الخميس مايو 15, 2025

#12

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صَادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:

 

(كِتَابُ) الطَّهَارَةُ وَالصَّلاةُ

(بَعْدَ أَنْ أَنْهَى الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَلامَ عَلَى مَسَائِلِ الْعَقِيدَةِ شَرَعَ فِي الْكَلامِ عَلَى أَحْكَامِ الطَّهَارَةِ وَهِيَ فِعْلُ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلاةُ مِنْ وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ كالتَّيَمُّمِ وَمَا كَانَ عَلَى صُورَتِهِ كَالْوُضُوءِ الْمُجَدَّدِ والأَغْسَالِ الْمَسنونَةِ. هَذَا أَحَدُ تَعَارِيفِ الطَّهَارَةِ، هِيَ فِعْلُ مَا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلاةُ وَمَا كَانَ عَلَى صُورَتِهِ، مَثَلًا الْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ؛ وَاحِدٌ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ جَدَّدَ وُضُوءَهُ فَهَذَا الْوُضُوءُ الْمُجَدَّدُ يُسَمَّى طَهَارَةً لَكِنَّهُ طَهَارَةٌ لا تُسْتَبَاحُ بِهَا الصَّلاةُ لِأَنَّ الصَّلَاةَ أُبِيحَتْ بِالوُضُوءِ الْمَفْرُوضِ الَّذِي رَفَعَ الحَدَثَ إِنَّمَا هَذَا الْوُضُوءُ صُورَتُهُ كَصُورَةِ الْوُضُوءِ الَّذِي تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلاةُ، وَكَذَلِكَ الْغُسْلُ الْمَسْنُونُ كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ يُسَمَّى طَهَارَةً مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ غُسْلًا يَرْتَفِعُ بِهِ الْحَدَثُ وَلَيْسَ فِعْلًا تُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلاةُ إِنَّمَا هُوَ عَلَى صُورَتِهِ أَيْ عَلَى صُورَةِ الْغُسْلِ الَّذِي يَرْتَفِعُ بِهِ الْحَدَثُ وَتُسْتَبَاحُ بِهِ الصَّلاةُ. وَالصَّلاةُ وَهِيَ أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ. قَالَ فِي أَسْنَى الْمَطَالِبِ هِيَ لُغَةً الدُّعَاءُ بِخَيْرٍ قَالَ تَعَالَى ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ﴾ أَيِ ادْعُ لَهُمْ وَشَرْعًا أَقْوَالٌ وَأَفْعَالٌ مُفْتَتَحَةٌ بِالتَّكْبِيرِ مُخْتَتَمَةٌ بِالتَّسْلِيمِ اﻫ.) 

 مَا حُكْمُ تَارِكِ الصَّلاةِ وَمَاذَا وَرَدَ فِى وَعِيدِ تَارِكِهَا.

        مَنْ تَرَكَ الصَّلاةَ كَسَلًا عَلَيْهِ ذَنْبٌ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَمَّا مَنْ تَرَكَهَا مُسْتَخِفًّا بِهَا أَوْ مُنْكِرًا لِوُجُوبِهَا فَهُوَ كَافِرٌ وَعِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ قَوْلٌ بِأَنَّهُ كَافِرٌ بِلا تَفْصِيلٍ. أَمَّا حَدِيثُ مُسْلِمٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَبَيْنَ الْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ ظَاهِرَهُ الَّذِى هُوَ تَكْفِيرُ تَارِكِ الصَّلاةِ إِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّهُ يُشْبِهُ الْكَافِرَ وَذَلِكَ تَعْبِيرٌ عَنْ عُظْمِ ذَنْبِهِ حَيْثُ شَبَّهَهُ بِالْكَافِرِ الَّذِى لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ﷺ. وَقَدْ وَرَدَ فِى وَعِيدِ تَارِكِ الصَّلاةِ أَنَّهُ يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ وَأُبَىِّ بنِ خَلَفٍ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَنَّهُ يَكُونُ مَعَهُمْ فِى بَعْضِ عَرَصَاتِ الْقِيَامَةِ أَىِ الْمَوَاقِفِ الَّتِى يَقِفُهَا فِى أَرْضِ الْقِيَامَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ فِى جَهَنَّمَ لَكِنْ لا يُعَذَّبُ مِثْلَ عَذَابِهِمْ. وَأَوَّلُ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ الْعَبْدُ فِى قَبْرِهِ بَعْدَ الإِيمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ هُوَ الصَّلاةُ.

 

 قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ الصَّلَوَاتِ الْوَاجِبَةِ وَمَوَاقِيتِهَا.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَمِنَ الْوَاجِبِ (عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ) خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ.

   (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَلا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكِمْ وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَخَيْرٍ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ وَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ فِي سُنَنِهِ. قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ (ذِكْرُ اللَّهِ) أَيِ الصَّلاةُ وَمَعْنَاهُ أَنَّ أَفْضَلَ الْوَاجِبَاتِ بَعْدَ الإِيـمَانِ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْوَرِقُ أَيِ الْفِضَّةُ. وَحَمْلُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى الذِّكْرِ الْمُطْلَقِ تَحْرِيفٌ لِلْحَدِيثِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اشْتِغَالَ الْمَرْءِ بِالتَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ بِلِسَانِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الأَذْكَارِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ بَلِ الْمَعْنَى أَنَّ ذِكْرَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ أَكْبَرُ مِنْ ذِكْرِ الْعَبْدِ رَبَّهُ. وَقَدْ نَبَغَتْ طَائِفَةٌ تَنْتَسِبُ لِلطَّرِيقَةِ النَّقْشَبَنْدِيَّةِ تُفَضِّلُ طَرِيقَتَهَا عَلَى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى حَمْلًا لِلذِّكْرِ الْوَارِدِ فِي الآيَةِ عَلَى مَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ ذِكْرِهِمُ الِاسْمَ الْمُفْرَدَ (اللَّه) فِي قُلُوبِهِمْ عَدَدًا مُعَيَّنًا، وَحَصَلَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الشَّاذِلِيَّةِ وَهَذَا ضِدُّ الدِّينِ وَتَكْذِيبٌ لِقَوَاعِدِهِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا)

الشَّرْحُ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ وَاجِبَةٌ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الْخَمْسِ فَيُفْهَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْوِتْرَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَأَنَّ مَنْ تَرَكَ نَوَافِلَ الصَّلَوَاتِ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَسُنَّةِ الْعَصْرِ وَغَيْرِهِمَا فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَهُوَ كَذَلِكَ.

(القَاعِدِةَ أَنَّ مَنْ تَرَكَ سُنَّةً مِنَ السُّنَن لَا إِثْمَ عَلَيْهِ أكَانَت مِنْ سُنَنِ الفَرَائِض أَوْ كَانَتْ وِتْرًا أَوْ غيْرَ َذِلكَ مِنَ السُّنَن. وَأَمَّا صَلاةُ الْوِتْرِ فَهِيَ سُنَّةٌ مَؤَّكَدةٌ لَا يُؤَاخَذُ مَنْ تَرَكَهَا. عِنْدَ الحَنَفيَّةِ هِيَ وَاجِبٌ يَعْنِي أَقَلَّ مِنَ الفَرْضِ وَعَلَى تَارِكِهَا بِلَا عُذْرٍ إِثْمٌ أَمَّا جُمْهُورُ الأُمَّةِ فَيَقُولُونَ لَا لَيْسَ عَلَيْهِ إِثْمٌ تَارِكُ الوُتْرِ)

 وَأَمَّا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ (مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) فَمَعْنَاهُ مَنْ تَرَكَ شَرِيعَتِي (أَيْ القُرْءَانَ وَالحَدِيثَ) وَهُوَ كَارِهٌ طَرِيقَتِي الَّتِي جِئْتُ بِهَا فَهُوَ كَافِرٌ (مَعْنَاهُ مَنْ تَرَكَ القُرْءِانَ وَالحَدِيثَ وَهُوَ كَارِهٌ طَرِيقَةَ النَّبِيِّ ﷺ الَّتِي أَوْحَى اللَّهُ بِهَا إِلَيْهِ، فَهُوَ كَافِرٌ. الرَّسُولُ ﷺ جَاءَ بِإِثْبَاتِ القِيَامِ وَالتَّهَجُّدِ بِالْلَيْلِ وَجَاءَ بِإِثْبَاتِ الزَّوَاجِ أَيْ حِلِّ النِّكَاحِ وَجَاءَ بِإِبَاحَةِ نَوْمِ بَعْضِ اللَيْلِ وَصَوْمِ بَعْضِ الأَيَامِ وَإفْطَارِ بَعْضِهَا فَمَنْ لَمْ يُعْجِبْهُ هَذَا فَكَرِهَ هَذَا فَهُوَ لَيْسَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ كَافِرٌ. مَنْ كَرِهَ شَيْئًا جَاءَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنَ التَّشْريِعِ فَهُوَ كَافِرٌ) وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا صَلَاةَ وَاجِبَةٌ غَيْرُ هَؤُلَاءِ الْخَمْسِ وَأَنَّهُ لَا مُؤَاخَذَةَ عَلَى الشَّخْصِ بِتَرْكِ النَّوَافِلِ الْحَدِيثُ الْمَرْفُوعُ (إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ) حَدِيثُ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا ثَائِرَ(الرَّأْسِ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فَقَالَ(خَمْسُ صَلَوَاتٍ قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا قَالَ ﷺ لَا إِلَّا أَنْ تَتْطَوَّعَ ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْنِي بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الصِّيَامِ قَال صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَان قَالَ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُ؟ قَالَ ﷺ (لَا إِلَّا أَنْ تَتْطَوَّعَ) ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْنِي بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنَ الزَّكَاةِ فَعَلَّمَهُ شَرَائِعَ الإِسْلَامِ (أَيْ عَلَّمَهُ كُلَّ شَىْءٍ هُوَ فَرْضٌ وَكُلَّ شَىْءٍ هُوَ حَرَامٌ) فَوَلَّى الرَّجُلُ (أَيْ ذَهَبَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ) وَهُوَ يَقُولُ وَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالنُّبُوَّةِ (أَيْ أَحْلِفُ بِاللَّهِ الَّذِي أَكْرَمَكَ بِالنُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ) لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيَّ شَيْئًا (مَعْنَاهُ حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَتَطَوَّعُ أَيْ لَا يُصَلِّي السُّنَّةَ وَلَا يَصُومُ النَّفْلَ) فَقَالَ (أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِنْ صَدَقَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِ الصِّيَامِ. فَقَوْلُهُ (أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِنْ صَدَقَ) أَيْ فِيمَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ شَيْئًا مِنَ النَّوَافِلِ وَلَا يَتْرُكُ شَيْئًا مِمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمِ لِأَنَّهُ كَانَ عَلَّمَهُ مَا هُوَ فَرْضٌ وَمَا هُوَ حَرَامٌ.

