الخميس نوفمبر 21, 2024

#12 سيدنا محمد رسول الله ﷺ

ومِنَ السابقين الأولين أيضا عثمان بن عفان الذي هاجر الهجرتين وكان يلقب بذي النورين لأنه تزوج ابنتي  رسول الله صلى الله عليه وسلم، تزوج أولا رقية فلما تُوفيت تزوج بأمِ كلثوم، قُتِلَ شهيدًا بِدَارِه يومَ الجمعة سنةَ خمسٍ وثلاثين عن نَيِفٍ وثمانينَ سنة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة. والزبيرُ بنُ العوام القرشي حواريُّ رسولِ الله عليه السلام وابنُ عمته صفيةَ بنتِ عبد المطلب، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، أسلم وعمره خمسَ عشرة وهاجر الهجرتين، وهو أول من شَهَرَ سَيْفًا في سبيل الله، عذبَهُ عمُه بالدُخان ليترك الإسلام فلم يفعل. ومن السابقين الأولين أيضا عبدُ الرحمن بنُ عوف وهو أحدُ العشرةِ المبشرين بالجنة شَهِد المشاهدَ كلها. وطلحةُ بنُ عُبيْد الله وهو أحدُ العشرةِ المبشرين بالجنة ، وتوفي رسولُ الله وهو عنه راضٍ وسماه طلْحة الخير وطلحة الفياض وطلحةَ الجوُد، وهو من الأعلام الشامخين والشجعان المشهورين وأبلى يوم أحُدٍ بلاءً عظيمًا، وكان الصديقُ إذا ذَكَر أُحُدًا قال: ذلك اليوم كلُه كان لطلحة وقى المصطفى بمُهجته وشُلّت يده بسببه، قُتِل يومَ الجَمَلَ سنة ستٍ وثلاثين وهو ابنُ أربعٍ وسبعينَ سنة رماهُ مروان بن الحكم بسهمٍ قَطَعَ رِجْلَه فَنَزَفَ حتى مات. ومن السابقين الأولين أيضًا سعدُ بنُ أبي وقاص ، أسلم وهو ابن تسع عشرة سنة، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، ، أسلَم بعد أربعة أو ستة وهو أول من رمى بسهمٍ في سبيل الله، هاجر إلى المدينة قبل المصطفى عليه السلام، وشهد المشاهدَ كلها، وكان مُجاب الدعوة، مات بالعقيق فحُمِل إلى المدينة فدفن بالبقيع سنةَ خمسٍ وخمسينَ عن بضعٍ وسبعينَ سنة، وهو ءاخرُ العشرةِ المبشرين بالجنة موتًا. ومن السابقين الأولين أيضا عثمانُ بنُ مظعونٍ الجُمَحي ، أسلم بعد ثلاثةَ عشر وهاجر الهجرتين وقبّلَهُ المصطفى عليه السلامُ بعد موته ودموعُه تجري على خدِّه وقال يومَ ماتت ابنتُه رُقَية: اِلْحَقي بسَلَفِنَا الصالح عثمانَ بنِ مظعون. ومن السابقين الأولين أيضا أبو عبيدة عامر بن الجراح الفهري القُرَشي أمينُ هذه الامة وأحُد العشرة المبشرين بالجنة،  شَهِدَ بدرًا وما بعدها وأثنى عليهِ المصطفى في الأمانة في غير ما حديثٍ نبويّ، وكان شديدًا في الإسلام بحيث قَتَل أباهُ كافرًا غضبًا لله ورسولِه، وثَبَتَ مع المصطفى في أُحُدٍ، مات في الشام سنةَ ثماني عشرة. ومن السابقين الأولين الأرْقمُ بنُ أبي الأرقم المخزوميّ، أسْلم سابعَ سبْعَةٍ أو بعدَ عَشَرَة. وأبو سلمة عبدُ الله بنُ عبد الأسدِ المخزومي أسلم بعدَ عشرة، وهو أولُ من هاجر إلى الحبشة وهو أخو المصطفى من الرضاع وهو المُكَرَمْ عنده. وخالدُ بنُ سعيد أسلم بعد هؤلاء وقيلَ بل قبْلَهُم، فقيل: ثالثًا، وقيل: رابعًا، هاجر إلى الحبشة وقدِمَ على المصطفى عليه السلام في حُنين وبعَثَهُ على صَدَقات اليمن فمات المُصطفى وهو باليَمن. وسعيد بنُ زيد ابن عم عمر بن الخطاب، وكان إسلامه قبل إسلام عمر، شهد المشاهد كلها إلا بدرًا، وكانت أخته عاتِكة تحت عمر وأختُ عمر تَحته وكان مُجاب الدعوة، مات بالمدينة سنةَ إحدى وخمسين، وقيلَ بالعقيق عن بضعٍ وسبعينَ سنة. وفاطمةُ بنتُ الخطاب أختُ عمر، أسلمت مع زوجِها سعيد بنِ زيد. وعبدُ الله مع أخيه قُدَامة وهما ابنانِ لمظعونٍ الجُمَحي. وحَطابٌ وهو ابن الحارث الجُمَحي وهاجر إلى الحبشة. وأسماءُ بنتُ الصديق زوجةُ الزُبير وأمُ ولدِه عبدِ الله وتُسمّى ذات النِطاقيْن، أسلمت بمكة وتزوجها الزبير ثم طلقها، وبقِيَتْ عند ابنِها إلى أن قُتِلَ وماتت بعدَه بقليل وكانت من أعْبَرِ النّاس للرُؤيا. وفاطمةُ بنتُ المُجَلَل القرشي أسلمت قديمًا وهاجرت إلى الحبشةِ مع زوجها حَاطِب. وفَكيهةُ بنتُ يسار زوجةٌ لحَطَاب أخي حَاطِب. وعُبيْدةُ ابنُ الحارث بنِ المُطلب بنِ عبدِ مناف، أسلم قديمًا قبلَ دخول المصطفى دارَ الأَرْقم. وخبابُ ابنُ الأَرَت، بدْرِيٌّ سُبِيَ في الجاهلية فاشترته امرأةٌ خُزاعية فأعتقتْه، وهو من السابقين الأولين المُعذَبين في دين الله، مات سنةَ سبعٍ وثلاثين. وسَلِيطٌ وهو ابنُ عمرو بنِ عبد شمس القرشي العامري هاجر الهجرتين وشهِد جميع المشاهد. وابنُ حُذافة واسمهُ خُنَيْسٌ القُرشي السَهْمي تزوج حفصةَ بنتَ عمر قبلَ المصطفى صلى الله عليه وسلّم، وهو بدريٌّ قديم. وابنُ ربيعة واسمهُ مسعود من بني عبد العُزى أسلم قبل دخولِ دار الارقم وشهِد بدرًا. ومَعْمَرُ بنُ الحارث الجُمَحي أخو حَاطب وحَطَاب شهِد بدرًا وكلَ مَشهدٍ فهذا معدودٌ من السابقين. و عبدُ الله وأبو أحمد ابنا جحش بنِ رياب أسلما قديمًا وهاجرا الهجرتين إلى الحبشة. وشبيهُ المصطفى في الخَلْقِ والخُلُق جعفرُ بنُ أبي طالب قال له المصطفى عليه السلام: أشبهْتَ خَلْقي وخُلُقي أسلم وهاجر إلى الحبشة وقدِمَ في فتحِ خَيْبَر فلاقاه الُمصطفى عليه السلام وقام واعتنقه ورءاه المصطفى في الجنة يطيرُ بجناحين. وأسماء بنتُ عُمَيْسٍ الخثْعَمِية زوجةُ عامر، أسلمت وهاجرت معه إلى الحبشة وَوَلَدت له بها محمدًا وغيره، وتزوجها بعد ذلك أبو بكر ثم علي. وعامر حليفُ ءالِ الخطاب وهو ابن ربيعةَ العنزيّ، مات سنةَ ثلاثٍ وثلاثين وقد شهِد بَدرًا وغيرها من المشاهد. وعياش يعني ابنَ أبي ربيعةَ المخزومي، وزوجُه أسماء المنسوبةُ إلى والدِها سَلَامَة هاجرت مع زوجها إلى الحبشة. ونُعَيْم ابنُ عبدِ الله العدويّ ، أسلم قبل عُمر وكتم إسلامَه ومنعَه قومُه لشرفِهِ فيهم من الهجرة لكونه كان يُموِّنُ أراملَ بني عُدَيْ وأيتامَهم. وحاطبُ وهو ابنُ عمر بنِ عبد شمس بنِ عبْدُود القرشي العامري أخو سَلِيط، هاجر الهجرتين وشهد بدرًا وما بعدها. والسائبُ بنُ عثمان بنِ مظعون، شهد بدرًا وجميع المشاهد. ورملةُ بنتُ أبي عوف زوجةُ المُطلب، أسلمت وهاجرت مع زوجها إلى الحبشة. وأُمَيْنَةُ بنتُ خَلَف بنِ أَسْعد الخُزاعية وهي زوجةُ خالدِ بنِ سعيد. وعمارُ بنُ ياسِرٍ ، هاجر الهجرتين وصلى إلى القبلتين وشهِد كلَ مشهد، وقُتِل في وقعة صفين وهو ابنُ أربعٍ وستينَ سنة. وابنُ فُهَيْرة واسمهُ عامر مولى أبي بكر، عبدٌ أسْوَد اشتراه من الطُفَيْل فأسلم فأعتقَه، وهو رفيقُ المصطفى عليه السلام والصديق رضي الله عنه في الهجرة، وشهد بدرًا. وأبو حُذَيْفة بنُ عُتْبَةَ بنِ ربيعة بن عبد شمس القرشي من فُضلاءِ الصحابةِ وأشرافهم، صلى إلى القبلتين وهاجر الهجرتين مع امرأتِه سَهْلة فولدت له بالحبشةِ محمدًا، وشهِد كل مشهدٍ وقُتل يوم اليَمامة. وصُهَيْب بنُ سِنان الكَعْبي ويُعرف بالرومي لأنه أخذَ لِسانَ الروم حين سَبَوْهُ وهو طفل، أسلم هو وعمار بن ياسرٍ في يوم والمُصطفى في دارِ الأرقم بعد نحوِ أربعينَ رجلاً. وجُنْدُب وهو أبو ذرٍ الغِفاري كان رأسًا في العلم والزهد صدوقَ اللهجة طيّب السيرة والسريرة أسلم رابعَ أربعةٍ من تابعي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأُنَيْس وكان أخًا لأبي ذر قد أسلم بعد أخيه، ثم بعدَ ذَلِكَ أَسْلَمَت أمهُما رملة، بنتُ الوَقِيعَة الغِفارية. ووافدُ ابنُ عبد الله بن عبد مناف حليفُ الخطاب بنِ نُفَيْل، أسلم قبلَ دارِ الأرقم وشهد بدرًا وما بعدها، مات في خلافةِ الفاروق. وإياسٌ وأخوه عاقل وأخوهُما خالد وأخوهُم عامر، أسلموا في دار الأرقم وشهدوا كل المشاهد، قُتل خالد يومَ الرَجِيع، وعامر يومَ اليمامة، وعاقل يومَ بدر. وعُمَيْر بنُ أبي وقاص ، قتل ببدر وعُمُره ستَ عشرةَ سنة. وفاطمةُ بنتُ ابن هاشم بنِ عبد مناف أمُ عليِّ بن أبي طالب هاجرت إلى المدينة وبها ماتت في حياةِ المصطفى. وبنتُ عامرٍ العامِرية واسمُها ضُبَاعة أسلمت بمكة. رضِيَ اللهُ عنْهُم أَجْمَعين وصدقَ اللهُ العظيم وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رضي اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْه نَصَرُوا الدين ورَفَعُوا عَلَمَ الإيمان ونَشروا الخيرَ في البلادِ ودافعوا عن رسولِ الله عليهِ الصلاةُ والسلام عِنْدَ المَواقفِ الشديدة فكانوا نِعْمَ الصحابة.  علم مشركو مكة بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فصاروا يؤذونه ويؤذون أصحابه، وكان ممن عاداه وءاذاه أبو جهل عمرو بن هشام الملعون، وعمه أبو لهب الملعون واسمه عبد العزى بن عبد المطلب، وامرأته الملعونة أم جميل بنت حرب، وكانت تحتطب الشوك فتلقيه في طريق رسول الله. وقد روي في الحديث أنه لما نزل قوله تعالى: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ صعد الرسول صلى الله عليه وسلم على الصفا ، فاجتمعت إليه قريش فقالوا ما لك؟  