الأحد ديسمبر 7, 2025

#15

   قال المؤلف رحمه الله: وفروض الغسل (أي أركانه) اثنان (الأول) نية رفع الحدث الأكبر أو نحوها (من النيات المجزئة كأن ينوي فرض الغسل أو الغسل الواجب أو استباحة الصلاة بخلاف نية الغسل أو الطهارة فقط فإن ذلك غير كاف. ولا بد أن تكون النية عند غسل أول جزء من البدن فلا يعتد بما غسل قبل النية) و (الثاني) تعميم (ظاهر) جميع البدن بشرا وشعرا (ظاهرا وباطنا) وإن كثف (أي سواء خف أم كثف) بالماء (الطهور).

   الشرح فرض الغسل يحصل بأمرين الأول النية فينوي رفع الحدث الأكبر بقلبه أو ينوي رفع الحدث أو ينوي فرض الغسل أو ينوي الغسل الواجب أو ما يقوم مقام ذلك كاستباحة الصلاة أو الطواف بالكعبة بخلاف نية الغسل فقط أو الطهارة فقط فإن ذلك لا يكفي (لأن الغسل منه ما هو واجب ومنه ما هو غير واجب، فإذا كان لم يستحضر في قلبه إلا أنه يغتسل فقط بدون تمييز، لا يجزئ. أحيانا يكون الاغتسال لأجل النظافة، وأحيانا لأجل التبرد، وأحيانا يكون لرفع الحدث، فكيف يتميز؟ هو في قلبه ما خطر في قلبه أنه يغتسل ليستبيح الصلاة، لم ينو ذلك، ليس أنه يغتسل ليستبيح الطواف، إنما هو يغتسل فقط، فهذا لا يكفي. أيضا الطهارة أنواع، مثلا الوضوء المجدد طهارة، وغسل الجمعة طهارة، لكن الوضوء المجدد مسنون، وغسل الجمعة مسنون، فأيضا ما تميز، ما خطر في قلبه إلا الطهارة، فهذا لا يكفي، أما إذا كان الذي خطر في قلبه الطهارة ليستطيع أن يصلي، فهنا أجزأ، لأنه نوى استباحة الصلاة). ويجب قرن النية القلبية بأول مغسول (ولا يشترط أن يكون الوجه أول مغسول، بل لو كان غير الوجه يجزئ) فلو غسل بعض جسمه بدون هذه النية ثم نوى في أثناء الغسل وجب إعادة ما غسل قبل النية (يجب أن يعيد لأنه وقع قبل النية فلا يكون معتبرا).

 والثاني تعميم جميع البدن أي ظاهره بالماء فيجب تعميم البشر أي الجلد والشعر ظاهره وباطنه (قال “تعميم جميع البدن” أي ظاهره بالماء، ليخرج مثل باطن العين، أي داخل العين، وليخرج مثل داخل الفم، وليخرج مثل داخل الأنف. فإن كان يضع خاتما، يحرك الخاتم بحيث يصل الماء إلى ما تحته إن لم ينزعه)، ويجب إيصال الماء إلى ما يظهر من الصماخ أي خرق الأذن لا باطن فم وأنف فإن ذلك لا يجب (ومما يجب إيصال الماء إليه في الغسل ما يظهر من فتحة الذكر عند غمزه غمزا خفيفا، والمرأة إلى ما يظهر من فرجها عند قعودها على قدميها لقضاء الحاجة، وكذا الثقب الذي تفعله النساء في ءاذانهن لوضع الحلق. وما سوى هذا فهو من سنن الغسل، ومنها التسمية، فلو تركها عمدا كره الغسل، وكذا لو تركها في الوضوء، ومنها غسل الكفين، والوضوء قبل الغسل، والتقليل من الماء، فقد كان النبي ﷺ يغتسل بقدر صاع وهو أربعة أمداد، واغتسل بأكثر من ذلك. والمراد بالأكثر ما ورد في حديث أنس عند مسلم أنه ﷺ اغتسل بخمسة مكاكيك، والمكوك فسر بصاع ونصف كما ذكره شارح القاموس الزبيدي. ولا يكره أن يزيد على ذلك إلا ما وصل إلى حد الإسراف، وعلى قول يحرم الإسراف. قال بعض الفقهاء من اغتسل عاريا، سن له أن يقول عند نزع ثيابه بسم الله الذي لا إله إلا هو، لأنه ستر عن أعين الجن. ويسن قبل صب الماء تخليل الشعر ثلاثا بيديه المبلولتين، بأن يدخل أصابعه العشرة في الماء، ثم في شعره، ولو كان محرما، لكن برفق حتى لا ينتف شيئا من شعره، ثم إفاضة الماء على رأسه، ثم شقه الأيمن، ما أقبل منه، ثم ما أدبر منه، ثم على شقه الأيسر، ما أقبل منه، ثم ما أدبر منه، ويسن أن يكون كل ذلك ثلاثا، وإمرار اليد كل مرة. ويسن للجنب غسل الفرج والوضوء إذا أراد أكلا أو شربا أو نوما أو جماعا، ويكره ترك ذلك، ومثل الجنب الحائض والنفساء فيما يسن للجنب عند إرادة الأكل والشرب والنوم بعد انقطاع دمهما)

   وينبغي الاعتناء بالطهارتين الوضوء والغسل لقول النبي ﷺ (الطهور شطر الإيمان) أي نصف الإيمان، رواه مسلم، ولا يتقن صلاته من لا يتقن طهارته أي من كان لا يؤدي طهارته على الوجه التام لا يكون مؤديا صلاته على التمام بل لا بد من أمور تنقصه قال الله تعالى ﴿إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين﴾.

 

شروط الطهارة

 

   قال المؤلف رحمه الله: فصل.

   الشرح أن هذا فصل معقود لبيان شروط (صحة) الطهارة (وأحكام التيمم).