وَإِذَا عُلِمَ هَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا شَاعَ عِنْدَ بَعْضِ الْعَوَامِّ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ إِنَّ الرَّسُولَ قَالَ مَنْ لَمْ يُصلِّ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِي (هَذَا كَلَامٌ فَاسِد مَا لَهُ أَصْل مَنْ فَهِمَهُ عَلَى الظَّاهِرِ يَكْفُر. سُنَّةُ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاِء وَالْصُّبْحِ هَذِهِ مَنِ اعْتَبَرَهَا فَرْضًا وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْهَا لَيْسَ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ يَكْفُرُ) وَ (إِذَا عُلِمَ هَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا شَاعَ عِنْدَ بَعْضِ الْعَوَامِّ مِنْ) قَوْلِ بَعْضِهِمْ إِنَّهُ قَالَ ﷺ مَنْ لَمْ يُصَلِّ سُنَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ عَلَى وَجْهِهِ قِطْعَةُ لَحْمٍ (عَلَى زَعْمِهِم. أَيْ مِنْ شَدَّةِ خَجَلِهِ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَا لَهُ وَجْهٌ لِيُقَابِلَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَهٰذَا اعْتِقَادٌ فَاسِدٌ) وَ (إِذَا عُلِمَ هَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا شَاعَ عِنْدَ بَعْضِ الْعَوَامِّ مِنْ) قَوْلِ بَعْضِهِمْ إِنَّهُ ﷺ قَالَ مَنْ لَمْ يُصَلِّ سُنَّتِي لَمْ تَنَلْهُ شَفَاعَتِي، يُرِيدُونَ بِهِ النَّوَافِلَ (أَيْ يُرِيدُونَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُصَلِّ النَّوَافِلَ يُحْرَمُ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ شَفَاعَةِ الرَّسُولِ ﷺ عَلَى زَعْمِهِمْ. كَيْفَ مَنْ تَرَكَ السُّنَّةَ يُحْرَمُ مِنَ الشَّفَاعَةِ؟! وَثَبَتَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتي) فَكُلُّ ذَلِكَ (أَيْ هَذِهِ الأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ خِلَافُ الشَّرْعِ لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ) كَذِبٌ عَلَى الرَّسُولِ وَضَلَالٌ (فَحَذِّرُوا مِنْهَا وَعَلِّمُوا النَّاسَ أَنَّ هَذَا الكَلَامَ فَاسِدٌ لَا يُرْضِي اللهَ وَرَسُولَهُ ﷺ) وَلَا يَنْفَعُهُمْ قَصْدُهُمْ بِذَلِكَ حَثَّ النَّاسِ عَلَى النَّوَافِلِ (لِأَنَّ مَنْ صَلَّى الصَّلَاةَ الْمَفْرُوضَةَ عَلَى عَقِيدَةٍ صَحِيحَة أَيْ بَعْدَ مَعْرِفَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ كَمَا يَجِبُ ثُمَّ تَطَهَّرَ طُهُورًا صَحِيحًا ثُمَّ صَلَّى الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ عَلَى الوَجْهِ الصَّحِيحِ وَأَدَّى الوَاجِبَاتِ وَاجْتَنَبَ الْمُحَرَّمَاتِ فَهَذَا العَبْدُ التَّقِيُّ وَلَوْ لَمْ يُؤَدِّ السُّنَن. وَقَدْ قَالَ ﷺ فِيمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ. فَإِذًا، الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ الوَاجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي اليَوْمِ وَاللَّيْلَةِ. وَلَمَّا كَانَتْ مَعْرِفَةُ أَوْقَاتِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ وَاجِبَةً عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ شَرَعَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَيَانِهَا)

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الظُّهْرُ (وَبَدَأَ بِهَا رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهَا أَوَّلُ صَلاةٍ صَلَّاهَا النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِي غَدِ لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ، يَعْنِي الْيَوْمَ الَّذِي يَلِي لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ جِبْرِيلُ جَاءَهُ فَأَمَّهُ فِي صَلاةِ الظُّهْرِ، لِذَلِكَ بَدَأَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِذِكْرِهَا) وَوَقْتُهَا إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ (أَيْ مَالَتْ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إِلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ وَيَمْتَدُّ وَقْتُهَا) إِلَى مَصِيرِ ظِلِّ كُلِّ شَىْءٍ مِثْلَهُ غَيْرَ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ (أَيْ إِلَى أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ الشَّاخِصِ مِثْلَ الشَّاخِصِ زَائِدًا عَلَى ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ فَبِهَذَا يَكُونُ انْتَهَى وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ، وَظِلُّ الِاسْتِوَاءِ هُوَ الظِّلُّ الَّذِي يَكُونُ حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ إِنْ كَانَ) وَ (أَمَّا الصَّلاةُ الثَّانِيَةُ فَهِيَ صَلاةُ) الْعَصْرِ وَ (يَدْخُلُ) وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الظُّهْرِ (بِلا فَاصِلٍ بَيْنَهُمَا وَيَمْتَدُّ) إِلَى مَغِيبِ (كَامِلِ قُرْصِ) الشَّمْسِ وَ (أَمَّا الصَّلاةُ الثَّالِثَةُ فَهِيَ صَلاةُ) الْمَغْرِبِ وَ (يَدْخُلُ) وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ مَغِيبِ (كَامِلِ قُرْصِ) الشَّمْسِ (وَيَمْتَدُّ) إِلَى مَغِيبِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ (وَهُوَ حُمْرَةٌ تَظْهَرُ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ فِي جِهَةِ الْغُرُوبِ) وَ (أَمَّا الصَّلاةُ الرَّابِعَةُ فَهِيَ صَلاةُ) الْعِشَاءِ وَ (يَدْخُلُ) وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ (وَيَمْتَدُّ) إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ (وَهُوَ الْبَيَاضُ الْمُعْتَرِضُ فِي الأُفُقِ الشَّرْقِيِّ الَّذِي يَبْدُو دَقِيقًا ثُمَّ يَنْتَشِرُ وَيَتَوَسَّعُ) وَ (أَمَّا الصَّلاةُ الْخَامِسَةُ فَهِيَ صَلاةُ) الصُّبْحِ وَ (يَدْخُلُ) وَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الْعِشَاءِ (وَيَمْتَدُّ) إِلَى طُلُوعِ (أَوَّلِ جُزْءٍ مِنَ) الشَّمْسِ.

   الشَّرْحُ تَجِبُ مَعْرِفَةُ أَوْقَاتِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَسَائِرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ أَحْكَامِهَا الضَّرُورِيَّةِ. (بَدَأَ الْمُؤَلِّف رَحِمَهُ اللَّهُ بالظُّهْرِ لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَام عِنْدَمَا جَاءَ إِلَى الرَّسُولِ ﷺ في غَدِ لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ أَوَّلَ مَا صَلَّى بالرَّسُولِ صَلَّى الظُّهْرَ. قَبْلَ لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ الرَّسُولُ ﷺ كَانَ فُرِضَ عَلَيْهِ صَلَاةُ اللَّيْلَ وُيَقالُ صَلَاةُ العَتَمَةِ أَمَّا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثُ الرَّسُولُ ﷺ مَا وَرَدَ فِي الحَدِيثِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِنَّمَا كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيثِ كَانَ يَصْعَدُ إِلَى غَارِ حِرَاءَ يَخْتَلِي هُنَاك لِيَتَعَبُّدَ بِالتَّفَكُّرِ فِي مَخْلُوقَاتِ اللهِ تَعَالى. ثمَّ بَعْدَ أَنْ بُعِثَ ﷺ فُرِضَ عَلَيْهِ كَمَا فُرِضَ عَلى أُمَّتِهِ صَلَاةُ العَتَمَةِ ثمَّ لَيْلَةَ الْمِعْراجِ فُرِضَ عَلَيْهِ خَمْسُ صَلَواتٍ لَكِنْ بِأَجْرِ خَمْسِينَ. ثُمَّ فِي غَدِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ جَاءَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَصَلَّى بِهِ الظُّهْرَ، لِذٰلِكَ بَدَأَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِصَلَاةِ الظُّهْرِ، وَإِلَّا بَدَأُ اليَوْمِ يَكُونُ بِصَلَاةِ الصُّبْحِ)

 وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (إِنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ الَّذِينَ يُرَاعُونَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالأَظِلَّةَ لِذِكْرِ اللَّهِ) أَيْ لِلصَّلاةِ، حَسَّنَهُ الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ فِي الأَمَالِي وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَخْرَجَهَا الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ زِيَادَةُ ذِكْرِ (النُّجُومِ) (مَعْنَاهُ الَّذِي يُرَاعِي الشَّمْسَ وَالْأَظِلَّةَ كَمَا قَالَ الرَّسُولُ ﷺ فَيَعْرِفُ مِنْ مَرَاعَاةِ الظِلِّ دُخُولَ وَقْتِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ كَذَلِكَ بِمُرَاقَبَةِ غُرُوبِ الشَّمْسِ يَعْرِفُ وَقْتَ دُخُولِ الْمَغْرِبِ وَبِطَلُوعِ الشَّمْسِ يَعْرِفُ انْتِهَاءَ وَقْتِ الصُّبْحِ يَكُونُ عَلَى خَيْرٍ عَظِيمٍ. وَالقَمَرُ أَيْضًا يُسْتَفَادُ مِنْهُ، يُعْرَفُ مِنْهُ فِي بَعْضِ الأَيَامِ دُخُولُ وَقْتِ العِشَاءِ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي العِشَاءَ لِسُقُوطِ القَمَرِ لِثَالِثَةٍ أَيِ الَلِيْلَةِ الثَّالِثَةِ عِنْدَمَا يَغِيبُ القَمَرُ. هُوَ القَمَرُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ، إِذَا رُؤِيَ الهِلَالُ يُرَى إِلَى قَرِيبِ نِصْفِ سَاعَةٍ، ثُمَّ فِي اليَوْمِ الثَّانِي إِذَا رُئِيَ يُرَى إِلَى قَرِيبِ السَّاعَةِ، ثُمَّ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ عِنْدَمَا يَغِيبُ يَكُونُ عَلَامَةً عَلَى دُخُولِ وَقْتِ العِشَاءِ وَانْتِهَاءِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ. النُّجُومُ أَيْضًا يُهْتَدَى بِهَا لِمَعْرِفَةِ اتِّجَاهِ القِبْلَةِ وَلِمَعْرِفَةِ دُخُولِ وَقْتِ العِشَاءِ، فَقَدْ وَرَدَ فِي الحَدِيثِ أَنَّهُ إِذَا تَشَابَكَتِ النُّجُومُ الصَّغِيرَةُ فَإِنَّ وَقْتَ العِشَاءِ دَخَلَ. مَعْنَاهُ عِنْدَمَا تَتَشَابَكُ النُّجُومُ أَيْ تَتَكَاثَرُ يَكُونُ الشَّفَقُ الأَحْمَرُ قَدْ غَابَ. فَهٰذَا دَلِيلُ الفَلَّاحِ الَّذِي يَشْتَغِلُ بِهٰذَا وَيَعْرِفُ دُخُولَ الْمَوَاقِيتِ، فَهٰذَا مِنْ خِيَارِ عِبَادِ اللَّهِ) وَلَمْ يَكُنْ فِي أَيَّامِ الصَّحَابَةِ هَذِهِ الآلَاتُ الْمَوْضُوعَةُ لِمَعْرِفَةِ الْوَقْتِ بَلْ كَانُوا يَعْرِفُونَهُ بِالْمُرَاقَبَةِ الْعِيَانِيَّةِ. (أَيْ: كَانُوا يُرَاقِبُونَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ وَالأَظِلَّةَ بِأَعْيُنِهِمْ لِمَعْرِفَةِ أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ، وَالْمُرَاقَبَةُ بِالعَيْنِ فِيهَا أَجْرٌ، بِدَلِيلِ الحَدِيثِ إِنَّ خِيَارَ عِبَادِ اللَّهِ) وَمَعْرِفَةُ الْمَوَاقِيتِ الأَصْلِيَّةِ الَّتِي عَلَّمَهَا الرَّسُولُ الصَّحَابَةَ فَرْضُ عَيْنٍ عَلَى الْمُكَلَّفِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ تَعَلُّمِهَا اعْتِمَادًا عَلَى مَا عَمِلَهُ النَّاسُ مِنْ تَعْيِينِ مَوَاقِيتَ لِلْمُدُنِ كَالْقَاهِرَةِ وَدِمْشَقَ وَحَلَبَ وَنَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّ دُخُولَ الأَوْقَاتِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبُلْدَانِ.

فَالْظُّهْرُ أَوَّلُ وَقْتِهَا زَوَالُ الشَّمْسِ أَيْ مَيْلُهَا عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إِلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ (وَبِالْتَّالِي ظِلُّ الشَّاخِصِ يَكُونُ انْتَقَلَ إِلَى جِهَةِ الشَّرْقِ لِأَنَّ الشَّمْسَ انْتَقَلَتْ إِلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ) وَانْتِهَاءُ وَقْتِهَا أَنْ يَصِيرَ ظِلُّ كُلِّ شَىْءٍ مِثْلَهُ زَائِدًا عَلَى ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ فَإِذَا صَارَ الظِّلُّ الْجَدِيدُ بَعْدَ طَرْحِ ظِلِّ الِاسْتِوَاءِ مِثْلَ الشَّىْءِ انْتَهَى وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ. وَظِلُّ الِاسْتِوَاءِ هُوَ الظِّلُّ الَّذِي يَكُونُ (لِلشَّاخِصِ) حِينَ تَكُونُ الشَّمْسُ فِي وَسَطِ السَّمَاءِ. (فَفِي هَذِهِ الحَالَةِ يُقَالُ لَهَا الاِسْتِوَاءُ. هَذَا الأَمْرُ تَعَلَّمَهُ الرَّسُولُ ﷺ مِنْ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَلَامُ، جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ جَاءَ إِلَى الرَّسُولِ ﷺ لَمَّا مَاَلتِ الشَّمْسُ عَنْ وَسَطِ السَّمَاءِ إِلَى جِهَةِ الْمَغْرِبِ فَقَالَ لَهُ (يَا مُحَمَّد قُمْ فَصَلِّ الظُّهْرَ) فَصَلَّى جِبْرِيلُ إِمَامًا بِالْرَّسُولِ وَقَامَ الرَّسُولُ وَصَلَّى مَعَهُ الظُهْرَ جَمَاعَةً مَأمُومًا. وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَفْضُولُ إِمَامًا بِالْأَفْضَلِ. أَمَّا فِي اليَوْمِ الثَّانِي فَقَدْ صَلَّى بِهِ الظُّهْرَ حِينَ صَارَ ظِلُّ الشَّىْءِ مِثْلَهُ أَيْ حِينَ قَارَبَ أَنْ يَكُونَ ظِلُّ الشَّىْءِ مِثْلَهُ بِحَيْثُ إنَّهُ حِينَ فَرَغَ مِنْ صَلاَةِ الظُّهْرِ انْتَهَى وَقْتُهَا وَدَخَلَ العَصْرُ. وَمِنْ هَذَا يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي تَأْخِيرِ صَلَاةِ الظُّهْرِ إِلَى آخِرِ وَقْتِهَا بِحَيْثُ لَوْ صَلَّاهَا ضِمْنَ الوَقْتِ. ثُمَّ صَلَّى بِهِ العَصْرَ لَمَّا صَارَ ظِلُّ الشَىْءِ مِثْلَيْهِ وَهَذَا حَتَّى يُحدِّدَ لَهُ الوَقْتَ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ لِصَلَاةِ العَصْرِ) وَوَسَطُ السَّمَاءِ يُعْرَفُ عَلَى حَسَبِ تَحْدِيدِ الْجِهَاتِ بِالنَّجْمِ أَوْ بِالْبُوصِلَةِ الْمُجَرَّبَةِ أَوْ نَحْوِهِمَا. نَجْمُ الْقُطْبِ مُهِمٌّ لِمَعْرِفَةِ الْجِهَاتِ الأَرْبَعِ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ جِهَةَ الشَّمَالِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى ﴿وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ﴾ يُضْبَطُ مَوْضِعُهُ (بِالنَّظَرِ إِلَيْهِ) فِي اللَّيْلِ (مَثَلاً) وَتُغْرَزُ خَشَبَةٌ عَلَى اتِّجَاهِهِ ثُمَّ فِي النَّهَارِ يُنْظَرُ إِلَى الظِّلِّ عَلَى حَسَبِهِ (فَإِذَا وَجَدْتَ الظِلَّ فِي جِهَةِ الْمَغْرِبِ تَقُولُ مَا دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ بَعْدُ وَإِذَا وَجَدْتَ الظِلَّ مَالَ إِلَى الْمَشْرِقِ مَعَ مَيْلِ الشّْمسِ إِلَى الْمَغْرِبِ تَقُولُ دَخَلَ وَقْتُ الظُّهْرِ) الفُّقَهَاء قَالُوا (مَعْرِفَةُ نَجْمِ القُطُبِ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَلِلمُسَافِرِ فَرْضُ عَيْنٍ. وَمَنْ رَاقَبَ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ وَلَوْ مَعَ وُجُودِ الْمُؤَذِّنِ الثِّقَةِ لَهُ ثَوَابٌ عَظِيمٌ). وَأَمَّا وَقْتُ الْمَغْرِبِ فَيَدْخُلُ بِمَغِيبِ قُرْصِ الشَّمْسِ كُلِّهِ وَيَنْتَهِي بِمَغِيبِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ وَالشَّفَقُ الأَحْمَرُ هُوَ الْحُمْرَةُ الَّتِي تَظْهَرُ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّمْسِ فِي جِهَةِ الْغُرُوبِ. (فَإِذَا غَابَ هَذَا الشَّفَقُ الأَحْمَرُ دَخَلَ وَقْتُ العِشَاءِ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَقْتُ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبِ الشَّفَق) وَأَمَّا الْعِشَاءُ فَوَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الْمَغْرِبِ أَيْ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ الأَحْمَرِ كُلِّهِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ. (وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ كَثْرَةُ النُّجُومِ الصَّغِيرَةِ فِي السَّمَاءِ إِذَا تَشابَكَتِ النُّجُومُ الصَّغِيرَةُ فَإنَّ وَقْتَ العِشَاءِ دَخَل. كُلُّ هَذَا وَقْتُ العِشَاءِ وَلَيْسَ الأَمْرُ كَمَا يَقُولُ بَعْضُ الجُهَّالِ إِنَّ العِشَاءَ بَعْدَ مَنْتَصَفِ الِليْلِ قَضَاءٌ، هَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ وَقْتُ العِشَاءِ يَكُونُ إِلَى الصُّبْحِ كَمَا وَرَدَ في الحَدِيثِ. قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ) وَأَمَّا الصُّبْحُ فَوَقْتُهَا مِنْ بَعْدِ وَقْتِ الْعِشَاءِ أَيْ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الصَّادِقِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ. (فَإِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَيْ أَوَّلَ طُلُوعِ قُرصِ الشَّمْسِ فَقَدْ خَرَجَ وَقْتُ الصُّبْحِ وَصَارَت قَضَاءً) وَالْفَجْرُ الصَّادِقُ هُوَ الْبَيَاضُ (أَيِ النُّورُ) الْمُعْتَرِضُ فِي الأُفُقِ الشَّرْقِيِّ الَّذِي يَبْدُو دَقِيقًا (بِشَكْلٍ أُفُقِيٍّ ويَكُونُ فِي أَوَّلِهِ حُمْرَةٌ خَفِيفَةٌ) ثُمَّ يَنْتَشِرُ (ارْتِفَاعًا وَهُوَ عَلَامَةُ دُخَولِ وَقْتِ الصُّبْحِ) وَيَتَوَسَّعُ (شَيْئًا فَشَيْئًا وَكُلَّمَا انْتَشَرَ وَتَوَسّعَ كُلَّمَا اشْتَدَّتِ الحَمْرَةُ فِي جِهَةِ الْمَشْرِقِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَمْسُ، هُنَا يَكُونُ قَدِ انْتَهَى وَقْتُ الصُّبْحِ) وَيَسْبِقُ الْفَجْرَ الصَّادِقَ الْفَجْرُ الْكَاذِبُ وَهُوَ بَيَاضٌ عَمُودِيٌّ (يَعْقُبُهُ ظُلْمَةٌ) يَظْهَرُ فِي جِهَةِ الأُفُقِ الشَّرْقِيِّ وَهُوَ لا يَدُلُّ عَلَى دُخُولِ وَقْتِ الصُّبْحِ وَإِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى اقْتِرَابِ دُخُولِهِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَتَجِبُ (مَعْرِفَةُ أَوْقَاتِ) هَذِهِ الْفُرُوضِ (الْخَمْسَةِ وَيَجِبُ إِيقَاعُهَا) فِي أَوْقَاتِهَا (لأنَّ اللهَ تعالى قالَ ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا﴾. كِتَابًا أي مَفْروضَةً. مَوْقُوتًا أَيْ كُلُّ صَلاةٍ لَهَا وَقْتُهَا) عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ أَيْ غَيْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذِهِ الأَوْقَاتِ وَإِيقَاعَ الصَّلَاةِ فِيهَا لَا قَبْلَهَا وَلَا بَعْدَهَا فَرْضٌ (مِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ مَعْرِفَةَ هَذِهِ الأَوْقَاتِ وَاجِبٌ قَالَ تَعَالَى ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ ﴿كِتَابًا﴾ أَيْ فَرْضًا ﴿مَوْقُوتًا﴾ يَعْنِي لَهَا وَقْتٌ مَحْدُودٌ. اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَعْلَمَنَا فِي كِتَابِهِ العَزِيزِ أَنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْنَا أَنْ نَأْتِيَ بِهَذِهِ الصَّلَوَاتِ فِي أَوْقَاتِهَا. أَمَّا القَضَاءُ الرَّسُولُ ﷺ قَالَ فِيهِ كَمَا جَاءَ فِي صَحِيِحِ البُخَارِيِّ(مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ. فَقَوْلُهُ ﷺ فَلْيُصلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا مَعْنَاهُ مَتَى مَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِهِ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءٌ فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا. أَمَّا الآيَةُ فَمَعْنَاهَا لَا يَجُوزُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا. بَعْضُ أَدْعِيَاءِ الدِّينِ (الْمُشَبِّهَةُ الوَهَّابِيَّةُ) يَقُولُونَ نَحْنُ نَأْخُذُ بِظَاهِرِ حَدِيثِ النَّبِيِّ ﷺ، يَقُولُونَ هُوَ الرَّسُولُ ﷺ قَالَ (مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةِ أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا) قَالُوا هَذَا فِي النَّاسِي وَالنَّائِمِ وَلَيْسَ الَّذِي يَتْرُكُهَا عَمْدًا. الرَّدُّ عَلَيْهُم يُقَالُ لَهُم هَذَا بِالْأَوْلَى عَلَيْهِ القَضَاءُ لِأَنَّهُ عَصَى الله أَمَّا النَّاسِي مَعْذُورٌ وَالنَّائِمُ مَعْذُورٌ وَمَعَ ذَلِكَ مَا سَقَطَ عَنْهُمُ القَضَاءُ)