فقال: «أرأيتم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني»؟ قالوا بلى. فقال: «فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» قال أبو لهب: «تبا لك ألهذا دعوتنا». فأنزل الله قوله تعالى: ﴿تبت يدا أبي لهب وتب﴾، فلما سمعت زوجةُ أبي لهب وهي العوراء أم جميل أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ هذه السورة أتت أبا بكر وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وبيدها حجر ملء الكف فقالت: بلغني أن صاحبك هجاني ولأفعلن به وأفعلن، وأعمى الله بصرها عن رسوله صلى الله عليه وسلم فقال لها أبو بكر: هل ترين معي أحدا؟ فقالت: أتهزأ بي لا أرى غيرك، وصارت تذم رسول الله صلى الله عليه وسلم. فسكت أبو بكر ومضت هي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد حجبتني عنها ملائكة فما رأتني وكفاني الله شرها».    وَرَوَى الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ أَنَّهُ كَانَ لَهَبُ بنُ أَبِي لَهَبٍ يَسُبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ سَلِّطْ عَلَيْهِ كَلْبَكَ» فَخَرَجَ فِي قَافِلَةٍ يُرِيدُ الشَّامَ فَنَزَلَ مَنْزِلًا فَقَالَ: إِنِّي أَخَافُ دَعْوَةَ مُحَمَّدٍ، قَالُوا لَهُ: كَلَّا، فَحَطُّوا أَمْتَاعَهُمْ حَوْلَهُ وَقَعَدُوا يَحْرُسُونَهُ، فَجَاءَ سَبُعٌ فَانْتَزَعَهُ فَذَهَبَ بِهِ. أما أبو لهب الملعون فقد مَاتَ بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يَحْضُرْهَا بَلْ أَرْسَلَ عَنْهُ بَدِيلًا فَلَمَّا بَلَغَهُ مَا جَرَى لِقُرَيْشٍ مَاتَ غَمًّا.    ﴿مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ﴾ أَيْ مَا دَفَعَ عَنْهُ عَذَابَ اللَّهِ مَا جَمَعَ مِنَ الْمَالِ وَلا مَا كَسَبَ مِنَ الْجَاهِ.    ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ﴾ أَيْ ذَاتَ تَلَهُّبٍ وَاشْتِعَالٍ.   ﴿وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ﴾ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا أُمُّ جَمِيلٍ الْعَوْرَاءُ بِنْتُ حَرْبٍ أُخْتُ أَبِي سُفْيَانَ بنِ حَرْبٍ وَالِدِ مُعَاوِيَةَ، كَانَتِ تَنُمُّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ إِلَى الْمُشْرِكِينَ فَتُحَرِّشُ فَتُوقِدُ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ فَكَنَّى عَنْ ذَلِكَ بِحَمْلِهَا الْحَطَب.    ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّنْ مَّسَدٍ﴾ أَيْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يكون فِي عُنُقِهَا ﴿حَبْلٌ مِّنْ مَّسَدٍ﴾ أَيْ سِلْسِلَةٌ مِنْ حَدِيدٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا سُمِّيَتْ مَسَدًا لِأَنَّهَا مَمْسُودَةٌ أَيْ مَفْتُولَةٌ. أجمع كفار قريش على عداوتِه صلى الله عليه وسلم وءاذوْهُ أذىً كثيرًا إلا من عَصَم