#16 3-7 سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام
كنّا ذكرنا في الحلقة الماضية ما حصل مع سيدنا إبراهيمَ مع من كانوا يعبدون النجوم والكواكب من قومه. نواصل كلامنا إن شاء الله بذكر ما لاقاه مع من يعبدون الأصنام منهم. لما رأى إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام أنهم ما زالوا متعلقينَ بأوهامهم متمسكين بعبادة أصنامهم عَقَد النيةَ على أن يَكيدَ أصنامَهم ويفعلَ بها أمرًا يُقيمُ الحجةَ به عليهم لعلَهم يَفيقونَ من غَفلتِهم ويَصحُونَ من كَبْوَتِهِم، وكان من عادةِ قومِه أن يُقيموا لهم عيدًا، فلمَّا حلَّ عليهم عيدُهم وهمّوا بالخروجِ إلى خارج بلدِهم دعَوْهُ لِيَخْرُجَ معهم قال لهم {إِنِّي سَقِيمٌ} أي سيلحَقُني المرض وليس هذا كذِبا منه عليه السلام. فلمّا مضى قومُه ليحتفِلوا بعيدهم ذهب إبراهيمُ إلى بيت الأصنام الذي كان فيه قومُه يعبدون هذه الأصنام، فإذا هو في بَهْوٍ عظيمٍ واسع وفيه صنمٌ كبيرٌ وإلى جانبه أصنامٌ صغيرة بعضُها إلى جنب بعض، وإذا هُم قد صَنعوا لها طعامًا وضعوهُ أمامَ هذه الأصنام، فلما نظرَ إبراهيمُ عليه الصلاة والسلام إلى ما بينَ أيدي هذه الأصنام من الطعام الذي وضَعه قومُه قُربانًا لها ورأى سخافةَ عقولِهم، خاطبَ هذه الأصنام وقال لها على سبيل التَهَكُّمِ والازدراء: {أَلا تَأْكُلُونَ}، فلما لم تجبه قال لها أيضا على سبيل الاحتقار: {مَا لَكُمْ لا تَنطِقُونَ}. ثم أمسكَ بيده اليُمنى فأسًا وأخذَ يهوي على الأصنام يُكَسِّرُها ويُحَطِّمُ حِجارتَها وما زال كذلك حتى جعلَها كُلَها حُطامًا إلا كبيرَ هذه الأصنام فقد أبقى عليه وعَلَّقَ الفأسَ في عنُقِهِ ليرجِعوا إليه فيُظهِرَ لهم أنها لا تنطِق ولا تعقِل ولا تدفَعُ عن نفسِها ضررًا، وبذلك يُقيمُ سيدُنا إبراهيمُ عليه السلام الحجةَ على قومِهِ الكافرين الذين يعبُدونها على غيرِ بُرهانٍ ولا هُدى تقليدًا لآباءهم. ولما رجَعَ قومُه من عيدهم ووَجدوا ما حلَّ بأصنامِهم بُهِتوا واندهشوا وراعَهم ما رأَوا في أصنامهم، وبلغ ذلك الخبرُ الملكَ نُمرودَ الجبار ملكَ البلاد وحاكمَها وأشرافَ قومه، وأجمعوا على أن يُحضروا إبراهيمَ ويَجمعوا الناسَ ليشهدوا عليه ويَسمعوا كلامَه وكان اجتماعُ الناسِ في هذا المكانِ الواحدِ مقصِدَ إبراهيمَ عليه الصلاة والسلام ليُقيمَ على قومِهِ الحجةَ على بُطلان ما هم عليه من عبادةِ الأصنام التي لا تَضُرّ ولا تنفع، وتقاطَرَتِ الوفودُ وتكاثرت جمُوعُ الكافرين كلٌّ يريدُ الاقتِصاصَ من إبراهيمَ نبيِ الله الذي أهانَ أصنامَهم واحتقَرَها، ثم جاءوا بإبراهيمَ عليه الصلاة والسلام إلى هذا الجمعِ الزاخِرِ منَ الكافرين أمامَ ملِكِهِمُ الظالم نمرود فقالوا له ءأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ وهنا وجد نبي الله إبراهيمُ الفرصةَ سانِحة ليُقيمَ الحجةَ عليهم وليُظهرَ لهم سُخْفَ معتَقَدِهِم وبُطلان دينهم {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ} والمعنى بل فعله كبيرهم هذا إن كانوا ينطقون فاسألوهم. وهذا إلزامٌ للحجة عليهم بأنّ الأصنام جمادٌ لا تقدِر على النُطق، وأنَّ هذه الأصنام لا تستحقُ العبادة فهي لا تَضُرُّ ولا تنفع، ولا تملِكُ لهم نَفعًا ولا ضُرًا ولا تُغني عنهم شيئًا. فعادوا على أنفسهم فيما بينهم بالملامة لأنهم تركوها من غير حافظ لها ولا حارس عندها، ثم عادوا فقالوا لإبراهيمَ عليه السلام لقد علمتَ يا إبراهيمَ أنّ هذه الأصنامَ التي نعبدُها لا تنطِق. فلما أَقروا على أنفسهم بأنّ أصنامَهُمُ التي اتخذوها ءالهةً من دون الله عاجزةٌ عن الإصغاءِ والنُطق واعترفوا أنها عاجزة لا تُدرِك ولا تقدِر ولا حياةَ لها، عند ذلك أقامَ إبراهيمُ عليه السلام الحجةَ عليهم وأفحَمهم. قالَ لهم أفتعبدونَ مِن دونِ الله ما لا يَنْفَعُكُم شيئًا ولا يَضُرُّكُم؟! أُفٍّ لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون، عند ذلك غُلِبوا على أمرِهم وألزمهم نبيُ الله إبراهيمُ الحجةَ عليهم فلم يَجدوا حُجَةً يحتجون بها عليه. والله أعلم وأحكم. الموعد القابل قريب بإذن الله فانتظرونا لنكملَ حديثَنا عن سيدنا إبراهيمَ عليه السلام ونذكرَ مناظرتَه مع النُمرود الذي ادّعى الألوهية ومعجزةَ إبراهيمَ عليه السلام في عدم احتراقه بالنار.