الأحد ديسمبر 7, 2025

#13

   قال المؤلف رحمه الله: فصل.

   الشرح أن هذا فصل معقود لبيان ما يجب على أولياء الصبيان والصبيات وغير ذلك.

 

   قال المؤلف رحمه الله: يجب (على طريق فرض الكفاية يعني يجب هنا وجوبا كفائيا) على ولي (كل من) الصبي والصبية المميزين أن يأمرهما (أي الصبي والصبية المميزين) بالصلاة (ولو قضاء يعني إن لم يصلياها في الوقت فيأمرهما بالقضاء) ويعلمهما أحكامها بعد (أن يتما) سبع سنين قمرية (ويكون أمر الولي بالتشديد بحيث يظهر للولد أهمية الصلاة فإن ميز قبل بلوغ سبع سنين لم يجب الأمر ولكن أمره بذلك أحسن، وأما قبل التمييز فلا يقال له (صل) إنما يقال له انظر كيف الصلاة). (والولي هو أولا الأب، إن لم يفعل الأب فالأم، بعد الأم الجد والجدة من جهة الأب ومن جهة الأم، فإن لم يقم أحد من هؤلاء بهذا الفرض بلا عذر أثموا كلهم)

قال الشيخ رحمه الله علموا أولادكم الخير، إذا تعلم الولد الخير وعمل به، الآباء يستفيدون من هذا الخير، كالاستغفار للآباء، علموهم أن يقولوا كل يوم اللهم اغفر لي ولوالدي، أو رب اغفر لي لوالدي. وقال رحمه الله هذا الولد يتركونه للتلفزيون، يسهر عليه وقتا طويلا، ثم ينام، ولا يعلمونه أن يستغفر لهم، فإذا مات الوالدان لا يستغفروا لهما، لأنهم ما تعودوا على ذلك، أما الذي تعلم أن يستغفر لوالديه كل يوم، بعد موتهما يستغفر لهم)

(الولي هو أولا الأب، إن لم يفعل الأب فالأم، بعد الأم الجد والجدة من جهة الأب ومن جهة الأم، فإن لم يقم أحد من هؤلاء بهذا الفرض بلا عذر أثموا كلهم)

   الشرح أنه يجب على ولي الصبي والصبية (كالأم والأب والجد والجدة من جهة الأب ومن جهة الأم) أمرهما (بنفسه أو بطريق غيره) بالصلاة (قد يأتي الوالد بمدرس وهو الذي يأمر الولد بناء على توكيل الأب كما كان يحصل في الماضي، يأتون بشخص أكان ذكرا أو أنثى يقوم بتربية الولد وتأديبه والاعتناء به فسواء كان أمر الولي بنفسه أو بطريق غيره حصل الأمر الذي أمره الله تبارك وتعالى به. ويكون الأمر) بعد سبع سنين قمرية (أي بعد أن يكمل السبعة ودخل بالثامنة، ليس أنهى السادسة ودخل في السابعة. وجوب الأمر بالصلاة يكون إذا أتم السابعة وبدأ بالثامنة، لذلك قال المؤلف رحمه الله) أي بعد تمام سبع سنين (هجرية) على الفور إن حصل التمييز (وتمييز الولد قد يتأخر وقد يحصل قبل السبع، لكن وجوب الأمر يكون بعد سبع سنين لما جاء في الحديث عن النبي ﷺ) وذلك (أي حصول التمييز يكون) بأن يفهم الخطاب ويرد الجواب (من نحو السنة كم شهرا، الأسبوع كم يوما، أو كم مرة يأتي شهر رمضان في السنة القمرية) وبعضهم فسر التمييز بالاستقلال بالأكل والشرب والاستنجاء (أي ويحسن الاستنجاء، لأن التمييز شرط لصحة الصلاة. فإذا صار مميزا هذا الصبي وهذه الصبية وقد علمه الاستنجاء ليس عليه بعد ذلك أن يراقبه في موضوع الاستنجاء، ولو لوث هذا الصبي نفسه ليس على الولي شيء بعد التعليم) ويكون الأمر بالصلاة (وبالتالي الطهارة) بعد تعليم أحكامها وأمورها فإن تعليمهما أمورها بعد سبع سنين واجب ويكون الأمر بالصلاة بتشديد وليس بطريقة لا تشعرهما بأهمية أداء فرائض الصلوات. (بتشديد يعني إن كان لا يقوم الصبي للصلاة إلا بالتشديد فيشدد عليه، أما إذا قال له مثلا صل يا ولد من غير تشديد وقام الولد وصلى يكفي ذلك) والصبي يؤمر بالقضاء كما يؤمر بالأداء (كأن فاتته صلاة فيؤمر بقضائها أي يجب على وليه أن يأمره بذلك) وكذلك يؤمر بقضاء الصوم (كذلك بعد سبع سنين، إن فاته صوم من رمضان يأمره بقضائه) إن كان يطيقه. (أما إذا كان لا يطيق الصوم فلا يؤمر)

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (يجب على الولي وهو الوالد وكذا من يقوم مقامه أن) يضربهما (أي الصبي والصبية المميزين ضربا غير مبرح يضربه على أطرافه على يده على رجله ولا يزرق له يده أو يكسر له رجله، ضرب مؤلم لكن ليس مبرحا) على تركها (أي يضربه على ترك الصلاة) بعد (تمام) عشر سنين (قمرية فإن قيل لا يشترط تمام العشر فإن فيه خلافا لكن الشيخ رحمه الله كان مع القول بتمام العشر وذلك) كصوم أطاقاه (فيجب على الولي أمرهما بالصوم لسبع وضربهما على تركه لعشر إن كانا يطيقانه فإن لم يطيقا الصيام لم يؤمرا به).

