14- غزوة بدر الكبرى
كان الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يدعو إلى الإسلام باللسان ولم يكن قد أُذن له بعدُ بالجهاد، ثم بعد هجرته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نزل الإذن بالقتال، فغزا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بنفسه سبعَ عشرة غَزوةً، وأرسل كثيرًا من السَّرايا. وفي السنة الثانية من الهجرة: كانت غزوةُ الأبواء وغزوةُ بُواطٍ وغزوةُ ذاتِ العشير وغزوةُ بدرٍ الكبرى يومَ الجمعة في السابعَ عشَرَ من رمضان. قدمت إلى قريشٍ قافلة من الشام مع أبي سفيان بن حربٍ ومعه ثلاثون رجلا، فوجّه وحثّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الناس إليها وبلغ أبا سفيان ذلك فبعث إلى مكة وأعلم قريشًا أنّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقصِدُهُ فخرج الناس من مكة سِراعًا وكانت عُدتُهم تِسعَمائة وخمسين رجلا فيهم مائةُ فرسٍ، وخرج سيدنا محمدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من المدينة المنورة ومعه ثلاثُمائةٍ وثلاثةَ عشرَ رجلا، منهم سبعةٌ وسبعون من المهاجرين والباقون من الأنصار، ولم يكن فيهم إلا فارسان وكانت الإبِلُ سبعين يتناوبون في الركوب عليها. ونزل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مضيقَ الصفراء، وجاءته الأخبارُ بأنَّ العيرَ قد قاربت بدرًا وأنَّ المشركين قد خرجوا ليمنعوا عنها. ثم رحل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونزل في بدرٍ على أدنى ماءٍ من القوم، وأشار سعدُ بنُ معاذٍ ببناء عريشٍ فعُمِلَ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وجلس عليه رسول الله ومعه أبو بكرٍ. ثم أقبلت قريشٌ فلما رءاهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: “اللَّهمَّ هذه قريشٌ قد أقبلت بخيلائها وفخرها تكذّبُ رسولك اللَّهم فنصرك الذي وعدتني”. وخرج للمبارزة من المشركين عتبةُ بن ربيعة وشيبةُ بن ربيعة والوليدُ بن عتبة فأمر النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يبارز عبيدةُ بنُ الحارث بنِ المطلب عتبةَ، وأن يبارز حمزةُ عمُّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيبةَ، وأن يبارز عليُّ بن أبي طالبٍ الوليدَ بنَ عتبة. فقتل حمزة شيبة وعليٌّ الوليد، وضرب كلُّ واحدٍ من عبيدة وعتبة صاحبَهُ، وكرَّ عليٌّ وحمزةُ على عتبة فقتلاهُ واحتملا عبيدة وقد قُطعت رجله ثم مات بعد ذلك. وتزاحف القوم ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه أبو بكرٍ على العريش وهو يقول: “اللهم إن تُهلِكْ هذه العصابةَ (أي الجماعة من المسلمين) لا تُعبدْ في الأرض، اللهمَّ أنجز لي ما وعدتني” ولم يزل كذلك حتى سقط رداؤه فوضعه أبو بكرٍ عليه وخفق رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خفقةً ثم انتبه فقال: “أبشر يا أبا بكر فقد أتى نصر الله”. ثم خرج رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من العريش يحرّضُ الناس على القتال وأخذ حَفنةً من الحصباء ورمى بها قريشًا وقال: “شاهتِ الوجوهُ” ثم قال لأصحابه: “شُدُّوا عليهم” فكانت الهزيمة. وكانت الوقعةُ صبيحة الجمعة لسبعَ عشرةَ ليلةً خلت من رمضان. وقتل عبدُ الله بنُ مسعودٍ أبا جهلٍ بنَ هشام بنِ المغيرة. واستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا، ستةٌ من المهاجرين وثمانية من الأنصار. وكانت عُدةُ قتلى المشركين في بدرٍ سبعين رجلا، والأسرى كذلك.