الأحد ديسمبر 22, 2024

#18 أحكام التيمم

الحمد لله على نعمِهِ الوفيرة والصلاةُ والسلام على سيدِنا محمدٍ صاحبِ الخيراتِ الغزيرة وعلى ءاله وأصحابه إلى يوم الحسَراتِ الكثيرة أما بعد فإن مَنْ لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ أَو كانَ يَضُرُّهُ الْمَاءُ تَيَمَّمَ. وقولنا “ومن لم يجد الماء” يُفهِم أَنَّ مَن تيمَّمَ لأجلِ أنَّه ليس معَه ماء من غيرِ بَحثٍ لا يَصِحُ تَيَمُّمُهُ. فَمَن بَحَثَ عَنِ الماءِ وَلَمْ يَجِدْهُ، عِنْدَ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ فإن كان يعلمُ بوجودِ الماءِ فى ضمن حد القرب وهو نصف فرسخ وجب عليه قصده، وإن لم يَعْلَمْ بذلك وجب عليه أن يطلبَ الماءَ بالنظر فى الجهات الأربعة إن كان فى أرضٍ مستوية، وإلا فبالبحثِ فى ضمنِ حدِ الغوث أى بالتوجه إلى كل جهة مسافة ثلاثمائةِ ذراعٍ تقريبًا فإن لم يجدِ الماءَ فله أن يتيممَ عندئذ. وكذا لو وَجَدَ الماء لكن كان استعمالُ الماء يَضُرُّهُ، كأنْ كان يُسَبّبُ له الموتَ مثلًا، أو تَلَفَ عُضْوٍ من أعضائِه، أو تَطُولُ بسَبَبِ ذلك مُدّةُ مَرَضِهِ؛ أو يصيرُ عندَهُ عيبٌ ظاهرٌ فى عُضوٍ ظاهر من أعضائِه كالوجه واليدين، فعند ذلك يجوزُ له أَنْ يَتَيَمَّمَ ولو كان مَعَهُ ماء.

ولا بُدَّ أَنْ يكونَ التيَمُّمُ للصلاة بعدَ دخولِ وقتِ هذه الصلاة. فمَن تيمَّمَ مثلًا لصلاةِ الظهرِ قَبْلَ دُخُولِ وقتِ الظهر لا يصحُّ تَيَمُّمُهُ. وكذا لا بُدَّ أَنْ يكونَ التيَمُّمُ للصلاة بعد زَوَالِ النجاسَةِ التى لا يُعْفَى عنها. فإذا كان شخص معَه شىءٌ قليلٌ مِنَ الماء، وعلى بَدَنِهِ نجاسة لا يُعْفَى عنها، وكان هذا الماءُ يكفيه إما لإزالةِ النجاسةِ وإما للوضوءِ ولا يكفيهِ للأمرين، فإنه عند ذلك يُزِيلُ النجاسةَ ثم يتيمَّمُ إِنْ لم يَجِدِ الماء. فإنِ لَم يكن عنده ماءٌ بالمرة ليُزيلَ النجاسة فإنه يُخَفّـِفُهَا إن استطاعَ بشىءٍ ما ثم يتيمم، وإلا تيمَّم وهو على حالِهِ.

و التيمُّمُ لا يَصِحُّ إلا بترابٍ له غبار، فلا يَصِحُّ بالصَّخْرِ لأنه ليس تُرابًا؛ ولا يصح بِرَمْلِ البحر لأنَّ رَمْلَ البحر ليس له غبار. ولا بُدَّ أن يكون هذا الترابُ خالصًا غيرَ مَخْلوطٍ بطاهرٍ ءاخرٍ مثلِ الرَّمَاد. ولا بُدَّ أنْ يكونَ غيرَ مستَعْمَلٍ قبلَ ذلك فى التَيَمُّم؛ فالترابُ المتناثرُ مِنْ مسحِ الوجهِ بالضربةِ الأولى من التيممِ والترابُ الذى يتناثرُ من مسحِ اليدينِ فى الضربةِ الثانيةِ لا يصحُ أن يستَعْمِلَهُ الشخصُ للتيمُّم. وكذلك لا يصحُّ فيه استعمالُ الترابِ المتنجِسِ.

ثم إن المتيممَ يَضْرِبُ بيدَيهِ على التراب ثم يَرْفَعُ يديهِ ليمسحَ وجهَه. وفى خلال هذا النقلِ ومعَ أولِ ابتداءِ مسحِ الوجهِ يكونُ مُستحضرًا بقلبِه أنه هو الآن يتيمم. فلا بد أَنْ تُستدامَ هذه النيةُ مع مسحِ أولِ جُزْءٍ مِنَ الوجه، فلو انقطعت ما بين النقلِ ومسحِ أولِ الوجه لا يُجْزِئ. وقال مالك: لو انقطعت النية ما بين النقل ومسح أول الوجه فلا يُؤثر.

ولا بُد فى التيمم من ضَرْبَتَينِ على الأقل، فلا تكفِى ضربةٌ واحدةٌ يَمسحُ بها الوجه واليدين. إنما يضربُ ضربةً يمسَحُ بها وجهَهُ، ولا يُشترَطُ فى ذلك إيصالُ الترابِ إلى باطنِ لحيةِ الرجلِ ولو كانت خفيفةً (لأن هذا فيه صعوبة)، ثم يضربُ ضربةً ثانيةً يمسحُ بها يديهِ ويُشبِّكُ أصابعَه لإيصالِ الغبارِ إلى ما بينَ الأصابع. ولا يُجْزِئُ تَيَمُّمٌ واحدٌ لِفَرِيضَتَينِ بل لا بُدَّ أن يتيمَّمَ لكلِّ فَريضة، فإذا تيمَّمَ صَلَّى فرضًا واحدًا بهذا التيمُّمِ، ثم إذا أراد أن يُصلّـِىَ فرضًا ءاخر لا بدَّ له من تيممٍ ءاخر، ولو كان هذا الفرضُ قضاءً. وأما بالنسبة للنوافلِ فإنه يُصلى ما شاءَ منها بتيممٍ واحد. أسأل الله العظيم ربَ العرش الكريم أن يعلمنا ما ينفعنا وأن يبارك لنا في علمنا وأن يُعينَنا على العمل بما علِمنا والله وليُ الأمر والتدبير والحمدُ لله رب العالمين أولا وآخرا وأبدا.