فَيَجِبُ أَدَاءُ كُلٍّ مِنَ الْخَمْسِ فِي وَقْتِهَا وَلَا يَجُوزُ تَقْديِمُهَا عَلَى وَقْتِهَا أَيْ فِعْلُهَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا وَلَا تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِهَا بِلَا عُذْرٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ وَالْمُرَادُ بِالسَّهْوِ عَنِ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ الآيَةِ تَأْخِيرُ الصَّلَاةِ عَنْ وَقْتِهَا حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الأُخْرَى فَتَوَعَّدَ اللَّهُ مَنْ يُخْرِجُهَا عَنْ وَقْتِهَا بِالْوَيْلِ وَهُوَ الْهَلَاكُ الشَّدِيدُ. (قَالَ البُخَارِيُّ وَقَالَ مُجَاهِدٌ تِلْمِيذُ ابْنِ عَبَّاسٍ ﴿سَاهُوَنَ﴾ أَيْ لَاهُوَنَ. وَقَالَ ابْنُ الجَوْزِيِّ نَزَلَ هَذَا فِي الْمُنَافِقِين الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِصَلَاتِهِم ثَوَابًا وَلَا يَخُافُونَ عَلَى تَرْكِهَا عِقَابًا فَإِنْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ ﷺ صَلُّوا رِيَاءً وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَعَهُ لَمْ يُصَلُّوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرآءُون﴾)

وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ فَتَجِبُ هَذِهِ الفُرُوضُ فِي أَوْقَاتِهَا (أي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ بَالِغٍ عَاقِلٍ طَاهِرٍ أَيْ غَيْرِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ) وَقَوْلُ المُؤَلِّفُ عَلى كُلِّ مُسْلِمٍ يَعْنِي بِهِ أَنَّ الْكَافِرَ لَا يُقَالُ لَهُ صَلِّ وَهُوَ عَلَى كُفْرِهِ إِنَّمَا يُقَالُ لَهُ أَسْلِمْ فَإِذَا أَسْلَمَ أَمَرْنَاهُ بِالصَّلَاةِ. (فائِدَة: الكُفَّارُ مُخَاطَبُونَ بِأُصُولِ الشَّرِيعَةِ وَفُرُوعِهَا وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمُ الفَرَائِضُ وَجُوبَ مُطَالَبَةٍ فِي الدُّنْيَا لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ مِنْهُمْ، إِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ وُجُوبَ مُعَاقَبَةٍ فِي الآخِرَةِ. مَعْنَاهُ الكَافِرُ الْمُكَلَّفُ يُؤَاخَذُ فِي الآخِرَةِ عَلَى عَدَمِ الدُّخُولِ فِي الإِسْلَامِ، وَكَذٰلِكَ يُؤَاخَذُ عَلَى تَرْكِ الفَرَائِضِ كَالصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، فَقَدْ جَاءَ فِي القُرْءَانِ الكَرِيمِ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ تَسْأَلُ الكُفَّارَ فِي النَّارِ ﴿مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ﴾ أَيْ فِي النَّاِرِ ﴿قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ﴾ مَعْنَاهُ هُمْ يَتَعَذَّبونَ عَلَى تَرْكِ الصَّلَاةِ) وَيَعْنِي (الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ) بِقَوْلِهِ (بَالِغٍ) أَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ بِحَيْثُ يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهَا وَهُوَ دُونَ الْبُلُوغِ وَإِنَّمَا يَجِبُ أَمْرُهُ بِالصَّلَاةِ مَتَى مَا بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ قَمَرِيَّةً إِذَا كَانَ مُمَيِّزًا (مَعْنَاهُ يَجِبُ عَلَى وَلِيِّ الأَمْرِ أَنْ يَأْمُرَهُ بِالصَّلَاةِ. وَوَلِيُّ الأَمْرِ قَدْ يَكُونُ أَبًا، قَدْ يَكُونُ أُمًّا، قَدْ يَكُونُ جَدًّا، وَقَدْ يَكُونُ جَدَّةً، أَكَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الأَبِ أَوْ كَانَ مِنْ نَاحِيَةِ الأُمِّ، كُلٌّ دَخَلَ فِيمَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَمْرُ هَذَا الصَّبِيِّ. وَإِذَا نَامَ الصَّبِيُّ عَنْ صَلَاةٍ يَأْمُرُهُ بِالْقَضَاءِ وَيَضْرِبُهُ عَلَى تَرْكِهَا عِنْدَ عَشْرِ سِنِينَ قَمَرِيَّةٍ. الفَرْقُ بَيْنَ السِّنِينَ القَمَرِيَّةِ وَالسِّنِينَ الرُّومِيَّةِ الشَّمْسِيَّةِ قَرِيبُ عَشْرَةِ أَيَّامٍ) وَيَعْنِي (الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ) بِقَوْلِهِ (عَاقِلٍ) أَنَّ الْمَجْنُونَ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ (بَلْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَىْءٌ لِأَنَّهُ رُفِعَ عَنْهُ التَّكْلِّيفُ) وَالْمَجْنُونُ هُوَ مَنْ فَقَدَ عَقْلَهُ فَلَا يَدْرِي مَا يَفْعَلُ أَوْ يَقُولُ.

وَيَعْنِي (الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ) بِقَوْلِهِ (طَاهِرٍ) أَيْ مِنَ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَيُقَالُ امْرَأَةٌ طَاهِرٌ وَامْرَأَةٌ حَائِضٌ. (فَلَيْسَ الْمَقْصُودُ بِكَلِمَةِ طَاهِرٍ الْجُنُبَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ. الْجُنُبُ مَتَى أَرَادَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ أَمَّا الحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ لَيْسَ الأَمْرُ بِيَدِهَا إِنَّمَا الأَمْرُ بِانْقِطَاعِ الدَّمِ)

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَيَحْرُمُ تَقْديِمُهَا عَلَى وَقْتِهَا (لِغَيْرِ عُذْرٍ أَمَّا لِعُذْرٍ فَيَجُوزُ مِثْلُ السَّفَرِ يَجْمَعُ جَمْعَ تَقْدِيمٍ لَوْ أَرَادَ فَمَنْ قَدَّمَهَا بِلا عُذْرٍ لَمْ تَصِحَّ صَلاتُهُ) وَ (يَحْرُمُ أَيْضًا) تَأْخِيرُهَا عَنْهُ (أَيْ عَنِ الْوَقْتِ) لِغَيْرِ عُذْرٍ (فَمَنْ أَخَّرَهَا عَصَى اللَّهَ بِذَلِكَ مَعَ صِحَّةِ الصَّلاةِ وَأَمَّا إِذَا كَانَ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ كَسَفَرٍ وَنَحْوِهِ فَلا إِثْمَ فِي ذَلِكَ).

