الأحد ديسمبر 22, 2024

(13) مَا هِىَ فَوَائِدُ تَرْكِ التَّنَعُّمِ.

        اعْلَمْ أَنَّ تَرْكَ التَّنَعُّمِ مِنْ خِصَالِ الأَنْبِيَاءِ وَالأَوْلِيَاءِ. وَالتَّنَعُّمُ هُوَ التَّوَسُّعُ فِى الْمَلَذَّاتِ مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَلُبْسُ الثِّيابِ الْفَاخِرَةِ وَاتِّخَاذُ الأَثَاثِ الْجَمِيلِ. وَالتَّنَعُّمُ يُؤَدِّى إِلَى تَرْكِ مُوَاسَاةِ الْمُحْتَاجِينَ وَقَدْ يُؤَدِّى إِلَى مَدِّ الْيَدِ إِلَى الْمَالِ الْحَرَامِ أَوْ تَرْكِ الْوَاجِبَاتِ. أَمَّا تَرْكُ التَّنَعُّمِ فَإِنَّهُ يُسَاعِدُ عَلَى الِاسْتِعْدَادِ لِلآخِرَةِ وَيُقَوِّى الْقَلْبَ لِلْعَطْفِ عَلَى الْفُقَرَاءِ لِذَلِكَ أَوْصَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُعَاذَ بنَ جَبَلٍ بِتَرْكِ التَّنَعُّمِ فَقَالَ لَهُ إِيَّاكَ وَالتَّنَعُّمَ فَإِنَّ عِبَادَ اللَّهِ (يَعْنِى الصَّالِحِينَ) لَيْسُوا بِالْمُتَنَعِّمِينَ، رَوَاهُ أَحْمَدُ فِى مُسْنَدِهِ أَىْ إِنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللَّهِ لَيْسُوا مُتَنَعِّمِينَ

 وَقَالَ ﷺ لا يَبْلُغُ الْعَبْدُ أَنْ يَكُونَ مِنَ الْمُتَّقِينَ حَتَّى يَدَعَ مَا لا بَأْسَ بِهِ حَذَرًا مِمَّا بِهِ بَأْسٌ، رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ أَىْ حَتَّى يَصِيرَ الْعَبْدُ تَقِيًّا لا بُدَّ أَنْ يَتْرُكَ بَعْضَ الْمُبَاحَاتِ خَشْيَةَ الْوُقُوعِ فِى الْحَرَامِ. أَمَّا الَّذِى لا يُقَلِّلُ مِنَ التَّنَعُّمِ فَإِنَّهُ يَقَعُ فِى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا فِى الْحَرَامِ وَإِمَّا فِى الْغَفْلَةِ وَالْغَفْلَةُ هِىَ عَدَمُ إِشْغَالِ الْوَقْتِ بِمَا هُوَ نَافِعٌ وَهِىَ سَبَبُ الْمَعَاصِى وَالْمَكْرُوهَاتِ. فَيَنْبَغِى لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكْتَفِىَ بِالْقَلِيلِ مِنَ الرِّزْقِ فَقَدْ وَرَدَ فِى الْحَدِيثِ مَا قَلَّ وَكَفَى خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ وَأَلْهَى رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ، مَعْنَاهُ الرِّزْقُ الْقَلِيلُ الْحَلالُ الَّذِى يَكْفِى الشَّخْصَ خَيْرٌ مِنَ الْكَثِيرِ الَّذِى يُلْهِى عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ. وَلْيُعْلَمْ أَنَّ كَثْرَةَ الأَكْلِ لَيْسَ مَسْتَحَبًّا فِى الشَّرْعِ فَقَدْ كَانَ الأَنْبِيَاءُ يَحْرِصُونَ عَلَى قِلَّةِ الأَكْلِ أَىْ بِحَيْثُ لا تَنْضَرُّ أَجْسَادُهُمْ لِأَنَّ قِلَّةَ الأَكْلِ الْمُؤَدِّيَةَ إِلَى ضَرَرِ الْجِسْمِ حَرَامٌ، أَمَّا الْقَدْرُ الَّذِى لا يُؤَدِّى إِلَى ضَرَرِ الْجِسْمِ فَهُوَ مَحْمُودٌ عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِحَسْبِ ابْنِ ءَادَمَ لُقَيْمَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ وَلا بُدَّ فَثُلُثٌ لِلطَّعَامِ وَثُلُثٌ لِلشَّرَابِ وَثُلُثٌ لِلنَّفَسِ رَوَاهُ التِّرْمِذِىُّ. فَيَنْبَغِى تَعْوِيدُ الْوَلَدِ عَلَى تَقْلِيلِ الأَكْلِ وَلا يَنْبَغِى الإِكْثَارُ مِنْ أَنْوَاعِ الطَّعَامِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ إِلَّا إِذَا أَكْثَرَ الأَصْنَافَ لِضَيْفٍ دَعَاهُ لِيَأْكُلَ عِنْدَهُ لِيُدْخِلَ السُّرُورَ إِلَى قَلْبِهِ أَوْ كَانَ ضَيْفًا فَأَكْثَرُوا لَهُ الأَصْنَافَ فَأَكَلَ لِيُدْخِلَ السُّرُورَ إِلَى قُلُوبِهِمْ فَلَهُ ثَوَابٌ. وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَانَ يَمْضِى عَلَيْهِ الشَّهْرُ وَالشَّهْرَانِ وَلا يُوجَدُ فِى بَيْتِهِ شَىْءٌ سَاخِنٌ، تَمْرٌ وَمَاءٌ تَمْرٌ وَمَاءٌ وَسَيِّدُنَا عِيسَى عَلَيْهِ السَّلامُ كَانَ أَكْلُهُ الشَّجَرَ وَلِبَاسُهُ الشَّعَرَ. فَيَنْبَغِى الِاقْتِدَاءُ بِالأَنْبِيَاءِ فَإِنَّهُمْ سَادَاتُ الْخَلْقِ وَعَادَاتُهُمْ سَادَاتُ الْعَادَاتِ.