   الشرح يجب على الأب والأم ضرب الصبي والصبية على ترك الصلاة بعد عشر سنين والصيام الذي يطيقه الصبي والصبية كذلك يجب على الآباء والأمهات الأمر به لسبع وضربهما عليه بعد إكمال عشر سنين. (فإن ترك الولي كان آثما. أما قبل العشر سنين لا يجب ضربه، لكن يجوز ضربه لتأديبه، لأن الولي له أن يؤدب الصبي والصبية بالكلام وبالضرب في محله، أي الضرب غير المبرح وعلى غير الوجه) والعبرة بالسنين القمرية لا بالسنين الشمسية أما إن كانا لا يطيقان الصيام فلا يجب الأمر بالصيام. وهذا الضرب يشترط أن يكون غير مبرح أي غير مؤد إلى الهلاك لأن الضرب المؤدي للهلاك حرام على الولي (وغيره. يعني يضربه بحيث يوجعه، ليس ضربا مؤديا للهلاك كأن يكسر له يده أو يفقأ له عينه، ولا يضربه على وجهه)

 

   قال المؤلف رحمه الله: ويجب عليه (أي على الولي) أيضا تعليمهما (أي الصبي والصبية المميزين) من (أصول) العقائد (الضرورية) و (يجب عليه أيضا أن يعلمهما من) الأحكام يجب كذا (وكذا كالصلوات الخمس وصوم رمضان) ويحرم كذا (وكذا كالسرقة والكذب ولو مزحا والزنى واللواط والغيبة والنميمة) و (يعلمهما) مشروعية السواك والجماعة (أي أن الشرع جاء بالأمر بهما ونحو ذلك. قال النووي في المجموع قال أصحابنا ويأمره الولي بحضور الصلوات في الجماعة وبالسواك وبسائر الوظائف الدينية ويعرفه تحريم الزنا واللواط والخمر والكذب والغيبة وشبهها اﻫ)

   الشرح من الواجب على الأبوين نحو أولادهما تعليم الصبي والصبية ما يجب عليهما بعد البلوغ أي من أمور الدين الضرورية التي يشترك في معرفتها الخاص والعام وهو ما كان من أصول العقيدة من وجود الله ووحدانيته وقدمه وبقائه وقيامه بنفسه ومخالفته للحوادث في الذات والصفات أي أنه لا يشبه شيئا من المخلوقات لا يشبه الضوء والظلام والإنسان والنبات والجمادات من الكواكب وغيرها وأنه ليس جسما (ولا يتغير من حال إلى حال) وأن لله قدرة وإرادة وسمعا وبصرا وعلما وحياة وكلاما (يشرح له ما معنى ذلك كله). ويعلمهما وأن محمدا عبد الله ورسوله وأنه خاتم الأنبياء (الله تبارك وتعالى ختم به الأنبياء وفضله على سائر الأنبياء والمرسلين) وأنه عربي وأنه ولد بمكة وهاجر إلى المدينة ودفن فيها (لأن الأنبياء يدفنون حيث يموتون) وأن الله أرسل أنبياء أولهم ءادم (عليه السلام، وكلهم جاؤوا بدين واحد وهو الإسلام. يقال له أن كل الأنبياء كانوا على التوحيد، والله تبارك وتعالى عصمهم من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها) وأنه أنـزل كتبا على الأنبياء (كالقرءان الكريم والإنجيل والتوراة والزبور) وأن لله ملائكة (وهم عباد مكرمون طائعون، ليسوا ذكورا ولا إناثا)، وأنه سيفني الجن والإنس والملائكة وكل ذي روح (الإنس والجن يموتون جماعة بعد جماعة، أما الملائكة فلا يموتون إلا عندما ينفخ إسرافيل الملك عليه السلام النفخة الأولى في الصور)، ثم يعادون إلى الحياة (الله تبارك وتعالى يحيي الملائكة قبل غيرهم، وينفخ إسرافيل النفخة الثانية فيبعث الله تبارك وتعالى من في القبور. وبين النفخة الأولى والثانية أربعين عاما كما قال سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. قال الله تعالى ﴿يوم ترجف الراجفة﴾ أي النفخة الأولى ﴿تتبعها الرادفة﴾ أي النفخة الثانية)، وأن الإنس والجن يجزون بعد ذلك على حسناتهم بالنعيم المقيم وعلى سيئاتهم بالعذاب الأليم، وأن الله أعد للمؤمنين دارا يتنعمون فيها تسمى الجنة، وللكافرين دارا يتعذبون فيها تسمى جهنم (لا بد من تعليمه أن الله تبارك وتعالى خلق الجنة للمؤمنين وخلق النار للكافرين) وأن الكافر حرام عليه الجنة، وأن كل من لا يؤمن بالله وبرسوله محمد كافر، وما أشبه ذلك. وكذلك تعليمهم حرمة السرقة (يشرح له أي أخذ مال الغير خفية بلا رضى منه) والكذب ولو مزحا، وحرمة الزنى وهو إدخال الذكر في فرج المرأة غير زوجته وأمته (لا بد أن يبين له ما هو الزنا وأنه حرام، لا يكفي أن يقول له الزنا حرام. فلا يخجل الإنسان من تعليم ولده الأمور التي فرضها الله علينا، لأن الله ما فرض علينا شيئا قبيحا، الطاعات كلها حسنة) و (كذلك تعليمهم حرمة) اللواط وهو إدخال الذكر في الدبر أي دبر غير زوجته وأمته (كذلك يبين له ما هو اللواط وأن الله حرمه) وتعليمهم حرمة الغيبة (وهي ذكرك أخاك المسلم في خلفه بما يكره إن كان حيا أو ميتا، صغيرا أو كبيرا) والنميمة (وهي نقل الكلام للإفساد بين اثنين أو أكثر من المسلمين) و (يعلمه أيضا) ضرب المسلم ظلما (لكن لا يقول لهما حرام عليكما، لأنه بعد ما جرى عليهما قلم التكليف) و (يعلمهم) نحو ذلك من الأمور الظاهرة. وكذلك تعليمهم أن استعمال السواك سنة (لقول النبي ﷺ السواك مطهرة للفم أي ينظف الفم تزال به الفضلاة وتنظف به الأسنان. مرضاة للرب أي يحبه الله) أخرجه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها وعن أبيها. (ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ إذا استيقظ بالليل كان يشوص فاه بالسواك، أي يستعمل السواك، معناه يكون السواك قريبا منه. فيعلمهم أن السواك سنة، أمره مهم في الدين، يزيد من ثواب الصلاة، يضاعف الثواب إلى سبعين، ويبيض الأسنان ويعطي رائحة طيبة للفم، ويساعد على الهضم، ويقوي اللثة، وينفع المعدة، ويذكر بالشهادة عند الموت، ويساعد على تسهيل خروج الروح عند النزع. السواك له فوائد كثيرة، ومع ذلك بعد كل ما أخبر به الرسول ﷺ عن السواك أكثر الناس من الذين يعلمون هذا الأمر لا يستعملون السواك. لذلك يبين الأب لابنه هذه الفوائد في الصغر حتى لا ينشأ على أن هذا شيء قرف تشمئز النفس منه، كبعض الناس الكبار يجهلون فوائده ويظنون على زعمهم أنه قرف والعياذ بالله تعالى) و (كذلك تعليمهم) أن الشرع أمر بصلاة الجماعة وما أشبه ذلك. (لكن لا يقول لهما الصلاة عليكما واجبة، بل يقول لهما الصلاة واجبة، الصوم واجب، الحج واجب. كل ذلك يجب تعليمه للصبي والصبية، أكان الولي بنفسه أو ينيب عنه من يقوم بذلك) قال ابن الجوزي في كتابه الحث على حفظ العلم في باب الإعلام بما ينبغي تقديمه من المحفوظات (أول ما ينبغي تقديمه (أي لهذا الطفل) مقدمة في الاعتقاد تشتمل على الدليل على معرفة الله سبحانه (حتى يعتقد الاعتقاد الصحيح) ويذكر فيها ما لا بد منه ثم يعرف الواجبات ثم حفظ القرءان ثم سماع الحديث)اهـ. (ولا يقال ما يقوله بعض الجهلة من الناس “ما يزال صغيرا لا يعي ما تعطونه إياه” فهؤلاء يقال لهم ما قاله الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين بعد أن ذكر مسائل الاعتقاديات واعلم أن ما ذكرناه ينبغي أن يقدم إلى الصبي في أول نشوئه فيحفظه حفظا، ثم لا يزال ينكشف له معناه في كبره شيئا فشيئا” لذلك يقولون “العلم في الصغر كالنقش في الحجر“)