   الشَّرْحُ يُفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ مَنْ قَدَّمَ الصَّلَاةَ عَلَى وَقْتِهَا لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ وَمَنْ أَخَّرَهَا عَنْهُ (بِغَيْرِ عُذْرٍ) عَصَى اللَّهَ بِتَأْخِيرِهِ (وَقَعَ فِي مَعْصِيَةٍ كَبِيرَةٍ) وَأَشَدُّ الْمَعْصِيَتَيْنِ (إِثْمًا) مَعْصِيَةُ التَّقْدِيمِ عَلَى الْوَقْتِ لِأَنَّهُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ (لِأَنَّهَا مَا صَحَّتْ مِنْهُ) وَلَا تَقَعُ صَلَاتُهُ أَدَاءً وَلَا قَضَاءً. (وَيَجِبُ عَلَيْهِ الإِعَادَةُ فِي وَقْتِهَا، أَمَّا تَأْخِيرُهَا لِغَيْرِ عُذْرٍ فَتَكُونُ وَقَعَتْ قَضَاءً، أَيْ صَحَّتْ مِنْهُ وَلَهُ ثَوَابٌ فِي القَضَاءِ. مَتَى نَصِيرُ مُكَلَّفِينَ بِأَدَاءِ الصَّلَاةِ؟ عِنْدَ دُخُولِ الوَقْتِ، مَعْنَاهُ عِنْدَمَا يَدْخُلُ وَقْتُ الصَّلَاةِ تَصِيرُ ذِمَّتُنَا مَشْغُولَةً بِالصَّلَاةِ، فَإِذَا صَلَّى إِنْسَانٌ الظُّهْرَ قَبْلَ دُخُولِ الوَقْتِ، لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ، صَلَاتُهُ لَا تَقَعُ أَدَاءً وَلَا تَقَعُ قَضَاءً، فَإِذَا نَدِمَ وَصَلَّاهَا بَعْدَمَا خَرَجَ الوَقْتُ، اللَّهُ تَعَالَى يَغْفِرُ لَهُ. فَهٰذَا الَّذِي صَلَّاهَا قَبْلَ الوَقْتِ، لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ إِلَى أَنْ يَقْضِيَهَا، تَظَلُّ ذِمَّتُهُ مَشْغُولَةً، فَإِذَا مَاتَ وَلَمْ يَقْضِهَا وَيَنْدَمُ، فَإِنَّهُ يَمُوتُ فَاسِقًا، وَيَكْفِيهِ ذٰلِكَ عَذَابًا. عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ صَلَاتَيْنِ بِغَيْرِ عُذْرٍ، فَقَدْ أَتَى بَابًا مِنْ أَبْوَابِ الكَبَائِرِ، فَكَيْفَ بِالَّذِي لَا يُصَلِّيهَا بِالْمَرَّةِ؟! هٰذَا ذَنْبُهُ أَشَدُّ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ القَضَاءُ.

فَائِدَةٌ: يَجُوزُ تَأْخِيرُ الصَّلَوَاتِ إِلَى ءَاخِرِ الوَقْتِ، لَكِنْ إِلَى حَدٍّ يُدْرَكُ بِهِ الرَّكَعَاتُ ضِمْنَ الوَقْتِ، لَكِنْ الشَّخْصُ الَّذِي يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ إِلَى ءَاخِرِ الوَقْتِ عَمْدًا بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكَعَاتِهَا ضِمْنَ الوَقْتِ، هٰذَا يَأْثَمُ، لَكِنْ إِذَا أَدْرَكَ الشَّخْصُ رَكْعَةً مَعَ السَّجْدَتَيْنِ فِي وَقْتِهَا تُعْتَبَرُ أَدَاءً وَلَا تُعْتَبَرُ قَضَاءً. الرَّسُولُ ﷺ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ العَصْرَ، أَيْ هِيَ أَدَاءً. مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، أَيْ هِيَ أَدَاءً. هٰذَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ. مِنْ هُنَا أَخَذَ العُلَمَاءُ هٰذَا الحُكْمَ. أَمَّا الَّذِي أَخَّرَ الصَّلَاةَ إِلَى ءَاخِرِ الوَقْتِ بِحَيْثُ يُدْرِكُ كُلَّ الرَّكَعَاتِ فِي وَقْتِهَا، لَكِنْ هُوَ تَبَاطَأَ فِي أَدَائِهَا وَأَطَالَ القِرَاءَةَ مَثَلًا، بِحَيْثُ خَرَجَ وَقْتُ الظُّهْرِ وَدَخَلَ وَقْتُ العَصْرِ وَهُوَ مَا زَالَ فِي الصَّلَاةِ، لَا إِثْمَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ بَدَأَ فِي الصَّلَاةِ فِي الوَقْتِ الَّذِي يُدْرِكُ فِيهِ كُلَّ الرَّكَعَاتِ)

وَقَوْلُ الْمُؤَلِّفِ رحمه الله (لِغَيْرِ عُذْرٍ) أَخْرَجَ مَا إِذَا كَانَ التَّقْدِيمُ أَوِ التَّأْخِيرُ لِعُذْرٍ فَإِنَّهُ لا إِثْمَ فِي ذَلِكَ. وَالْعُذْرُ فِي ذَلِكَ مَا يُبِيحُ الْجَمْعَ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بِشُرُوطِهِ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فإِنْ طَرَأَ مَانِعٌ (يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الصَّلاةِ لِأَنَّ الْحَائِضَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تُصَلِّيَ فِي حَالِ الْحَيْضِ وَكَذَا النُّفَسَاءُ لَا تَجِبُ عَلَيْهَا الصَّلاةُ فِي حَالِ النِّفَاسِ وَالْمَجْنُونُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي حَالِ الْجُنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي حَالِ الإِغْمَاءِ هَؤُلاءِ لَيْسُوا مُخَاطَبِينَ بِالصَّلاةِ فِي هَذِهِ الأَوْقَاتِ، يَعْنِي لِأَجْلِ ذَلِكَ قُلْنَا يَمْنَعُ مِنْ وُجُوبِ الصَّلاةِ، أَمَّا فَاقِدُ الْمَاءِ فَتَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ فَفَقْدُهُ لِلْمَاءِ مَا مَنَعَ مِنْ وُجُوبِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ. فالمانع يكون) كَحَيْضٍ (أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ إِغْمَاءٍ وَكَانَ طُرُوءُهُ أَيْ حُدُوثُهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ) بَعْدَمَا مَضَى مِنْ (أَوَّلِ) وَقْتِهَا (أَيْ وَقْتِ الصَّلاةِ الَّتِي طَرَأَ فِيهَا الْمَانِعُ) مَا يَسَعُهَا (أَيْ مَا يَسَعُ الصَّلاةَ فَقَطْ إِذَا كَانَ مِمَّنْ يُمْكِنُهُ تَقْدِيمُ طُهْرِهِ عَلَى الْوَقْتِ، أَوْ مَا يَسَعُ الصَّلاةَ) وَطُهْرَهَا (لِمَنْ لَا يُمْكِنُهُ تَقْدِيمُ طُهْرِهِ عَلَى الْوَقْتِ أَيْ) لِنَحْوِ سَلِسٍ (وَمُسْتَحَاضَةٍ) لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا (فِي الْحَالَيْنِ بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ لِأَنَّ السَّلِسَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَدِّمَ الْوُضُوءَ عَلَى الْوَقْتِ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَتَوَضَّأَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ وَكَذَا الْمُسْتَحَاضَةُ لَا بُدَّ لَهَا أَنْ تَتَوَضَّأَ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ، وَالسَّلَسُ بِالْفَتْحِ الْمَرَضُ وَالسَّلِسُ بِالْكَسْرِ الشَّخْصُ الْمَرِيضُ الْمُصَابُ بِالسَّلَسِ).

