الأحد ديسمبر 7, 2025

#14  1-7 سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام

الحمد لله الذي خلق الأشكال والألوان ولا شكل ولا لون له، والذي خلق الجهة والمكان ولا جهة ولا مكان له، سبحانه الأعلى من كل شيء قدرا، والأكبر من كل شيء عظمة وعزة وعزا، سبحانه غني عن العالمين ولا يشبه المخلوقين، والصلاة والسلام على خاتم وأفضل الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد الصادق الأمين، الذي جاء بدين الإسلام كسائر إخوانه النبيين.
هو إبراهيم بن ءازر وكان يكنى أبا الضيفان لأنه كان مضيافا كثير الكرم لمن استضافه. كان أهل بابل في العراق يتنعمون برغد العيش ويتفيئون ظلال النعم الكثيرة التي أنعمها الله تعالى عليهم، ولكنهم كانوا يتخبطون في دياجير الظلام ويتردون في وهاد الضلال والكفر، فقد نحتوا بأيديهم الأصنام واتخذوها من دون الله ءالهة وعكفوا على عبادتها، وكان عليهم حاكم ظالم مستبد يقال له نمرود بن كنعان، وكان أحد الملوك الذين ملكوا الارض وأحاط ملكه مشارق الأرض ومغاربها، فلما رأى ما هو عليه من الزعامة وما يتمتع به من سطوة الملك وقوة السلطان، ورأى ما أطبق على قومه من الجهل والفساد إدعى الألوهية ودعا قومه إلى عبادته، وقيل: كان قوم إبراهيم يعبدون الكواكب السبعة وكان لهم أصنام بشكل الشمس والقمر وأصنام بشكل الكواكب. في وسط هذه البيئة المنحرفة وفي زمن وعهد هذا الملك الجبار الكافر النمرود كان مولد إبراهيم عليه السلام، والمشهور عند أهل السير والتواريخ أنه ولد ببابل. قال أهل التواريخ والسير: أنه لما أراد الله عز وجل أن يبعث إبراهيم عليه السلام وأن يجعله حجة على قومه ونبيا رسولا اليهم، ولم يكن فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام من نبي قبله إلا هودا وصالحا عليهما السلام، ولما تقارب زمان إبراهيم أتى المنجمون الى هذا الملك نمرود وقالوا له: إعلم إنا نجد في علمنا أن غلاما يولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم، يفارق دينكم ويكسر أوثانكم في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا. فلما دخلت السنة التي وصف أصحاب النجوم لنمرود بعث نمرود هذا إلى كل امرأة حبلى بقريته فحبسها عنده إلا ما كان من أم إبراهيم زوجة ءازر والد إبراهيم عليه السلام فإنه لم يعلم بحبلها، وذلك أنها كانت جارية لم يعرف الحبل في بطنها، فجعل هذا الملك الطاغية لا تلد امرأة غلاما في ذلك الشهر من تلك السنة إلا أمر به فذبح، فلما وجدت أم إبراهيم عليه السلام الطلق خرجت ليلا إلى مغارة كانت قريبة منها فولدت فيها إبراهيم عليه السلام وأصلحت من شأنه ما يصنع بالمولود، ثم سدت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها. كانت تزوره وتطالعه في المغارة لتنظر ما فعل وكانت تأتي فتجده حيا يمص إبهامه، فقد جعل رزق إبراهيم عليه السلام في إبهامه فيما يجيئه من مصه، ولم يمكث إبراهيم عليه السلام في المغارة إلا خمسة عشر شهرا، ثم ترعرع وكبر واصطفاه الله تعالى لحمل رسالته وإبانة الحق ودعاء قومه إلى عبادة الله وحده وإلى العقيدة الصافية من الدنس والشرك، وإلى ترك عبادة الكواكب والأصنام وإلى الدخول في دين الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء. وقد ذكرت قصة إبراهيم في عدة مواضع من القرءان الكريم، تارة باختصار وتارة بالتطويل وتارة بذكر شأن من شئونه في سورة ثم شأن ءاخر من شئونه في سورة أخرى. وقد كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام كغيره من الأنبياء منذ صغره ونشأته مسلما مؤمنا عارفا بربه معتقدا عقيدة التوحيد منزها ربه عن مشابهة المخلوقات، ومدركا أن هذه الأصنام التي يعبدها قومه لا تغني عنهم من الله شيئا، وأنها لا تضر ولا تنفع لأن الضار النافع على الحقيقة هو الله تعالى وحده. يقول الله تعالى في حق إبراهيم: {ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين}، وقال الله تعالى: {ولقد ءاتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين}. ولقد كان نبي الله إبراهيم عليه السلام مفعم النفس بالإيمان بربه وعارفا به ممتلىء الثقة بقدرة الله وأن الله تعالى قادر على كل شيء لا يعجزه شيء، وكان غير شاك ولا مرتاب بوجود الله سبحانه، وكان مؤمنا بما أوحي اليه من بعث الناس بعد موتهم يوم القيامة وحسابهم في الحياة الأخرى على أعمالهم وما قدموا في هذه الحياة الدنيا. وأما قول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب أرني كيف تحيي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي}. أي ليطمئن قلبي بإجابة طلبي، لأنه من الجائز أن يعطي الله تعالى بعض الأنبياء جميع ما طلب أو أن يعطيه بعض ما طلب ولا يعطيه بعضا، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام ما كان جازما وقاطعا في نفسه بأن الله يعطيه ما سأل، لكنه كان مؤمنا بأن الله تبارك وتعالى قادر على ذلك، لكن كان عنده احتمال أن الله يريه كيف يحيي الموتى واحتمال أنه لا يريه، فأجاب الله تبارك وتعالى سؤال إبراهيم عليه السلام وأمره أن يأخذ أربعة من الطير ويتعرف على أجزائها ثم يفرقها أشلاء وأجزاء ويجعل على كل جبل منهن جزءا ثم يدعوهن إليه فيأتينه سعيا بإذن الله، فلما فعل إبراهيم خليل الرحمـٰن ما أمره الله تعالى صار كل جزء ينضم إلى مثله وعادت الأشلاء والأجزاء كما كانت وعادت الروح إلى كل طير، ورجعت الطيور الأربعة بقدرة الله ومشيئته إلى إبراهيم عليه السلام، وهو يرى ءايات الله البينات وءاثار قدرته العظيمة التي تدل أنه تعالى لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السموات فتبارك الله أحسن الخالقين أي أحسن المقدرين. نتوقف هنا ونتابع في الحلقة القادمة بإذن الله تعالى ماذا حصل حين دعا إبراهيم عليه السلام أباه إلى الإسلام.