فائدة: قال جندب بن عبد الله “كنا فتيانا حزاورة مع رسول الله ﷺ، فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرءان، فلما تعلمنا القرءان ازددنا به إيمانا” معناه يقدم أمر العقيدة على سائر العلوم حتى ينشأ الولد نشأة صحيحة.

فائدة: الطفل إذا صار مميزا وكان ابن سبع سنين، فيجب على وليه أن يعلمه علم الحال.

 فائدة:(لا يقال للطفل المميز دون البلوغ “إن لم تصل تدخل النار” أو “إن كذبت تدخل النار”، بمعنى أنه وإن كنت في سن التمييز دون البلوغ عليك معصية وتستحق دخول النار، لأن هذا ضد الدين ويعد كفرا. قال رسول الله ﷺ رفع القلم عن ثلاث عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل.

فائدة: ينبغي أن يبين للطفل المسلم المميز الذي لم يبلغ بعد أنه لو أدى شيئا من الواجبات على وجهه الصحيح وبنية صحيحة، فله ثواب وأجر في ذلك، وإن لم يأت به فلا تكتب عليه سيئة وليس عليه معاقبة في الآخرة. كذلك يبين له أنه إن اجتنب شيئا من المحرمات لله تعالى، فله ثواب في ذلك، وإن فعله فلا تكتب عليه سيئة وليس عليه معاقبة في الآخرة.

   قال المؤلف رحمه الله: ويجب على ولاة الأمر (من الخليفة أو نائبه) قتل تارك الصلاة (بعد إنذاره بأنه سيقتله أي إن خرج وقتها الأصلي ووقت العذر الذي بعده إن كان ولم يصل، فيقتل بالصبح بعد طلوع الشمس وبالظهر كالعصر بعد الغروب وبالمغرب كالعشاء بعد الفجر أي إن كان تركه لها) كسلا (وتهاونا لا جحودا بوجوبها. وهذا) إن لم يتب (تارك الصلاة قبل القتل وتوبته تكون بأن يصلي. فالقاعدة في ذلك أنه إذا مضى وقت الصلاة الثانية وكانت تجمع معها للعذر ولم يصلها قضاء يقتل وإلا بأن كانت التي بعدها لا تجمع معها فيقتل بعد انتهاء وقت الأولى إن لم يشرع فيها. ففي صلاة الصبح مثلا يقتل بعد توعده على تركها إذا طلعت الشمس ولم يشتغل بالقضاء وقتله يكون تطهيرا له من معصيته، لقوله ﷺ الحدود كفارات رواه البيهقي وروى البخاري ما يعطي معناه ورواه البيهقي في سننه بلفظ عن النبي ﷺ قال من أصاب ذنبا فأقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته. إذا عمل ذنبا فيه حد ثم أقيم عليه الحد لا يعذب على هذه المعصية في الآخرة ولكن يجب عليه التوبة ولا تناف بين وجوب التوبة عليه وأنه لا يعذب لإقامة الحد عليه، فإن لم يتب يبقى عليه ذنب ترك التوبة).

