الإثنين ديسمبر 23, 2024

(14) شذوذ الألباني عن الجمهور فيحكم على نفسه بأنه ليس جمهوريا

   يقول ناصر الدين الألباني في تعليقه على قول الطحاوي:{ ونجتنب الشذوذ الخلاف والفرقة}، بقوله:{ قلت: يعني الشذوذ عن السنة ومخالفة الجماعة الذين هم السلف كما علمت، وليس من الشذوذ في شيء أن يختار المسلم قولا من أقوال الالخلاف لدليل بدا له، ولو كان الجمهور على خلافه خلافا لمن وهم، فإنه ليس في الكتاب ولا في السنة دليل على أن كل ما عليه الجمهور أصح مما عليه مخالفوهم عند فقدان الدليل}، اهـ، إلى أن قال:{ وأما عند الاختلاف فالواجب الرجوع إلى الكتاب والسنة، فمن تبيّن له الحق اتبعه ومن لا استفتى قلبه سواء وافق الجمهور أو خالفهم، وما اعتقد أن أحدا يستطيع أن يكون جمهوريا في كل ما لم يتبين له الحق بل إنه تارة هكذا وتارة هكذا حسب اطمئنان نفسه وانئراح صدره وصدق رسول الله إذ قال: استفت قلبك وإن أفتاك المفتون} اهـ.

الرد: إن هذه دعوة صريحة إلى ترك ما عليه جمهور الأمة ومخالفة صريحة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم:{ عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة، فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد، من أراد بُحبوحة الجنة فليلزم الجماعة}. – رواه الترمذي -.

   ومعنى الجماعة في هذا الحديث لم يرد بها الرسول صلى الله عليه وسلم الجماعة في الصلاة إنما المعنى معنى حديث ابن حبان:{ ثلاث لا يُغلُّ عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم الجماعة فإن دعوتهم تحيط مَن وراءهم}.

   وقد كتبت مجلة التمدن الإسلامي منذ أربعين سنة أنه اجتمع الألباني بالمحدث الشيخ عبد الله الهرري فقال الألباني نضع أربعة أسس الكتاب والسنة والإجماع والقياس، ثم بعد أن بدأ بالكلام قال: الإجماع إذا لم يكن معه نص لا أقبل، فقال له المحدث الهرري: أنت متلاعب اتفقنا على أن الأدلة الشرعية أربعة والآن جعلتها ثلاثة فأنا لا أمضي معك على هذا أنت تناقض نفسك قلتَ الأدلة الشرعية عليها نبني المناظرة ثم جعلتها ثلاثة.

   ودعوة الألباني أيّ إنسان أن يعمل بحديث:{ استفت قلبك وإن أفتاك المفتون}، فيه تشجيع الجهال على ترك العمل بما عليه أهل الاجتهاد والعمل بما تميل إليه نفوسهم، ولا يخفى أن الجاهل قد يميل قلبه إلى ما يخالف الشرع فكيف يترك فتوى المجتهدين المعتبرين ويعمل بما تميل إليه نفسه، وهذا الحديث كان الخطاب فيه لواصبة ومن كان مثله في الأهلية لأخذ الحكم من القرءان والحديث يأخذ بما ظهر له من الأدلة على حسب اجتهاده، وليس المراد كلَّ فرد من أفراد المسلمين وإلا لأدى ذلك إلى فوضى قال الأفوه الأودي:

لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم—–ولا سراةَ إذا جاهلهم سادوا

   والسراة: الأشراف من أهل الفهم الذين يصلحوا للقيادة، ويعلم أنه ليس كل من سمع حديثا له أهلية الاجتهاد أي استنباط الأحكام من الحديث لقوله صلى الله عليه وسلم:{ نضّر الله امراً سمع مقالتي فوعاها وحفظها وبلغها فرُبَّ حامل فقه إلى من هو أفقه منه}، – رواه الترمذي –  وفي رواية:{ ورُبَّ حامل فقه ليس بفقيه}، – رواه الترمذي أيضا – فقد أفهمنا الرسول عليه السلام بذلك أنه قد يسمع منه الشخص الحديث المتضمن للأحكام ولا يكون عنده أهلية الاستنباط ويحمله إلى من هو أفقه منه أي إلى من له أهلية الاستنباط، وفي قوله عليه السلام:{ ورُبَّ حامل فقه ليس يفقيه}، دليل على أن اللذين لا يستطيعون أن يستخرجوا الفقه من الحديث أكثر من الذين يستطيعون، وهذا موافق لقول النحويين: ربَّ للتكثير كثيرا.

   فكيف يتجرأ مثلك يا ألباني على تأليف فتاوى، وما انت إلا كما قال الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي:{ من لم يأخذ الحديث من أفواه العلماء لا يسمى محدثا بل يسمى صحفيا}، إنما المحدث كما قال الحافظ السلفي:

بادر إلى علم الحديث وكتبه—–واجهد على تصحيحه من كتبه

واسمعه من أشياخه نقلا كما—–سمعوه من أشياخهم تسعدْ بـه

   وأنت تعرف نفسك ويعرفك غيرك أنك لم تقرأ كتابا في الحديث على محدّث قرأ على غيره من المحديثين بالاتصال خلفا عن سلف، أنا تستحي من دعواك أنك محدث وأنك من أهل الفتوى وأنت مبتور مقطوع.