   الشَّرْحُ أَنَّ الَّذِي طَرَأَ عَلَيْهِ الْمَانِعُ بَعْدَ دُخُولِ الْوَقْتِ (سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوِ امْرَأَةً) كَأَنْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الظُّهْرِ أَوْ أُصِيبَ شَخْصٌ بِالْجُنُونِ أَوِ الإِغْمَاءِ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ (لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، أَيْ بَعْدَ ذَهَابِ الحَيْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَائِضِ، وَبَعْدَ زَوَالِ غَيْبُوبَةِ الْعَقْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ كَانَ بِاسْتِطَاعَتِهِ أَنْ يُصَلِّيَهَا، أَمَّا إِنْ زَالَ الْمَانِعُ وَوَقْتُ الصَّلَاةِ بَعْدُ لَمْ يَنْتَهِ، يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ. كَذٰلِكَ الْمَرْأَةُ الَّتِي طَرَأَ عَلَيْهَا الحَيْضُ بَعْدَ عَشْرِ دَقَائِقَ مَثَلًا مِنْ دُخُولِ الوَقْتِ، وَكَانَتْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُصَلِّيَ لَكِنَّهَا لَمْ تَفْعَلْ، فَيَجِبُ عَلَيْهَا أَنْ تَقْضِيَ هٰذِهِ الصَّلَاةَ بَعْدَ الفَرَاغِ مِنَ الحَيْضِ، لِأَنَّهُ كَانَ بِاسْتِطَاعَتِهَا أَنْ تُؤَدِّيَ هٰذِهِ الصَّلَاةَ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي حَقِّهَا أَنْ تَكُونَ عَلَى طَهَارَةٍ عِنْدَمَا دَخَلَ الوَقْتُ، لِذٰلِكَ هُنَا لَا يُحْسَبُ قَدْرُ الطَّهَارَةِ فِي هٰذِهِ الْمَسْأَلَةِ. أَمَّا لَوْ حَاضَتِ الْمَرْأَةُ فِي أَثْنَاءِ وَقْتِ الظُّهْرِ، أَوْ أُصِيبَ شَخْصٌ بِالجُنُونِ أَوِ الإِغْمَاءِ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ) مَعَ طُهْرِهَا لِمَنْ لَا يُمْكِنُهُ تَقْديِمُ طُهْرِهِ عَلَى الْوَقْتِ كَسَلِسِ الْبَوْلِ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ أَيْ بَعْدَ ذَهَابِ الْحَيْضِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَائِضِ وَبَعْدَ زَوَالِ غَيْبُوبَةِ الْعَقْلِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ. (يُوجَدُ حَالَتَانِ. الحَالَةُ الأُولَى مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقَدِّمَ طَهَارَتَهُ عَلَى الوَقْتِ، لِأَنَّهُ لَيْسَ عِنْدَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ ذٰلِكَ. بِالنِّسْبَةِ لَهُ إِذَا طَرَأَ الْمَانِعُ عَلَيْهِ بَعْدَمَا مَضَى مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ، لَكِنَّهُ لَمْ يُصَلِّ، يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ. وَالحَالَةُ الثَّانِيَةُ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُقَدِّمَ طَهَارَتَهُ عَلَى الوَقْتِ بِسَبَبِ السَّلَسِ مَثَلًا أَوِ الاسْتِحَاضَةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمَرْأَةِ، فَإِنْ طَرَأَ الْمَانِعُ بَعْدَ مَا مَضَى مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ مَعَ طُهْرِهَا (لِأَنَّ هٰذَا الشَّخْصَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُصَلِّيَ أَكْثَرَ مِنْ فَرِيضَةٍ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقَدِّمَ طَهَارَتَهُ عَلَى الوَقْتِ بِسَبَبِ السَّلَسِ أَوِ الاسْتِحَاضَةِ)، فَهُنَا يَحْتَاجُ إِلَى وَقْتٍ يَسَعُ فِيهِ الاسْتِنْجَاءَ وَالْوُضُوءَ فِي حَقِّهِ، يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ هٰذِهِ الصَّلَاةَ الَّتِي لَمْ يُصَلِّهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ، إِنْ كَانَ مَضَى مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الصَّلَاةِ مَا يَسَعُ الصَّلَاةَ مَعَ طُهْرِهَا. أَمَّا الْمَجْنُونُ، فَمَا فَاتَهُ أَثْنَاءَ الجُنُونِ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَهُ، لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، لِقَوْلِهِ ﷺ رُفِعَ القَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ وَعَدَّ مِنْهُمْ الْمَجْنُونَ حَتَّى يَعْقِلَ) وَمِثْلُ السَّلِسِ فِي هَذَا الْحُكْمِ نَحْوُهُ كَالْمُسْتَحَاضَةِ. (لِهَذَا الْمُؤلِّفُ رَحِمَهُ اللهُ لَمْ يَقُل لِسَلِسٍ بَلْ قَالَ لِنَحْوِ سَلِسٍ لِأَنَّهُ يُتَصَوَّرُ فِي غَيْرِ حَقِّ السَّلِسِ أَنْ لَا يُصَلِّيَ كُلَّ الفَرَائِضِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ كَالْمَرْأَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ فَإِنَّهَا تَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ وَتُصَلِّي. تَقُولُ أَوْ يَقُولُ أَتَوَضَّأُ لِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاة. لِأَنَّهُ مِنْ شُرُوط صِحَّةِ الصَّلَاة الوُضُوءُ لَكِنْ لَا يَقُول أَرْفَعُ الحَدَثَ لِأَنَّهُ هُوَ دَائِمُ الحَدَث) وَالْمَقْصُودُ بِالطُّهْرِ الِاسْتِنْجَاءُ وَالْوُضُوءُ أَوِ التَّيَمُّمُ لِمَنْ كَانَ مَرِيضًا وَنَحْوَهُ مِمَّنْ لَا يُمْكِنُهُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ. (يَعْنِي لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَضَى مِنَ الوَقْتِ مَا يَسَعُ الصَّلاةَ لِمَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقَدِّمَ طَهَارَتَهُ عَلَى الوَقْتِ، وَالصَّلاةَ وَطُهْرَهَا لِمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُقَدِّمَ طَهَارَتَهُ عَلَى الوَقْتِ)

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: أَوْ زَالَ الْمَانِعُ (مِنْ وُجُوبِ الصَّلاةِ) وَقَدْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ تَكْبِيرَةٍ (أَيْ بَقِيَ مِنَ الْوَقْتِ قَدْرُ قَوْلِ الْقَائِلِ اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ لا أَقَلُّ) لَزِمَتْهُ (أَيْ ثَبَتَتْ فِي ذِمَّتِهِ) وَكَذَا (يَلْزَمُهُ) مَا (أَيِ الصَّلاةُ الَّتِي) قَبْلَهَا (أَيْ قَبْلَ الصَّلاةِ الَّتِي زَالَ الْمَانِعُ فِي وَقْتِهَا) إِنْ جُمِعَتْ مَعَهَا (لِلْعُذْرِ أَيْ إِنْ كَانَتِ الصَّلاةُ الَّتِي قَبْلَهَا يَجُوزُ جَمْعُهَا مَعَ الصَّلاةِ الَّتِي زَالَ الْمَانِعُ فِي وَقْتِهَا فِي حَالِ الْعُذْرِ كَالسَّفَرِ. قَالُوا الظُّهْرُ تُجْمَعُ مَعَ الْعَصْرِ لِلْعُذْرِ وَهُوَ مَا صَلَّى الظُّهْرَ لِأَنَّهُ مُغْمًى عَلَيْهِ قَالُوا أَلَيْسَ يَجُوزُ فِي السَّفَرِ أَنْ تُؤَخَّرَ صَلاةُ الظُّهْرِ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ؟ بَلَى. فَإِذًا يَكُونُ وَقْتُ الْعَصْرِ وَقْتُ عُذْرٍ لَهَا أَيْ لِلظُّهْرِ) فَيَجِبُ الْعَصْرُ مَعَ الظُّهْرِ (لِأَنَّهَا تُجْمَعُ مَعَهَا لِلْعُذْرِ) إِنْ زَالَ الْمَانِعُ (كَالْحَيْضِ وغَيْرِهِ) بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَ (تَجِبُ) الْعِشَاءُ مَعَ الْمَغْرِبِ (لِأَنَّهَا تُجْمَعُ مَعَهَا لِلْعُذْرِ) بِإِدْرَاكِ قَدْرِ تَكْبِيرَةٍ قَبْلَ الْفَجْرِ (أَيْ بِزَوَالِ الْمَانِعِ قَبْلَ دُخُولِ الْفَجْرِ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لَا أَقَلَّ. أَمَّا إِنْ كَانَ بِقَدْرِ أَقَلِّ مِنْ تَكْبِيرَةٍ فَلا).

   الشَّرْحُ إِنْ زَالَ الْمَانِعُ كَالْحَيْضِ أَوِ الْجُنُونِ أَوِ الإِغْمَاءِ وَكَانَ الْقَدْرُ الَّذِي بَقِيَ قَدْرَ مَا يَسَعُ تَكْبِيرَةَ الإِحْرَامِ فَقَطْ وَجَبَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ وَالَّتِي قَبْلَهَا إِنْ كَانَتْ تُجْمَعُ مَعَهَا أَيْ فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ كَأَنْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ الْعَصْرَ لِأَنَّ الْعَصْرَ تُجْمَعُ فِي السَّفَرِ مَعَ مَا قَبْلَهَا وَهِيَ الظُّهْرُ (مَثَلًا امْرَأَةٌ كَانَتْ حَائِضًا وَقَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ وَقْتُ العَصْرِ وَيَدْخُلَ الْمَغْرِبُ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ بِحَيْثُ لَوْ قَالَتْ “اللَّهُ أَكْبَر” دَخَلَ الْمَغْرِبُ وَخَرَجَ العَصْرُ، أَيْ بِأَقَلِّ مِنْ دَقِيقَةٍ مَثَلًا، زَالَ عَنْهَا الْمَانِعُ وَهُوَ الحَيْضُ، مَاذَا تَفْعَلُ؟ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي، لَكِنَّهَا لَنْ تُدْرِكَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِهَا، لِذٰلِكَ يَلْزَمُهَا أَنْ تَقْضِيَ هٰذِهِ الصَّلَاةَ الَّتِي حَصَلَ عِنْدَهَا زَوَالُ الْمَانِعِ، أَيِ انْقِطَاعُ الحَيْضِ فِيهَا، وَهِيَ العَصْرُ، وَتُصَلِّي مَعَهَا الظُّهْرَ بِنِيَّةِ الجَمْعِ، لَا بِنِيَّةِ القَضَاءِ، لِأَنَّ الظُّهْرَ تُجْمَعُ مَعَ العَصْرِ) وَكَذَلِكَ الْعِشَاءُ لِأَنَّهَا تُجْمَعُ مَعَ مَا قَبْلَهَا وَهِيَ الْمَغْرِبُ. (يَعْنِي كَذٰلِكَ إِنْ زَالَ الْمَانِعُ قَبْلَ خُرُوجِ الْعِشَاءِ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ تُصَلِّي الصُّبْحَ صَاحِبَةَ الوَقْتِ ثُمَّ تَقْضِي الْعِشَاءَ وَكَذٰلِكَ تُصَلِّي الْمَغْرِبَ بِنِيَّةِ الجَمْعِ لَا بِنِيَّةِ القَضَاءِ لِأَنَّ الْمَغْرِبَ فِي العَادَةِ تُجْمَعُ مَعَ الْعِشَاءِ. عِنْدَمَا نَتَكَلَّمُ عَنْ الوَقْتِ الَّذِي يَسَعُ الصَّلَاةَ، مُرَادُنَا بِذٰلِكَ عَنْ أَقَلِّ الصَّلَاةِ، أَيْ عَنِ الوَقْتِ الَّذِي يَسَعُ الأَرْكَانَ فَقَطْ، يُضَافُ عَلَيْهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ أَوْ مَنْ طَرَأَ عَلَيْهِ سَلَسٌ، أَنْ يَكُونَ مَضَى مِنَ الوَقْتِ مَا يَسَعُ لِلِاسْتِنْجَاءِ وَالوُضُوءِ لِعَدَمِ إِمْكَانِهِ تَقْدِيمَ طَهَارَتِهِ عَنْ الوَقْتِ وَالوَقْتَ الَّذِي يَحْتَاجُهُ لِأَقَلِّ الصَّلَاةِ، وَالنِّيَّةُ تَكُونُ لِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ)

فائِدَة: لَوْ زَالَ الْمَانِعُ وَقْتَ العَصْرِ مَثَلًا، فَيَجِبُ عَلَى الحَائِضِ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ العَصْرَ أَدَاءً لِأَنَّ وَقْتَ العَصْرِ بَعْدُ لَمْ يَخْرُجَ، وَتُصَلِّي الظُّهْرَ كَذٰلِكَ لَيْسَ قَضَاءً، لِأَنَّ الظُّهْرَ يُجْمَعُ مَعَ العَصْرِ. أَمَّا لَوْ زَالَ الْمَانِعُ قَبْلَ خُرُوجِ العَصْرِ بِقَدْرِ تَكْبِيرَةٍ، فَهُنَا تُصَلِّي العَصْرَ قَضَاءً، لِأَنَّ وَقْتَ العَصْرِ قَدِ انْتَهَى، وَتُصَلِّي كَذٰلِكَ الظُّهْرَ مِنْ بَابِ الجَمْعِ لَيْسَ قَضَاءً، لِأَنَّ الدَّمَ كَانَ مَا زَالَ يَنْزِلُ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ لِذٰلِكَ لَا تَقُولُ قَضَاءً، وَإِنَّمَا تُصَلِّي الظُّهْرَ مَعَ العَصْرِ مِنْ بَابِ الجَمْعِ.