 

   قال المؤلف رحمه الله: شروط الطهارة (من وضوء وغسل خمسة أحدها) الإسلام (فلا تصح طهارة الكافر من الحدثين) و (ثانيها) التمييز (فلا تصح طهارة غير المميز كطفل ومجنون) و (ثالثها) عدم المانع من وصول الماء إلى (العضو) المغسول (أو الممسوح فإن كان هناك مانع كالشحم اللاصق بالجلد المانع من وصول الماء إليه لم تصح الطهارة بخلاف ما يستر اللون من غير أن يكون مانعا من وصول الماء إلى العضو فإنه لا يمنع صحة الطهارة كالحبر لأن الحبر لا يمنع وصول الماء إلى الجلد ولو كان يستر اللون) و (رابعها) السيلان (وهو أن يجري الماء على الجلد بطبعه ولو بواسطة إمرار اليد فلا يجزئ المسح في موضع الغسل) و (خامسها) أن يكون الماء (المستعمل في الطهارة طاهرا في نفسه) مطهرا (لغيره وهو الماء المطلق أي الذي يطلق اسم الماء عليه بلا قيد لازم كماء المطر وذلك) بأن لا يسلب اسمه (أي إطلاق اسم الماء عليه بلا قيد أي بلا قيد لازم لأن القيد اللازم يؤثر على طهورية الماء كماء البطيخ وماء الورد فلا تستطيع أن تسميه ماء من غير أن تقيده بالبطيخ أو بالورد بخلاف القيد المنفك كماء المطر وماء البحر فإنك تستطيع أن تطلق عليه اسم الماء من غير أن تقيده بالمطر أو بالبحر) بمخالطة (أي بسبب مخالطة شىء) طاهر يستغني الماء عنه (أي يسهل صون الماء عنه) و (يشترط أيضا لصحة الطهارة بالماء) أن لا يتغير بنجس (كبول سواء كان الماء قليلا أم كثيرا) ولو تغيرا يسيرا (لأن ما تغير بالنجاسة فهو نجس يسيرا كان التغير أو كثيرا فإن كان الماء كثيرا ولم يتغير بالنجاسة فإنه طهور). وإن كان الماء (قليلا بأن كان) دون القلتين (وهما بالمربع ما يسع حفرة طولها وعرضها وعمقها ذراع وربع وبالمدور ما تسعه حفرة عرضها ذراع وعمقها ذراعان ونصف بالذراع المعتدل) اشترط (لصحة الطهارة بالماء) أن لا يلاقيه نجس غير معفو عنه (لتنجس الماء بهذه الملاقاة فإن كانت النجاسة معفوا عنها كالحشرات التي لا نفس لها سائلة إذا ماتت في الماء أو وقعت فيه ميتة بأن ألقتها الريح مثلا ولم تغيره فإنها لا تنجسه) و (يشترط أيضا لصحة الطهارة بالماء) أن لا يكون (الماء القليل قد) استعمل في رفع حدث (بخلاف ما استعمل في الغسلة الثانية والثالثة ونحو ذلك فإنه طهور) أو (استعمل في) إزالة نجس (ولم يتغير الماء بالنجاسة ولا زاد وزنه بسببها فإنه يكون عند ذلك طاهرا غير مطهر).

   الشرح أن من شروط الطهارة عن الحدث الأصغر والأكبر الإسلام فالكافر لا تصح طهارته من الحدثين لعدم صحة نيته (الكافر نيته غير صحيحة، فطهارته غير صحيحة) والتمييز فغير المميز لا تصح طهارته.

   ويستثنى من اشتراط الإسلام للطهارة غسل الزوجة الكافرة بلا نية لتحل لزوجها المسلم من حيضها أو نفاسها فإنه يصح للضرورة بلا نية منها فالكتابية عندما تغتسل من الحيض لتحل لزوجها المسلم لا تنوي شيئا ثم لو أسلمت وجب عليها إعادة ذلك الغسل. وكذلك غسل الصبي غير المميز للطواف فإنه يصح وكذا يوضئه وليه للطواف وتقوم نية الولي مقام نية الطفل.

   ويشترط عدم المانع من وصول الماء إلى العضو المغسول أو الممسوح كالشحم اللاصق بالجلد الذي يمنع وصول الماء إليه (يعني إلى العضو) وكالذي تضعه النساء على أظافيرهن المسمى بالمنكير. وأما الوسخ الذي يكون تحت الأظفار فقد اختلف هل يمنع صحة الطهارة أو لا وقد تقدم. أما ما يستر لون البشرة ولا يمنع الماء من الوصول إلى الجلد فلا يضر كالحبر وما يسمى بالدواء الأحمر والحناء ونحوها (بخلاف البويا والشحم، فالبويا تمنع والشحم يمنع). ويشترط السيلان وهو أن يكون الماء جاريا على الجلد بطبعه (ولو بأن يجريه الشخص، هذا داخل، يقال له سيلان) ولا يشترط فيه تقاطر الماء (يعني ولو لم يتقاطر من العضو، لا يشترط التقاطر) فلو جرى الماء على الجلد ولو بواسطة إمرار اليد أجزأ (لأن هذا يسمى غسلا) فلا يجزئ مجرد المسح الذي لا يسمى غسلا (مجرد أن يبل يده، ثم بالبلل يمسح، هذا لا يجزئ، لا يسمى غسلا).