الشرح يجب على إمام المسلمين (أي أمير المؤمنين أي الخليفة العام أي رئيس كل المسلمين) والسلطان الذي ولاه الإمام والقاضي أن يقتل تارك الصلاة كسلا بعد إنذاره (أي بعد تهديده) أنه إن ترك الظهر مثلا إلى أن تغيب الشمس يقتله (يقولون له إن لم تصل الظهر اليوم وغربت عليك الشمس نقتلك) فإذا لم يصلها حتى غربت الشمس وجب عليه أن يقتله (لأن الظهر تجمع مع العصر أحيانا، وبعضهم قال بجواز الجمع بينهما ولو بغير عذر، كابن المنذر مثلا والقفال الشاشي، فلأجل هذا لا يقتله في وقت العصر، إنما إن دخل المغرب ولم يباشر بصلاة الظهر وصلاة العصر فيجب على الخليفة أو من يقوم مقامه أن يقتله حدا. فالقاعدة في ذلك أنه إذا مضى وقت الصلاة الثانية وكانت تجمع معها للعذر ولم يصلها قضاء يقتل، وإلا بأن كانت التي بعدها لا تجمع معها فيقتل بعد انتهاء وقت الأولى إن لم يشرع فيها، ففي صلاة الصبح مثلا يقتل بعد توعده على تركها إذا طلعت الشمس ولم يشتغل بالقضاء) ويكون هذا القتل كفارة، أي تطهيرا له (فلا يعذب في الآخرة على هذا الذنب) لأنه مسلم حيث إنه لا ينكر فرضية الصلاة. وأما تاركها جحودا فهو مرتد، فيطالبه السلطان بالرجوع إلى الإسلام، فإن رجع وإلا قتله لكفره لا للحد. وقوله إن لم يتب، أراد به أنه إن تاب قبل أن يقتل ترك من القتل (أي إن تاب هذا الذي ترك الصلاة وشرع بقضاء الصلاة ترك من القتل).

 

   قال المؤلف رحمه الله: وحكمه (أي حكم تارك الصلاة كسلا) أنه مسلم. (الرسول ﷺ قال خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من أتى بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله تبارك وتعالى عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد أن يدخله الجنة، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. والشاهد في هذا الحديث هو قول النبي ﷺ إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، ورواه أيضا ابن ماجه، ورواه أبو داود والنسائي، وهو حديث صحيح)

الشرح أن الذي يترك الصلاة كسلا إذا قتله الإمام أو نائبه حدا لتطهيره يجرى عليه أحكام المسلمين فيجب تجهيزه بالغسل والتكفين والصلاة عليه والدفن. ولا يجوز قتله لغير الإمام ومن فوض إليه الإمام الأمر. (الخليفة هو الحاكم الأول، وبعده يأتي السلطان، والقاضي هو يجري الأحكام بأمر من الخليفة أو السلطان) ومعنى قتله حدا لتطهيره أن الله لا يعذبه (في الآخرة) على هذا الذنب الذي أقيم عليه الحد فيه وهذا الحكم في كل الحدود لقوله عليه الصلاة والسلام (الحدود كفارات) رواه البيهقي وروى البخاري ما يعطي معناه. (عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال (بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيدكم وأرجلكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم (أي من تجنب هذه الأشياء) فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له (أي لا يعيد الله عليه عقوبة لذلك في الآخرة. قال النووي عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة) ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه، فبايعناه على ذلك. الرسول ﷺ قال من ابتلي بشىء من هذه القاذورات فليستتر بستر الله، وليس معناه أنه لا يجوز أن يأتي العاصي الإمام ويقول له أقم علي الحد فقد حصل معي كذا وكذا، لكن الأحسن أن يتوب ويستر على نفسه. ثم قال الرسول ﷺ فإن من يبدي لنا صفحته نقم عليه الحد، أي إذا جاء الشخص واعترف عند الحاكم أو القاضي أنه فعل هذه المعصية التي فيها حد لزم على الخليفة أو من يقوم مقامه أن يقيم عليه الحد، مثل تلك المرأة الغامدية، أي من قبيلة غامد، كانت محصنة زنت ثم ندمت على فعلها هذا، ثم جاءت إلى النبي ﷺ وقالت له أنا قد زنيت، أقم علي الحد، فأمر النبي بها فرجمت، وأثناء الرجم واحد من الصحابة الذين يرجمونها أصابه شيء من دمها فشتمها، فنهاه النبي ﷺ وقال له إنها تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له، وليس معناه أن المكس أعظم من الزنا لا، لكن لبيان عظم توبتها التي طهرت نفسها بالرجم فلا تعاقب على هذا الذنب في الآخرة.)

 

   قال المؤلف رحمه الله: ويجب على كل مسلم (وجوبا كفائيا) أمر أهله (أي زوجته ونحوها) بالصلاة (بعد أن يعلمهم أحكامها بنفسه أو بغيره).

   الشرح المراد بهذا الوجوب الكفائي والمراد بالأهل زوجته وأولاده ومن في معناهم (العبد المملوك في معناهم) فهذا إن كان عالما بنفسه فيجب عليه أن يعلمهم ما يجب عليهم عينا تعلمه من علم الدين أو يمكنهم من التعلم عند من يعلمهم فيحرم عليه عندئذ منعهم من الخروج للتعلم حتى الزوجة لا يجوز للزوج أن يمنعها من الخروج للتعلم إذا لم يكن هو عالما بذلك أو كان عالما بذلك لكنه أهمل التعليم ولم يأتها بمن يعلمها. وهذا مأخوذ من قول الله تعالى ﴿يآأيها الذين ءامنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا (معناه جنبوا أنفسكم وأهليكم النار) وقودها الناس والحجارة﴾ (فإن الأرض بعد أن يحاسب الناس عليها ترمى في جهنم لتزيدها وقودا، وكذلك الشمس ترمى في جهنم بعد أن يطمس نورها، وكذلك القمر إهانة لمن كان يعبدهما في الدنيا) قال سيدنا علي رضي الله عنه في تفسير هذه الآية علموا أنفسكم وأهليكم الخير اهـ أي أمور الدين رواه الحاكم. فمن تعلم لنفسه ضروريات علم الدين وعلم أهله فقد حفظ نفسه وأهله من نار جهنم ومن لم يفعل فقد أهلك نفسه وأهله.

 

   قال المؤلف رحمه الله: و (أمر) كل من قدر (الشخص) عليه (أي على أمره بالصلاة) من غيرهم (يعني كذلك يجب أمر من يستطيع أمره ممن تجب عليه الصلاة ولا يصلي أن يصلي، يعني إن كان يرجو أن يحصل المراد من الأمر، أما إن كان يعتقد أنه لو أمره لا يفعل فلا يجب عليه الأمر عندئذ).