فَائِدَةٌ: الصَّلَوَاتُ الْجَهْرِيَةُ الصُّبْحُ وَالْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ. وَيُجْهَرُ فِيهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ الأَوَّلِيَيْنِ فِي الْقِيَامِ فِي قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ وَالتَّأْمِينِ وَمَا بَعْدَهُمَا كَالسُّورَةِ الْقَصِيرَةِ، هَذَا لِلْمُنْفَرِدِ وَلِلإِمَامِ. أَمَّا الصَّلاتَانِ السِّرِيَّتَانِ الظُّهْرُ وَالْعَصْرُ. وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلاةٌ مِنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ يَقْضِيهَا، فَإِنْ كَانَتْ جَهْرِيَّةً قَضَاهَا فِي وَقْتِ صَلاةٍ سِرِيَّةٍ يُسِرُّ بِهَا كَأَنْ قَضَى الصُّبْحَ فِي وَقْتِ الظُّهْرِ. أَمَّا إِنْ قَضَاهَا فِي وَقْتِ صَلاةٍ جَهْرِيَةٍ جَهَرَ بِهَا كَأَنْ قَضَى الْمَغْرِبَ فِي وَقْتِ الْعِشَاءِ. وَإِنْ قَضَى السِّرِيَّةَ فِي وَقْتِ الْجَهْرِيَّةِ يَجْهَرُ كَأَنْ قَضَى الْعَصْرَ فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ)

مَا هِىَ رَوَاتِبُ الْفَرَائِضِ الْخَمْسِ.

        الرَّوَاتِبُ هِىَ السُّنَنُ كَسُنَّةِ الصُّبْحِ وَسُنَّةِ الظُّهْرِ وَسُنَّةِ الْعَصْرِ وَسُنَّةِ الْمَغْرِبِ وَسُنَّةِ الْعِشَاءِ. وَسُنَّةُ الصَّبْحِ رَكْعَتَانِ قَبْلَ الصُّبْحِ وَسُنَّةُ الظُّهْرِ أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَسُنَّةُ الْعَصْرِ أَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ وَسُنَّةُ الْمَغْرِبِ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَسُنَّةُ الْعِشَاءِ رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ. أَمَّا قَبْلِيَّةُ وَبَعْدِيَّةُ الْجُمُعَةِ فَهِىَ أَرْبَعٌ قَبْلَ الْجُمُعَةِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْجُمُعَةِ فَقَدْ رَوَى الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخِلَعِىُّ فِى الْخِلَعِيَّاتِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ مِنْ حَدِيثِ عَلِىٍّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّى قَبْلَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا كَمَا ذَكَرَ الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ الْعِرَاقِىُّ فِى شَرْحِ التِّرْمِذِىِّ.

مَا هِىَ صَلاةُ الضُّحَى.

        صَلاةُ الضُّحَى مِنَ النَّوَافِلِ الْعَظِيمَةِ وَيُقَالُ لَهَا صَلاةُ الأَوَّابِينَ وَوَقْتُهَا مِنَ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ وَهُوَ سَبْعَةُ أَذْرُعٍ تَقْرِيبًا إِلَى الزَّوَالِ كَمَا جَزَمَ بِهِ النَّوَوِىُّ فِى التَّحْقِيقِ وَالْمَجْمُوعِ وَالرَّافِعِىُّ فِى الشَّرْحَيْنِ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ. وَأَدْنَاهَا رَكْعَتَانِ لِحَدِيثِ الْبُخَارِىِّ وَمُسْلِمٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْصَانِى خَلِيلِى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِثَلاثٍ صِيَامِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَرَكْعَتَىِ الضُّحَى وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَنَامَ. وَأَدْنَى الْكَمَالِ أَرْبَعٌ وَأَفْضَلُ مِنْهُ سِتٌّ فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا وَعَنْ أَبِيهَا أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يُصَلِّى الضُّحَى أَرْبَعًا وَيَزِيدُ مَا شَاءَ. وَأَكْثَرُهَا ثَمَانِى رَكَعَاتٍ فَقَدْ نَقَلَ النَّوَوِىُّ فِى الْمَجْمُوعِ عَنِ الأَكْثَرِينَ أَنَّ أَكْثَرَهَا ثَمَانٍ وَصَحَّحَهُ فِى التَّحْقِيقِ وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ صَلَّى النَّبِىُّ ﷺ سُبْحَةَ الضُّحَى (أَىْ صَلاةَ الضُّحَى) ثَمَانِىَ رَكَعَاتٍ يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَيَنْوِى فِى كُلِّ رَكْعَتَيْنِ أَنَّهُ يُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ مِنَ الضُّحَى. وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَكْثَرُهَا اثْنَتَا عَشْرَةَ رَكْعَةً.

تَكَلَّمْ عَنْ صَلاةِ الْوِتْرِ.

        صَلاةُ الْوِتْرِ سُنَّةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ لِحَدِيثِ طَلْحَةَ بنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلًا ثَائِرَ الرَّأْسِ (أَىْ مُنْتَفِشَ الشَّعَرِ) جَاءَ إِلَى النَّبِىِّ ﷺ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِى بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الصَّلاةِ فَقَالَ خَمْسُ صَلَوَاتٍ ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْنِى بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الصِّيَامِ ثُمَّ قَالَ أَخْبِرْنِى بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنَ الزَّكَاةِ فَعَلَّمَهُ الرَّسُولُ شَرَائِعَ الإِسْلامِ فَوَلَّى الرَّجُلُ وَهُوَ يَقُولُ وَالَّذِى أَكْرَمَكَ بِالنُّبُوَّةِ لَا أَتَطَوَّعُ شَيْئًا وَلَا أَنْقُصُ مِمَّا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَىَّ شَيْئًا فَقَالَ الرَّسُولُ ﷺ أَفْلَحَ الرَّجُلُ إِنْ صَدَقَ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. وَوَقْتُ الْوِتْرِ مَا بَيْنَ صَلاةِ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ وَيُسَنُّ تَأْخِيرُهُ إِلَى ءَاخِرِ اللَّيْلِ وَأَقَلُّهُ رَكْعَةٌ وَأَكْثَرُهُ إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ وَأَدْنَى الْكَمَالِ ثَلاثُ رَكَعَاتٍ بِتَسْلِيمَتَيْنِ فَيَنْوِى فِى الرَّكْعَتَيْنِ الأُولَيَيْنِ مُقَدِّمَةَ الْوِتْرِ وَفِى الأَخِيرَةِ الْوِتْرَ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِى الرَّكْعَةِ الأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى﴾ وَفِى الثَّانِيَةِ ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ وَفِى الثَّالِثَةِ ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ. وَيُسَنُّ أَنْ يَقْرَأَ فِى اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ مِنْهَا فِى النِّصْفِ الأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ دُعَاءَ الْقُنُوتِ.

مَا حُكْمُ مَنْ تَرَكَ الْفَرْضَ لِأَجْلِ النَّفْلِ.

        قَالَ بَعْضُ الأَكَابِرِ مَنْ شَغَلَهُ الْفَرْضُ عَنِ النَّفْلِ فَهُوَ مَعْذُورٌ وَمَنْ شَغَلَهُ النَّفْلُ عَنِ الْفَرْضِ فَهُوَ مَغْرُورٌ أَىْ مَخْدُوعٌ خَدَعَتْهُ نَفْسُهُ أَوْ خَدَعَهُ الشَّيْطَانُ كَالَّذِى يَصْرِفُ أَوْقَاتَهُ لِأَمْرٍ لَيْسَ فَرْضًا وَيَتْرُكُ مَا هُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِ. فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ صَلَوَاتٍ فَوَّتَهَا بِلا عُذْرٍ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ بِصَلاةِ النَّافِلَةِ قَبْلَ أَنْ يُنْهِىَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْقَضَاءِ فَإِنِ اشْتَغَلَ بِصَلاةِ النَّافِلَةِ فَلا ثَوَابَ لَهُ أَمَّا كَوْنُهُ يُثَابُ عَلَى الْقَضَاءِ فَأَمْرٌ لَا خِلافَ فِيهِ. وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَائِتَةٌ فَاتَتْهُ بِلا عُذْرٍ فَصَارَ يَقْضِى مَا اسْتَطَاعَ مِنَ الْوَقْتِ وَيُصَلِّى مَعَ الْقَضَاءِ النَّافِلَةَ كَسُنَّةِ الظُّهْرِ فَلا ثَوَابَ لَهُ بِصَلاةِ النَّافِلَةِ.

مَنْ كَانَ عَلَيْهِ صَلَوَاتٌ فَائِتَةٌ فَاتَتْهُ بِلا عُذْرٍ هَلْ يَكْفِيهِ لِلْخُرُوجِ مِنَ الذَّنْبِ أَنْ يَقْضِىَ كُلَّ يَوْمٍ يَوْمَيْنِ.

