17وقعة الجمل
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الأمين ورضي الله عن أمهات المؤمنين وءال البيت الطاهرين وعن الخلفاء الراشدين أبي بكر الصديق وعمر الفاروق وعثمان ذي النورين وعلي المرتضى وعن الأئمة المهتدين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وعن الأولياء والصالحين. لما قتل عثمان ابن عفان رضي الله عنه اجتمع طلحة والزبير وأكثر المهاجرين والأنصار وأتوا عليا ليبايعوه وكان أول من بايعه طلحة ثم الزبير ثم بايعه الناس ثم بعد المبايعة خطب الناس ووعظهم ثم دخل بيته، وذلك يوم الخميس لخمس بقين من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين في المدينة المنورة. وليعلم أن عليا رضي الله عنه خليفة راشد واجب الطاعة على المؤمنين، وهذا الذي فهمه الصحابة من كان منهم بدريا أو أحديا وكذا كل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، فلذلك فإن الذين قاتلوا عليا خرجوا عن طاعة الإمام، وهو أي سيدنا علي كان مأمورا بقتال من خرج عليه، فقد روى البزار والطبراني أنه قال: “أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين” والناكثون هم أهل الجمل لأنهم نكثوا بيعته (أي نقضوا بيعته وأفسدوا)، والقاسطون هم أهل الشام لأنهم جاروا عن الحق في عدم مبايعته، والمارقون هم الخوارج أهل النهروان لثبوت الخبر الصحيح فيهم أنهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية. أما معركة الجمل فكانت بين سيدنا علي رضي الله عنه ومن معه وجماعة تحمسوا للمطالبة بدم عثمان فيهم طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعائشة زوجة الرسول ﷺ وكانت خرجت من المدينة المنورة بعدما بويع سيدنا علي رضي الله عنه بالخلافة إلى مكة للحج، ثم التقت بأناس متحمسين للمطالبة بدم عثمان رضي الله عنه فحمسوها فخرجت معهم، ثم وصلت إلى أرض سمعت فيها نباح كلاب فقالت: ما اسم هذه الأرض، فقيل لها: الحوأب، فقالت: ما أظنني إلا راجعة، فقيل لها: تذهبين معنا، الله يصلح بك بين المسلمين، فقالت: ما أظنني إلا راجعة فإني سمعت رسول الله ﷺ يقول: “أيتكن صاحبة الجمل الأدبب تنبح عليها كلاب الحوأب، انظري يا عائشة أن لا تكوني أنت” فأصروا عليها فذهبت معهم للإصلاح ولم تذهب للقتال فوصلت إلى البصرة حيث معسكر سيدنا علي رضي الله عنه ثم حصل ما حصل من القتال فكسرهم سيدنا علي وقتل جمل عائشة وكان أعطاها إياه شخص من المطالبين بدم عثمان، ثم أعادها سيدنا علي معززة مكرمة إلى المدينة المنورة وقد ندمت رضي الله عنها وعن أبيها. قال الحافظ الذهبي في سير أعلام النبلاء: ” ولا ريب أن عائشة ندمت ندامة كلية على مسيرها إلى البصرة وحضورها يوم الجمل، وما ظنت أن الأمر يبلغ ما بلغ، فعن عمارة بن عمير، عمن سمع عائشة إذا قرأت (وقرن في بيوتكن) بكت حتى تبل خمارها.” ا.هـ. وذكر مثل ذلك القرطبي في كتابه الجامع لأحكام القرءان، وأبو حيان في تفسير البحر المحيط قال: ” وكانت عائشة إذا قرأت هذه الآية –يعني ءاية يا نساء النبي- بكت حتى تبل خمارها ، تتذكر خروجها أيام الجمل تطلب بدم عثمان” ا.هـ. وكانت وقعة الجمل سنة ست وثلاثين في جمادى الآخرة في البصرة العراق. وهكذا نصل إلى نهاية حلقتنا هذه لنكمل الكلام في الحلقة القادمة من سلسلة مختصر سيرة الخلفاء الراشدين عن تتمة وقعة الجمل فتابعونا وإلى اللقاء.