  الشرح يجب على المسلم والمسلمة الأمر بالمعروف (المراد بالمعروف كل ما أوجب الله تبارك وتعالى فعله) من صلاة وصيام ونحو ذلك من الواجبات مع تعليم من يستطاع تعليمه أحكامها الضرورية إن كانوا لا يعلمون ذلك وجوبا كفائيا في حق غير أهله من سائر المسلمين. (هذا إن ظن أنه يسمع كلامه، أما إن ظن أنه لا يقبل منه فلا تجب عليه)


   قال المؤلف رحمه الله: فرائض الوضوء

   (فائدة في بعض ما جاء في فضل الوضوء. روى مسلم في صحيحه من حديث عثمان بن عفان أن رسول الله ﷺ قال من توضأ فأحسن وضوءه خرجت منه خطاياه حتى تخرج من تحت أظافره. وروى ابن حبان في صحيحه أن رسول الله ﷺ قال من توضأ كما أمر وصلى كما أمر غفر له ما تقدم من ذنبه( فالوضوء فيه فائدة كبيرة لمن أحسنه أي لمن أتقنه أي توضأ وضوءا يوافق وضوء رسول الله ﷺ. وهو أول مقاصد الطهارة، فرض عندما فرضت الصلاة وليس هو من خصائص هذه الأمة بل كان قبل ذلك، لكنه لم يكن في غير هذه الأمة الغرة والتحجيل فإنهما من خصائص هذه الأمة، لذلك قال رسول الله ﷺ إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من أثر الوضوء. رواه مسلم في صحيحه، أي أنهم بإطالة الغرة أي زيادة شىء مما حول الوجه في غسل الوجه في وضوئهم، وزيادة شىء مما فوق المرفقين والكعبين في غسل أيديهم وأرجلهم تنور لهم هذه المواضع يوم القيامة فيعرف رسول الله ﷺ من كان من أمته بهذه العلامة. وأما التيمم فهو من خصائص هذه الأمة فمن فقد الماء قبل هذه الأمة من الأمم ما كان يتيمم)

 

قال المؤلف رحمه الله: فصل.

   الشرح أن هذا فصل معقود لبيان أركان الوضوء (فروض الوضوء وأركان الوضوء شىء واحد).

 

   قال المؤلف رحمه الله: ومن شروط (صحة) الصلاة الوضوء (وهو استعمال الماء في أعضاء مخصوصة مفتتحا بالنية).

   الشرح الوضوء هو أول مقاصد الطهارة فرض عندما فرضت الصلاة (مقاصد الطهارة أربعة أولها الوضوء وثانيها الغسل وثالثها التيمم ورابعها إزالة النجاسة) والشرط في اصطلاح الفقهاء غير الركن وهو ما يتوقف عليه صحة الشىء (أي لا بد منه لصحة الشيء) وليس جزءا منه كالطهارة واستقبال القبلة بالنسبة للصلاة وأما الركن فهو جزء من الشىء ويتوقف صحة الشىء عليه كالركوع والسجود.

 

   قال المؤلف رحمه الله: وفروضه (أي أركان الوضوء) ستة.

   الشرح أن فروض الوضوء ستة أربعة عرفت بالكتاب والسنة واثنان بالسنة فغسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين هذه الأربعة دليلها الكتاب والسنة أما النية والترتيب فدليلهما الحديث (أما حديث النية فهو قوله ﷺ إنما الأعمال بالنيات. رواه البخاري في صحيحه وغيره، وأما الترتيب فبحديث إبدأوا بما بدأ الله به. أخرجه النسائي في سننه، فهذا الحديث وإن كان واردا في السعي للبدء بالصفا فإنه عام لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب).

 

   قال المؤلف رحمه الله: الأول نية الطهارة للصلاة (بالقلب، والنية قصد الشيء مقترنا بفعله، وأما إن كان قبل الشيء فلا تسمى نية وإنما تسمى عزما. إذا الفرض الأول نية الطهارة للصلاة) أو (نية) غيرها من النيات المجزئة عند غسل الوجه (أي عند غسل أول جزء منه لا قبل ذلك ولا بعده) أي مقترنة بغسله عند الإمام الشافعي وتكفي النية إن تقدمت على غسل الوجه بقليل عند مالك.

   الشرح الفرض الأول من فروض الوضوء النية (النية لا بد منها لصحة الوضوء لأن العبادة إنما تفترق عن العادة بالنية، واستدل الشافعي رضي الله عنه على وجوب النية بحديث البخاري وغيره إنما الأعمال بالنيات، قال معناه العمل لا يكون معتبرا إلا بالنية، أما الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه فلا يشترط النية بالمرة) ولا بد فيه لصحته من نية مجزئة كأن ينوي الطهارة للصلاة بقلبه فلا يكفي التلفظ بها من غير استحضارها بقلبه ويكفي أن ينوي فرض الوضوء أو الوضوء فقط (كذلك يصح) أو ينوي استباحة مفتقر إلى وضوء (أي أن ينوي استباحة شيء لا يستباح إلا بوضوء مثل حمل المصحف، فإذا قال نويت استباحة حمل المصحف يصح) كأن ينوي استباحة الصلاة أو استباحة مس المصحف فمن توضأ بنية شىء من هذه المذكورات استباح الصلاة وغيرها أي مما يحتاج إلى الطهارة. ولا تجزئ نية استباحة ما تستحب له الطهارة كنويت استباحة قراءة القرءان (لا تجزئ لأن قراءة القرءان باللسان لا تحتاج لاستباحتها إلى وضوء، لا يشترط). ويجب أن تكون هذه النية في مذهب الإمام الشافعي عند غسل الوجه أي مقترنة بغسل جزء من الوجه أي عند إصابة الماء لأول جزء (مغسول) من الوجه فإذا قرن النية بأول غسل الوجه كفت تلك النية ولو غسل جزءا من وجهه قبل هذه النية ثم نوى في أثناء غسل الوجه وجب عليه إعادة غسل ذلك الجزء (لأنه غسله بلا نية).

