الأحد ديسمبر 22, 2024

#16 موجبات الغسل وأركانه

الحمد لله المنزّه عن الكيفِ والشكلِ والصورةِ والأعضاءِ والصلاةُ والسلامُ على سيدِنا محمدٍ خيرِ الأنبياء وعلى آلهِ وأصحابِه إلى يومِ الفَصلِ والقَضاء. أما بعد فإن الطهارةَ شرطٌ مِنْ شروط صحةِ الصلاة، فَمَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا أَكْبَر لا بد أن يَتَطَهَّرَ للصلاةِ حتى تَصِحَّ صلاتُهُ. والطهارةُ مِنَ الحَدَثِ الأكبَرِ تكونُ بالاغْتِسالِ بالماءِ أو بالتيممِ بالتراب لمن عَجَزَ عن الاغتسالِ بالماء. وهناك خمسة أشياء تُوجِبُ على الشخصِ أن يَتَطَهَّرَ مِن الحدث الأكبر. وغيرُهَا لا يوجب ذلك. أما غَسْلُ الميت فهذا ليس غَسْلًا من حدثٍ أكبر، وهو ليس واجبًا على الْمَـيّت لأنه خرج من دار التكليف، إنما هو غُسْلُ تَكْرِيم أى لتكريمِ هذا الميت المسلم، وهُوَ واجب وجوبًا كفائيًا على غيره من المسلمين.

وأولُ أَسْبَابِ الحَدَثِ الأكبر خروجُ المنيِ، فإذا خَرَجَ مِنَ الشخْصِ مَنِيُّهُ وَجَبَ عليه أَنْ يَغْتَسِلَ للصلاة. ويُعْرَفُ الْمَنِىُّ بواحِدَةٍ مِنْ عَلاَمَاتٍ، منها أَنَّه يَخْرُجُ بِلَذَّة؛ وأَنَّه يخرُجُ مُتَدَفّـِقًا أى متقطعًا على دَفَعَاتٍ بقوة؛ وأَنَّ له رائحةَ بياضِ البَيضِ جاَفًا والعجينِ أو طلعِ النخل رَطْبًا. هذه هى العلامات التِى تُمَيـّزُ المنِىَّ من غيره، فإذا وُجِدَت واحدة منها يكفى ذلك للحكم عليه بأنه منىّ، ولا يُشْتَرَطُ اجتماعُهَا.

وثاني أسباب الحدثِ الأكبر الجماع وهو يُوجِبُ الاغتسالَ ولو حَصَلَ مِنْ غَيرِ إِنْزَالٍ للمني. والمرادُ بالجماعِ حقيقَـةُ الجماع أى إيلاجُ الحشفةِ فى الفرجِ، وهذان السَبَبَانِ أى خروجُ المنىِّ والجماعُ مُشْتَرَكَانِ بينَ الرجالِ والنساءِ. وبَقِيَت ثلاثةُ أسبابٍ للحدثِ الذى يوجب الغسلَ هى خاصةٌ بالنّساء، وهي الحيضُ والنِّفـاسُ والوِلادة. وشرح ذلك أَنَّ مِنْ مُوجِبَاتِ الغُسْلِ انقطاعَ الحيض. فعندما يَنقَطِعُ دَمُ الحيض صار واجبًا على المرأةِ أن تَغْتَسِلَ لأجل الصلاة أى حتى تصلى. والحيضُ دَمٌ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ المرأَةِ عَلَى سَبِيلِ الصّـِـحَّة أى ليس بسببِ مَرَض ومِنْ غَيرِ سَبَبِ الوِلادة. وأَقَلُّهُ مِقْدَارُ يَوْمٍ وليلَةٍ، وأَقْصَاهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يومًا.

وأَمَّا النّـِفَاسُ فهو دَمٌ يَخْرُجُ مِنْ فَرْجِ المرأَةِ بعدَ الولادةِ بسببِ الولادة. وأقلُّهُ مَجَّةٌ يعنى دُفعة واحدة، وأقصاهُ ستونَ يومًا.

وأما الولادة فإنها تُوجِبُ الغُسلَ أيضًا ولو لم يَعْقِبِ الولادةَ دَمٌ. فلو وَلَدَت المرأةُ ثم نَزَلَ بعد الولادة دمُ النفاس يجب عليها أن تغتسلَ لأجل الصلاة عندما ينقطع هذا الدم. لكن لو فَرَضْنَا أَنْ امرَأَةً وَلَدَت ثم لم ينـزلْ منها دَمُ النفاس فهذه يجبُ عليها أيضًا أن تغتسلَ لأجل الصلاة، لأنَّ خُرُوجَ الوَلَدِ فى هذه الحال مِثْلُ خروجِ الْمَنِىّ، لأنّ أصلَ الولد مَنِىٌّ مُنْعَقِدٌ.

وليُعلم يا أحبابنا أن فروضَ الغُسْلِ اثْنَانِ. أي أَنَّ هناك شَيئَينِ اثنين فقط هما ركنا الغسل، وكل ما عداهُمَا ليس من أركانه.

الركنُ الأولُ من أركانِ الغسلِ النية، ومحلُّها القلب. فينوِى بقلبِه رفعَ الحدث الأكبر عندما يلامِسُ الماءُ بَدَنَهُ، فلا بُدَّ أَنْ تكونَ النيةُ مقترنةً بملاقاةِ الماءِ للبَدَن. فإذا نوى قَبْلَ البَدْءِ بِصَبِّ الماء ثم لَمَّا بَدَأَ بصب الماء لم يستحضرْ بقلبه النية بالمرة فهذا الصَبُّ لا يكون مجزئًا، حتى يُجَدِّدَ النيةَ مَعَ ملاقاةِ الماءِ للجَسَدِ. ومعنى النية أنْ يَستحْضرَ بقلبه أنَّه الآن يغتسل الغسل الواجب، أو أن يستحضرَ بقلبِهِ أَنَّه الآنَ يَرْفَعُ الحدثَ الأَكْبَر، أو ما شَابَه ذلك من النيات. هذا هو الفرض الأول. والفرضُ الثانى أن يُعَمّمَ كُلَّ البدن بما يَشْمَلُ كُلَّ الشَعر والجلد مرةً واحدةً بالماء. ولو كانَ الشَعرُ كثيفًا فإنه لا بُدَّ أن يُوْصِلَ الماءَ إلى الباطن مرةً واحدةً، وأما التَّثـْلِيثُ فَسُنَّة. وبهذا نكون انتهينا من الكلام عن موجبات الغسل وأركانه، نسأل الله تعالى أن يتقبل منا الأعمال الصالحة وأن يرزُقَنا حسنَ الخِتام والحمد لله رب العالمين.