياكم وخاصةً ما بيني وبينكم قالوا: صدقْتَ، قال: إن قريشًا وغَطفانَ ليسوا كأنتم، البلدُ بلدكم وبه مالُكم ونساؤكم وأبناؤكم لا تَقْدِرون أن تتحولوا منه، وقريشٌ وغطفانُ بلدهم ونساؤهم بغيره فإن رأوْا نهْزةً أصابوها وإلا لحِقوا ببلادهم وخلَّوا بينكم وبين محمد ولا طاقةَ لكم به إن خلَا بكم، فلا تُقَاتِلوا معهم حتى تأخذوا رهْنًا من أشرافهم قالوا: أشرْتَ بالرأي، ثم أتى قريشًا فقال لأبي سفيان [ومن معه]: عرفتم ودي لكم وقد بلغني أمْرٌ رأيت أن أُبَلِغَكُمُوه نُصْحًا لكم فاكتُموا، تعلمون أن معشر يهود ندِموا على ما صنعوا بينهم وبين محمد وأرسلوا إليه إنا نَدِمْنا أفيُرْضِيك أن نأخذ لك من قريشٍ وغطفان رجالًا  من أشرافهم فنُعطيك إياهم فتَضربْ أعناقَهم ثم نكونَ معك على من بقيِ منهم. فلا تدْفَعوا لليهودِ رجلًا واحدًا، ثم أتى غطفانَ فقال: إنكم أصلي وعشيرتي ولا أراكم تتَهِموني، ثم ذكر مثلَ ما قال لقريشٍ وحذرهم، فأرسل أبو سفيانَ ورءوس غطفان إلى بني قُرَيْظة: إنا لسنا بدار مُقامٍ هلكَ الخُفُ والحافرُ فأعدوا للقتال لنُنَاجِزَ محمدًا قالوا: اليومَ السبتُ ولا نعملُ فيه ومع ذلك لا نُقاتل حتى تعطونا رهنًا من رجالكم فإنا نخشى إن أضْرَمْتُم الحرب أن تُشَمِروا إلى بلادكم وتتركونا والرجل أي محمدًا ببلادنا ولا طاقة لنا به، فقالوا: صَدَقَنَا نُعَيْم فرَدوا إليهم: لا نعطيكم من رجالنا أبدًا فاخرجوا معنا وإلا فلا عهدَ بيننا وبينكم، فقال بنو قُرَيْظة: صدقَ نُعَيْم، وخذل الله بينهم وبعث الله ريِحًا عاصفًا فجعلت تُقَلِّب ءانِيَتَهُم وتُكْفِئ قدورهم ليلًا ، فلما وصل إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم اختلافهم بعث حُذَيْفةُ بنُ اليمان ليلًا ليأتيَه بخبرهم فشقَ عليه ذلك حتى قال المصطفى: “قُم يحفظك الله من أمامك ومن خلفك وعن يمينك وعن شمالك حتى ترْجِع إلينا”، فأتاهم واستتر في غَمارِهم وسمِع أبا سفيانَ يقول: ليتعرف كل منكم جليسَه قال حُذَيْفة: فأخذتُ بيد جليسي فقلت: من أنت؟ قال: فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشرَ قريش ما أصبحتم بدارِ مُقامٍ وقد هلَكَ الكُرَاعُ والخُفُ وأخلَفَتْنا بنو قُريْظة وبلغنا عنهم ما نكره ولقينا من هذه الريح ما تروْن لا يثبت لنا قِدْرٌ ولا تقوم لنا نارٌ فارتحِلوا فإني مُرْتَحِل، ووَثَبَ على جَمَلِه فما حلَّ عِقَالَه إلا وهو قائم، قال حذيفة: ولولا عهدُ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليّ أن لا أُحْدِث شيئًا لقتلته بسَهْم. ثم أتيته عليه الصلاة والسلام فوجدته قائمًا يصلي فأخبرته لما سلَم فحمِد الله، وسمِعَتْ غطفانُ بما فعلت قريش فاستمروا راجعين في صباح اليوم الثاني وقد خاب أملهم في قتال الرسول وأصحابِه وعاد الرسول صلى الله عليه وسلم وكله ثقة بالله تعالى المدبرِ لكل شيء منتصرا مع أصحابه إلى المدينة، وقد كفاهم الله شر هؤلاء الأحزاب الكافرين من مشركي قريش واليهود.. وأقام المصطفى عليه السلام بالخندق أربعة أو خمسة عشر يومًا ورجَع إلى المدينة لسبعٍ بقينَ من ذي القِعدة وقال: “لن يغزوَكُم قريشٌ بعد عامِهم هذا ولكنكم تَغْزُونَهُم” فكان كذلك. ثم بعد الخندق فورا حارب رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني قريظة الذين نقضوا العهد وغدروا بالمسلمين فحاصرهم في حصونهم ثم قهرهم واستولى على حصونهم وأراضيهم التي كانت حول المدينة، وبذلك زال خطرهم وانقطع ضررهم وخلت تلك البقاع من أدرانهم وخبثهم.