   ويشترط أن يكون الماء مطهرا مطلقا يطلق اسم الماء عليه بلا قيد فما لا يسمى إلا ماء الزهر مثلا لا يكون مطهرا فالمراد بقولهم طاهر مطهر هو ما يصح إطلاق اسم الماء عليه بلا قيد كماء البحر وماء البرد والثلج بعد أن يذوبا (أما البرد نفسه والثلج نفسه، فلا يطهران، ولا يصح التطهر بهما). وما تغير بطاهر مخالط أي لا ينفصل في رأي العين عنه بعد مخالطته مما يمكن صون الماء عنه (أي سهل صون الماء عنه) فليس بطهور صالح للوضوء والغسل وإزالة النجاسة إن كان تغيره به بحيث يسلب اسم الماء عنه أي خالطه طاهر بحيث غير لونه كالحبر أو طعمه كالعسل أو ريحه كماء الورد تغييرا كثيرا فليس مطهرا بخلاف ما لو غيره قليلا فإنه لا يؤثر أي إن كان تغيره به بحيث لا يسلب عنه اسم الماء فهو طهور تصح الطهارة به. ولو تغير الماء تغيرا كثيرا بما لا يمكن صون الماء عنه أي يشق أو يعسر لم يؤثر ذلك كالماء الذي مقره فيه معدن من المعادن كالكبريت (هذا ماء يمر على الكبريت في الأرض، مثل هذا صعب أن تصون الماء عنه، والكبريت ظاهر وخالط الماء بحيث غير صفة أو أكثر من أوصافه، أحيانا يغير الطعم والريح، وأحيانا يغير اللون تغييرا ظاهرا، ومع ذلك يبقى الماء طاهرا مطهرا لأن هذا هو هكذا من أصل الخلقة، هذا الماء يمر على الكبريت وصعب أن يصان عنه، فلذلك يبقى طاهرا مطهرا، ولذلك قال المؤلف رحمه الله) فمهما تغير هذا الماء به فلا يخرج عن كونه مطهرا. وكذلك لا يضر التغير بما لا يخالط الماء بل يجاوره كالماء الذي تتغير رائحته بالعود الصلب الذي لا يتحلل في الماء (العود الذي هو خشب العود، هذا إذا وضع في الماء اكتسب الماء رائحته، فلا يؤثر لأنه لا ينحل فيه، ليس مخالطا، يبقى متميزا في رأي العين هذا العود عن الماء، أجزاؤه تبقى متميزة في رأي العين عن الماء، فهذا مجاور اكتسب الماء رائحته اكتسابا، لم ينحل في الماء، فلا يؤثر تغير الرائحة هنا لأنه ليس منحلا في الماء، وقد أشار المؤلف رحمه الله إلى ذلك بقوله لا يضر التغير بما لا يخالط الماء، بل يجاوره، كالماء الذي تتغير رائحته بالعود الصلب الذي لا يتحلل في الماء) لأن هذا العود الذي يتبخر به إذا وضع في الماء لا ينحل منه شىء في الماء فإذا صارت رائحة الماء عطرة جازت الطهارة بذلك الماء (لأنه ليس مخالطا). ويشترط لصحة الطهارة بالماء إن كان دون القلتين أن لا يلاقيه نجس (يعني نجاسة) فالماء الذي لاقاه نجس غير معفو عنه كالبول ليس بطاهر إن كان دون القلتين غيره النجس أو لم يغيره (إن غيره أو لم يغيره، طالما الماء قليل، إذا وقعت فيه النجاسة، لاقته النجاسة، تنجس). وإن كان الماء قلتين فأكثر فلا يضر ملاقاة النجاسة له إلا أن يتغير الماء بها (إذا تغير الماء بالنجاسة، سواء كان قليلا أو كثيرا، تنجس بالإجماع) أي بأن يظهر فيه طعم النجاسة (هذا بالتقدير) أو لونها أو ريحها. وكذلك إذا استعمل ماء دون القلتين في رفع حدث أو إزالة نجس معفوا عنه كان أو لا فإنه لا يصلح للطهارة بخلاف الماء الذي يبلغ القلتين فإنه لا يخرج عن كونه طهورا باستعماله في رفع حدث أو إزالة نجس إذا لم يتغير بالنجاسة أي أنه يبقى طهورا مطهرا ولو تكرر ذلك (إذا واحد أتى ببرميل كبير من الماء، صبه على موضع النجاسة، فهذا الماء النازل إذا جمعه، يكون قلتين، فإن كان غير متغير، فهو طاهر مطهر، مع أنه أزيلت به النجاسة. أما الماء القليل الذي تزال به النجاسة، إن لم يتغير مع طهارة الموضع، يكون حكمه أنه طاهر غير مطهر. أيضا، إذا واحد توضأ، فأول غسلة في الوجه، أول غسلة في اليدين، أول غسلة في الرجلين، فهذا الماء لو جمعه، لا يصح أن يتوضأ به من جديد، إلا إذا بلغ قلتين وحده، أو زاده على ماء ثان مستعمل مثله، أو غير مستعمل، فبلغ القلتين، رجع طهورا. أما إن لم يبلغ قلتين فهو طاهر غير مطهر لا يصح الوضوء به. الصحابة مع قلة الماء الذي كان عندهم في الأسفار ما كانوا يجمعون هذا الماء القليل المستعمل ليستعملوه ثانيا إنما كانوا يعدلون عند فقدان الماء إلى التيمم، ما كانوا يستعملون هذا الماء، فلو كان طهورا ما تيمموا، فهذا يدل على أنه طاهر غير مطهر. وقول المؤلف “ولو تكرر ذلك” معناه طالما هو قلتان، لو استعمل عشر مرات، يبقى طهورا). والقلتان بالمربع ما تسعه حفرة طولها ذراع وربع وكذلك عرضها وعمقها وبالمدور ما تسعه حفرة عرضها ذراع وعمقها ذراعان ونصف بالذراع المعتدل (الذي هو ذراع أغلب الناس) وهو نحو عشر صفائح من الماء.

 

   قال المؤلف رحمه الله: ومن لم يجد الماء (بل فقده حسا بأن طلب الماء فلم يجده معه ولا مع رفقته المسافرين معه ولا في القدر الذي يجب عليه الطلب فيه من المساحة أو فقده معنى بأن كان محتاجا للماء الموجود لشربه) أو (وجده لكن) كان (يخاف من استعماله أن يهلك أو يتلف عضو من أعضائه أو أن) يضره الماء (بطول مرضه مثلا) تيمم (التيمم من خصائص هذه الأمة، فقبل هذه الأمة المحمدية، ما كان شرع لهم التيمم. التيمم من خصائص هذه الأمة، فمن فقد الماء حسا أو معنى، يجوز له التيمم. ويشترط لصحة تيممه أن يكون) بعد دخول الوقت (أي وقت العبادة التي يريد أن يؤديها بهذا التيمم من صلاة أو طواف) و (أن يكون بعد) زوال النجاسة التي لا يعفى عنها (عن بدنه فلو تيمم وعلى بدنه نجاسة لم يصح تيممه هذا إن كان عنده من الماء ما يزيل به النجاسة وإلا فقد قيل حكمه كحكم فاقد الطهورين أي يتيمم و يصلي على حاله لحرمة الوقت ثم بعد ذلك يعيد، وبعضهم قال لا يصلي ثم يقضي).