 

 

 

   قال المؤلف رحمه الله: (وأما الركن) الثاني (من أركان الوضوء فهو) غسل (ظاهر) الوجه جميعه (مرة واحدة. وجه الشخص تراه عند المواجهة. وحد الوجه طولا) من منابت شعر رأسه (عند غالب الناس) إلى (أسفل) الذقن (وهو مجتمع اللحيين قال في نهاية المحتاج هما العظمان اللذان تنبت عليهما الأسنان السفلى اﻫ) و (عرضا) من (وتد) الأذن إلى (وتد) الأذن (قال ابن الرفعة ولا تدخل الشحمة ولا الوتد بالاتفاق اﻫ فكل ما كان ضمن حد الوجه يجب غسله) شعرا وبشرا (لكن) لا (يجب غسل) باطن لحية الرجل (وهي الشعر النابت على الذقن. هذا أصل اللحية والذي ينبت على اللحيين يقال له العارضان، وقد يطلق على كل هذا لحية) وعارضيه (وهما الشعران النابتان على اللحيين) إذا كثفا (فعندئذ يغسل ظاهر اللحية والعارضين ولا يجب أن يغسل الباطن بخلاف ما إذا لم يكثفا فيجب غسلهما ظاهرا وباطنا، والكثيف هو ما لا ترى البشرة من خلاله يعني عند المخاطبة على حسب العادة في مجلس التخاطب. والخفيف عكسه).

   الشرح الفرض الثاني من فرائض الوضوء غسل الوجه جميعه (والأحسن أن يبدأ بغسل الوجه من أعلاه والمراد بالغسل ما يشمل الانغسال كأن يقف الشخص تحت الميزاب فيصيب الماء وجهه فهذا يسمى انغسالا لا غسلا، ويحصل الفرض بالانغماس في بركة بدلك ومن غير دلك لأن الدلك من سنن الوضوء) والمراد غسل ظاهره (أي غسل ظاهر الوجه) فلا يجب غسل باطن العين والفم والأنف (لكن يسن في الوضوء المضمضة والاستنشاق، وإن كان لا يجب غسل باطن الفم وباطن الأنف). وحد الوجه من منابت شعر الرأس باعتبار الغالب إلى الذقن (أي من منابت الشعر عند أغلب الناس، فإن كان شعر الشخص متقدما ينبت على جبهته، يأخذ جزءا من جبهته فلا بد أن يغسل هذا الجزء من الجبهة مع الشعر الذي فيه، وإذا كان الشعر متراجعا لا يوجد شعر في مقدم رأسه فلا يجب أن يبدأ من الوراء من حيث الشعر، إنما يبدأ أيضا من حيث ينبت الشعر عند غالب الناس). والذقن هو مجتمع اللحيين وهما العظمان اللذان أسفل الأذن يجتمعان في أسفل الوجه فيسمى مجتمعهما الذقن هذا حد الوجه طولا وأما حده عرضا فهو من الأذن إلى الأذن أي من وتد الأذن إلى وتد الأذن ولا يدخل الوتد فيما يجب غسله ولا تدخل الأذنان في الوجه (لأنهما من الرأس، يسن غسل الأذنين مع الوجه) ولا يجب غسلهما إنما الذي يجب غسله ما بينهما (لكن لا بد من غسل أصل الأذن حتى يتأكد أنه استوعب الوجه) فما كان ضمن هذا من شعر وبشر أي جلد فغسله فرض فمما يجب غسله الغمم وهو الشعر الذي ينبت على الجبهة لأن هذا خلاف غالب الناس. ولا يجب غسل ما ينحسر عنه الشعر كالناصية فمن كان مقدم رأسه انحسر عنه الشعر فلا يجب عليه غسله مع الوجه. ومما يجب غسله من الوجه ما يظهر من حمرة الشفتين عند إطباق الفم بخلاف ما لا يظهر عند الإطباق فإنه لا يجب غسله. ويستثنى من ذلك باطن لحية الرجل الكثيفة وباطن عارضيه الكثيفين والكثيف هو ما لا ترى البشرة من خلاله (قد يكون الشخص له جزء من لحيته كثيف وجزء خفيف، فيعامل هذا بحكم الكثيف وهذا بحكم الخفيف) فإن خف شعر اللحية والعارضين وجب غسل باطنه كذلك (أما الشارب فلا بد من إيصال الماء إلى باطنه، وكذلك لا بد من إيصال الماء إلى باطن العذار. العذار لا بد من غسل باطنه كما ظاهره. العذار هو الشعر الموازي للأذن، وكذلك الحاجب لا بد من إيصال الماء إلى باطنه ولو كان كثيفا، وهذا سهل، لا يتصور أحد أن هذا صعب حتى لا يتوسوس. الماء يصل بسهولة). قال الفقهاء يجب غسل جزء زائد على الوجه من سائر جوانب الوجه للتحقق من استيعابه وهذا يحصل بقدر قلامة ظفر (أي ما يقطع من الظفر).

 

   قال المؤلف رحمه الله: (والركن) الثالث (من أركان الوضوء هو) غسل اليدين (مرة واحدة أي الكفين والساعدين) مع المرفقين (تثنية مرفق وهو مجتمع الساعد مع العضد) وما عليهما (من شعر ولو كثف وظفر وسلعة وهي زيادة تحدث في الجسد، وشقوق وقشرة جرح).