        لا يَكْفِى بَلْ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِىَ مَا اسْتَطَاعَ مِنَ الْوَقْتِ إِلَّا مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَأَنْ كَانَ لِتَحْصِيلِ نَفَقَةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ نَوْمٍ لَا يَسْتَغْنِى عَنْهُ. وَمَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ كَثِيرَةٌ لَا يَعْلَمُ عَدَدَهَا بِالضَّبْطِ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَضَاهَا كُلَّهَا. وَمَنْ مَاتَ وَلَمْ يُتِمَّ قَضَاءَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ لَكِنَّهُ بَاشَرَ بِقَضَائِهَا بِهِمَّةٍ وَكَانَ فِى نِيَّتِهِ أَنْ يُكْمِلَهَا لَا يُعَذِّبُهُ اللَّهُ عَلَيْهَا.

مَا هُوَ دُعَاءُ الْقُنُوتِ.

        دُعَاءُ الْقُنُوتِ مِنْ سُنَنِ الصَّلاةِ وَيُقْرَأُ فِى اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلاةِ الصُّبْحِ وَفِى اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ مِنْ صَلاةِ الْوِتْرِ فِى النِّصْفِ الأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ وَفِى اعْتِدَالِ الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ عِنْدَ نُزُولِ الْبَلاءِ وَهُوَ اللَّهُمَّ اهْدِنِى فِيمَنْ هَدَيْتَ وَعَافِنِى فِيمَنْ عَافَيْتَ وَتَوَلَّنِى فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ وَبَارِكْ لِى فِيمَا أَعْطَيْتَ وَقِنِى شَرَّ مَا قَضَيْتَ فَإِنَّكَ تَقْضِى وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ فَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ أَسْتَغْفِرُكَ اللَّهُمَّ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ. وَيَقُولُ فِى ءَاخِرِهِ وَصَلِّ اللَّهُمَّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّم. وَالإِمَامُ يَأْتِى بِهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَعْنِي يَقُولُ اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْتَ، وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْتَ… وَيَجْهَرُ بِهِ بِخِلافِ الْمُنْفَرِدِ. وَيُؤَمِّنُ الْمَأْمُومُ سِرًّا أَىْ يَقُولُ ءَامِين عَلَى الدُّعَاءِ فِيهِ وَيُشَارِكُ الإِمَامَ فِى الثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ وَأَوَّلُهُ فَإِنَّكَ تَقْضِى وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ. وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُؤَمِّنَ بَعْدَ صَلاةِ الإِمَامِ عَلَى النَّبِىِّ ﷺ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ.

بَيِّنْ مَعْنَى دُعَاءِ الْقُنُوتِ.

        اللَّهُمَّ اهْدِنِى فِيمَنْ هَدَيْتَ أَىْ أَكْرِمْنِى بِاسْتِدَامَةِ الْهِدَايَةِ عَلَى الإِسْلامِ وَاجْعَلْنِى مِنَ الَّذِينَ أَكْرَمْتَهُمْ بِالْهِدَايَةِ، وَعَافِنِى فِيمَنْ عَافَيْتَ أَىِ اجْعَلْنِى مِنَ الَّذِينَ رَزَقْتَهُمُ الْعَافِيَةَ، وَتَوَلَّنِى فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ أَىِ اجْعَلْنِى مِنَ الَّذِينَ تَوَلَّيْتَهُمْ بِالْحِفْظِ، وَبَارِكْ لِى فِيمَا أَعْطَيْتَ أَىِ اجْعَلْ لِىَ الْبَرَكَةَ فِيمَا أَعْطَيْتَنِى، وَقِنِى شَرَّ مَا قَضَيْتَ أَىِ احْفَظْنِى مِنَ الشَّرِّ الَّذِى أَنْتَ تَخْلُقُهُ وَشِئْتَ أَنْ يُصِيبَ بَعْضَ خَلْقِكَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ احْفَظْنِى مِنَ الشَّرِّ الَّذِى قَدَّرْتَ أَنْ يُصِيبَنِى غَيِّرْ مَشِيئَتَكَ وَامْنَعْهُ. لَا. فَإِنَّكَ تَقْضِى وَلا يُقْضَى عَلَيْكَ أَىْ أَنْتَ تُقَدِّرُ عَلَى مَخْلُوقَاتِكَ وَلَا يَقْضِى عَلَيْكَ غَيْرُكَ أَىْ لَا يُصِيبُكَ مِنْ أَحَدٍ نَفْعٌ وَلا ضَرَرٌ، وَإِنَّهُ لا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْتَ أَىْ مَنْ شِئْتَ لَهُ أَنْ يَكُونَ عَزِيزًا وَأَيَّدْتَهُ بِنَصْرِكَ لَا يَكُونُ ذَلِيلًا ولَوْ كَانَ بَعْضُ النَّاسِ يُؤْذِيهِ فَهُوَ عَزِيزٌ، وَلا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ أَىْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لَكَ لَا يَصِيرُ عَزِيزًا أَىْ عِنْدَكَ وَعِنْدَ خِيَارِ النَّاسِ، تَبَارَكْتَ رَبَّنَا وَتَعَالَيْتَ أَىْ دَامَ فَضْلُكَ وَتَنَزَّهْتَ عَنْ مُشَابَهَةِ الْخَلْقِ، وَلَكَ الْحَمْدُ عَلَى مَا قَضَيْتَ أَىْ نَحْنُ رَاضُونَ عَنِ اللَّهِ فِى تَقْدِيرِهِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ لَا عَنِ الْعَبْدِ الَّذِى يَفْعَلُ الشَّرَّ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَنْهِىٌ عَنْهُ.

 

إِذَا اسْتَيْقَظَ الشَّخْصُ فِى ءَاخِرِ وَقْتِ الصَّلاةِ مَاذَا يَلْزَمُهُ.

        مَنِ اسْتَيْقَظَ فِى ءَاخِرِ وَقْتِ الصَّلاةِ عَلَيْهِ أَنْ يُسْرِعَ لِإِدْرَاكِ الصَّلاةِ فِى وَقْتِهَا. وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ سُنَنَ الْوُضُوءِ إِذَا كَانَ الْوَقْتُ يَخْرُجُ بِفِعْلِهَا بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْفَرَائِضِ مَرَّةً مَرَّةً. ثُمَّ بَعْدَ دُخُولِهِ فِى الصَّلاةِ لَهُ أَنْ يُطِيلَ فِى الصَّلاةِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ الْوَقْتُ، لَيْسَ عَلَيْهِ ذَنْبٌ.

اذْكُرْ عُذْرًا مِنَ الأَعْذَارِ الَّتِى تُبِيحُ الْجَمْعَ بَيْنَ صَلاتَيْنِ تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا.

        يَجُوزُ تَقْدِيمُ الصَّلاةِ عَلَى وَقْتِهَا وَتَأْخِيرُهَا عَنْهُ لِعُذْرٍ كَالسَّفَرِ الَّذِى يُبِيحُ الْجَمْعَ فَيَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ سَفَرًا طَوِيلًا فِى غَيْرِ مَعْصِيَةٍ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ صَلاتَىِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ صَلاتَىِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ تَقْدِيمًا أَوْ تَأْخِيرًا.

مَا هِىَ شُرُوطُ جَمْعِ التَّقْدِيمِ.

        يُشْتَرَطُ لِجَمْعِ التَّقْدِيمِ أَنْ يَبْدَأَ بِالظُّهْرِ قَبْلَ الْعَصْرِ وَبِالْمَغْرِبِ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَأَنْ يَنْوِىَ تَقْدِيمَ الْعَصْرِ إِلَى الظُّهْرِ فِى أَثْنَاءِ صَلاةِ الظُّهْرِ أَوْ تَقْدِيمَ الْعِشَاءِ إِلَى الْمَغْرِبِ فِى أَثْنَاءِ صَلاةِ الْمَغْرِبِ وَالْمُوَالاةُ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ أَىْ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ أَوْ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِأَنْ لَا يَفْصِلَ بَيْنَهُمَا بِفَاصِلٍ طَوِيلٍ. وَالْفَاصِلُ الطَّوِيلُ هُوَ مَا يَسَعُ رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ مِنَ الزَّمَنِ أَوْ أَكْثَرَ.

مَا هِىَ شُرُوطُ جَمْعِ التَّأْخِيرِ.

        يُشْتَرَطُ لِجَمْعِ التَّأْخِيرِ أَنْ يَنْوِىَ تَأْخِيرَ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ فِى وَقْتِ الظُّهْرِ وَأَنْ يَنْوِىَ تَأْخِيرَ الْمَغْرِبِ إِلَى الْعِشَاءِ فِى وَقْتِ الْمَغْرِبِ وَلَا يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الصَّلاتَيْنِ وَلَا الْمُوَالاةُ بَيْنَهُمَا بَلْ يُسَنُّ.

مَتَى يَجُوزُ قَصْرُ الصَّلاةِ الرُّبَاعِيَّةِ إِلَى رَكْعَتَيْنِ.

        مَنْ سَافَرَ فِى غَيْرِ مَعْصِيَةٍ إِلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلاةَ الرُّبَاعِيَّةَ إِلَى رَكْعَتَيْنِ إِذَا فَارَقَ الْبُنْيَانَ أَىْ بُنْيَانَ الْبَلَدِ الَّذِى يَعِيشُ فِيهِ وَلا بُدَّ أَنْ يَنْوِىَ الْقَصْرَ أَثْنَاءَ التَّكْبِيرِ أَىْ تَكْبِيرَةِ الإِحْرَامِ. وَمَسَافَةُ الْقَصْرِ ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ مِيلًا أَىْ نَحْوُ خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ كِيلُو مِتْرًا عَلَى قَوْلٍ. وَالْمُسَافِرُ هُوَ مَنْ نَوَى الإِقَامَةَ فِى بَلَدٍ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ غَيْرِ يَوْمَىِ الدُّخُولِ إِلَى هَذَا الْبَلَدِ وَالْخُرُوجِ مِنْهُ. وَلَا يَقْتَدِى مَنْ يُصَلِّى قَصْرًا بِمَنْ يُصَلِّى صَلاةً تَامَّةً وَيَصِحُّ الْعَكْسُ.

وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 

لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/BqTtruxwpdE

 

لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-12