   الشرح من فقد الماء بأن فقده حسا أو معنى يجوز له التيمم. أما الفقد الحسي فهو أن لا يجد الماء معه ولا مع رفقته ولا في القدر الذي يجب الطلب فيه من المساحة وهو حد القرب فإن كان الماء في مسافة تبعد عن المكان الذي هو فيه فوق حد القرب فإنه لا يجب طلبه في هذه الحالة. وحد القرب قدر بنحو نصف فرسخ (إذا كان الماء يبعد عنه أكثر من نصف فرسخ فلا يجب عليه طلبه. واحد مسافر وصل إلى مكان لا يوجد فيه ماء، لكن يعلم أنه هناك ماء يبعد عنه أكثر من نصف فرسخ، فله أن يتيمم، ولا يجب عليه طلبه، لأن الماء أبعد من حد القرب، الذي هو نصف فرسخ. والفرسخ هو ثلاثة أميال، والميل ستة ءالاف ذراع على القول المشهور، يعني نصف فرسخ يكون تسعة ءالاف ذراع، تقريبا أربعة كيلومترات) فمن علم وجوده أي علم بوجود الماء في حد القرب فإنه يعد واجدا للماء فلا يصح تيممه (أما إذا كان مسافرا مثلا فوصل إلى مكان ما وجد فيه ماء، وعلم أنه على بعد ميل يوجد ماء، فعند ذلك يجب عليه أن يطلبه، لا يعد فاقدا للماء، لأن الماء قريب، طالما هو في ضمن مسافة نصف فرسخ، يعد قريبا). وأما إن لم يتأكد من وجود الماء بل كان عنده احتمال فقط فيجب عليه الطلب في حد الغوث وهو المسافة التي يسمع فيها رفقاءه لو نادى (ومعنى ذلك أنه إذا كان في مكان ولا يعرف إن كان يوجد بالقرب منه ماء أو لا، لا يدري هل يوجد ماء على بعد ميل، نصف ميل، مائة ذراع، أم لا يوجد، لا يدري، لكن عنده احتمال أنه يوجد، يحتمل عنده أن الماء غير موجود، ويحتمل أن الماء موجود، ففي هذه الحال، يجب عليه أن يطلب الماء في ضمن حد الغوث، يذهب في كل جهة مسافة، لو استغاث برفاقه، أي لو طلب غوثهم، لسمعوه، هذا المراد بحد الغوث) وقدرت هذه المسافة بثلاثمائة ذراع شرعي وهو أي الذراع مقدار شبرين فإن لم يجد الماء فهذا يعد فاقدا له (لكن لو كانت الأرض مستوية، يكفي أن ينظر إلى الجهات الأربع، لا يشترط أن يذهب إلى هذه المسافة في كل جهة، إنما يكفي أن ينظر إلى الجهات الأربع، لأنه يحصل المراد، لأن الأرض مستوية، وهذا بالنسبة للفقد الحسي. فإذا كان الشخص مثلا مسافرا ثم لم يجد معه ماء للوضوء فهذا يبحث في رحله ويسأل رفاقه حتى لو كان هناك من يبيعه ماء بسعر المثل يشتري وإلا إن لم يجد معه ولا مع رفاقه أو وجد مع رفاقه ولا يعطونه أو لا يبيعونه فعند ذلك ينظر. إن كان الموضع يعرفه، ويعرف أن هناك ماء بالقرب منه فهذا لا بد أن يقصد الماء، لا يجزئه أن يتيمم، والقرب معناه إلى نصف فرسخ. أما إن كان متيقنا أنه لا يوجد ماء بالقرب منه، إلى نصف فرسخ، فعند ذلك يتيمم. وإن كان ليس معه ماء، ولا يدري هل يوجد ماء في حد القرب أم لا، يجب عليه أن يبحث في حد الغوث. فإذا كانت الأرض مستوية، ينظر إلى الجهات الأربع، وإن كانت الأرض فيها صعود ونزول، يذهب في كل جهة إلى حد الغوث، يعني إلى ثلاثمائة ذراع، فإن لم يجد الماء، فعند ذلك يتيمم. فمثل هذه الحال، ليس له أن يتيمم من غير طلب، وإذا تيمم من غير طلب، لا يصح التيمم). وأما الفقد المعنوي فهو كأن يحول بينه وبين الماء الذي هو بالقرب منه سبع أو عدو وكأن يحتاج الماء لشربه أو لشرب حيوانه المحترم (هذا كأنه ليس معه ماء لأنه إن استعمله في الطهارة يموت من العطش مثلا وكذا لو كان لعطش حيوان محترم وهو ما لا يباح قتله أما إذا كان الحيوان غير محترم كالحربي والمرتد والكلب والخنزير مثلا فلا يصرف الماء إلى سقيهم بالاتفاق) فيصح له التيمم مع وجود الماء. ومن تيمم بدون طلب فلا يصح تيممه لقوله تعالى ﴿فلم تجدوا ماء فتيمموا﴾ (واعلم أنه يجوز التيمم إذا كان يضره استعمال الماء، ولذلك قال المؤلف رحمه الله) وأما الضرر الذي يبيح التيمم فهو أن يخاف على نفسه من استعمال الماء أن يضره في جسمه أو على عضو من أعضائه أو طول مرضه (يعني إذا استعمل الماء وهو مريض مثلا ينضر أو يطول مرضه أكثر، فهذا يبيح له التيمم) أما مجرد الألم من برد الماء فليس عذرا إذا كان لا يعقب ضررا. ولا يصح التيمم (أي للصلاة) إلا بعد دخول الوقت فلو تيمم للظهر قبل الزوال لم يصح تيممه (المراد هنا للصلاة، وإلا قد يتيمم الشخص لغير الصلاة، قد يتيمم لأجل حمل المصحف أو لغير ذلك، إنما للصلاة لا يصح إلا بعد دخول الوقت لأن التيمم يكون للعذر وبعد ما صار وقت العذر حتى يتيمم، أي بعد ما وجبت عليه الصلاة حتى يتيمم لها). ويشترط أيضا أن يكون بعد إزالة النجاسة إن كانت ببدنه فلو تيمم قبل ذلك لم يصح (إذا كان معه ماء قليل وعلى بدنه نجاسة غير معفو عنها والماء القليل الذي معه لا يكفي إلا لأحد الأمرين، لإزالة النجاسة أو للوضوء، يزيل به النجاسة ثم يتيمم). فإن لم يتمكن من إزالة النجاسة بسبب فقد الماء فحكمه كحكم فاقد الطهورين (أي يصلي على حاله لحرمة الوقت من غير تيمم، ثم هل يعيد أم لا؟ فيه خلاف. بعضهم قال يعيد، وبعضهم قال لا يعيد. والطهوران هما الماء والتراب. وبعضهم قال يتيمم ويصلي على حاله، مع وجود النجاسة، بعد تخفيفها قدر المستطاع، بورقة، بحجر، أو بغيرهما إن استطاع. وبعضهم قال لا يصلي، ثم يقضي).

 

   قال المؤلف رحمه الله: (ويكون التيمم) بتراب (فلا يصح التيمم بغير التراب كالحجر) خالص (من الرماد ونحوه) طهور له غبار (فلا يصح التيمم بتراب متنجس بنحو بول).