الله منهم بالإسلام وقليلٌ ما هم، وحَدِب أي عَطَفَ عليه عمُه أبو طالب وقام دونَه وحماه فمضى صلى الله عليه وسلم على أمرِ الله لا يرُدُه شيء، فمشَتْ أشرافُ قُريش إلى أبي طالب من أجل أنهم يُسَاءون أي يحصل لهم السوء من ابنِ أخيه فقالوا: إنه يسبنا ويسبُ ديننا ويُضلِّلُ ءاباءنا فإما أن تَكُفَهُ عنا وإما أن تُخَلِّيَ بيننا وبينه، فإنك على مثلِ ما نحن عليه، وتكرر قولهم له في ذلك في مرة أولى ومرةٍ ثانية ومرةٍ ثالثة وهو يردُهم ردًا جميلًا ويقول لهم قولًا رفيقًا ويذُبُ عنه صلى الله عليه وسلم ويُقوي أمره ويَشُدُ أزره ويعضدُه، فلما كان في ءاخر المرات مشوْا إلى أبي طالب وقالوا: إن لك سنًا وشرفًا فينا وإنا استنْهَيْناك من ابن أخيك فلم تنهه وإنا لا نصبرُ على شتم ءابائنا وتسفيه أحلامنا وعيبِ ءالهتنا وقالوا له: إما أن تكُفَّه أو نُنازلَه وإياك حتى يهلِكَ أحدُ الفريقين، فعَظُم على أبي طالبٍ عداوةُ قومِه وفِراقهم ومحاربتهم ولم تَطِب نفسه بتسليم المصطفى عليه الصلاة والسلامُ إليهم، فكَلَمه أبو طالبٍ في ذلك فظن أنه بدا له وأنه خاذَلَه فقال: يا عم والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترُكَ هذا الامر ما تركتُه حتى يُظهرَه الله أو أهلِك دونه  ثم بكى صلى الله عليه وسلم وَوَلى، فناداه عمه: يا ابنَ أخي قُل ما أحببت فلا أُسَلِّمُك أبدًا. فلمَا رَأت قريشٌ أن أبا طالب أبى خِذْلانه جاءوا وقالوا له: هذا عِمارة بنُ الوليد بن المغيرة أنْهَدُ فتًى في قُريش وأجملُهُم، وأعطِنا ابن أخيك محمدًا الذي خالف دينَك ودين ءابائك وفَرَّق جماعةَ قومك وسفّه أحلامهم وعاب ءالهتهم فنقتلَه وخُذ عِمارةَ بدله فاتخذه ولدًا، لك عقلُه وبصرُه، قال: بئسما تَسومونني به أكفُل لكم ولدكم وأسلم لكم ابني لتقتلوه هذا لا يكونُ أبدًا، فقال الْمُطْعِمُ بنُ عَدِي: يا أبا طالب قد أنصفك قومك وجهِدوا على التخلص مما تكرهه، قال: ما أنصفتموني، لكنك أجمعت على خِذْلاني ومُظاهرةِ القومِ عليّ فافْعل ما بدا لك، ثم تذامروا على من في القبائل منهم ممّن أسلم مع المصطفى عليه السلام فوَثَبَتْ كل قبيلةٍ على من فيهم من المسلمين يفتِنونهم عن دينهم ويعذبونَهم، فضُرِب أبو بكر ضربًا شديدًا حتى ما يَعرِف أنفَه من وجهه وحُمِل إلى منزله في ثوب فأقام برهة لا يتكلم ولا يتحرك حتى ظنوا موتَه، وفُعِل بغيره الأفاعيل كما يأتي تفصيلُه. ثم مضى رسول الله عليه الصلاةُ والسلام على حاله يجهرُ بكلمةِ التوحيد ويدعو إلى الإسلام الخاصَ والعام فكان يطوفُ على الناس في منازلهم وفي المجامع والمحافل ويقول: إن الله يأمركم أن تعبدوه ولا تُشْرِكوا به شيئًا قولوا: لا إله إلا الله، ووراءه عمُهُ أبو لهب يُكَذِّبُه ويقول: هذا يأمرُكم أن تتركوا دينَكم ودينَ ءابائكم فلا تفعلوا. ثم إن الوليدَ بنَ المغيرة اجتمعت إليه قريش وقد حَضَرَ الموسم فقال: يا