(164) مَنْ هُمُ الْجِنُّ.
اعْلَمْ أَنَّ الْجِنَّ أَجْسَامٌ لَطِيفَةٌ لا يَرَاهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْبَشَرِ عَلَى هَيْئَتِهِمُ الأَصْلِيَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى فِى إِبْلِيسَ وَذُرِّيَّتِهِ ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ﴾ لَكِنْ يَجِبُ الإِيمَانُ بِوُجُودِهِمْ لِأَنَّ وُجُودَهُمْ ثَابِتٌ بِالْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ فَمَنْ أَنْكَرَ وُجُودَهُمْ كَفَرَ. اللَّهُ تَعَالَى أَعْطَاهُمُ الْقُدْرَةَ عَلَى التَّشَكُّلِ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ وَخَلَقَ فِيهِمْ شَهْوَةَ الأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ فَهُمْ يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَيَتَنَاكَحُونَ وَيَتَوَالَدُونَ وَلا يَنَامُونَ. وَالْجِنِّىُّ أَوَّلَ مَا يُولَدُ يُولَدُ مُكَلَّفًا. وَإِبْلِيسُ هُوَ أَبُو الْجِنِّ خُلِقَ قَبْلَ ءَادَمَ خَلَقَهُ اللَّهُ مِنْ لَهِيبِ النَّارِ الصَّافِى لِقَوْلِهِ ﷺ خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ ءَادَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ، أَىْ مِنْ تُرَابِ هَذِهِ الأَرْضِ، رواه مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا. فَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ الْمَلائِكَةَ وَالْجِنَّ لَيْسُوا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَإِبْلِيسُ لَيْسَ مَلَكًا وَلا طَاوُوسًا لِلْمَلائِكَةِ فَلا يَجُوزُ اعْتِقَادُ أَنَّ إِبْلِيسَ كَانَ طَاوُوسَ الْمَلائِكَةِ أَوْ رَئِيسَهُمْ كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الْجُهَّالِ بَلْ هُوَ كَافِرٌ بِنَصِّ الْقُرْءَانِ قَالَ تَعَالَى فِى سُورَةِ الْبَقَرَةِ ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾. وَالْجِنُّ فِيهِمُ التَّقِىُّ وَالْفَاسِقُ وَالْكَافِرُ وَلَيْسَ فِيهِمْ أَنْبِيَاءُ إِنَّمَا أَنْبِيَاءُ الْبَشَرِ هُمْ أَنْبِيَاءُ الْجِنِّ. أَمَّا الشَّيَاطِينُ فَهُمُ الْكُفَّارُ مِنَ الْجِنِّ مِنْهُمُ الْقَرِينُ الَّذِى يُوَكَّلُ بِالشَّخْصِ بَعْدَ وِلادَتِهِ فَإِنَّهُ يَدْخُلُ فِى صَدْرِ غَيْرِ النَّبِىِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْعُرَ وَيُوَسْوِسُ لَهُ وَيَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ. الْوَسْوَسَةُ تَكُونُ فِى الصَّدْرِ وَلَيْسَ فِى الأُذُنِ، الشَّيْطَانُ لَهُ حَدِيثٌ بِكَلامٍ خَفِىٍّ مَعَ نَفْسِ الإِنْسَانِ فِى الصَّدْرِ، الأُذُنُ لا تَسْمَعُهُ هُوَ يُحَدِّثُ النَّفْسَ فَتَفْهَمُ عَنْهُ لَكِنَّهُ لا يَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا يَعْلَمُ بِمَا يُحَدِّثُ بِهِ الشَّخْصُ نَفْسَهُ. وَالْقَرِينُ يُلازِمُ الْعَبْدَ إِلَى وَفَاتِهِ لَيْلًا وَنَهَارًا فَإِذَا بَاتَ الْعَبْدُ بَاتَ الْقَرِينُ عَلَى خَيْشُومِهِ الَّذِى هُوَ مُنْتَهَى الأَنْفِ فَإِذَا اسْتَيْقَظَ الْعَبْدُ يَقْفِزُ الْقَرِينُ إِلَى جِهَةِ الصَّدْرِ لِذَلِكَ يُسْتَحَبُّ عِنْدَ الِاسْتِيقَاظِ إِذَا تَوَضَّأَ الشَّخْصُ أَنْ يُبَالِغَ فِى الِاسْتِنْشَاقِ لِإِزَالَةِ أَثَرِ مَبِيتِ الْقَرِينِ هُنَاكَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ صَائِمًا. أَمَّا الْقَرِينُ الَّذِى مَعَ الأَنْبِيَاءِ فَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدْخُلَ فِى أَجْسَادِهِمْ وَلا يَبِيتُ عِنْدَ خَيَاشِيمِهِمْ إِنَّمَا يَدُورُ حَوْلَهُمْ وَيُوَسْوِسُ لَهُمْ مِنَ الْخَارِجِ وَالشَّيْطَانُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الأَنْبِيَاءِ وَلا عَلَى الأَوْلِيَاءِ فَلا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغْرِقَهُمْ فِى الْمَعَاصِى. وَالظَّاهِرُ أَنَّ قُرَنَاءَ الأَنْبِيَاءِ سِوَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَانُوا شَيَاطِينَ كُفَّارًا أَمَّا قَرِينُ النَّبِىِّ ﷺ فَقَدْ أَسْلَمَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَعَانَنِى عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلا يَأْمُرُنِى إِلَّا بِخَيْرٍ. وَيُوجَدُ غَيْرُ الْقَرِينِ مِنَ الشَّيَاطِينِ يُشَوِّشُ عَلَى الْمُسْلِمِ فِى الصَّلاةِ يُقَالُ لَهُ خِنْزَب فَعَنْ عُثْمَانَ بنِ أَبِى الْعَاصِ الثَّقَفِىِّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الشَّيْطَانَ حَالَ بَيْنِى وَبَيْنَ صَلاتِى وَقِرَاءَتِى قَالَ ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَب فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّهِ وَاتْفُلْ عَلَى يَسَارِكَ ثَلاثًا رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ. وَعَنْ أُبَىِّ بنِ كَعْبٍ عَنِ النَّبِىِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ لِلْوُضُوءِ شَيْطَانًا يُقَالُ لَهُ الْوَلْهَانُ فَاتَّقُوا وَسْوَاسَ الْمَاءِ رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ. وَيَنْبَغِى أَنْ لا يَسْتَرْسِلَ الإِنْسَانُ مَعَ الْوَسْوَاسِ بَلْ يَنْبَغِى أَنْ يَلْجَأَ إِلَى اللَّهِ فِى دَفْعِهِ وَأَنْ يُعْرِضَ عَنْهُ وَأَنْ يُبَادِرَ إِلَى قَطْعِهِ بِالِاشْتِغَالِ بِغَيْرِهِ حَتَّى لا تَتَنَكَّدَ عِيْشَتُهُ وَيَنْبَغِى أَنْ لا يَقْعُدَ وَحْدَهُ بَلْ يَقْعُدُ مَعَ الصَّالِحِينَ.