   الشرح التيمم لا يصح إلا بالتراب الذي له غبار (فالرمل لا يصلح للتيمم عند الشافعي. المقصود الرمل الذي ليس له غبار أما الرمل الذي له غبار فيصح التيمم به. أما في المذاهب الثلاثة الأخرى فيصح التيمم به. فلا يجزئ الحجر ويجزئ عند الأئمة الثلاثة ولا يشترط نوع خاص من الحجارة ولا يشترط أن يكون الحجر جافا فلو كان مبلولا صح التيمم به عندهم وفي ذلك تيسير وفسحة فيجوز للشافعي أن يقلد في ذلك غير الشافعي)، ويشترط أن يكون خالصا من نحو الرماد، وأن يكون طهورا لا متنجسا بنحو بول ولا مستعملا في تيمم بأن يكون تناثر من العضو عند التيمم (التراب الذي ينزل من الوجه أو اليدين، يتناثر عند التيمم، هذا مستعمل) فإن كان استعمل للتيمم بأن تناثر من الوجه مثلا فهو غير صالح للتيمم مرة ثانية (إذا جمع هذا التراب المتناثر، لا يجوز له أن يتيمم به مرة أخرى). ولا يجزئ الحجر (أي عند الشافعي لا يجزئ الحجر لأنه ليس ترابا له غبار. فعند الشافعي يشترط أن يكون ترابا له غبار، والحجر ليس ترابا له غبار فلا يصح التيمم به. واحد عنده رخام في البيت، فلا يصح أن يتيمم به عند الشافعي، أما عند الأئمة الثلاثة، فيصح، لأنه عندهم يصح التيمم بوجه الأرض، وهذا الحجر داخل، والرمل داخل) ويجزئ في بعض المذاهب وفي ذلك تيسير وفسحة فيجوز للشافعي أن يقلد في ذلك غير الإمام الشافعي.

 

   قال المؤلف رحمه الله: (ويكون التيمم) في الوجه (أي بمسحه) و (مسح) اليدين (مع المرفقين) يرتبهما (فلا بد في المسح من الترتيب بتقديم مسح الوجه على مسح اليدين، وأقل ما يكون ذلك أي مسح الوجه واليدين) بضربتين (أي بنقلتين للتراب فلا تكفي ضربة واحدة فإن اقتصر على ضربة واحدة فلا يصح تيممه وأما إن مسح الوجه واليد اليمنى بضربة وبضربة ثانية مسح يده اليسرى فيصح ولا بد من ضربتين لحديث (التيمم ضربتان ضربة للوجه وضربة لليدين إلى المرفقين) اﻫ رواه الحاكم وله الزيادة عليهما. ويشترط لصحة التيمم أن يكون ذلك) بنية استباحة فرض الصلاة (وأن تكون النية) مع النقل (أي تحويل التراب إلى عضو التيمم) ومسح أول (جزء من) الوجه.

   الشرح محل التيمم الوجه واليدان إلى المرفقين كالوضوء ويقدم مسح الوجه وجوبا على مسح اليدين (يعني لا يصح أن يمسح يديه قبل وجهه، ثم لا بد أن تكون النية مع النقل، أي أن يكون هذا النقل أي تحويل التراب من الموضع الذي يأخذه منه كالأرض مع النية). ولا بد فيه من النقل ويجب أن يكون النقل إلى الوجه بنية مجزئة كنية استباحة فرض الصلاة (ولا بد من أن تكون النية مقترنة بالنقل أي تحويله من الأرض إلى العضو الممسوح، وأن تستدام هذه النية إلى مسح أول جزء من الوجه، فلو انقطعت قبله بطلت. يعني لا بد أن تبقى هذه النية موجودة إلى البدء بمسح الوجه، أما إذا بدأ بالنقل، ثم في أثناء النقل عرض له شيء آخر، فكر فيه فغابت النية عن قلبه، ثم وضع التراب على وجهه، فهنا حصل انقطاع، فلا بد أن يرجع إلى النقل من الأول، فيرجع ويضرب على الأرض، ثم ينقل مع النية بحيث لا يحصل انقطاع. وعند بعض الشافعية: إذا انقطعت النية بين النقل والمسح، لم يضر. يعني نقل مع النية، ثم انقطعت النية، ثم عند مسح الوجه كان مستحضرا لها، قال بعض الشافعية يصح). والنقل معناه تحويل التراب إلى عضو التيمم فيكون مرتين على الأقل (بحسب العادة النقل يكون مرتين، مرة للوجه ومرة لليدين، وهذا بحسب العادة، وإلا قد ينقل أكثر من ذلك، أي قد ينقل عشر مرات أو كثيرا، لكن بحسب العادة، النقل مرتان. فائدة: ويصح التيمم ولو بخرقة، فلو وضع الخرقة على التراب الذي له غبار ولم يمس التراب بيده، ثم وضعه على وجهه، ثم ضرب ثانية وأمره على يديه كفى. لكن عند ذلك لا بد له من أن يوصل التراب إلى الكفين). والذي يبطل التيمم ثلاثة أشياء ما أبطل الوضوء ورؤية الماء في غير وقت الصلاة (هذا بالنسبة للمتيمم لفقد الماء وليس للمرض، فالمتيمم للمرض لا يؤثر، وجد الماء أم لم يوجد. والمتيمم لفقد الماء إذا وجد الماء، أو توهمه كأن رأى سرابا فظنه ماء، وهو في الحقيقة ليس ماء، في غير وقت الصلاة، بطل تيممه، إلا إذا كان هناك مانع يمنعه من الوصول إلى الماء.

يعني: عرف بوجود الماء، وبنفس اللحظة عرف أن هناك مانعا لا يستطيع أن يصل إلى الماء بسببه، فهنا وجود الماء لا يبطل التيمم. أما إذا رأى الماء وعلم به وهو في الصلاة، فهنا حالان: إن كان تيمم في مكان يندر فيه وجود الماء عادة مثل الصحراء، فلا يبطل تيممه، فله أن يكمل صلاته وإن كان الأفضل قطعها ليفعلها بالوضوء. أما إن كان تيمم في مكان يغلب فيه وجود الماء، ولكنه ما وجد الماء، فعند ذلك إذا رأى الماء وهو في الصلاة، بطل تيممه) والردة.

 

   قال المؤلف رحمه الله: فصل.

   الشرح أن هذا فصل معقود لبيان ما يحرم على المحدث (المحدث هو من قام به الحدث. والحدث هو المانع. وسبب الحدث ما ينقض الوضوء. فإذا هذا فصل معقود لبيان ما يحرم على المحدث والجنب والحائض والنفساء).

