الإثنين أبريل 21, 2025

#11

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ. أَمَّا بَعْدُ، قَالَ الشَّيْخُ جِيلُ صَادِقُ رَحِمَهُ اللَّهُ:

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ.

   الشَّرْحُ :أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ.

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: يَجِبُ عَلَى مَنْ وَقَعَ فِي الرِّدَّةِ (سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَمْ أُنْثَى) الْعَوْدُ فَوْرًا إِلَى (دِينِ) الإِسْلامِ (وَيَكُونُ ذَلِكَ) بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ (وَهُمَا أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ أَوْ مَا يُعْطِي مَعْنَاهُمَا وَلَوْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ) وَالإِقْلاعِ (أَيِّ الْكَفِّ) عَمَّا (أَيْ عَنِ الشَّيْءِ الَّذِي) وَقَعَتْ (أَيْ حَصَلَتْ) بِهِ الرِّدَّةُ (فَإِنْ تَرَكَ الأَمْرَ الَّذِي ارْتَدَّ بِسَبَبِهِ وَنَطَقَ بِالشَّهَادَتَيْنِ رَجَعَ إِلَى الإِسْلامِ) وَيَجِبُ عَلَيْهِ (زِيَادَةً عَلَى رُجُوعِهِ لِلإِسْلامِ حَتَّى يَسْلَمَ مِنَ الإِثْمِ شَيْئَانِ الأَوَّلُ) النَّدَمُ عَلَى مَا صَدَرَ مِنْهُ (بِأَنْ يَسْتَشْعِرَ فِي قَلْبِهِ كَرَاهِيَةَ مَا صَدَرَ مِنْهُ. وَقَالَ فِي الْمِصْبَاحِ نَدِمَ عَلَى مَا فَعَلَ نَدَمًا وَنَدَامَةً فَهُوَ نَادِمٌ وَالْمَرْأَةُ نَادِمَةٌ إِذَا حَزِنَ أَوْ فَعَلَ شَيْئًا ثُمَّ كَرِهَهُ اهـ) وَ (الثَّانِي) الْعَزْمُ (أَيِ التَّصْمِيمُ بِالْقَلْبِ) عَلَى أَنْ لا يَعُودَ لِمِثْلِهِ (أَيْ لِلْكُفْرِ فَإِنْ لَمْ يَنْدَمْ أَوْ لَمْ يَخْطُرْ فِي بَالِهِ أَنَّهُ لا يَعُودُ لِلْكُفْرِ صَحَّ إِسْلامُهُ مَعَ الإِثْمِ وَأَمَّا مَنْ عَزَمَ عَلَى الْكُفْرِ أَوْ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَكْفُرُ فِي الْحَالِ).

   الشَّرْحُ أَنَّ الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ لِمَنْ وَقَعَ فِي رِدَّةٍ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الرُّجُوعُ إِلَى الإِسْلامِ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ تَرْكِ مَا هُوَ سَبَبُ الرِّدَّةِ أَيِ الأَمْرِ الَّذِي حَصَلَتْ بِهِ الرِّدَّةُ. وَيُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الرُّجُوعِ إِلَى الإِسْلامِ أَنْ لا يَعْزِمَ عَلَى الْكُفْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلا يَتَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ إِنْ نَوَى أَنْ يَعُودَ إِلَى الْكُفْرِ أَوْ تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ لَمْ تَنْفَعْهُ الشَّهَادَةُ لِأَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْكُفْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ كُفْرٌ فِي الْحَالِ. فَلَوْ لَمْ يَنْوِ الرُّجُوعَ إِلَى الْكُفْرِ وَلا تَرَدَّدَ فِي ذَلِكَ لَكِنَّهُ لَمْ يَسْتَحْضِرِ النَّدَمَ إِنَّمَا تَرَكَ الشَّىْءَ الَّذِي هُوَ رِدَّةٌ وَتَشَهَّدَ صَحَّ إِسْلامُهُ لَكِنْ يَبْقَى عَلَيْهِ أَنْ يَنْدَمَ لِأَنَّ شَأْنَ كُلِّ مَعْصِيَةٍ أَنَّهُ يَجِبُ الإِقْلاعُ عَنْهَا وَالْعَزْمُ عَلَى تَرْكِ الْعَوْدِ إِلَيْهَا وَالنَّدَمُ عَلَى فِعْلِهَا.

(تَنْبِيهٌ إِذَا كَانَ شَخْصٌ يُصَلِّي فَجَاءَهُ كَافِرٌ وَقَالَ لَهُ أُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الْإِسْلَامِ فَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي يَعْتَقِدُ وَيَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ قَالَ وَهُوَ يُصَلِّي أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ يَفْهَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ الطَّرِيقُ لِلدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ اكْتَفَى بِذٰلِكَ؛ مَثَلًا يُشِيرُ إِلَيْهِ بِإِصْبَعِهِ هَكَذَا، مَعْنَاهُ قُلْ ثُمَّ يَذْكُرُ الشَّهَادَتَيْنِ بِنِيَّةِ الذِّكْرِ، وَذِكْرُ اللَّهِ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ. يَكُونُ عَرَفَ ذٰلِكَ الرَّجُلُ مَاذَا يَقُولُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ هُوَ صَلَاتَهُ، أَمَّا إِنْ كَانَ يَعْتَقِدُ أَنَّهُ لَا يَفْهَمُ لَوْ فَعَلَ لَهُ هٰذَا فَهُنَا يَجِبُ أَنْ يَقْطَعَ صَلَاتَهُ وَيَقُولَ لَهُ قُلْ لَا إِلٰهَ إِلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ. وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الْخَطِيبُ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَالَ لَهُ شَخْصٌ أُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الإِسْلامِ يَجِبُ عَلَيْهِ قَطْعُ الْخُطْبَةِ [أَيْ إِيقَافُ مَا كَانَ يَقُولُهُ لِيَأْمُرَهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلا تَبْطُلُ الْخُطْبَةُ بِذَلِكَ] وَتَلْقِينُهُ الشَّهَادَتَيْنِ فَوْرًا وَلا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ لَهُ انْتَظِرْ حَتَّى أَنْتَهِيَ مِنَ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ الرِّضَا لَهُ بِالْبَقَاءِ عَلَى الْكُفْرِ هَذِهِ الْمُدَّةَ. أَمَّا لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِمُسْلِمٍ أُرِيدُ الدُّخُولَ فِي الإِسْلامِ فَسَكَتَ وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يُشِرْ إِلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ فَإِنَّهُ لا يَكْفُرُ وَلَكِنَّهُ أَثِمَ إِثْمًا كَبِيرًا. لَمْ يَرْضَ لَهُ بِالْكُفْرِ بِقَلْبِهِ وَلَا قَالَ لَهُ انْتَظِرْ، أَخِّرْ، مَا أَشَارَ عَلَيْهِ بِالتَّأْخِيرِ إِنَّمَا سَكَتَ فَقَطْ، هٰذَا بَعْضُهُمْ لَمْ يُكَفِّرْهُ وَبَعْضُهُمْ كَفَّرَهُ، لَكِنَّ الَّذِي يَعْتَمِدُهُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ عَدَمُ التَّكْفِيرِ)

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ كُفْرِهِ (وَرِدَّتِهِ) بِالشَّهَادَةِ (أَيْ بِالنُّطْقِ بِهَا) وَجَبَتِ اسْتِتَابَتُهُ (أَيْ طَلَبُ التَّوْبَةِ مِنْهُ فَيَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الْخَلِيفَةُ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ كَالْوَالِي الَّذِي يُعَيِّنُهُ الْخَلِيفَةُ لِيَحْكُمَ نَاحِيَةً مِنَ النَّوَاحِي) وَلا يُقْبَلُ مِنْهُ (أي الْخَلِيفَةُ أَوِ الْقَائِمُ مَقَامَهُ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ) إِلَّا (الرُّجُوعَ إِلَى) الإِسْلامُ أَوِ الْقَتْلُ بِهِ (أَيْ بِسَبَبِ الرِّدَّةِ وَلا يَقْبَلُ مِنْهُ إِلَّا الرُّجُوعَ إِلَى الإِسْلامِ أَوْ يَقْتُلُهُ عِنْدَ ذَلِكَ وَذَلِكَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ بِنَحْوِ سَيْفٍ إِنْ لَمْ يَتُبْ، وَهَذَا الْحُكْمُ) يُنَفِّذُهُ عَلَيْهِ الْخَلِيفَةُ (أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ) بَعْدَ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ إِلَى الإِسْلامِ (لَا قَبْلَ ذَلِكَ هَذَا مَعْنَى الِاسْتِتَابَةِ وَأَمَّا قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ فَلا يَجُوزُ). وَيَعْتَمِدُ الْخَلِيفَةُ فِي ذَلِكَ (أَيْ فِي إِثْبَاتِ وَقُوعِهِ فِي الرِّدَّةِ) عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ عَدْلَيْنِ (ذَكَرَيْنِ فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لا يُحْكَمُ عَلَى الشَّخْصِ بِالرِّدَّةِ لِمُجَرَّدِ شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا وَكَذَلِكَ لا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إِذَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتَانِ) أَوْ (يَعْتَمِدُ الخَلِيفَةُ) عَلَى اعْتِرَافِهِ (أَيِ اعْتِرَافِ الْمُرْتَدِّ) وَذَلِكَ لِحَدِيثِ الْبُخَارِيِّ (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) (لِذَلِكَ قَالَ الشَّافِعِيَّةُ هَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ قَالَ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ (مَعْنَاهُ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ يَجِبُ قَتْلُهُ. الْقَاضِي عِيَاضٌ قَالَ لَا خِلَافَ أَنَّ سَابَّ اللَّهِ تَعَالَى مِنَ الْمُسْلِمِينَ كَافِرٌ حَلَالُ الدَّمِ، يَقُولُ “لَا خِلَافَ” أَيْ إِجْمَاعٌ أَنَّهُ حَلَالُ الدَّمِ. قَالَ “مِنَ الْمُسْلِمِينَ” يَعْنِي كَانَ مُسْلِمًا ثُمَّ سَبَّ اللَّهَ فَصَارَ كَافِرًا. هَذَا هُوَ الْمُرْتَدُّ. قَالَ “لَا خِلَافَ أَنَّهُ حَلَالُ الدَّمِ“، قَالَ عِيَاضٌ إِنَّمَا الْخِلَافُ فِي اسْتِتَابَتِهِ، يَعْنِي بَعْضُهُمْ قَالَ يُجُوزُ قَتْلُهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِتَابَةٍ، يَعْنِي لَا يَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ يَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ، ثُمَّ الَّذِينَ قَالُوا “يَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ” مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُسْتَتَابُ عَلَى الْفَوْرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، أَمَّا أَنَّهُ يُقْتَلُ فَهَذَا مَا فِيهِ خِلَافٌ. بَعْضُهُمْ قَالَ تُسَنُّ اسْتِتَابَتُهُ، وَبَعْضُهُمْ قَالَ تَجِبُ اسْتِتَابَتُهُ. هَذَا الَّذِي فِيهِ خِلَافٌ، لَيْسَ فِي قَتْلِهِ الْخِلَافُ) وَكَلِمَةُ (مَنْ) الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ عِنْدَ الْعَرَبِ فَتَعُمُّ الرِّجَالَ وَالنِّسَاءَ أَيْ مَنْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ إِلَى غَيْرِهِ فَاقْتُلُوهُ إِنْ أَمَرْتُمُوهُ بِالرُّجُوعِ وَلَمْ يَرْجِعْ).

   الشَّرْحُ أَنَّ مَنْ حَصَلَتْ مِنْهُ الرِّدَّةُ وَلَمْ يُتْبِعْهَا بِالتَّوْبَةِ أَيْ لَمْ يَرْجِعْ عَنْ رِدَّتِهِ وَجَبَتِ اسْتِتَابَتُهُ أَيْ أَنْ يُطْلَبَ مِنْهُ الرُّجُوعُ إِلَى الإِسْلامِ فَيَجِبُ عَلَى الإِمَامِ أَيِ الْخَلِيفَةِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ الرُّجُوعَ إِلَى الإِسْلامِ ثُمَّ لَا يَقْبَلُ مِنْهُ الإِمَامُ إِلَّا الإِسْلامَ فَإِنْ أَسْلَمَ تَرَكَهُ مِنَ الْقَتْلِ وَإِلَّا قَتَلَهُ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَذَلِكَ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْ مَنْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلامِ إِلَى غَيْرِهِ فَاقْتُلُوهُ إِنْ لَمْ يَرْجِعْ. وَلا يَجُوزُ قَتْلُهُ قَبْلَ الِاسْتِتَابَةِ وَمَنْ قَتَلَهُ قَبْلَهَا فَعَلَيْهِ ذَنْبٌ لَكِنَّهُ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ أَيْ لَا يُقْتَلُ بِهَذَا الْمُرْتَدِّ (وَاسْتِتَابَةُ الْمُرْتَدِّ تَكُونُ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، وَفِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ أُخْرَى). وَيَعْتَمِدُ الْخَلِيفَةُ فِي الْحُكْمِ عَلَى الْمُرْتَدِّ بِالرِّدَّةِ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إِمَّا أَنْ يَعْتَرِفَ هُوَ بِأَنَّهُ قَالَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ أَوْ فَعَلَ فِعْلَ الْكُفْرِ وَإِمَّا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ رَجُلانِ عَدْلانِ فَيُعْلَمُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ عَلَى الشَّخْصِ بِالرِّدَّةِ لِمُجَرَّدِ شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا وَكَذَلِكَ لَا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إِذَا شَهِدَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتَانِ. (وَأَمَّا إِذَا سَمِعْنَا مِنْ شَخْصٍ كُفْرًا ثُمَّ تَرَاجَعَ عَنْ كُفْرِهِ وَلَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ الشَّهَادَةَ فَلا نُجْرِي أَحْكَامَ الإِسْلامِ عَلَيْهِ، لَكِنْ إِنْ صَدَّقَ الْقَلْبُ بِأَنَّهُ رَجَعَ عَنْ كُفْرِهِ وَتَشَهَّدَ أَيِ اعْتَقَدْنَا أَنَّهُ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ وَتَشَهَّدَ قَبْلَ الْمَوْتِ يَجُوزُ إِنْ مَاتَ أَنْ نَسْتَغْفِرَ لَهُ وَنَتَرَحَّمَ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهُ بِمُسْلِمَةٍ وَلا تَوْرِيثُهُ مَا لَمْ نَسْمَعْ مِنْهُ الشَّهَادَتَيْنِ أَوْ يَشْهَدْ رَجُلانِ ثِقَتَانِ بِرُجُوعِهِ لِلإِسْلامِ)

   وَأَمَّا الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ فِي الإِسْلامِ يَكُونُ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَمَأْخُوذٌ مِنْ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) وَقَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا فُقَهَاءُ الْمَذَاهِبِ الأَرْبَعَةِ كَالنَّوَوِيِّ فِي (رَوْضَةِ الطَّالِبِينَ) وَالْبُهُوتِيِّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ فِي (كَشَّافِ الْقِنَاعِ) وَغَيْرِهِمَا.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَ (مِنْ أَحْكَامِ الرِّدَّةِ أَنَّهُ) يَبْطُلُ بِهَا (أَيْ بِالرِّدَّةِ) صَوْمُهُ (لِعَدَمِ صِحَّةِ الصَّوْمِ مِنَ الْكَافِرِ لِعَدَمِ صِحَّةِ عِبَادَتِهِ) وَ (يَبْطُلُ أَيْضًا) تَيَمُّمُهُ (بِخِلافِ وُضُوئِهِ فَمَنِ ارْتَدَّ بَعْدَ أَنْ تَوَضَّأَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الإِسْلامِ وَلَمْ يُحْدِثْ فَوُضُوؤُهُ صَحِيحٌ لِأَنَّ الرِّدَّةَ فِي الشَّرْعِ لَيْسَتْ مَعْدُودَةً مَعَ الأَحْدَاثِ، لَيْسَتْ حَدَثًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ) وَنِكَاحُهُ (أَيْ يَبْطُلُ أَيْضًا عَقْدُ نِكَاحِهِ بِمُجَرَّدِ حُصُولِ الرِّدَّةِ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ) قَبْلَ الدُّخُولِ (أَيِ الْوَطْءِ. فَإِنْ رَجَعَ إِلَى الإِسْلامِ فَلا بُدَّ مِنْ عَقْدٍ جَدِيدٍ إِنْ أَرَادَا الرُّجُوعَ إِلَى النِّكَاحِ) وَكَذَا (يَبْطُلُ إِذَا حَصَلَتِ الرِّدَّةُ) بَعْدَهُ (أَيْ بَعْدَ الدُّخُولِ) إِنْ لَمْ يَعُدْ (الْمُرْتَدُّ مِنْهُمَا أَيْ مِنَ الزَّوْجَيْنِ) إِلَى الإِسْلامِ فِي (مُدَّةِ) الْعِدَّةِ (فَيَحْتَاجُ إِلَى عَقْدٍ جَدِيدٍ أَيْ إِنْ أَرَادَا الرُّجُوعَ إِلَى النِّكَاحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَالْمَرْأَةُ تُجْبَرُ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى الإِسْلامِ وَتُجْبَرُ عَلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ. فَإِنْ رَجَعَ إِلَى الإِسْلامِ قَبْلَ انْتِهَاءِ مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَالْعِدَّةُ ثَلاثَةُ أَطْهَارٍ لِذَوَاتِ الْحيْضِ، وَثَلاثَةُ أَشْهُرٍ قَمَرِيَّةٍ لِمَنْ لَا تَحِيضُ، كُلُّ مَنْ لَا تَحِيضُ، مِثْلُ الآيِسِ وَالصَّغِيرَةِ، وَلِلْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا) وَ (الْمُرْتَدُّ) لا يَصِحُّ عَقْدُ نِكَاحِهِ عَلَى مُسْلِمَةٍ وَ (لَا عَلَى) غَيْرِهَا (وَلَوْ مُرْتَدَّةً مِثْلَهُ أَيْ وَلَوْ كَانَتْ مُرْتَدَّةً).

   الشَّرْحُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ بَعْضُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْمُرْتَدِّ مِنَ الأَحْكَامِ فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرِّدَّةَ تُبْطِلُ الصِّيَامَ وَالتَّيَمُّمَ أَمَّا الْوُضُوءُ فَلا يَنْتَقِضُ بِالرِّدَّةِ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ نِكَاحَهُ بَطَلَ بِمُجَرَّدِ الرِّدَّةِ مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالزَّوْجَةِ فَالرِّدَّةُ قَبْلَ الدُّخُولِ تَقْطَعُ النِّكَاحَ وَلا تَحِلُّ لَهُ وَلَوْ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ أَوْ عَادَتْ هِيَ إِلَى الإِسْلامِ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَأَمَّا إِذَا كَانَتِ الرِّدَّةُ بَعْدَ الدُّخُولِ بِهَا فَلا يَجُوزُ لَهُمَا الِاسْتِمْرَارُ فِي الْمُعَاشَرَةِ كَالزَّوْجَيْنِ بَلْ يَكُونُ نِكَاحُهُمَا مَوْقُوفًا وَيَبْدَأُ مِنْ حِينِ الرِّدَّةِ وَقْتُ الْعِدَّةِ فَإِنْ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ وَهِيَ ثَلاثَةُ أَطْهَارٍ لِذَوَاتِ الْحَيْضِ وَثَلاثَةُ أَشْهُرٍ لِمَنْ لا تَحِيضُ وَلِلْحَامِلِ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا تَبَيَّنَ بَقَاءُ النِّكَاحِ بَيْنَهُمَا بِلا تَجْدِيدٍ وَإِنِ انْتَهَتِ الْعِدَّةُ قَبْلَ عَوْدِ الَّذِي ارْتَدَّ مِنْهُمَا إِلَى الإِسْلامِ تَبَيَّنَ انْقِطَاعُ النِّكَاحِ مِنْ حِينِ الرِّدَّةِ وَلا يَعُودُ إِلَّا بِعَقْدٍ جَدِيدٍ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لا يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ لِمُرْتَدٍّ لا عَلَى مُرْتَدَّةٍ مِثْلِهِ وَلا عَلَى مُسْلِمَةٍ أَوْ يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ وَثَنِيَّةٍ.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَ (مِنْ أَحْكَامِهِ أَنَّهُ) تَحْرُمُ ذَبِيحَتُهُ (وَحُكْمُهَا أَنَّهَا مَيْتَةٌ) وَلَا يَرِثُ (مَنْ مَاتَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ الْمُسْلِمِينَ بِالإِجْمَاعِ، إِذَا مَاتَ أَبُوهُ لَا يَرِثُهُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَيْسَ مُسْلِمًا) وَلَا يُورِثُ (إِذَا مَاتَ هُوَ فَلا يَرِثُهُ أَقْرِبَاؤُهُ الْمُسْلِمُونَ وَلَا غَيْرُهُمْ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ. الْحَارِثُ الْمُحَاسَبِيُّ تُوُفِّيَ أَبُوهُ وَتَرَكَ لَهُ مَالًا كَثِيرًا فَلَمْ يَأْخُذْ مِنْهُ دِرْهَمًا وَاحِدًا لِأَنَّ أَبَاهُ كَانَ عَلَى عَقِيدَةِ الِاعْتِزَالِ، فَلَمَّا سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ قَالَ لِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ (لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ)، أَيْ مِلَّةِ الإِسْلامِ وَمِلَّةِ الْكُفْرِ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي حَدِيثٍ ءَاخَرَ (لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَلَا الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَلَا (يَجُوزُ أَنْ) يُصَلَّى عَلَيْهِ (لِكُفْرِهِ) وَلَا (يَجِبُ أَنْ) يُغَسَّلُ (وَيَجُوزُ ذَلِكَ) وَلَا (أَنْ) يُكَفَّنُ (وَيَجُوزُ ذَلِكَ) وَلَا (يَجُوزُ أَنْ) يُدْفَن فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ (لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ وَهَذِهِ الْمَقَابِرُ وُقِفَتْ لِدَفْنِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ فَلا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ فِيهَا) وَمَالُهُ (بَعْدَ مَوْتِهِ) فَيْءٌ أَيْ لِبَيْتِ الْمَالِ إِنْ كَانَ (أَيْ وُجِدَ) بَيْتُ مَالٍ مُسْتَقِيمٌ أَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ (بَيْتُ مَالٍ مُسْتَقِيمٌ) فَإِنْ تَمَكَّنَ رَجُلٌ صَالِحٌ (أَمِينٌ عَارِفٌ بِمَصَارِفِ هَذَا الْمَالِ) مِنْ أَخْذِهِ وَصَرْفِهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَعَلَ ذَلِكَ.

   الشَّرْحُ :أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ أَحْكَامِ الْمُرْتَدِّ أَنَّهُ تَحْرُمُ ذَبِيحَتُهُ فَلَوْ ذَبَحَ ذَبِيحَةً فَهِيَ مَيْتَةٌ يَحْرُمُ أَكْلُهَا. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَرِثُ أَيْ لَا يَرِثُ قَرِيبَهُ الْمُسْلِمَ إِذَا مَاتَ بِالإِجْمَاعِ وَلَا يُورَثُ أَيْ لَا يَرِثُهُ قَرِيبُهُ الْمُسْلِمُ إِذَا مَاتَ هَذَا الْمُرْتَدُّ. وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ أَيْ لَا تَجُوزُ الصَّلاةُ عَلَيْهِ إِنْ مَاتَ وَلَا يُغَسَّلُ أَيْ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ فَلَوْ غُسِّلَ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ إِثْمٌ. وَلا يُكَفَّنُ فَلَوْ كُفِّنَ لَمْ يَحْرُمْ. وَلَا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ لا يَجُوزُ ذَلِكَ فَمَنْ دَفَنَهُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ أَثِمَ (لِأَنَّ الْأَرْضَ الَّتِي هِيَ مَقْبَرَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ خُصِّصَتْ لِدَفْنِ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ. الَّذِي وَقَفَهَا وَقَفَهَا لِذٰلِكَ. الْمَقْبَرَةُ الْعَامَّةُ الَّتِي هِيَ لِلْمُسْلِمِينَ وُقِفَتْ لِدَفْنِ الْمُسْلِمِينَ، وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْهُمْ، فَلِذٰلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُدْفَنَ فِي الْمَقْبَرَةِ الْعَامَّةِ الَّتِي لِلْمُسْلِمِينَ). وَمِنْهَا أَنَّ مَالَهُ فَىْءٌ أَيْ أَنَّ مَالَ الْمُرْتَدِّ بَعْدَ مَوْتِهِ بِقَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ فَىْءٌ يَكُونُ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ لِبَيْتِ الْمَالِ إِنْ كَانَ بَيْتُ مَالٍ مُسْتَقِيمٌ قَالَ الْفُقَهَاءُ أَمَّا إِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ لِلْمُسْلِمِينَ مُسْتَقِيمٌ فَيَتَوَلَّى رَجُلٌ صَالِحٌ صَرْفَهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ (إِذَا كَانَ رَجُلٌ أَمِينٌ صَالِحٌ عَارِفٌ بِمَصَارِفِ هَذَا الْمَالِ يَعْرِفُ أَيْنَ يَصْرِفُ هَذَا الْمَالَ، مَا هِيَ الْوُجُوهُ الَّتِي يُصْرَفُ فِيهَا، عِنْدَئِذٍ هُوَ يَتَصَرَّفُ بِهِ عَلَى حَسَبِ هَذِهِ الْوُجُوهِ الَّتِي عَرَفَهَا عَنْ عِلْمٍ، عَلَى حَسَبِ حُكْمِ الشَّرْعِ أَيْشٍ يُقَدَّمُ عَلَى أَيْشٍ، لَيْسَ الأَمْرُ بِالْفَوْضَى، إِذَا كَانَ الْمَالُ لا يَفِي لِكُلِّ وُجُوهِ الْمَصَالِحِ يُقَدَّمُ الأَهَمُّ فَالْمُهِمُّ، مَا هِيَ وُجُوهُ الْمَصَالِحِ؟ كَيْفَ يَعْرِفُهَا الْوَاحِدُ؟ هِيَ الَّتِي ذَكَرَهَا الْفُقَهَاءُ، يَعْرِفُ ذَلِكَ عَنْ عِلْمٍ يَتَعَلَّمُ ذَلِكَ وَإِلَّا فَلَيْسَ الأَمْرُ عَلَى مَا يَرَى كُلُّ أَحَدٍ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَصَالِحُ لَهَا تَرْتِيبٌ كَيْفَ يُعْرَفُ مَا هُوَ الأَوْلَى فَالأَوْلَى؟ يُوجَدُ أَحْوَالٌ مَتْرُوكَةٌ لِاجْتِهَادِ الْقَائِمِ عَلَى الْمَالِ بِنَاءً عَلَى قَوَاعِدَ وَضَعَهَا الْعُلَمَاءُ وَيُوجَدُ أَحْوَالٌ نَصَّ فِيهَا الْعُلَمَاءُ عَلَى تَرْتِيبِ الْمَصَالِحِ أَنَّ الأَوْلَى كَذَا ثُمَّ كَذَا ثُمَّ كَذَا فَقَبْلَ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِالْمَالِ لا بُدَّ أَنْ يَعْرِفَ هَذِهِ الأَشْيَاءَ حَتَّى لَا يَصْرِفَ هَذَا الْمَالَ فِي غَيْرِ مَصْرَفِهِ الشَّرْعِيِّ، وَكُلُّنَا سَيُسْأَلُ فِي الآخِرَةِ، وَاحِدٌ مِنْ إِخْوَانِنَا كَانَ وَصَلَ إِلَيْهِ مَالٌ مِنْ أَمْوَالِ الْمَصَالِحِ وَكَانَ مَأْذُونًا بِصَرْفِهِ فِي الْمَصَالِحِ فَتَصَرَّفَ بِهَذَا الْمَالِ عَلَى خِلافِ الْوَجْهِ الصَّحِيحِ، اللَّهُ أَلْهَمَهُ أَنْ يَسْأَلَ الشَّيْخَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ الشَّيْخُ هَذَا الْمَالُ كُلُّهُ تَرُدُّهُ وَاشْتَغَلَ حَتَّى رَدَّهُ، لِأَجْلِ هَذَا ذُكِرَ هُنَا أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِمَصَارِفِ هَذَا الْمَالِ، إِذَا كَانَ الشَّخْصُ تَصَرَّفَ بِالْمَالِ فِي غَيْرِ الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ لَيْسَ شَيْئًا هَيِّنًا، النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. أَوَّلُ مَا تَوَلَّى بَعْضُ السَّلاطِينِ الطَّيِّبِينَ حُكْمَ نَاحِيَةٍ مِنَ النَّوَاحِي أَوَّلُ شَىْءٍ عَمِلَهُ أَسْقَطَ الضَّرَائِبَ. الْمُكُوسُ الَّتِي كَانَتْ تُؤْخَذُ مِنَ النَّاسِ كَانَتْ أَقَلَّ مِنَ الْيَوْمِ، فِي الْمَاضِي كَانَ الْوَاحِدُ إِذَا اشْتَرَى بِطِّيخَةً كَانَ يُؤْخَذُ مِنْهُ ضَرِيبَةٌ، بَعْدَ مُدَّةٍ جَاءَ إِلَى هَذَا السُّلْطَانِ أُنَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْفَسَادِ بِصُورَةِ نَاصِحِينَ لَهُ فَقَالُوا لَهُ لَوْ أَنَّكَ أَرْجَعْتَ هَذِهِ الْمُكُوسَ فَأَرْجَعَهَا لِفَتْرَةٍ ثُمَّ حَاسَبَ نَفْسَهُ فَقَالَ شَىْءٌ نَحْنُ أَسْقَطْنَاهُ لِلَّهِ تَعَالَى كَيْفَ نَرْجِعُ إِلَيْهِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ دَخَلَ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، فَلا يُفَكِّرَنَّ أَحَدٌ أَنَّ الصَّلاحَ لِلرَّأْيِ مِنْ ءَارَائِنَا يَكُونُ عَلَى خِلافِ شَرْعِ اللَّهِ. التَّمَسُّكُ بِالشَّرْعِ فِيهِ بَرَكَةٌ سَوَاءٌ عَرَفْنَا الْحِكْمَةَ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَمْ نَعْرِفْهَا فَالصَّلاحُ بِاتِّبَاعِ شَرْعِ اللَّهِ). وَتَثْبُتُ الرِّدَّةُ إِمَّا بِالِاعْتِرَافِ أَوْ بِالْبَيِّنَةِ أَيْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَدْلَيْنِ أَمَّا إِذَا شَهِدَ وَاحِدٌ فَقَطْ فَلا تُجْرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُرْتَدِّ كَمَا تَقَدَّمَ.

(فَائِدَةٌ: الْوَلَدُ الَّذِي هُوَ دُونَ الْبُلُوغِ إِنْ حَصَلَ مِنْهُ فِعْلٌ كُفْرِيٌّ أَوِ اعْتِقَادٌ كُفْرِيٌّ أَوْ قَوْلٌ كُفْرِيٌّ ثُمَّ بُيِّنَ لَهُ الصَّوَابُ فَاعْتَقَدَهُ وَبَلَغَ عَلَى الِاعْتِقَادِ الصَّحِيحِ الَّذِي هُوَ الْحَقُّ فَهُوَ مُسْلِمٌ لَوْ لَمْ يَتَشَهَّدْ، وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ (رِدَّةُ الصَّبِيِّ لا تَصِحُّ). وَمَعْنَى قَوْلِ الْفُقَهَاءِ (رِدَّةُ الصَّبِيِّ لا تَصِحُّ) أَنَّهُ لَوْ نَطَقَ بِالْكُفْرِ وَمَاتَ أَيْ وَهُوَ صَبِيٌّ، أَيْ دُونَ الْبُلُوغِ، أَيْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ الْكُفْرِ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ فَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُغَسَّلُ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ وَنَحْوِهِ نَهْيُهُ وَأَمْرُهُ بِالشَّهَادَةِ (نَأْمُرُهُ بِالشَّهَادَةِ لِلتَّعَلُّمِ وَالتَّأْدِيبِ) لِيَتَعَوَّدَ عَلَى الشَّهَادَةِ إِذَا حَصَلَ لَهُ فِيمَا بَعْدَ الْبُلُوغِ.

   وَأَمَّا الْوَلَدُ الَّذِي هُوَ دُونَ الْبُلُوغِ إِنْ حَصَلَ مِنْهُ فِعْلٌ كُفْرِيٌّ أَوِ اعْتِقَادٌ كُفْرِيٌّ أَوْ قَوْلٌ كُفْرِيٌّ وَلَمْ يَعْتَقِدِ الصَّوَابَ حَتَّى بَلَغَ عَلَى هَذَا الْكُفْرِ فَهُوَ كَافِرٌ وَيَلْزَمُهُ التَّشَهُّدُ لِلدُّخُولِ فِي الإِسْلامِ بَعْدَ بُلُوغِهِ.

تَنْبِيهٌ: الطِّفْلُ الَّذِي هُوَ ابْنُ يَوْمِهِ الَّذِي وُلِدَ مِنْ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ نُسَمِّيهِ كَافِرًا وَتَسْمِيَتُهُ كَافِرًا إِنَّمَا هِيَ بِاعْتِبَارِ مُعَامَلَتِهِ فِي الدُّنْيَا (لَيْسَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ كَافِرٌ حَقِيقِيٌّ، اعْتِقَادُهُ اعْتِقَادُ الْكُفْرِ لَا، إِنَّمَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ تَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْكُفْرِ) فَيُطَبَّقُ عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْكَافِرِينَ فِي الدُّنْيَا فَلا يُغَسَّلُ وَلا يُكَفَّنُ وَلا يُدْفَنُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَلا يَرِثُهُ أَقَارِبُهُ الْمُسْلِمُونَ، وَالَّذِي يُسَمِّيهِ مُسْلِمًا وَيَعْنِي بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ اعْتَقَدَ التَّوْحِيدَ وَلَمْ يَزَلْ عَلَى مُوجَبِ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ الْبَاطِنُ فَلا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي الْعَقِيدَةِ (يَعْنِي إِذَا وَاحِدٌ قَالَ عَنْهُ مُسْلِمٌ لِأَنَّهُ قَالَ أَلَيْسَ كُلُّ الْأَرْوَاحِ شَهِدَتْ يَوْمَ “أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ؟” قَالَ: بَلَى. قَالَ: هٰذَا شَهِدَ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ مَا يُنَافِي ذٰلِكَ بَعْدُ. بَعْدُ مَا حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ ضِدَّ ذٰلِكَ فَلَا يَكْفُرُ) وَمَنْ سَمَّاهُ كَافِرًا حَقِيقَةً مُتَأَوِّلًا بِأَنَّ بَعْضَ الأَرْوَاحِ مَا اعْتَقَدَتِ التَّوْحِيدَ يَوْمَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ فَلا نُكَفِّرُهُ وَأَمَّا مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الأَرْوَاحَ كُلَّهَا اعْتَقَدَتِ التَّوْحِيدَ يَوْمَ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ وَاسْتَمَرَّتْ عَلَى ذَلِكَ إِلَى حِينِ أَصْبَحَ طِفْلًا فَسَمَّاهُ كَافِرًا وَمُرَادُهُ حَقِيقَةً فَهَذَا يَكْفُرُ.

   وَأَمَّا حَدِيثُ: (كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَغَيْرُهُ فَمَعْنَى يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ أَيْ يَكُونُ مُسْتَعِدًّا مُتَهَيِّئًا لِقَبُولِ دِينِ الإِسْلامِ، عَلَى الْفِطْرَةِ أَيْ عَلَى فِطْرَةِ الإِسْلامِ لِأَنَّهُمْ يُولَدُونَ عَلَى مُقْتَضَى اعْتِرَافِهِمْ وَتَوْحِيدِهِمْ الَّذِي حَصَلَ يَوْمَ أُخْرِجَتِ الأَرْوَاحُ مِنْ ظَهْرِ ءَادَمَ بِنَعْمَانِ الأَرَاكِ فَإِنَّهُمْ سُئِلُوا أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى لا إِلَهَ لَنَا غَيْرُكَ، اعْتَرَفُوا كُلُّهُمْ بِأُلُوهِيَّةِ اللَّهِ. ثُمَّ لَمَّا دَخَلَتِ الرُّوحُ فِي جَسَدِ الْوَلَدِ نَسِيَ هَذَا وَيَبْقَى نَاسِيًا إِلَى أَنْ يَسْمَعَ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا الإِسْلامَ فَيَعُودَ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ أَوْ يَسْمَعَ مِنْ أَبَوَيْهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا الْكُفْرَ فَيَعْتَقِدَهُ فَيَكُونُ الآنَ كَفَرَ بِالْفِعْلِ أَيْ فَيَكُونُ الْآنَ حَصَلَ مِنْهُ الْكُفْرُ. هَذَا مَعْنَى الْحَدِيثِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يَعْرِفُ أَوَّلَ مَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ الإِسْلامَ تَفْصِيلًا فَإِنَّهُ أَوَّلَ مَا يَخْرُجُ مَنْ بَطْنِ أُمِّهِ لا يَعْلَمُ شَيْئًا وَهُوَ صَرِيحُ الآيَةِ أَيْ كَمَا جَاءَ فِي الْقُرْءَانِ صَرِيحًا ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِّنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾)

 

اذْكُرْ بَعْضَ الْقَوَاعِدِ الَّتِى يُعْرَفُ بِهَا الْكُفْرُ.

مَنْ رَضِىَ بِكُفْرِ غَيْرِهِ كَأَنْ ضَحِكَ لِقَوْلِ شَخْصٍ كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَلَى وَجْهِ الْمُوَافَقَةِ لَهُ عَلَى قَوْلِهِ كَفَرَ

 وَكَذَا مَنِ اسْتَحْسَنَ الْكُفْرَ أَىِ أَعْتَقَدَهُ شَيْئًا حَسَنًا كَأَنْ قَالَ لا بَأْسَ بِهِ

أَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِهِ كَأَنْ قَالَ لِطِفْلٍ سُبَّ لَهُ رَبَّهُ

أَوْ أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ لَهُ اكْفُرْ بِاللَّهِ وَإِلَّا قَتَلْتُكَ

أَوْ أَعَانَ غَيْرَهُ عَلَيْهِ كَأَنْ أَعْطَى كَافِرًا مَا يَسْتَعِينُ بِهِ لِفِعْلِ الْكُفْرِ مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ

أَوْ فَرِحَ بِهِ كَأَنْ سَمِعَ كُفْرًا مِنْ غَيْرِهِ فَفَرِحَ بِهِ

أَوْ تَمَنَّاهُ لِنَفْسِهِ كَأَنْ قَالَ لَيْتَنِى كُنْتُ كَافِرًا

أَوْ سَمَّى الْكُفْرَ إِيمَانًا كَأَنْ قَالَ عَنْ رَجُلٍ يَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ جَالِسٌ عَلَى الْعَرْشِ إِنَّهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ

أَوْ أَشَارَ عَلَى كَافِرٍ أَنْ يَبْقَى عَلَى الْكُفْرِ مُدَّةً كَأَنْ عَلِمَ أَنَّ كَافِرًا يُرِيدُ أَنْ يُسْلِمَ فَقَالَ لَهُ فَكِّرْ فِى الأَمْرِ أَوَّلًا

أَوْ نَوَى أَنْ يَكْفُرَ فِى الْمُسْتَقْبَلِ كَأَنْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الإِسْلامِ فِى الْمُسْتَقْبَلِ (كَفَرَ فِى الْحَالِ)

أَوْ عَلَّقَ كُفْرَهُ بِحُصُولِ أَمْرٍ كَأَنْ قَالَ إِنْ حَصَلَ كَذَا أَكْفُرُ (كَفَرَ فِى الْحَالِ)

أَوْ تَرَدَّدَ هَلْ يَكْفُرُ أَوْ لا، كَفَرَ فِى الْحَالِ.

وَكَذَا يَكْفُرُ إِنْ مَنَعَ غَيْرَهُ مِنَ الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ

أَوْ سَمَّى الإِسْلامَ كُفْرًا كَأَنْ قَالَ لِمُسْلِمٍ يَا كَافِرُ وَأَرَادَ أَنَّ مَا عَلَيْهِ هَذَا الْمُسْلِمُ مِنَ الدِّينِ كُفْرٌ مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَلا يَعْلَمُ عَنْهُ شَيْئًا يَعْتَقِدُهُ كُفْرًا

وَكَذَا يَكْفُرُ مَنِ اسْتَحْسَنَ الْمَعْصِيَةَ كَأَنْ قَالَ عَنْ مَعْصِيَةٍ لا بَأْسَ بِهَا أَوِ اسْتَحَلَّهَا مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ كَأَنِ اسْتَحَلَّ السَّرِقَةَ أَوْ قَتْلَ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ

أَوْ قَبَّحَ مَا حَسَّنَهُ الشَّرْعُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ حَسَنٌ كَأَنْ جَعَلَ سَتْرَ الْمَرْأَةِ لِوَجْهِهَا أَمْرًا قَبِيحًا

أَوْ حَسَّنَ مَا قَبَّحَهُ الشَّرْعُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ قَبِيحٌ كَأَنِ اسْتَحْسَنَ الْكَذِبَ،

أَوْ حَرَّمَ حَلالًا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ حَلالٌ كَأَنْ حَرَّمَ الْبَيْعَ أَوِ النِّكَاحَ

أَوْ أَنْكَرَ فَرْضًا مَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُ فَرْضٌ كَأَنْ أَنْكَرَ فَرْضِيَّةَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ

أَوْ أَنْكَرَ حُكْمًا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ كَأَنْ أَنْكَرَ حُرْمَةَ شُرْبِ الْخَمْرِ

أَوْ أَوْجَبَ مَا لَيْسَ وَاجِبًا مَعَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ كَمَنْ أَوْجَبَ سُنَنَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ.

وَكَذَا يَكْفُرُ مَنْ سَمَّى الْكُتُبَ الْمُحَرَّفَةَ كَالتَّوْرَاةِ الْمُحَرَّفَةِ كُتُبًا مُقَدَّسَةً

أَوْ سَمَّى الْمَعَابِدَ الدِّينِيَّةَ لِلْكُفَّارِ بُيُوتَ اللَّهِ

أَوْ قَالَ بِوُجُودِ دِينٍ صَحِيحٍ غَيْرِ الإِسْلامِ

أَوْ قَالَ أَنَا أَحْتَرِمُ كُلَّ الأَدْيَانِ الإِسْلامَ وَغَيْرَهُ

أَوِ اعْتَقَدَ أَنَّ نَبِيًّا مِنَ الأَنْبِيَاءِ دَعَا إِلَى غَيْرِ الإِسْلامِ أَوْ عَلَّمَ دِينًا غَيْرَ دِينِ الإِسْلامِ

وَكَذَا يَكْفُرُ مَنْ شَكَّ فِى كُفْرِ مَنْ دَانَ بِغَيْرِ الإِسْلامِ أَوْ تَوَقَّفَ فِى كُفْرِهِ كَأَنْ قَالَ أَنَا لا أَقُولُ إِنَّهُ كَافِرٌ وَلا أَقُولُ إِنَّهُ غَيْرُ كَافِرٍ، لِتَكْذِيبِهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾.

 

مَا حُكْمُ مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْكَافِرِ بَعْدَ مَوْتِهِ.

        اعْلَمْ أَنَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْكَافِرِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَفَرَ لِتَكْذِيبِهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾ وَقَوْلَهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ﴾ وَقَوْلَهُ تَعَالَى ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِى قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾ وَقَوْلَهُ تَعَالَى ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ وَقَوْلَهُ ﷺ إِنَّ اللَّهَ لَيَغْفِرُ لِعَبْدِهِ مَا لَمْ يَقَعِ الْحِجَابُ قَالُوا وَمَا وُقُوعُ الْحِجَابِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَمُوتَ النَّفْسُ وَهِىَ مُشْرِكَةٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ. وَكَذَا يَكْفُرُ مَنِ اسْتَغْفَرَ لِلْكَافِرِ الْحَىِّ وَقَصَدَ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ مَعَ اسْتِمْرَارِهِ عَلَى الْكُفْرِ إِلَى الْمَوْتِ. أَمَّا مَنْ قَالَ لِكَافِرٍ حَىٍّ اللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ وَقَصَدَ أَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ بِدُخُولِهِ فِى الإِسْلامِ فَلا يَكْفُرُ. أَمَّا مَا وَرَدَ فِى الْقُرْءَانِ الْكَرِيمِ أَنَّ سَيِّدَنَا نُوحًا عَلَيْهِ السَّلامُ قَالَ لِقَوْمِهِ الَّذِينَ كَانُوا يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ فَمَعْنَاهُ اطْلُبُوا مَغْفِرَةَ اللَّهِ بِالدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَمِّهِ أَبِى طَالِبٍ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ، مَعْنَاهُ لَأَطْلُبَنَّ مِنَ اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَكَ بِدُخُولِكَ فِى الإِسْلامِ إِلَّا إِذَا مِتَّ عَلَى الْكُفْرِ لِأَنَّ الرَّسُولَ مَنْهِىٌّ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِمَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ الإِسْلامِ. فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقُولَ لِكَافِرٍ حَىٍّ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ أَىْ بِدُخُولِهِ فِى الإِسْلامِ أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لَنَا فَيَجُوزُ مَعَ الْقَيْدِ أَىْ يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَقُولَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ بِالإِسْلامِ. أَمَّا مَنْ مَاتَ عَلَى الْكُفْرِ فَلا يَجُوزُ الِاسْتِغْفَارُ لَهُ وَلا التَّرَحُّمُ عَلَيْهِ.

 

مَا هِىَ حَالَةُ الإِكْرَاهِ.

        حَالَةُ الإِكْرَاهِ هِىَ أَنْ يَنْطِقَ بِالْكُفْرِ بِلِسَانِهِ مُكْرَهًا بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ أَىْ مِمَّا يُؤَدِّى إِلَى الْمَوْتِ فَمَنْ نَطَقَ بِالْكُفْرِ بِلِسَانِهِ مُكْرَهًا بِالْقَتْلِ وَنَحْوِهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ فَلا يَكْفُرُ. وَالْمُكْرَهُ هُوَ الَّذِى هَدَّدَهُ غَيْرُهُ بِالْقَتْلِ إِنْ لَمْ يَأْتِ بِالْكُفْرِ وَكَانَ قَادِرًا عَلَى تَنْفِيذِ تَهْدِيدِهِ وَهُوَ يُصَدِّقُهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ وَلا يَجِدُ طَرِيقَةً لِلْخَلاصِ إِلَّا بِالإِتْيَانِ بِمَا طَلَبَ مِنْهُ. وَأَمَّا غَيْرُ الْمُكْرَهِ فَلا يُشْتَرَطُ لِلْحُكْمِ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ انْشِرَاحُ الصَّدْرِ فَمَنْ قَالَ كَلامًا كُفْرِيًّا كَفَرَ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُنْشَرِحِ الصَّدْرِ أَىْ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ رَاضٍ بِالْكُفْرِ وَلا قَاصِدًا الْكُفْرَ وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ سَيِّدُ سَابِق الْمِصْرِىُّ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى فِقْهَ السُّنَّةِ أَنَّ الْمُسْلِمَ لا يُعْتَبَرُ خَارِجًا عَنِ الإِسْلامِ وَلا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ إِلَّا إِذَا انْشَرَحَ صَدْرُهُ بِالْكُفْرِ وَاطْمَأَنَّ قَلْبُهُ بِهِ وَدَخَلَ فِى دِينٍ غَيْرِ الإِسْلامِ بِالْفِعْلِ، فَهُوَ بَاطِلٌ لِأَنَّهُ جَعَلَ بِقَوْلِهِ هَذَا كُلَّ الْعِبَادِ فِى حُكْمِ الْمُكْرَهِ وَاللَّهُ تَعَالَى اسْتَثْنَى الْمُكْرَهَ فِى كِتَابِهِ بِحُكْمٍ خَاصٍّ قَالَ تَعَالَى ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ أَىْ أَنَّ الْمُكْرَهَ إِذَا نَطَقَ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ تَحْتَ الإِكْرَاهِ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ أَىْ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ﷺ وَيَكْرَهُ الْكُفْرَ فَلَيْسَ عَلَيْهِ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَكْفُرْ وَلَمْ يَعْصِ ﴿وَلَكِنْ مَّنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ﴾ أَىْ أَنَّ الْمُكْرَهَ إِذَا انْشَرَحَ صَدْرُهُ حَالَةَ النُّطْقِ بِالْكُفْرِ كَفَرَ. الرَّسُولُ ﷺ قَالَ لِعَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ لَمَّا عَلِمَ أَنَّ الْكُفَّارَ أَكْرَهُوهُ عَلَى قَوْلِ الْكُفْرِ هَلْ كُنْتَ شَارِحًا صَدْرَكَ حِينَ قُلْتَ مَا قُلْتَ أَمْ لَا فَقَالَ لَا فَقَالَ لَهُ الرَّسُولُ ﷺ وَإِنْ عَادُوا فَعُدْ رَوَاهُ الإِمَامُ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِى كِتَابِهِ الإِشْرَافِ، أَىْ إِنْ أَجْبَرُوكَ وَقُلْتَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ مَا عَلَيْكَ شَىْءٌ. وَالْمُكْرَهُ إِذَا أُكْرِهَ عَلَى قَوْلِ الْكُفْرِ يَنْوِى إِجْرَاءَ اللَّفْظِ لِأَجْلِ الإِكْرَاهِ. فَإِذَا أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ عَلَى سَبِّ النَّبِىِّ ﷺ يَقُولُ اللَّفْظَ وَيَنْوِى إِجْرَاءَ اللَّفْظِ عَلَى اللِّسَانِ لِأَنَّهُ مُكْرَهٌ وَلا يَقْصِدُ سَبَّ النَّبِىِّ بِقَلْبِهِ.

 

كَيْفَ يُعَامَلُ الصَّبِىُّ إِذَا نَطَقَ بِالْكُفْرِ.

        الصَّبِىُّ الْمُمَيِّزُ إِذَا نَطَقَ بِالْكُفْرِ وَجَبَ نَهْيُهُ وَأَمْرُهُ بِالشَّهَادَتَيْنِ وَلا يُصَلَّى خَلْفَهُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَتَشَهَّدَ وَتَشَهُّدُهُ لَيْسَ لِلدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ بَلْ لِتَأْدِيبِهِ وَتَعْوِيدِهِ. وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الصَّبِىِّ أَثَرُ الرِّدَّةِ كَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْكَبِيرِ بِمَعْنَى أَنَّهُ إِذَا بَلَغَ عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ لَا يُطَالَبُ بِالتَّشَهُّدِ لِلدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ وَثَوَابُ عَمَلِهِ الَّذِى عَمِلَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ يَبْقَى. الصَّبِىُّ إِذَا نَطَقَ بِالْكُفْرِ يُقَالُ عَنْهُ كَفَرَ أَىْ حَصَلَ مِنْهُ صُورَةُ الْكُفْرِ أَمَّا إِذَا اعْتَقَدَ الْكُفْرَ فَيُقَالُ عَنْهُ كَافِرٌ حَقِيقَةً لَكِنْ إِذَا بَلَغَ عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ لا يُطَالَبُ بِالتَّشَهُّدِ لِلدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ. أَمَّا غَيْرُ الْمُمَيِّزِ إِذَا نَطَقَ بِالْكُفْرِ فَنَأْمُرُهُ بِالتَّشَهُّدِ مِنْ بَابِ الِاسْتِحْسَانِ لِيَتَعَوَّدَ. وَالصَّبِىُّ إِذَا نَطَقَ بِالْكُفْرِ وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ يُعَامَلُ مُعَامَلَةَ الْمُسْلِمِينَ فَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ فِى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ.

 

مَا حُكْمُ مَنْ يَأْتِى بِنَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ.

        اعْلَمْ أَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا حَصَلَ مِنْهُ كُفْرٌ فَإِنَّهُ يَخْسَرُ حَسَنَاتِهِ السَّابِقَةَ كُلَّهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ﴾ وَلا تَرْجِعُ إِلَيْهِ حَسَنَاتُهُ الَّتِى خَسِرَهَا بَعْدَ رُجُوعِهِ إِلَى الإِسْلامِ وَأَمَّا ذُنُوبُهُ الَّتِى عَمِلَهَا أَثْنَاءَ الرِّدَّةِ وَقَبْلَ ذَلِكَ فَلا تُمْحَى عَنْهُ بِرُجُوعِهِ إِلَى الإِسْلامِ إِنَّمَا الَّذِى يُغْفَرُ لَهُ بِذَلِكَ هُوَ الْكُفْرُ فَقَطْ وَأَمَّا الْكَافِرُ الأَصْلِىُّ وَهُوَ الَّذِى وُلِدَ بَيْنَ أَبَوَيْنِ كَافِرَيْنِ وَبَلَغَ عَلَى الْكُفْرِ فَإِنَّ ذُنُوبَهُ تُمْحَى بِإِسْلامِهِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ الإِسْلامُ يَهْدِمُ مَا قَبْلَهُ، أَىْ يَمْحُو مَا كَانَ قَبْلَهُ مِنَ السَّيِّئَاتِ الْكُفْرِ وَمَا سِوَاهُ قَالَ تَعَالَى ﴿إِلَّا مَنْ تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ﴾ أَىْ أَنَّ الْكَافِرَ الأَصْلِىَّ إِذَا أَسْلَمَ يُغْفَرُ لَهُ كُفْرُهُ وَمَعَاصِيهِ وَتُكْتَبُ لَهُ الْحَسَنَاتُ الْجَدِيدَةُ الَّتِى يَعْمَلُهَا بَعْدَ أَنْ أَسْلَمَ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ كُفْرَهُ وَمَعَاصِيَهُ تَنْقَلِبُ حَسَنَاتٍ كَمَا يَدَّعِى عَمْرُو خَالِد الدَّاعِيَةُ إِلَى الْكُفْرِ وَالإِلْحَادِ فَإِنَّهُ قَالَ فِى الْمُحَاضَرَةِ الْمُسَمَّاةِ التَّوْبَةَ إِنَّ الذَّنْبَ يُمْحَى وَيُكْتَبُ مَكَانَهُ حَسَنَةٌ حَتَّى إِنَّ الطَّائِعِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْسُدُونَ الْعُصَاةَ مِنْ كَثْرَةِ الذُّنُوبِ الَّتِى انْقَلَبَتْ حَسَنَاتٍ. وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنَ الْكُفْرِ، وَقَالَ عَنِ الْعَاصِى الَّذِى تَابَ كُلُّ الصَّلَوَاتِ الَّتِى تَرَكَهَا انْقَلَبَتْ حَسَنَاتٍ وَالْمَالُ الْحَرَامُ الَّذِى أَكَلَهُ انْقَلَبَ حَسَنَاتٍ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ مِنَ الْكُفْرِ وَهَذَا تَكْذِيبٌ صَرِيحٌ لِشَرِيعَةِ اللَّهِ.

 

مَا حُكْمُ نِكَاحِ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ.

        مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ قَبْلَ الدُّخُولِ بِالزَّوْجَةِ بَطَلَ نِكَاحُهُ وَلا تَحِلُّ لَهُ وَلَوْ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ إِلَّا بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَكَذَا يَبْطُلُ نِكَاحُهُ إِنِ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلامِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِالزَّوْجَةِ وَلَمْ يَعُدْ إِلَى الإِسْلامِ فِى مُدَّةِ الْعِدَّةِ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الإِسْلامِ قَبْلَ انْتِهَاءِ الْعِدَّةِ فَلا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ عِنْدَ الشَّافِعِىِّ. وَمُدَّةُ الْعِدَّةِ ثَلاثَةُ أَطْهَارٍ لِمَنْ تَحِيضُ وَثَلاثَةُ أَشْهُرٍ قَمَرِيَّةٍ لِمَنْ لا تَحِيضُ وَأَمَّا الْحَامِلُ فَعِدَّتُهَا تَنْتَهِى بِوَضْعِ الْحَمْلِ. فَإِنْ جَامَعَ الْمُسْلِمُ امْرَأَتَهُ الْمُرْتَدَّةَ وَهُوَ لا يَعْلَمُ بِرِدَّتِهَا فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ وَيُنْسَبُ الْوَلَدُ الْمُنْعَقِدُ مِنْ هَذَا الْجِمَاعِ إِلَيْهِ وَإِلَيْهَا وَأَمَّا إِنْ كَانَ الْمُرْتَدُّ هُوَ الزَّوْجَ وَجَامَعَ امْرَأَتَهُ الْمُسْلِمَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْرِفَ بِرِدَّتِهِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهَا وَلا يُنْسَبُ الْوَلَدُ إِلَيْهِ إِنَّمَا يُنْسَبُ إِلَيْهَا. أَمَّا الْكُفَّارُ الأَصْلِيُّونَ فَإِنَّ نِكَاحَهُمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ نِكَاحٌ يَثْبُتُ بِهِ نَسَبُ الْوَلَدِ فَيُقَالُ مَثَلًا عُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ فَيُنْسَبُ إِلَى أَبِيهِ مَعْ أَنَّهُ وُلِدَ مِنْ نِكَاحِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَالْمُرْتَدُّ لا يَصِحُّ عَقْدُ نِكَاحِهِ عَلَى مُسْلِمَةٍ وَلا غَيْرِهَا. أَمَّا الرِّدَّةُ فِى مَذْهَبِ أَبِى حَنِيفَةَ فَتُعَدُّ فَسْخًا لَكِنْ إِذَا حَصَلَتِ الرِّدَّةُ مِنَ الزَّوْجَةِ تُجْبَرُ عَلَى الإِسْلامِ وَ تُجْبَرُ عَلَى تَجْدِيدِ الْعَقْدِ.

 

هَلْ يُحْكَمُ عَلَى الشخص بِالرِّدَّةِ لِمُجَرَّدِ شَهَادَةِ وَاحِدٍ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.

        لا يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالرِّدَّةِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ وَلَوْ كَانَ ثِقَةً أَىْ عَدْلًا وَلا بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ. أَمَّا لَوْ أَخْبَرَ ثِقَتَانِ أَنَّ فُلانًا ارْتَدَّ فَيَجُوزُ الأَخْذُ بِقَوْلِهِمَا وَلا يَجِبُ أَمَّا الْحَاكِمُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ بِقَوْلِهِمَا أَىْ يَحْكُمُ عَلَى الْمُرْتَدِّ بِالرِّدَّةِ وَيُطَالِبُهُ بِالرُّجُوعَ إِلَى الإِسْلامِ بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ. وَالْعَدْلُ هُوَ الْمُسْلِمُ الْمُجْتَنِبُ لِكَبَائِرِ الذُّنُوبِ وَلَا يُكْثِرُ مِنَ الذُّنُوبِ الصَّغِيرَةِ بِحَيْثُ تَزِيدُ عَلَى طَاعَاتِهِ، الْمُجْتَنِبُ لِمَا يُخِلُّ بِمُرُوءَتِهِ كَتَطْيِيرِ الْحَمَامِ أَوِ الْعَمَلِ فِى مِهْنَةِ الزَّبَّالِ إِنْ لَمْ تَسُقْهُ الضَّرُورَةُ لِذَلِكَ أَوِ الأَكْلِ فِى السُّوقِ مَاشِيًا إِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ السُّوقِ أَوِ الرَّقْصِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنَ النَّوْعِ الْمُحَرَّمِ أَوِ الإِكْثَارِ مِنَ الرِّوَايَاتِ الْمُضْحِكَةِ الَّتِى لَيْسَ فِيهَا ثَمَرَةٌ وَلَوْ كَانَتْ مُبَاحَةً.

 

هَلْ يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ إِذَا أَسْلَمَ أَنْ يَقْضِىَ مَا فَاتَهُ مِنْ صَلاةٍ أَوْ صِيَامٍ فِى أَيَّامِ رِدَّتِهِ.

        يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَدِّ إِذَا أَسْلَمَ أَنْ يَقْضِىَ مَا فَاتَهُ مِنْ صَلاةٍ أَوْ صِيَامٍ فِى أَيَّامِ رِدَّتِهِ عِنْدَ الإِمَامِ الشَّافِعِىِّ وَلا يَجِبُ عِنْدَ الأَئِمَّةِ الثَّلاثَةِ أَبِى حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ. أَمَّا إِذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فِى أَيَّامِ رِدَّتِهِ وَكَانَ مُسْتَطِيعًا فَيَلْزَمُهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ أَنْ يَحُجَّ بَعْدَ أَنْ يُسْلِمَ.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: فَصْلٌ (فِي أَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ).

   الشَّرْحُ أَنَّ هَذَا فَصْلٌ مَعْقُودٌ لِبَيَانِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ الْتِزَامُ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ يَدْخُلُ فِيمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ الأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (اعْلَمْ أَنَّهُ) يَجِبُ عَلَى كُلِّ (شَخْصٍ) مُكَلَّفٍ أَدَاءُ جَمِيعِ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ (كَالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَرَدِّ الْمَظَالِمِ وَنَحْوِ ذَلِكَ).

   الشَّرْحُ قَالَ الْعُلَمَاءُ الصَّبِيُّ إِذَا بَلَغَ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْوِيَ أَدَاءَ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الْمَعَاصِي وَأَدَاءِ الْفَرَائِضِ أَيْ أَوَّلَ مَا يَبْلُغُ يَنْوِي فِي قَلْبِهِ يَقُولُ أَعْمَلُ مَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيَّ فَأُؤَدِّي الْوَاجِبَاتِ وَأَجْتَنِبُ الْمُحَرَّمَاتِ.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ (أَيْضًا) أَنْ يُؤَدِّيَهُ عَلَى مَا (أَيْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي) أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ الإِتْيَانِ بِأَرْكَانِهِ (جَمْعُ رُكْنٍ وَهُوَ مَا كَانَ جُزْءًا مِنَ الْعَمَلِ وَلا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِدُونِهِ) وَشُرُوطِهِ (يَعْنِي وَالإِتْيَانِ بِشُرُوطِهِ جَمْعُ شَرْطٍ وَهُوَ مَا لَمْ يَكُنْ جُزْءًا مِنَ الْعَمَلِ لَكِنْ لا يَصِحُّ الْعَمَلُ بِدُونِهِ) وَيَجْتَنِبَ مُبْطِلاتِهِ (أَيْ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنْهَا وَيَتْرُكَهَا).

   الشَّرْحُ يَجِبُ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ صَلاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَحَجٍّ وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ تُفْعَلَ هَذِهِ الْفَرَائِضُ مِنْ تَطْبِيقِ الأَرْكَانِ وَالشُّرُوطِ. (وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ الْقِيَامِ بِصُوَرِ الأَعْمَالِ كَصُورَةِ الصَّلاةِ وَصُورَةِ الصِّيَامِ، كَمَا هُوَ الشَّأْنُ الْيَوْمَ بِاعْتِبَارِ أَحْوَالِ أَكْثَرِ النَّاسِ لِأَنَّهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى صُوَرِ الأَعْمَالِ، فَأَحَدُهُمْ يَذْهَبُ إِلَى الْحَجِّ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَحْكَامَ الْحَجِّ وَيَكْتَفِي بِأَنْ يُقَلِّدَ النَّاسَ فِي أَعْمَالِهِمْ، هَؤُلاءِ يَدْخُلُونَ تَحْتَ حَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ (رُبَّ (أَيْ كَثِيرٌ). رُبَّ قَائِمٍ (وَالْقَائِمُ هُوَ الْمُصَلِّي فِي اللَّيْلِ) لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ، وَرُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ. رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ. مَعْنَى الحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَنَالُ الثَّوَابَ عَلَى هٰذَا وَلَا عَلَى هٰذَا) وَقَوْلُهُ (وَيَجْتَنِبَ مُبْطِلاتِهِ) يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْءِ أَنْ يَعْرِفَ مَا يُبْطِلُ هَذِهِ الْفَرَائِضَ حَتَّى يَجْتَنِبَهَا.

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ (أَيْ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفِ) أَمْرُ مَنْ رَءَاهُ تَارِكَ شَىْءٍ مِنْهَا (أَيْ الفَرَائِضِ) أَوْ يَأْتِي بِهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا (أَيْ عَلَى وَجْهٍ لَا تَصِحُّ الْفَرِيضَةُ إِنْ فَعَلَهَا عَلَيْهِ كَأَنَّ تَرْكَ رُكْنًا مِنْ أَرْكَانِهَا أَوْ شَرْطًا مِنْ شُرُوطِهَا) بِالإِتْيَانِ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا (أَيْ يَأْمُرُهُ بِالإِتْيَانِ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا، أَيْ عَلَى الوَجْهِ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ، هَذَا إِنْ كَانَ يُخِلُّ بِفَرْضٍ أَوْ يَأْتِي بِمُبْطِلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ عِنْدَ الأَئِمَّةِ).

   الشَّرْحُ يَجِبُ عَلَى الشَّخْصِ الْمُكَلَّفِ أَنْ يَأْمُرَ مَنْ رَءَاهُ تَارِكَ شَىْءٍ مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ بِأَدَائِهَا وَيَأْمُرَ مَنْ رَءَاهُ يَأْتِي بِشَىْءٍ مِنْ هَذِهِ الْفَرَائِضِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي تَصِحُّ بِهِ هَذَا إِنْ كَانَ يُخِلُّ بِفَرْضٍ أَوْ يَأْتِي بِمُبْطِلٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ عِنْدَ الأَئِمَّةِ أَمَّا مَنْ رَءَاهُ يُخِلُّ بِمُخْتَلَفٍ فِيهِ فَلا يُنْكِرُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ فَرْضًا أَوْ مُبْطِلًا. (وَعَلَى هَذَا فَمَنْ رَأَى رَجُلًا كَاشِفًا فَخِذَيْهِ فِي الصَّلاةِ أَوْ غَيْرِهَا لَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ إِلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يَعْتَقِدُ أَنَّ هَذَا حَرَامٌ بِأَنْ يَكُونَ هَذَا الشَّخْصُ الَّذِي كَشَفَ فَخِذَهُ يَعْتَقِدُ بِأَنَّ كَشْفَ الْفَخِذِ عَلَى الرَّجُلِ حَرَامٌ حِينَئِذٍ يَجِبُ الإِنْكَارُ عَلَيْهِ لِأَنَّ فَخِذَ الرَّجُلِ اخْتَلَفَ الأَئِمَّةُ فِي حُكْمِهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِنَّ الْفَخِذَ عَوْرَةٌ قَوْلًا وَاحِدًا وَقَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بنُ حَنْبَلٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا الْفَخِذُ لَيْسَ عَوْرَةً وَقَالَ بِذَلِكَ ءَاخَرُونَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ مِنْهُمْ دَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ أَيْ دَاوُدُ الظَّاهِرِيُّ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ الَّذِي كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَكَانَ مِنْ أَقْرَانِ الإِمَامِ مَالِكٍ وَعَطَاءُ بنُ أَبِي رَبَاحٍ وَمُحَمَّدُ بنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ)

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ عَلَيْهِ (أَيْ عَلَى الْمُكَلَّفِ إِذَا رَأَى شَخْصًا لا يُؤَدِّي الْوَاجِبَاتِ عَلَى وَجْهِهَا) قَهْرُهُ (بِإِرْغَامِهِ) عَلَى ذَلِكَ (أَيْ عَلَى تَأْدِيَةِ الْفَرَائِضِ عَلَى وَجْهِهَا) إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ (أَيْ عَلَى الْقَهْرِ وَالأَمْرِ).

   الشَّرْحُ مَنْ عَلِمَ أَنَّ إِنْسَانًا لا يُؤَدِّي هَذِهِ الْفَرَائِضَ صَحِيحَةً أَوْ يَتْرُكُهَا بِالْمَرَّةٍ وَكَانَ لَا يَمْتَثِلُ إِلَّا بِالْقَهْرِ يَجِبُ أَنْ يَقْهَرَهُ عَلَى ذَلِكَ أَيْ أَنْ يُرْغِمَهُ إِنِ اسْتَطَاعَ (أَيْ يَحْمِلُهُ عَلَى ذٰلِكَ، يُجْبِرُهُ بِالقُوَّةِ، حَسَبْ، أَحْيَانًا بِصَرْخَةٍ، وَأَحْيَانًا بِنَظْرَةٍ، وَأَحْيَانًا بِغَيْرِ ذٰلِكَ).

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِلَّا (بِأَنْ لَمْ يَكُنْ قَادِرًا عَلَيْهِمَا) وَجَبَ عَلَيْهِ الإِنْكَارُ (أَيْ كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ الْفِعْلِ) بِقَلْبِهِ إِنْ عَجَزَ عَنِ الْقَهْرِ وَالأَمْرِ وَذَلِكَ (أَيِ الإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ وَلَا يُشْتَرَطُ أَنْ يُجْرِيَ على قَلْبِهِ عِبَارَةً كَقَوْلِ “اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا مُنْكَرٌ لَا أَرْضَاهُ” بَلْ يَكْفِي كَرَاهِيَةُ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ بِقَلْبِهِ) أَضْعَفُ (أَيْ أَقَلُّ ثَمَرَةِ) الإِيْمَانِ أَيْ أَقَلُّ مَا يَلْزَمُ الإِنْسَانَ عِنْدَ الْعَجْزِ (عَنِ الْقَهْرِ وَالأَمْرِ. قَوْلُهُ أَضْعَفُ الإِيـمَانِ فِيهِ شَىْءٌ مُقَدَّرٌ، أَضْعَفُ الإِيـمَانِ يَعْنِي أَقَلُّ ثَمَرَةِ الإِيـمَانِ، الإِيـمَانُ لَهُ ثَمَرَةٌ، إِذَا ءَامَنَ الإِنْسَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثَمَرَةُ ذَلِكَ طَاعَةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، أَدَاءُ الْوَاجِبَاتِ وَاجْتِنَابُ الْمُحَرَّمَاتِ).

   الشَّرْحُ أَنَّ الَّذِي لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْهَرَ أَوْ أَنْ يَأْمُرَ الشَّخْصَ الَّذِي يَتْرُكُ بَعْضَ الْفَرَائِضِ أَوْ يَأْتِي بِهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا بِأَنْ عَلِمَ أَنَّهُ يُصَلِّي صَلاةً فَاسِدَةً أَوْ يَصُومُ صِيَامًا فَاسِدًا أَوْ يَحُجُّ حَجًّا فَاسِدًا وَجَبَ عَلَيْهِ الإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ أَيِ الْكَرَاهِيَّةُ لِفِعْلِ هَذَا الإِنْسَانِ الْمُخَالِفِ لِلشَّرْعِ بِقَلْبِهِ فَإِنْ أَنْكَرَ بِقَلْبِهِ سَلِمَ مِنَ الْمَعْصِيَةِ وَهَذَا أَضْعَفُ الإِيْمَانِ أَيْ أَقَلُّهُ ثَمَرَةً. وَالْمُرَادُ بِالرُّؤْيَةِ فِي حَدِيثِ (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِرْهُ بِيَدِهِ) إِلَى ءَاخِرِه الْعِلْمُ بِوُجُودِ الْمُنْكَرِ لَا خُصُوصُ الرُّؤْيَةِ بِالْبَصَرِ (فَإِنَّ الْعَرَبَ يُطْلِقُونَ الرُّؤْيَةَ وَيُرِيدُونَ بِهَا الْعِلْمَ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ). أَمَّا إِنْ كَانَ يَسْتَطِيعُ الإِنْكَارَ بِالْيَدِ أَوِ الْقَوْلِ فَلا يَكْفِيهِ الإِنْكَارُ بِالْقَلْبِ فَهَذِهِ الْكَرَاهِيَةُ لَا تُخَلِّصُهُ مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ (يَعْنِي عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ لِأَنَّهُ مَا أَدَّى الوَاجِبَ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ يَسْتَطِيعُ الإِنْكَارَ بِاليَدِ أَوْ بِاللِّسَانِ، فَلَمْ يُنْكِرْ إِلَّا بِقَلْبِهِ) وَالسَّالِمُ مَنْ أَنْكَرَ إِنِ اسْتَطَاعَ بِيَدِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَبِقَلْبِهِ.

