(16) مَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى فِى سُورَةِ التَّحْرِيمِ ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُّوحِنَا﴾.
اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ خَالِقُ الرُّوحِ وَالْجَسَدِ فَلَيْسَ رُوحًا وَلا جَسَدًا لَكِنَّهُ أَضَافَ رُوحَ عِيسَى إِلَى نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى الْمِلْكِ وَالتَّشْرِيفِ أَىِ التَّعْظِيمِ لِلدِّلالَةِ عَلَى شَرَفِ رُوحِ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ فَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُّوحِنَا﴾ أَمَرْنَا جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلامُ أَنْ يَنْفُخَ فِى مَرْيَمَ الرُّوحَ الَّتِى هِىَ مِلْكٌ لَنَا وَمُشَرَّفَةٌ عِنْدَنَا لِأَنَّ الأَرْوَاحَ قِسْمَانِ أَرْوَاحٌ مُشَرَّفَةٌ لَهَا مَنْزِلَةٌ عَظِيمَةٌ عِنْدَ اللَّهِ كَأَرْوَاحِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ وَالْمَلائِكَةِ وَأَرْوَاحٌ خَبِيثَةٌ لا يُحِبُّهَا اللَّهُ وَهِىَ أَرْوَاحُ الْكُفَّارِ. أَمَّا الَّذِى يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ رُوحٌ وَأَنَّهُ قَطَعَ قِطْعَةً مِنْ نَفْسِهِ فَنَفَخَهَا فِى هَذَا الشَّخْصِ بِوَاسِطَةِ النَّفَسِ كَمَا يَنْفُخُ الإِنْسَانُ فَقَدْ شَبَّهَ اللَّهَ بِخَلْقِهِ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ كَمُحَمَّد مُتْوَلِّى الشَّعْرَاوِى فَإِنَّهُ يَقُولُ فِى كِتَابِهِ أَسْئِلَةٌ حَرِجَةٌ وَأَجْوِبَةٌ صَرِيحَةٌ وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَفْسًا فَقَالَ تَعَالَى ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِى﴾ وَالنَّفْخُ مَعْنَاهُ إِخْرَاجُ الْهَوَاءِ مِنْ حَيِّزِ الصَّدْرِ إِلَى الْمَنْفُوخِ فِيهِ إِذًا هُنَاكَ شَىْءٌ دَخَلَ إِلَى جَسَدِ الإِنْسَانِ بِكَلِمَةِ كُنْ وَيَقُولُ اللَّهُ خَلَقَكَ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ فَأَنْتَ فِيكَ جُزْءٌ مِنَ اللَّهِ. وَكَلامُهُ هَذَا كُفْرٌ لا شَكَّ فِيهِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ رُوحٌ فَاقْتَطَعَ مِنْهَا قِطْعَةً فَجَعَلَهَا فِى هَذَا الإِنْسَانِ، هَذَا كَأَنَّهُ قَالَ إِنَّ اللَّهَ وَلَدَهُ. وَاللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ فِى ذَمِّ الْكُفَّارِ ﴿وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾. كَمَا أَنَّ الشَّعْرَاوِىَّ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ يَخْلُقُ بِلَفْظِ كُنْ الَّذِى هُوَ مَرَكَّبٌ مِنْ حَرْفَيْنِ وَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَخْلُقُ فِى اللَّحْظَةِ الْوَاحِدَةِ مَا لا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحَصْرِ بِقُدْرَتِهِ الأَزَلِيَّةِ. فَيَجِبُ الْحَذَرُ مِنْ كَلامِهِ وَمِنْ كُتُبِهِ الَّتِى نَشَرَ فِيهَا الْكُفْرَ وَالضَّلالَ.