 

   قال المؤلف رحمه الله: ومن (أحدث حدثا أصغر بأن) انتقض وضوؤه حرم عليه (أربعة أمور أحدها) الصلاة (فرضا كانت أو نفلا أو صلاة جنازة روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة عن النبي ﷺ قال لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ اﻫ) و (ثانيها) الطواف (فرضا كان أو نفلا) و (ثالثها) حمل المصحف (ومثله ما كتب عليه قرءان للدراسة لا للحرز) و (رابعها) مسه (أي مس ورق المصحف وجلده المتصل به وحواشيه) ويمكن من ذلك (أي من حمله بغير وضوء) الصبي (أو الصبية المميزان بشرط أن يكون ذلك) للدراسة (والتعلم فيه قال في شرح روض الطالب ولا يمنع صبي مميز من مس وحمل مصحف أو لوح يتعلم منه لحاجة تعلمه ومشقة استمراره متطهرا اﻫ لا لغير ذلك كنقله من إنسان إلى ءاخر، فلا يقال للصبي المميز إن كان محدثا أعط المصحف لفلان).

   الشرح الحدث الأصغر يحرم الصلاة (يعني لا يجوز أن يصلي الشخص وهو محدث حدثا أصغر) ولو صلاة جنازة. ويحرم الحدث أيضا الطواف بالبيت إن كان طواف الفرض أو طواف التطوع. ويحرم أيضا (أي يحرم الحدث أيضا) حمل المصحف وكذلك ما كتب من القرءان للدراسة (يعني ولو لم يكن المصحف كله، بل كانت سورة، أو ربع سورة، أو كانت سورتان، أو خمس سور للدراسة، وليس للحرز، يعني إذا لم تكن للحرز فهذه مثل المصحف كله، لا يجوز حملها من غير وضوء) ولا يحرم ما كتب لحرز (أما الحرز فيحمل ولو لم يكن الشخص على طهارة، ويعلقه ولو لم يكن على طهارة للحاجة). وكذلك يحرم الحدث (حمل و) مس المصحف أي ورقه وجلده المتصل به (أي حتى الجلد الذي من خارجه، والذي ليس مكتوبا عليه شيء من المصحف، لأن حكمه حكم المكتوب عليه، فلا يمس حتى الجلد) و (ويحرم عليه أيضا مس) حواشيه (أي حاشية الصحائف، ولو لم يكن عليها كتابة، فلا يمسها. الحاشية يعني الدائر حول نص الكتابة) إلا لضرورة كخوف تنجسه (أي إن لم يحمله يتنجس) ويستثنى من ذلك الصبي فإنه يمكن من مسه وحمله مع الحدث لغرض الدراسة والتعلم فيه لمشقة دوام طهره لكن يشترط أن يكون الصبي مميزا فلا يمكن غير المميز من ذلك.

(وأما حمل تفسير القرءان فإن كان التفسير ممزوجا بالقرءان ولم تزد حروف القرءان على حروف التفسير بل حروف التفسير أكثر فيجوز للحائض والجنب حمله، وكذلك الكتاب الذي فيه ءايات وأحاديث يستشهد بها يجوز حمله، وكذلك يجوز حمل الحرز الذي فيه ثلاث سور أو أربع أو ءاية الكرسي مثلا)

 

   قال المؤلف رحمه الله: ويحرم على الجنب هذه (الأمور الأربعة) و (أمران ءاخران أحدهما) قراءة القرءان (باللسان بحيث يسمع نفسه ولو حرفا منه بقصد تلاوة القرءان فإن حرك لسانه بحيث لا يسمع نفسه فله ذلك، فمجرد تحريك الشفتين من غير أن يسمع نفسه لا يسمى قراءة) و (ثانيهما) المكث في المسجد (أو التردد فيه لا مجرد المرور، المراد بالتردد في المسجد أن يذهب ويرجع داخل المسجد أو يذهب من ناحية إلى ناحية فيه أما مجرد المرور فيه بالدخول من باب والخروج من ءاخر فلا يحرم).

   الشرح الجنب يزيد على المحدث حرمة قراءة القرءان (حرام عليه أن يقرأ القرءان بلسانه يعني) ولو حرفا منه بقصد القراءة وحدها أو مع غيرها (إن كان قصد مثلا القراءة أو قصد القراءة وغير القراءة، طالما هو يقصد أن الذي يقوله هو من القرءان حرام عليه أن يقرأه مثل بسم الله الرحمـن الرحيم، قد يقولها وهو يقصد أنه يقرأ القرءان وقد يقولها لأجل الذكر فقط من غير قصد التلاوة بالمرة، وقد يقولها بقصد التلاوة والذكر معا، فإذا كان بقصد الذكر والتلاوة معا حرام، وإذا كان بقصد التلاوة فقط حرام) فإن قصد الذكر جاز له (أي إن قصد الذكر فقط يعني، ما قصد التلاوة بالمرة. ويجوز قراءة القرءان كله على القديم وبعض الشافعية رجحه على القول الجديد فمن عمل به فلا حرج عليه، وهو قول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كما روى ذلك البخاري في صحيحه وله أجر بالقراءة عنده). ويزيد أيضا حرمة المكث في المسجد أو التردد فيه. روى أبو داود في السنن أنه ﷺ قال (إني لا أحل المسجد لحائض ولا جنب) وهو حديث ثابت. ويخص من ذلك النبي ﷺ فإنه يجوز له المكث في المسجد مع الجنابة. (ويستثنى الكافر الجنب فإنه يجوز مكثه في المسجد جنبا بشرط أن يكون دخوله لمصلحة بإذن مسلم)

(فائدة المذهب القديم الذي قاله الشافعي لما كان في العراق، بعض أصحاب الشافعي رجح بعض ما فيه على الجديد لكن هذا نادر جدا، ذاك كان باجتهاد معتبر والجديد كذلك كان باجتهاد معتبر لكن الشافعي قال لا ءاذن بأن ينسب إلي القديم، ومع هذا رجح أصحابه نحو سبع عشرة مسئلة قالها الشافعي في القديم على ما قاله في الجديد اعتمادا على ما قاله الشافعي وهو إذا صح الحديث فهو مذهبي. هؤلاء الذين رجحوا القديم في هذه المسائل وجدوا القديم موافقا للحديث الذي صح عندهم ولم يكن ظهر للشافعي صحته فرجحوا القديـم عملا بقوله هذا، وكان كل عن اجتهاد أي القديم والجديد لأنه رضي الله عنه كان مستكملا لشروط الاجتهاد قبل أن يبدأ بالقديم)