(وَمِنَ الْمُنْكَرِ الَّذِي يَجِبُ إِزَالَتُهُ الْكُفْرُ فَلِذَلِكَ فَرَضَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْجِهَادَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ لِكُفَّارِ الْفُرْسِ (أَمَرَنَا نَبِيُّنَا أَنْ نُقَاتِلَكُمْ حَتَّى تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ (أَيْ إِلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ أَوْ تُؤَدُّوا الجِزْيَةَ إِنْ لَمْ تُسْلِمُوا، وَهٰذَا عَلَى التَّرْتِيبِ وَلَيْسَ تَخْيِيرًا، فَإِنَّهُ تَجِبُ دَعْوَةُ الْكُفَّارِ إِلَى الإِسْلَامِ، فَإِنْ قَبِلُوا فَذَاكَ الأَمْرُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلُوا يُعْرَضُ عَلَيْهِمْ دَفْعُ الْجِزْيَةِ، فَإِنْ قَبِلُوا تُرِكُوا، وَإِلَّا وَجَبَ قِتَالُهُمْ، هٰذَا إِنِ اسْتَطَاعَ الْمُسْلِمُونَ)

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَيَجِبُ (عَلَى الْمُكَلَّفِ) تَرْكُ جَمِيعِ الْمُحَرَّمَاتِ (مِنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ) وَنَهيُ مُرْتَكِبِهَا (أَيْ فَاعِلِ الْمُحَرَّمَاتِ) وَمَنْعُهُ قَهْرًا مِنْهَا إِنْ قَدَرَ عَلَيْهِ (أَيِ النَّهْيِ بِالْيَدِ أَوِ اللِّسَانِ بِشَرْطِ أَنْ لا يُؤَدِّيَ إِنْكَارُهُ إِلَى مُنْكَرٍ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ) وَإِلَّا (بِأَنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ) وَجَبَ عَلَيْهِ (أَيْ عَلَى الْعَاجِزِ) أَنْ يُنْكِرَ (الْحَرَامَ) ذَلِكَ بِقَلْبِهِ.

   الشَّرْحُ أَنَّ ذَلِكَ فِيمَا إِذَا كَانَتِ الْمُنْكَرَاتُ نَحْوَ ءَالاتِ الطَّرَبِ الْمُحَرَّمَةِ وَالصُّوَرِ الْمُجَسَّمَةِ فَبِتَكْسِيرِهَا لِمَنِ اسْتَطَاعَ وَإِنْ كَانَتْ خُمُورًا فَبِإِرَاقَتِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ أَنْ لا يُؤَدِّيَ فِعْلُهُ إِلَى مُنْكَرٍ أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ الْمُنْكَرِ وَإِلَّا فَلا يَجُوزُ لِأَنَّهُ يَكُونُ عُدُولًا عَنِ الْفَسَادِ إِلَى الأَفْسَدِ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ (وَإِلَّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُنْكِرَ ذَلِكَ بِقَلْبِهِ).

(وَقَدْ حَصَلَ فِي أَوَائِلِ الْقَرْنِ الرَّابِعِ الْهِجْرِيِّ بِنَاحِيَةِ نَيْسَابُورَ فِي بِلادِ فَارِسَ الإِسْلامِيَّةِ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ وَهُمْ سَلَفُ الْوَهَّابِيَّةِ الْمُشَبِّهَةِ ظَهَرَتْ وَقَوِيَ أَمْرُهَا حَتَّى صَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَهْرُبُونَ مِنْ فِتْنَتِهِمْ إِلَى الْجِبَالِ فَتَصَدَّى لإِطْفَاءِ هَذِهِ الثَّائِرَةِ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مِنْهُمْ أَبُو إِسْحَاقَ الأَسْفَرَايِينِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ الَّذِي كَانَ مِنْ أَكَابِرِ عُلَمَاءِ أَهْلِ السُّنَّةِ جَبَلًا مِنْ جِبَالِ الْعِلْمِ وَلا سِيَّمَا فِي عِلْمِ الْعَقِيدَةِ وَالنِّضَالِ عَنْهَا فَصَارَ يَقُولُ لِهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَوَوْا إِلَى الْجِبَالِ (يَا أَكَلَةَ الْحَشِيشِ تَتْرُكُونَ دِينَ مُحَمَّدٍ تَلْعَبُ بِهِ الذِّئَابُ) صَارَ يُوَبِّخُهُمْ وَيُعَيِّرُهُمْ مَعْنَاهُ لِمَ لَمْ تَثْبُتُوا بَيْنَ النَّاسِ حَتَّى تُدَافِعُوا عَنِ الإِسْلامِ)

قَوْلُهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَّنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ﴾ مَعْنَاهُ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا لِطَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى افْعَلُوا مَا أَمَرَكُمُ اللَّهُ بِهِ وَكُفُّوا عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ، هَذَا مَعْنَى الآيَةِ. رَوَى الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ النَّاسَ يَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهَ ﷺ يَقُولُ (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ وَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْ مَنْ يَفْعَلُهُ أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا) (أَمْرٌ وَشِيكٌ، أَيْ سَرِيعٌ، كَمَا فِي لِسَانِ العَرَبِ)

 

   قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَ (حَدُّ) الْحَرَام (هُوَ) مَا تَوَعَّدَ اللَّهُ مُرْتِكِبَهُ (أَيْ فَاعِلَهُ) بِالْعِقَابِ (أَيْ مَا يَسْتَحِقُّ فَاعِلُهُ الْعِقَابَ فِي الآخِرَةِ سَوَاءٌ عَاقَبَهُ اللَّهُ أَمْ عَفَا عَنْهُ، لَكِنْ هَذَا حَدُّ الْحَرَامِ) وَوَعَدَ تَارِكَهُ (امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ أَيْ تَرَكَهُ لِدَاعِي الشَّرْعِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ عِبَارَتَهُ بِقَوْلِهِ امْتِثَالًا احْتِرَازًا عَنْ تَرْكِهِ لِنَحْوِ خَوْفٍ مِنْ مَخْلُوقٍ أَوْ حَيَاءً فَلا يُثَابُ عَلَيْهِ وَكَذَا إِنْ تَرَكَهُ بِلا قَصْدِ شىْءٍ، فَالْحَرَامُ إِنْ تَرَكَهُ خَوْفًا مِنَ النَّاسِ أَوِ اسْتِحْيَاءً مِنَ النَّاسِ لَيْسَ لَهُ ثَوابٌ إِلَّا إِنْ تَرَكَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَهُ. فَإِذَا وَعَدَ اللَّهُ تَارِكَ الحَرَامِ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ) بِالثَّوَابِ وَعَكْسُهُ (أَيْ عَكْسُ الْحَرَامِ حَدُّ) الْوَاجِب (وَهُوَ مَا وَعَدَ اللَّهُ فَاعِلَهُ امْتِثَالًا بِالثَّوَابِ وَتَوَعَّدَ تَارِكَهُ بِالْعِقَابِ).

   الشَّرْحُ هَذَا تَفْسِيرٌ لِلْحَرَامِ وَالْوَاجِبِ أَيْ أَنَّ الْحَرَامَ الَّذِي فَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَجْتَنِبُوهُ مَعْنَاهُ مَا فِي ارْتِكَابِهِ عِقَابٌ فِي الآخِرَةِ وَفِي تَرْكِهِ ثَوَابٌ، وَالْوَاجِبُ بِمَعْنَى الْفَرْضِ مَا فِي فِعْلِهِ ثَوَابٌ وَفِي تَرْكِهِ عِقَابٌ.

(فَائِدَةٌ: قَدْ يُطْلَقُ الْوَاجِبُ عَلَى السُّنَّةِ أَيْ نَوَافِلِ الطَّاعَاتِ. أَحْيَانًا يُطْلِقُونَ الْوَاجِبَ عَلَى النَّافِلَةِ بِمَعْنَى أَنَّ فِعْلَ هٰذَا الْأَمْرِ مُتَأَكِّدٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَرْضًا. هٰذَا فِي اللُّغَةِ يَمْشِي كَحَدِيثِ غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ أَيْ مُتَأَكِّدٌ طَلَبُهُ مِنْ كُلِّ مُحْتَلِمٍ، أَيْ مَطْلُوبٌ طَلَبًا قَوِيًّا وَإِنْ كَانَ لَا يَصِلُ إِلَى حَدِّ الْوُجُوبِ. الْمُحْتَلِمُ هُنَا مَعْنَاهُ الْبَالِغُ. يُقَالُ صَارَ زَيْدٌ مُحْتَلِمًا، مَعْنَاهُ صَارَ زَيْدٌ بَالِغًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا، وَقَدْ تُطْلَقُ السُّنَّةُ عَلَى الشَّرِيعَةِ أَيِ الْعَقِيدَةِ وَالأَحْكَامِ الَّتِي جَاءَ بِهَا الرَّسُولُ كَحَدِيثِ سِتَّةٌ لَعَنْتُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَكُلُّ نَبِيٍّ مُجَابٍ. أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَك، فَفِي ءَاخِرِهِ وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي. وَمِثْلُهُ حَدِيثُ الْمُتَمَسِّكُ بِسُنَّتِي عِنْدَ فَسَادِ أُمَّتِي لَهُ أَجْرُ شَهْيدٍ. أَيْ يُشْبِهُ أَجْرَ شَهِيدٍ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ. وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلامُ وَالتَّارِكُ لِسُنَّتِي، ظَاهِرٌ أَنَّهُ فِيمَنْ تَرَكَ مَذْهَبَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فِي الِاعْتِقَادِ إِلَى غَيْرِهِ وَهُمْ أَهْلُ الأَهْوَاءِ. فَتَخْصِيصُ السُنَّةِ بِمَا يُقَابِلُ الْفَرْضَ عُرْفٌ لِلْفُقَهَاءِ. إِذًا السُّنَّةُ تَأْتِي بِمَعَانٍ، أَمَّا بِاصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ كَشَرْحِ أَبِي شُجَاعٍ أَوْ فِي الزُّبَدِ وَغَيْرِ ذٰلِكَ يُطْلِقُونَ السُّنَّةَ بِمَعْنَى النَّفْلِ. تَأْتِي السُّنَّةُ بِمَعْنَى مَا جَاءَ بِهِ النَّبِيُّ وَهٰذَا يَشْمَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفْلَ، وَتَأْتِي لِغَيْرِ ذٰلِكَ، وَعَلَى هٰذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ لِلْفَرْضِ سُنَّةٌ، أَيْ أَنَّهُ مِنْ شَرْعِ الرَّسُولِ، إِذَا كَانَ ذٰلِكَ عَلَى وَجْهٍ سَالِمٍ مِنْ إِيهَامِ السَّامِعِ أَنَّهُ لَيْسَ وَاجِبًا)

وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

 

لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/tvh7gKdKetk

 

 لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ:   https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/umdah-11