   الشرح أن الفرض الثالث من فروض الوضوء غسل اليدين مع المرفقين ولو كانت زائدة التبست بالأصلية (كلتاهما نبتت من موضع واحد فالتبستا فلم تعرف الزائدة من الأصلية، فهنا يغسل كليهما) مع المرفقين ويقال المرفقين (يعني لو كانت يد زائدة التبست بالأصلية فما عاد يعرف أيهما الزائدة وأيهما الأصلية، فهنا لا بد من غسلهما، أي لا بد من غسل الزائدة والأصلية لأنه ما عاد يعرف أيهما الزائدة وأيهما الأصلية. هذه الزيادة إن نبتت من تحت المرفق يجب غسلها، وإن نبتت من فوق المرفق فلا بد أن يغسل ما حاذى المرفق منها، أي لا بد أن تغسل مما حاذى المرفق إلى آخرها) والمرفق هو مجتمع عظمي الساعد وعظم العضد فقوله تعالى ﴿وأيديكم إلى المرافق﴾ أي مع المرافق. فإذا ترك المرفقان لم يصح الوضوء وذلك لأنه ثبت عنه ﷺ أنه كان يغسل مرفقيه ولا يقتصر على ما قبلهما كما رواه مسلم. ولو قطع بعض ما يجب غسله وجب غسل ما بقي (مثلا، قطع نصف الساعد وبقي نصفه، فهنا يجب غسل النصف الذي بقي مع المرفق). ويجب أيضا غسل ما عليهما من شعر ولو كان كثيفا طويلا. ويجب غسل الظفر أيضا وأما الوسخ الذي تحت الظفر المانع من وصول الماء فقد قال بعضهم يعفى عنه في الوضوء وبعضهم قال لا يعفى عنه (فلا بد من إزالته، أما الذي لا يمنع وصول الماء فلا يؤثر وجوده). ويجب غسل الشق أي إذا كان في يده شقوق يجب إيصال الماء إليها أما الشوكة فإن استترت وتجاوزت الجلد فلا يجب إخراجها لغسل موضعها أما إن كانت ظاهرة لم تستتر فيخرجها وجوبا (لماذا؟ لأنه يوجد موضع تمنع وصول الماء إليه، ولو كان قليلا، فطالما يستطاع إخراجها، يخرجها). ويكفي غسل قشر الجرح ولا يجب رفعه وإزالته فلو أزاله بعد إتمام الوضوء (يعني لو توضأ، أتم وضوءه ثم أزاله) لم يجب غسل ما ظهر (عند إزالته يظهر تحته شيء كان مستورا به، ومع ذلك لا يجب غسل ما ظهر، لأنه لما توضأ رفع الحدث، ثم أزال القشر، لكن بإزالة القشر ما أحدث. إزالة القشر ليس حدثا، فلا يحتاج أن يغسل ما ظهر لأنه ما زال على وضوء).

   وقوله (وما عليهما) أي إن كان على يده سلعة أي قطعة لحم زائدة نبتت على يده فإنه يجب غسلها.

 

   قال المؤلف رحمه الله: (والركن) الرابع (من أركان الوضوء هو) مسح الرأس أو بعضه (مرة واحدة ولو كان المسح على جزء من الرأس لا شعر عليه ويجزئ المسح) ولو (كان الممسوح) شعرة (أو بعض شعرة لأنه يصدق به اسم المسح لأنه جاء في القرءان ﴿وامسحوا برءوسكم﴾ فلو مسح بعض شعرة يصدق به أنه مسح برأسه فإن المراد بالمسح أن يمسح جزءا من الرأس فلو مسح جزءا من شعر الرأس أجزأه أي إذا كان الممسوح) في حده (أي في حد الرأس بحيث لا يخرج الجزء الممسوح من الشعرة عن حد الرأس عند مدها أي مد الشعرة لجهة نزولها وإلا لم يكف. فجهة نزول شعر الناصية الوجه وشعر القرنين (أي جانبا الرأس قرب الأذنين) المنكبان ومؤخر الرأس القفا فما يخرج لا يجزئه المسح عليه. وحد الرأس من منابت الشعر غالبا إلى النقرة، ونقرة القفا حفرة في ءاخر الدماغ كما في المصباح).

   الشرح الفرض الرابع من فرائض الوضوء مسح بعض الرأس. والواجب في مذهب الشافعي رضي الله عنه مسح شىء من شعر الرأس ولو بعض شعرة أو جزءا من الرأس لا شعر عليه (يعني لا يشترط أن يمسح الشعر، بل الشرط أن يمسح جزءا من الرأس، ولو كان هذا الجزء من الرأس ليس عليه شعر. لو مسح شيئا من جلد الرأس يكفي، أو شعرة من الرأس، أو بعض شعرة من الرأس يكفي) لكنه يشترط في الشعر أن يكون في حد الرأس فلو مسح القدر الذي يخرج عن حد الرأس عند مده لجهة نزوله فلا يكفي (أي عند مد الشعر. الشعر له جهة ينزل إليها. الشعر النابت هنا ينزل إلى الخلف، والشعر النابت هنا ينزل إلى الجنب. إن كان قد مسح جزءا خارجا عن حد الرأس لا يكفي لو مد إلى جهة نزوله يكون خارجا عن حد الرأس، لا يكفي. لا بد أن يمسح ما هو ضمن حد الرأس). ولو وضع يده المبتلة أو خرقة مبتلة بالماء فوصل البلل منها إلى الرأس كفى ذلك (يعني إلى الشعر أو البشرة، وليس شرطا أن يمسح بمعنى أن يحرك يده، فلو غسل رأسه صح أيضا، ولكن بخلاف السنة).

 

   قال المؤلف رحمه الله: (والركن) الخامس (من أركان الوضوء هو) غسل الرجلين (أي القدمين وما عليهما من شعر وسلعة وظفر وشقوق) مع الكعبين (مرة واحدة وهما العظمان الناتئان الخارجان عن سمت القدم في أسفل الساق، وهذا في غير لابس الخف أما لابس الخف الذي استجمع الشروط فالواجب في حقه إما غسل الرجلين) أو مسح الخف إذا كملت شروطه.

   الشرح الفرض الخامس من فرائض الوضوء غسل الرجلين مع الكعبين وما عليهما من شعر وسلعة وشقوق ونحو ذلك وهذا في غير لابس الخف أما من لبس الخف المستوفي للشروط فيكفيه مسح الخف بدلا عن غسل الرجلين وذلك بأن يكون الخف طاهرا (الآن بدأ الكلام عن شروط الخف، فقال أن يكون طاهرا) لا نحو جلد ميتة (غير مدبوغ) ساترا لجميع القدم يمكن المشي عليه بلا نعل لحاجات المسافر عند الحط والترحال (كان في الماضي من عادتهم في السفر أن ينزلوا مرة في اليوم، فإذا نزل المسافر فله حاجات، منها جلب الماء وجلب حشيش لدابته ونحو ذلك، وإذا أراد الرحيل له حاجات أيضا، فإذا أمكنه قضاء هذه الحاجات من مكان قريب وهو لابس للخف بلا نعل، جاز له المسح عليه، فالعبرة هل يستطاع التردد لحاجات المسافر وهو لابسه أو لا عند الحط والترحال) أي الرحيل بعد الاستراحة في السفر ونحوهما وأن يبتدئ لبسهما بعد كمال الطهارة وأن يكون الخف مانعا لنفوذ الماء (الصوف الرقيق لا يمنع، وليس معنى مانعا لنفوذ الماء أنه يغطس رجله في حفرة ماء ويقف فيها ولا يدخل عليه ماء، لا، ليس هذا المراد، إنما المراد إذا مسحه أو نحو ذلك لا يدخل الماء، هذا المراد، هذا معنى مانعا لنفوذ الماء) وأما في غير ذلك فلا يكفي المسح (وأجاز الإمام أحمد المسح على الجورب كالمسح على الخف، بشرط أن يكون يمنع رؤية لون الجلد من تحته، ولو كان لا يمنع نفوذ الماء. ولكن يشترط في المسح على الجورب عند أحمد أن يعم أغلب ظاهر القدم. ظاهر القدم هو خلاف باطن القدم، فباطن القدم هو الذي يلاقي الأرض، وظاهر القدم هو الباقي، فلا بد أن يعم أغلب الظاهر عند المسح). ويمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن وابتداء المدة من حين يحدث بعد لبس الخفين ولا يشترط أن يكون للخف نعل يقيه بل يجوز المسح على الخف الذي يمشى به في الشوارع في الطين (الطين هنا يعني الوحل) لأن طين الشوارع المتنجس يعفى عنه (يجوز أن يصلي من غير أن يزيله، إلا إذا نسب إلى تقصير، كأن تعمد وضع قدمه في نجاسة. روى مالك رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله ﷺ كانوا يمشون في الطين حفاة، ثم يصلون ولا يغسلون أرجلهم). ويبطل المسح على الخفين بثلاثة أشياء بخلعهما وانقضاء المدة وما يوجب الغسل. (وكذلك لو خرج الخف عن صلاحية المسح عليه لضعفه أو لتخرقه. فإذا كان الخف مستوفيا للشروط كلها ناب المسح عن الغسل، والمسح على الخف رخصة، ويسن لمن وجد ثقلا في نفسه لعدم إلفه، أي لأنه لم يعتد عليه، لأنه خلاف الأصل وهو الغسل، فهذا ليكسر نفسه، يسن له أن يمسح حتى يكون قد اتبع الرسول ﷺ، لأن الرسول مسح، ففي هذه الحال يسن المسح بدل الغسل. أما في الأصل فالغسل أفضل، ولكن من وجد في نفسه نفورا عن المسح على الخفين يسن له أن يمسح على الخفين ليزيل أثر ذلك النفور. وقد يجب المسح على الخف وذلك كأن كان معه ماء يكفيه لو مسح على الخف، ولا يكفيه إذا غسل رجليه، فيجب المسح في هذه الحال أيضا)

 

   قال المؤلف رحمه الله: (والركن) السادس (من أركان الوضوء هو) الترتيب هكذا (أي على الوجه المذكور بأن يبدأ بغسل الوجه المقرون بالنية ثم اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين).

   الشرح الفرض السادس من فرائض الوضوء أن يبدأ بغسل الوجه المقرون بالنية ثم اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين فلو ترك الترتيب بأن قدم شيئا من هذه المذكورات على ما قبله لم يصح (ما قدمه) أما إن حصل الترتيب تقديرا فيكفي ذلك كأن غطس في ماء مع النية فخرج ولم يمكث زمنا يمكنه الترتيب الحقيقي فيه (يعني ما قعد في الماء مدة لو أراد أن يغسل وجهه، ثم يديه، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه، يستطيع ذلك. مثلا، إذا كان أحدهم يحتاج إلى دقيقة ليتوضأ، فنزل في الماء، وهو في الماء نوى، قعد ثانيتين. في ثانيتين لا يمكنه الترتيب الحقيقي، لكن ما الذي يحصل؟ إذا قعد في الماء، ولو مدة قليلة، مهما كانت قليلة أو كثيرة، وكانت كل أعضائه في الماء ونوى، فهذا يقدر تقديرا أن الحدث أولا ارتفع عن وجهه، ثم عن يديه، ثم الرأس، ثم الرجلين. يقدر تقديرا) لإمكان التقدير (يعني لماذا يجزئ؟ لأنه يمكنه أن يقدر، يمكن أن يقدر أن الحدث ارتفع على الترتيب، وليس شرطا أن يفكر الآن ارتفع الحدث عن الوجه، والآن عن اليدين وهكذا… لا، ليس شرطا، إنما يقدر أن الحدث ارتفع على الترتيب. أما قول الفقهاء لو غسل أعضاء الوضوء كلها في لحظة ارتفع حدث الوجه فقط، فلا يراد بها هنا من نزل في البحر، لأنه لو نزل في البحر يمكن تقدير الترتيب في ذلك، ولو قعد مدة قصيرة في الماء، أما الذي غسلت أعضاؤه دفعة واحدة، فيقينا لم يحصل الترتيب، لأنها غسلت كلها بلحظة واحدة، فهنا يكون قد ارتفع الحدث عن الوجه فقط)

والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين

لمشاهدة الدرس: https://youtu.be/LPrkhr84c1U

للاستماع إلى الدرس: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-13