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (يحرم) على الحائض والنفساء هذه (الأمور الستة) و (أمران ءاخران أحدهما) الصوم قبل الانقطاع (أما بعده أي بعد الانقطاع فيجوز ولو قبل الغسل. إذا انقطع دم الحيض أو النفاس يجوز أن تنوي الصيام ولو لم تغتسل بعد ولا بد من قضاء ما فاتهما من صوم رمضان بسبب ذلك) و (ثانيهما) تمكين (الزوجة) الزوج و (الأمة) السيد من الاستمتاع بما بين السرة والركبة (بنظر أو مباشرة بلا حائل أي بحيث تلتقي البشرتان أما بحائل فيجوز. المحرم المباشرة أن يباشرها بلا حائل) قبل الغسل (ولو بعد الانقطاع قال في المجموع ولا يحل الاستمتاع بها حتى تغتسل لقوله تعالى ﴿ولا تقربوهن حتى يطهرن اﻫ) وقيل لا يحرم (الاستمتاع بما بين السرة والركبة) إلا الجماع (وتحريم جماع الحائض مجمع عليه وهو من الكبائر).

   الشرح الحائض والنفساء يحرم عليهما ما يحرم على الجنب وتزيدان تحريم الصوم قبل الانقطاع أما بعد الانقطاع فيحل لهما (أن تنويا الصيام) ولو قبل الغسل، وتحريم تمكين الزوج والسيد أي سيد الأمة المملوكة من الاستمتاع بما بين السرة والركبة بلا حائل أما بحائل فيجوز (إلا الجماع، ولو كان بحائل فهو حرام).

   وأما المرور في المسجد كأن كان للمسجد بابان يدخل من أحدهما ويخرج من الآخر من دون توقف ولا تردد فيجوز إلا أن تخافا تلويثه (أي تلويث المسجد) بالدم، فإن أمنتا التلويث كره المرور.

 

   قال المؤلف رحمه الله: فصل.

   الشرح أن هذا فصل معقود لبيان اشتراط الطهارة عن النجاسة في الصلاة ولكيفية إزالة النجاسة.

 

   قال المؤلف رحمه الله: ومن شروط (صحة) الصلاة الطهارة عن النجاسة في البدن (حتى داخل أنفه وفمه. في رفع الحدث الأكبر لا يشترط أن يغسل داخل الأنف أو داخل الفم أما في الطهارة عن النجاسة للصلاة فلا بد من تطهير داخل الأنف وداخل الفم من النجاسة التي لا يعفى عنها) و (في) الثوب والمكان (الذي يلاقيه بدنه من الأرض) والمحمول له كقنينة (فيها نجس أو ورقة متنجسة) يحملها في جيبه.

   الشرح من شروط الصلاة الطهارة عن النجاسة في البدن كداخل الفم والأنف والعين وفي الثوب والمحمول له كالشىء الذي يحمله في جيبه سواء كان قنينة أو ورقة أو غير ذلك. وكذلك يشترط طهارة المكان الذي يلاقي بدنه أي يماس ذلك فلا تضر المحاذاة بلا مماسة فلو كان يحاذي بصدره نجاسة فإن ذلك لا يضر.

 

   قال المؤلف رحمه الله: فإن لاقاه (أي لاقى بدن المصلي أو ثيابه) نجس أو (لاقى) محموله (كرداء يضعه على كتفيه) بطلت صلاته (سواء كانت النجاسة يابسة أم رطبة) إلا أن يلقيه حالا (كأن وقعت نجاسة جافة على ثوبه فألقاها فورا أو وقعت على ردائه نجاسة رطبة أو يابسة فألقاه فورا فلا تبطل صلاته. إذا لاقت بدنه نجاسة هذا لا يستطيع أن يلقيها فورا إلا أن تكون جافة لأن الرطبة تنجس الموضع الذي أصابته من بدنه وكذا إذا لاقت ثوبه مثل القميص فلا يستطيع أن يلقيها فورا إلا أن تكون جافة أما إذا لاقت نحو رداء فهنا يستطيع أن يلقيها فورا سواء كانت جافة أو رطبة بأن يلقي الرداء) أو يكون (النجس) معفوا عنه كدم جرحه (فلا تبطل أيضا).

   الشرح أن من طرأ له في الصلاة نجس غير معفو عنه لاقاه أو لاقى ثوبه أو شيئا يحمله بطلت صلاته إلا أن يلقيه حالا بأن كان يابسا (إذا كان الإنسان يضع رداء مثلا ثم جاءت النجاسة الرطبة على الرداء، فألقى الرداء حالا فلا يؤثر على الصلاة، فإذا إذا ألقى الرداء إن كانت النجاسة رطبة أو جافة لا يوجد فرق لأنه ألقاها حالا، أما إن نفضه نفضا يوجد فرق. الفرق هو أن النجاسة الرطبة ولو نفضها فزالت العين لكن الموضع تنجس، إن نفضها ولم يلق الرداء حالا معناه بقيت النجاسة على محموله. العبرة في هذا الأمر أن يلقي النجاسة ولذلك قال المؤلف رحمه الله) فألقاه لا بيده أو كمه (أي ألقاه بغير نحو كمه لأنه إذا أزاله بكمه ولو لم يمسه بيده فكأنه مسه بيده، كأنه حمله) بل بنفض ثوبه مثلا أو كان رطبا فألقى المحمول في الحال من غير حمل ونحوه فلا تبطل صلاته. أما لو أزال النجس اليابس بيده أو كمه أو ألقى عين النجاسة الرطبة (أي نفضها) مع إبقاء ما تضمخ بالنجاسة عليه فسدت صلاته. ويستثنى من ملاقاة النجس وهو في الصلاة دم جرحه فإنه يعفى عنه أي يسامح فيه ولو سال ولوث الثوب.