معشرَ قريش إن وفودَ العرب ستقْدِمُ عليكم فأجمِعوا في صاحِبكم رَأْيًا ولا تختلفوا فيُكَذِّبَ بعضُكم بعضًا قالوا: فأنت فقل، قال: بل أنتم فقولوا أسمعْ، قالوا: نقولُ كاهن قال: والله ما هو بكاهن قد رأينا الكُهان فما هو بزمزمةِ الكاهن ولا سَجَعِه، قالوا: مجنون قال: ما هو بمجنون رأينا الجنونَ وعرفناه فما هو بمُوَسْوِس، قالوا: شاعر قال: ما هو بشاعر قد عرفنا الشعرَ رَجَزَهُ وهَزَجَه وقَرِيضَهُ ومَقْبوضَهُ ومَبْسوطَه، قالوا: ساحر قال: ما هو بساحر قد رأينا السُحار وسحرَهم فما هو بنفثه ولا عُقَدِه ، قالوا: فما تقول، قال: والله إنَّ لِقوله لحلاوة وإن أصلَه لغَدِق وإن فرعَهُ لجَنَاة، وما أنتم بقائلينَ من هذا شيئًا إلا أعرفُ أنه باطل وأقرَبُ ما يقال أن تقولوا ساحرٌ يُفَرِقُ بين المرء وأبيه وأخيه وزوجته فاحذروا سِحْرَه وميلوا واعدِلوا عنه، فتفرقوا على ذلك وجعلوا يَقْعُدون بالسُبُل زمن الموسم يُحَذرون منه كل وافدٍ وقادم فكلُ من مرَّ بهم وَصَفوه له وحَذَّروه منه فافترق الناسُ بخبرِه وصَدَرَتِ العربُ من ذلك الموسم يتحدثونَ في شأنه فشاع أمرُه وسار أي انتشرَ في الآفاق ذِكْرُه. قال بعض أهل السيَّر والتاريخ جاء من نصارى نجرانَ عِشرون رجلًا إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو بمكةَ حين بلغَهُم خَبَره من الحبشة فوجدوه بالمسجد فقعدوا إليه وكلَّموه وسألوه عن أشياء فدعاهم إلى الله وتلا عليهمُ القرءان ففاضت أعيُنهم من الدمع مما عَرَفوا من الحق واستجابوا له وأسلموا لَمّا علِموا بصدقه وعَرَفوه بوصفه في كتُبهم، وكان رجالٌ من قريش حولَ الكعبة ينظرون فجاء أبو جهلٍ فسبَّ الوفدَ وقال: خَيَّبَكُمُ اللهُ من ركْب بعثكم مَنْ وراءَكم من أهل دينكم لتأتوهم بخبر الرجل فلم يطمئنَ مجلسُكم عنده حتى فارقتُم دينَكم. وأفْحَشَ أبو جهلٍ القولَ لهم بالسب بغير سبَبٍ مُوجِبٍ لذلك فأَعْرضوا عنه وكان قولهم له سلامٌ عليكم لا نُجَاهِلُكم ليس لنا مع من هو جاهلٌ كلام ، وفيهم نزل قولُه تعالى: {سلامٌ عليكُم لا نَبْتَغي الجاهلينَ}.  ثم أتى إلى رسول الله عليه السلام ضِمَادُ بنُ ثعْلَبة وهو الأزديُّ لا السعْديّ نسبةً إلى الازْد واسمه دارُ بنُ الغوث، وكان ضِماد صاحبًا للنبيّ صلى الله عليه وسلم في الجاهلية يُطَبِّب ويَرْقي ويطلبُ العلم فقدِم مكة ليستبين أمرَه بالنَقْد وذلك أنه سمِع من سُفهاء مكة يقولون محمد مجنون فقال: لو لقيتُه لعل أن يشفيَه الله على يدي فلقيَهُ فقال: يا مُحمّد أرقيك لعل الله يشفيك فما هو إلا أن المصطفى عليه السلام خطب فقال: الحمد لله نحمده ونستعينه مَن يهده الله فلا مُضل له ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدهُ لا شريك له وأن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد فقال: أعِدْ فأعادها ثلاثًا فأسْلم للوقتِ بصدقٍ وإخلاصٍ وذهب إلى قومه.