(153) تَكَلَّمْ عَنْ كَيْفِيَّةِ الدَّفْنِ.
اعْلَمْ أَنَّ الأَفْضَلَ فِى حَمْلِ الْجِنَازَةِ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّرْبِيعِ وَالْحَمْلِ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَىْ أَنْ يَحْمِلَهَا تَارَةً أَرْبَعَةٌ اثْنَانِ مُتَقَدِّمَانِ وَاثْنَانِ مُتَأَخِّرَانِ وَتَارَةً ثَلاثَةٌ اثْنَانِ مُتَأَخِّرَانِ وَءَاخَرُ مُتَقَدِّمٌ يَضَعُ الْخَشَبَتَيْنِ الْمُتَقَدِّمَتَيْنِ عَلَى عَاتِقَيْهِ وَرَأْسُهُ بَيْنَهُمَا. أَمَّا إِذَا أَرَادُوا الِاقْتِصَارَ عَلَى أَحَدِهِمَا فَالْحَمْلُ بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ أَفْضَلُ. وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْرِعُوا بِالْجِنَازَةِ فَوْقَ الْمَشْىِ الْمُعْتَادِ وَأَنْ يَكُونَ النَّاسُ أَمَامَهَا بِقُرْبِهَا عَنْ يَمِينِهَا وَشِمَالِهَا بِحَيْثُ لَوِ الْتَفَتَ أَحَدُهُمْ لَرَءَاهَا وَإِذَا اشْتَغَلَ الْمُشَيِّعُونَ بِالتَّهْلِيلِ بِصَوْتٍ جَمَاعِىٍّ فَلا بَأْسَ وَتَحْرِيمُ الْوَهَّابِيَّةِ لِذَلِكَ بَاطِلٌ وَهَذَا شَأْنُ الْوَهَّابِيَّةِ التَّحْرِيمُ بِالْهَوَى وَتَكْفِيرُ الْمُسْلِمِينَ بِلا ذَنْبٍ. ثُمَّ يُدْفَنُ فِى قَبْرِهِ وَأَقَلُّ الدَّفْنِ حُفْرَةٌ تَكْتُمُ رَائِحَتَهُ بَعْدَ طَمِّهِ وَتَحْرُسُهُ مِنَ السِّبَاعِ أَنْ تَنْبُشَهُ وَتَأْكُلَ جُثَّتَهُ. وَيُسَنُّ أَنْ يُعَمَّقَ الْقَبْرُ قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ بِأَنْ يَقُومَ فِيهِ وَيَبْسُطَ يَدَهُ مُرْتَفِعَةً وَأَنْ يُوَسَّعَ بِحَيْثُ يَسَعُ مَنْ يُنْزِلُهُ وَمُعِينَهُ وَيَجِبُ تَوْجِيهُهُ إِلَى الْقِبْلَةِ بِأَنْ يُضْجَعَ عَلَى جَنْبِهِ الأَيْمَنِ أَوِ الأَيْسَرِ لَكِنْ إِضْجَاعُهُ عَلَى الأَيْسَرِ مَكْرُوهٌ. وَيُسَنُّ أَنْ يُلْحَدَ لَهُ لَحْدٌ أَىْ أَنْ يُحْفَرَ فِى أَسْفَلِ حَائِطِ الْقَبْرِ الَّذِى مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ إِلَّا أَنْ تَكُونَ الأَرْضُ رِخْوَةً أَىْ لَيِّنَةً فَيُشَقُّ لَهُ شَقٌّ فِى وَسَطِهَا كَالنَّهْرِ وَيُوضَعُ فِيهِ وَيُبْنَى الْجَانِبَانِ بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ وَيُسَقَّفُ عَلَيْهِ وَيُسَنُّ رَفْعُ السَّقْفِ أَىْ سَقْفِ اللَّحْدِ أَوِ الشَّقِّ بِأَنْ لا يَكُونَ جَسَدُ الْمَيِّتِ مُلاصِقًا لِسَقْفِ اللَّحْدِ أَوْ لِسَقْفِ الشَّقِّ. وَيُكْرَهُ الدَّفْنُ فِى التَّابُوتِ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الأَرْضُ رِخْوَةً فَلا كَرَاهَةَ. وَيُسَنُّ أَنْ يَكُونَ عَدَدُ مَنْ يُدْخِلُهُ إِلَى الْقَبْرِ وِتْرًا وَأَنْ يَقُولَ مَنْ يُدْخِلُهُ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَيُسَلُّ الْمَيِّتُ بِرِفْقٍ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ إِلَى الْقَبْرِ. وَيُسَنُّ إِسْنَادُ وَجْهِهِ وَرِجْلَيْهِ إِلَى جِدَارِ الْقَبْرِ مُجَافِيًا بِبَاقِيهِ كَالرَّاكِع وَوَضْعُ لَبِنَةٍ أَىْ طِينٍ يَابِسٍ تَحْتَ رَأْسِهِ وَيُجْعَلُ خَلْفَهُ لَبِنَةٌ تُسْنِدُهُ وَتَمْنَعُهُ مِنْ أَنْ يَسْتَلْقِىَ. وَيَحْثِى كُلُّ مَنْ حَضَرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ سَدِّ اللَّحْدِ عَلَيْهِ التُّرَابَ بِكِلْتَا يَدَيْهِ ثَلاثَ حَثَيَاتٍ. وَالدَّفْنُ بِالنَّهَارِ أَفْضَلُ وَيَجُوزُ لَيْلًا بِلا كَرَاهَةٍ. وَيُسْتَحَبُّ رَشُّ الْمَاءِ عَلَى الْقَبْرِ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ وَالدَّوْسُ عَلَيْهِ. وَيُسَنُّ أَنْ يُقَالَ بَعْدَ إِتْمَامِ الدَّفْنِ يَا عَبْدَ اللَّهِ ابْنَ أَمَةِ اللَّهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ اذْكُرِ الْعَهْدَ الَّذِى خَرَجْتَ عَلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا شَهَادَةَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَّكَ رَضِيتَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَبِالْقُرْءَانِ إِمَامًا، فَإِنَّ مُنْكَرًا وَنَكِيرًا يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ انْطَلِقْ بِنَا مَا يُقْعِدُنَا عِنْدَ رَجُلٍ لُقِّنَ حُجَّتَهُ. وَأَمَّا لِلأُنْثَى فَيُقَالُ يَا أَمَةَ اللَّهِ ابْنَةَ أَمَةِ اللَّهِ، أَخْرَجَهُ الْحَافِظُ الْمَقْدِسِىُّ فِى كِتَابِهِ الْمُخْتَارَةِ. وَقَالَ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ إِسْنَادُهُ ثَابِتٌ وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَى الْوَهَّابِيَّةِ الَّذِينَ يُنْكِرُونَ التَّلْقِينَ. وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ الْقُرْءَانِ عَلَى الْقَبْرِ كَسُورَةِ يَس لِحَدِيثِ اقْرَءُوا يَس عَلَى مَوْتَاكُمْ، رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ وَصَحَّحَهُ. وَعَلَى هَذَا كُلُّ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ سَلَفًا وَخَلَفًا وَخَالَفَ الْوَهَّابِيَّةُ كَعَادَتِهِمْ كُلَّ الْمُسْلِمِينَ وَحَرَّمُوا ذَلِكَ.