 

   قال المؤلف رحمه الله: ويجب إزالة نجس لم يعف عنه (لصحة الصلاة وذلك) بإزالة العين (أي عين النجاسة أي جرمها وأوصافها) من طعم ولون وريح بالماء المطهر (وأما أثر لون النجاسة الذي يبقى على الثوب بعد غسله جيدا فلا يضر بل يعفى عنه والمراد هنا أنه يطهر. قال في كفاية الأخيار وإن عسر أي زوال اللون، كدم الحيض يصيب الثوب وربما لا تزول بعد المبالغة فالصحيح أنه يطهر للعسر وإن بقيت الرائحة وحدها وهي عسرة الإزالة كرائحة الخمر مثلا فيطهر المحل أيضا على الأظهر اﻫ ومثل اللون الريح فلا تجب إزالته إن عسر فإن اجتمع بقاء اللون والريح وجب إزالتهما مطلقا لقوة دلالتهما على بقاء العين، كما يدل على بقائها بقاء الطعم وحده وإن عسر زواله. فلا يزيل غيره من المائعات النجاسة إذ هو أي الماء ءالة التطهير. ءالة التطهير عن النجاسة الماء وأحيانا يكون معه التراب، وإذا غسل الموضع الذي أصابته النجاسة بماء الورد فذهب لونها وطعمها وريحها فلا يطهر. هذا في النجاسة العينية) و (أما النجاسة) الحكمية (فتزال) بجري الماء (أي يكفي لإزالتها جري الماء المطهر) عليها (أي على محلها مرة واحدة)، والنجاسة الحكمية هي (النجاسة) التي لا يدرك لها لون ولا طعم ولا ريح (كبول جف لا ريح ولا طعم ولا لون له).

   الشرح يشترط لصحة الصلاة إزالة النجس غير المعفو عنه أما المعفو عنه فلا يشترط كدم جرحه. وقد ذكر المؤلف رحمه الله هنا أن إزالة النجاسة تكون بإزالة عينها والمراد هنا إزالة جرمها وأوصافها من طعم ولون وريح فبعد إزالة جرمها يشترط إزالة أوصافها أي اللون والطعم والرائحة. وأما أثر لون النجاسة الذي يبقى على الثوب بعد غسله جيدا (وكذا الرائحة وحدها) فلا يضر بل يعفى عنه وتصح الصلاة مع وجوده.

   وقوله رحمه الله (بالماء المطهر) يفهم منه أن الشمس والريح لا تطهران بل المطهر هو الماء. وقوله (والحكمية بجري الماء عليها) يريد به أن النجاسة الحكمية وهي التي لا يدرك لها جرم ولا وصف كبول جف لا ريح له ولا طعم ولا لون تحصل إزالتها بجري الماء عليها مرة واحدة.

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (أما النجاسة) الكلبية (وهي نجاسة الكلب والخنزير وما تولد منهما أي كلب مع خنزيرة أو كلبة مع خنزير أو من أحدهما ككلب مع شاة وذئبة مع كلب أو خنزير وضبع أو من أحدهما فتكون إزالتها) بغسلها سبعا (من المرات بشرط أن تكون) إحداهن (أي إحدى هذه الغسلات) ممزوجة بالتراب الطهور (بحيث يتكدر به الماء أي يتغير لونه، ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل. لا بد أن يكون الماء ممزوجا بالتراب ويصل إلى كل المحل ويتكدر الماء بالتراب فيجري متكدرا، والأولى أن تكون الغسلة الأولى أو الأخيرة، ممزوجة بالتراب، وبعض الشافعية يقولون لا يصح إلا أن تكون الأولى أو الأخيرة)، و (الغسلة) المزيلة للعين وإن تعددت (أي الغسل المحتاج إليه لإزالة جرم النجاسة الكلبية مع الوصف من الطعم واللون والريح إن كان غسلة أو أكثر يعد غسلة) واحدة (فيبقى عليه غسل المحل ست مرات أخر) ويشترط (في إزالة النجاسة بأنواعها) ورود الماء (على النجاسة لا ورودها عليه) إن كان (الماء) قليلا (بأن كان دون القلتين لأنها إذا وردت عليه أي على الماء القليل تنجس بملاقاتها بخلاف الماء الكثير فإنه لا يشترط فيه ذلك لأنه لا يتنجس بملاقاة النجاسة إلا أن يتغير).

   الشرح النجاسة الكلبية وكذلك الخنزيرية تزال بغسلها سبع مرات إحداهن ممزوجة بالتراب الطهور كأن يوضع التراب في الماء فيكدره (أي يغير لونه ولكن ليس شرطا أن يكون بهذه الطريقة، يعني قد يوضع التراب ثم يصب الماء على التراب فيجري الماء مختلطا بالتراب، المهم أن يجري الماء مختلطا بالتراب على الموضع المتنجس، هذا هو) فإذا وصل هذا الماء الذي كدره إلى جميع المحل الذي أصابته النجاسة الكلبية أو الخنزيرية أجزأ (أي أجزأ عن الغسلة الواحدة ويحتاج إلى أن يكون هناك ست غسلات أخرى، لا يكفي غسلة واحدة) وكذلك لو كانت المرات السبع التي غسل بها ممزوجة بالتراب صح (لو كل السبعة ممزوجين بالتراب يكفي) لأن الماء لو دخله التراب يبقى طهورا (الماء إذا اختلط بالتراب فهذا التراب لا يخرجه عن الطهورية ولا يؤثر ولو تغير به إلا إذا صار طينا، أما ما لم يصر طينا يبقى طهورا، لأنه عند ذلك ما عاد ماء، إذا صار طينا صار طينا). وما يزيل الجرم مع الوصف من الغسلات يعد غسلة واحدة. ثم بين أنه يشترط في طهر المتنجس مطلقا ورود الماء على المتنجس إن كان الماء دون القلتين (ورود الماء يعني أن يكون الماء هو الذي يجري على المتنجس، هذا معنى ورود الماء، ومعنى “في طهر المتنجس” يعني في طهر كل شيء متنجس إن كان من نجاسة مغلظة أو متوسطة، لا يطهر المحل إلا بجريان الماء عليه، ويستثنى بول الصبي الذي لم يأكل الطعام يعني النجاسة المخففة يكفي فيها الرش. حتى في النجاسة المخففة لا بد أن يكون الماء واردا وإن لم يجر، فلا يصح لتطهير الثوب الذي أصابه بول الصبي أن يوضع الثوب في ماء قليل، بل لا بد أن يرش الماء عليه وإن لم يجر، يعني لا يصح أن يكون الماء مورودا، مورودا معناه النجاسة تقع فيه أو توضع فيه) ولا فرق بين المنصب من نحو أنبوبة وصاعد من نحو فوارة (لا يوجد فرق إن كان الماء يجري صعودا أو يجري نزولا، لا فرق، الشرط أن يجري، أن يكون واردا لا مورودا، فلو كان يريد الاستنجاء والماء يصعد من نحو فوارة أجزأ) فإن ورد المتنجس على الماء الذي هو دون القلتين تنجس.

والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/jK-PK0vbAL8

للاستماع إلى الدرس:  https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-15