الأربعاء ديسمبر 4, 2024

(10) مَا الدَّلِيلُ عَلَى فَرْضِيَّةِ الْحِجَابِ لِلْمَرْأَةِ.

        اعْلَمْ أَنَّ وُجُوبَ تَغْطِيَةِ الْمَرْأَةِ لِرَأْسِهَا ثَابِتٌ بِالْقُرْءَانِ وَالْحَدِيثِ وَالإِجْمَاعِ أَىْ إِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ الْمُجْتَهِدِينَ بِلا خِلافٍ بَيْنَهُمْ فَمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ فَهُوَ كَافِرٌ مُكَذِّبٌ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِى سُورَةِ النُّورِ ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ الزِّينَةُ الْبَاطِنَةُ أَىْ مَوَاضِعُ الزِّينَةِ مِنَ الْبَدَنِ كَالْمَوَاضِعِ الَّتِى يَكُونُ فِيهَا الْحَلَقُ فِى الأُذُنِ وَالْخلْخَالُ فِى الرِّجْلِ وَالسِّوَارُ فِى الْيَدِ وَالْعِقْدُ فِى الصَّدْرِ. وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ الْوَجْهُ وَالْكَفَّانِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ وَالْمِسْوَرُ بنُ مَخْرَمَةَ وَسَعِيدُ بنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُمْ كَثِيرٌ. قَالَ تَعَالَى ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ أَمَرَ اللَّهُ الْمُؤْمِنَاتِ أَنْ يُغَطِّينَ رُؤُوسَهُنَّ وَجُيُوبَهُنَّ أَىْ أَعْنَاقَهُنَّ بِالْخُمُرِ وَالْخِمَارُ هُوَ غِطَاءُ الرَّأْسِ وَلا يَنْبَغِى أَنْ يَكُونَ رَقِيقًا بِحَيْثُ يَظْهَرُ مِنْهُ لَوْنُ الشَّعَرِ. فَتَبَيَّنَ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُغَطِّىَ رَأْسَهَا وَعُنُقَهَا وَيَجُوزُ لَهَا كَشْفُ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ. وَجَاءَ فِى تَفْسِيرِ الطَّبَرِىِّ وَغَيْرِهِ أَنَّ الرَّسُولَ ﷺ دَخَلَ عَلَى السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ وَكَانَ عِنْدَهَا فَتَاةٌ بَالِغَةٌ يَظْهَرُ مِنْهَا بَعْضُ بَدَنِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا عَرَكَتْ (أَىْ بَلَغَتْ) لا يَجُوزُ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَأَشَارَ إِلَى الْوَجْهِ وَهَذَا وَقَبَضَ عَلَى سَاعِدِهِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ دَخَلَ يَوْمًا إِلَى بَيْتِهِ فَوَجَدَ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِى بَكْرٍ أُخْتَ السَّيِّدَةِ عَائِشَةَ فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا أَشَاحَ بِوَجْهِهِ (أَىْ نَظَرَ إِلَى جِهَةٍ أُخْرَى) لِأَنَّهَا كَانَتْ تَسْتُرُ رَأْسَهَا بِشَىْءٍ رَقِيقٍ وَقَالَ لَهَا إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتْ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلَّا هَذَا وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَهَذَا وَأَشَارَ إِلَى الْكَفِّ. هَذَا هُوَ حُكْمُ الشَّرْعِ وَعَلَى هَذَا جَمِيعُ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ فَلا يَجُوزُ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَخْرُجَ عَمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ قَالَ تَعَالَى ﴿وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾.