#10
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، قَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ، إِمَامِ الْأَتْقِيَاءِ الْعَارِفِينَ، سَيِّدِنَا وَقَائِدِنَا وَحَبِيبِنَا وَنُورِ أَبْصَارِنَا مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الْعَرَبِيِّ الْأُمِّيِّ الْأَمِينِ، الْعَالِي الْقَدْرِ، الْعَظِيمِ الْجَاهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.
(الِاجْتِهَادُ وَالتَّقْلِيدُ)
(الِاجْتِهَادُ هُوَ اسْتِخْرَاجُ الأَحْكَامِ الَّتِـى لَـمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ لا يَـحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًـى وَاحِدًا) أَمَّا مَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ صَرِيحٌ مِنَ الْقُرْءَانِ أَوِ الْـحَدِيثِ لا يَـحْتَمِلُ إِلَّا مَعْنًـى وَاحِدًا فَلا مَـجَالَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ، وَالِاجْتِهَادُ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ (فَالْمُجْتَهِدُ) هُوَ (مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ) اسْتِنْبَاطِ الأَحْكَامِ الَّتِـى لَـمْ يَرِدْ فِيهَا نَصٌّ صَرِيحٌ وَلَـمْ يَسْبِقْ فِيهَا إِجْـمَاعٌ مِنَ الأُمَّةِ وَلا يَكُونُ لَهُ (ذَلِكَ) إِلَّا (بِأَنْ يَكُونَ حَافِظًا لِآيَاتِ الأَحْكَامِ وَأَحَادِيثِ الأَحْكَامِ) أَىِ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ الْمُتَضَمِّنَةِ أَحْكَامًا شَرْعِيَّةً (وَ)لا بُدَّ مِنْ (مَعْرِفَةِ أَسَانِيدِهَا) أَىْ أَسَانِيدِ أَحَادِيثِ الأَحْكَامِ (وَمَعْرِفَةِ أَحْوَالِ رِجَالِ الإِسْنَادِ) أَىْ يَنْبَغِى أَنْ يَكُونَ عَارِفًا بِأَحْوَالِ الرُّوَاةِ قُوَّةً وَضَعْفًا لِيَحْكُمَ عَلَى الأَحَادِيثِ تَصْحِيحًا (وَ)تَضْعِيفًا مَعَ (مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ) مِنَ الآيَاتِ وَالأَحَادِيثِ حَتَّـى لا يَعْتَمِدَ عَلَى حُكْمٍ مَنْسُوخٍ وَالنَّسْخُ هُوَ رَفْعُ حُكْمٍ شَرْعِىٍّ سَابِقٍ بِـحُكْمٍ شَرْعِىٍّ لاحِقٍ. (وَ)لا بُدَّ لِبُلُوغِ دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ مِنْ مَعْرِفَةِ (الْعَامِّ وَالْـخَاصِّ) مِنَ الأَحْكَامِ حَتَّـى إِذَا تَعَارَضَ فِـى الظَّاهِرِ نَصَّانِ أَحَدُهُـمَا عَامٌّ وَالآخَرُ خَاصٌّ يُقَدِّمُ الْـخَاصَّ عَلَى الْعَامِّ كَقَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِـى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ فَإِنَّهُ خُصَّ عُمُومُهُ بالأَمَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَـى ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ وَخُصَّ عُمُومُهُ بِالْعَبْدِ الْمَقِيسِ عَلَى الأَمَةِ (وَ)لا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ (الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ) كَالْـحَدِيثِ الْوَارِدِ فِـى النَّهْىِ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ بِالْيَمِيـنِ فَإِنَّهُ وَرَدَ مُطْلَقًا مِنْ غَيْـرِ تَقْيِيدٍ وَوَرَدَ مُقَيَّدًا بِـحَالَةِ الْبَوْلِ بِلَفْظِ لا يُـمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ (وَ)يُشْتَـرَطُ (مَعَ) مَا تَقَدَّمَ مِنَ الشُّرُوطِ (إِتْقَانُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ) أَىْ يَنْبَغِى لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يُتْقِنَ لُغَةَ الْعَرَبِ (بِـحَيْثُ إِنَّهُ يَـحْفَظُ مَدْلُولاتِ أَلْفَاظِ النُّصُوصِ) أَىْ يَفْهَمُ جَيِّدًا مَعَانِـىَ النُّصُوصِ الشَّرْعِيَّةِ وَمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ (عَلَى حَسَبِ اللُّغَةِ الَّتِـى نَزَلَ بِـهَا الْقُرْءَانُ) وَيَعْرِفُ النَّحْوَ وَالصَّرْفَ وَالْبَلاغَةَ وَهَذَا فِـى غَيْـرِ السَّلِيقِىِّ أَمَّا السَّلِيقِىُّ كَالصَّحَابَةِ وَمَنْ كَانَ مِثْلَهُمْ فَهُوَ غَنِـىٌّ عَنْ تَعَلُّمِ النَّحْوِ وَالصَّرْفِ لِأَنَّهُ مَطْبُوعٌ عَلَى النُّطْقِ بِالصَّوَابِ فِـى اللُّغَةِ. (وَ)لا بُدَّ لِلْمُجْتَهِدِ مِنْ (مَعْرِفَةِ مَا أَجْـمَعَ عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُونَ وَمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) أَىْ يَنْبَغِى أَنْ يَعْرِفَ أَقْوَالَ الْعُلَمَاءِ إِجْـمَاعًا وَاخْتِلافًا فَلا يُـخَالِفُهُمْ فِـى اجْتِهَادِهِ (لِأَنَّهُ إِذَا لَـمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ لا يُؤْمَنُ عَلَيْهِ أَنْ يَـخْرِقَ الإِجْـمَاعَ أَىْ إِجْـمَاعَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ) مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ (وَيُشْتَرَطُ فَوْقَ ذَلِكَ شَرْطٌ وَهُوَ رُكْنٌ عَظِيمٌ فِـى الِاجْتِهَادِ وَهُوَ فِقْهُ النَّفْسِ أَىْ قُوَّةُ الْفَهْمِ وَالإِدْرَاكِ. وَتُشْتَـرَطُ) فِـى الْمُجْتَهِدِ (الْعَدَالَةُ وَهِىَ السَّلامَةُ مِنَ الْكَبَائِرِ وَمِنَ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى الصَّغَائِرِ بِـحَيْثُ تَغْلِبُ عَلَى حَسَنَاتِهِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدُ) لِأَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ وَاقِعًا فِى ذَنْبٍ كَبِيـرٍ. وَالْمُجْتَهِدُ لا يَعْمَلُ إِلَّا بِاجْتِهَادِهِ.
(وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَهُوَ الَّذِى لَـمْ يَصِلْ إِلَـى هَذِهِ الْمَرْتَبَةِ) أَىْ مَرْتَبَةِ الْمُجْتَهِدِ فَلَهُ رُخْصَةٌ بِأَنْ يَتَّبِعَ أَىَّ إِمَامٍ مِنَ الأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَيَعْمَلَ بِـمَذْهَبِهِ (وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمِيـنَ عَلَى هَاتَيْـنِ الْمَرْتَبَتَيْـنِ) مَرْتَبَةِ الْمُجْتَهِدِ وَمَرْتَبَةِ الْمُقَلِّدِ (قَوْلُهُ ﷺ نَضَّرَ اللَّـهُ امْرَأً سَـمِعَ مَقَالَتِـى فَوَعَاهَا فَأَدَّاهَا كَمَا سَـمِعَهَا فَرُبَّ مُبَلِّغٍ لا فِقْهَ عِنْدَهُ رَوَاهُ التِّـرْمِذِىُّ وَابْنُ حِبَّانَ) فَالرَّسُولُ ﷺ دَعَا لِمَنْ حَفِظَ حَدِيثَهُ فَأَدَّاهُ كَمَا سَـمِعَهُ مِنْ غَيْـرِ تَـحْرِيفٍ بِنَضْرَةِ الْوَجْهِ أَىْ بِـحُسْنِ وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبِالسَّلامَةِ مِنَ الْكَآبَةِ الَّتِـى تَـحْصُلُ مِنْ أَهْوَالِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَ(الشَّاهِدُ فِـى) هَذَا (الْـحَدِيثِ قَوْلُهُ) ﷺ (فَرُبَّ مُبَلِّغٍ) أَىْ لِلْحَدِيثِ (لا فِقْهَ عِنْدَهُ) أَىْ لا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الأَحْكَامِ مِنْهُ (وَفِـى رِوَايَةٍ) لِابْنِ حِبَّانَ (وَرُبَّ مُبَلَّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ، فَإِنَّهُ يُفْهِمُنَا أَنَّ مِـمَّنْ يَسْمَعُونَ الْـحَدِيثَ مِنَ الرَّسُولِ مَنْ حَظُّهُ أَنْ يَرْوِىَ مَا سَـمِعَهُ لِغَيْرِهِ وَيَكُونُ هُوَ فَهْمُهُ أَقَلَّ مِنْ فَهْمِ مَنْ يُبَلِّغُهُ بِـحَيْثُ إِنَّ مَنْ يُبَلِّغُهُ هَذَا السَّامِعُ يَسْتَطِيعُ مِنْ قُوَّةِ قَرِيـحَتِهِ أَنْ يَسْتَخْرِجَ مِنْهُ أَحْكَامًا وَمَسَائِلَ وَيُسَمَّى هَذَا الِاسْتِنْبَاطَ وَ)أَمَّا الْمُبَلِّغُ (الَّذِى سَـمِعَ) الْـحَدِيثَ مُبَاشَرَةً مِنَ الرَّسُولِ ﷺ فَإِنَّهُ (لَيْسَ عِنْدَهُ هَذِهِ الْقَرِيـحَةُ الْقَوِيَّةُ إِنَّـمَا يَفْهَمُ الْمَعْنَـى الَّذِى هُوَ قَرِيبٌ مِنَ اللَّفْظِ) وَ(مِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ يَكُونُ أَقَلَّ فَهْمًا) أَىْ مِنْ حَيْثُ الِاسْتِنْبَاطُ (مِـمَّنْ يَسْمَعُ مِنْهُمْ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّـهِ) مِنَ التَّابِعِيـنَ (وَفِـى لَفْظٍ لِـهَذَا الْـحَدِيثِ فَرُبَّ حَامِلِ فِقْهٍ إِلَـى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَهَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ فِـى) سُنَنِ (التِّـرْمِذِىِّ وَ)صَحِيحِ (ابْنِ حِبَّانَ) فَأَفْهَمَنَا الرَّسُولُ ﷺ بِذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَسْمَعُ مِنْهُ الشَّخْصُ الْـحَدِيثَ الْمُتَضَمِّنَ أَحْكَامًا وَلا يَكُونُ عِنْدَهُ أَهْلِيَّةُ الِاسْتِنْبَاطِ وَيَـحْمِلُهُ إِلَـى مَنْ هُوَ أَفْقَهُ مِنْهُ أَىْ إِلَـى مَنْ لَهُ أَهْلِيَّةُ الِاسْتِنْبَاطِ فَيَسْتَنْبِطُ مِنْهُ أَحْكَامًا. وَقَدْ جَعَلَ اللَّـهُ تَعَالَـى فِـى كُلِّ زَمَانٍ مُـجْتَهِدًا لا تَخْلُو الأَرْضُ مِنْهُ فَقَدْ رَوَى كَمِيلُ بنُ زِيَادٍ عَنْ سَيِّدِنَا عَلِـىٍّ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لا تَـخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّـهِ بِـحُجَجِهِ رَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِـى الْـحِلْيَةِ (وَهَذَا الْمُجْتَهِدُ هُوَ مَوْرِدُ قَوْلِهِ ﷺ إِذَا اجْتَهَدَ الْـحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ). وَالْمُرَادُ بِالْـحَاكِمِ هُنَا الْـحَاكِمُ الْعَالِـمُ الَّذِى هُوَ أَهْلٌ لِلْحُكْمِ. هَذَا الْـحَاكِمُ إِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ أَجْرٌ بِاجْتِهَادِهِ وَأَجْرٌ بِإِصَابَتِهِ وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ أَىْ بِاجْتِهَادِهِ (وَإِنَّـمَا خَصَّ رَسُولُ اللَّـهِ) ﷺ (فِـى هَذَا الْـحَدِيثِ الْـحَاكِمَ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُ أَحْوَجُ إِلَـى الِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْـرِهِ فَقَدْ مَضَى مُـجْتَهِدُونَ فِـى السَّلَفِ مَعَ كَوْنِـهِمْ حَاكِمِيـنَ كَالْـخُلَفَاءِ السِّتَّةِ أَبِـى بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِـىٍّ وَالْـحَسَنِ بنِ عَلِـىٍّ وَعُمَرَ بنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُمْ (وَ)مِنْهُمْ مَنْ لَـمْ يَكُنْ خَلِيفَةً مِثْلُ (شُرَيْحٍ الْقَاضِى. وَقَدْ عَدَّ عُلَمَاءُ الْـحَدِيثِ الَّذِينَ أَلَّفُوا فِـى كُتُبِ مُصْطَلَحِ الْـحَدِيثِ الْمُفْتِيـنَ) أَىِ الْمُجْتَهِدِينَ (فِـى الصَّحَابَةِ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةٍ) ذَكَرَهُ السُّيُوطِىُّ فِـى تَدْرِيبِ الرَّاوِى حَتَّـى (قِيلَ) إِنَّـهُمْ كَانُوا (نَـحْوَ سِتَّةٍ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ) إِنَّ (نَـحْوَ مِائَتَيْـنِ مِنْهُمْ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الأَصَحُّ. فَإِذَا كَانَ الأَمْرُ فِـى الصَّحَابَةِ هَكَذَا فَمِنْ أَيْنَ يَصِحُّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَقْرَأَ الْقُرْءَانَ وَيُطَالِعَ فِـى بَعْضِ الْكُتُبِ أَنْ يَقُولَ أُولَئِكَ رِجَالٌ وَنَـحْنُ رِجَالٌ فَلَيْسَ عَلَيْنَا أَنْ نُقَلِّدَهُمْ) وَيَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّـهُمْ قَادِرُونَ عَلَى الِاجْتِهَادِ.
(وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَكْثَرَ السَّلَفِ كَانُوا غَيْـرَ مُـجْتَهِدِينَ بَلْ كَانُوا مُقَلِّدِينَ لِلْمُجْتَهِدِينَ فِيهِمْ فَفِى صَحِيحِ الْبُخَارِىِّ أَنَّ رَجُلًا كَانَ أَجِيـرًا لِرَجُلٍ فَزَنَـى بِامْرَأَتِهِ فَسَأَلَ أَبُوهُ) أُنَاسًا مِنَ الصَّحَابَةِ عَمَّا يَـجِبُ عَلَى ابْنِهِ (فَقِيلَ لَهُ إِنَّ عَلَى ابْنِكَ مِائَةَ شَاةٍ وَأَمَةً) يَدْفَعُهَا لِزَوْجِهَا (ثُـمَّ سَأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ) مِنْهُمْ (فَقَالُوا لَهُ إِنَّ عَلَى ابْنِكَ جَلْدَ مِائَةٍ وَتَغْرِيبَ عَامٍ) أَىْ إِخْرَاجَهُ عَنْ بَلَدِهِ إِلَـى مَسَافَةِ قَصْرٍ لِمُدَّةِ سَنَةٍ (فَجَاءَ إِلَـى الرَّسُولِ ﷺ مَعَ زَوْجِ الْمَرْأَةِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّـهِ إِنَّ ابْنِـىَ هَذَا كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا) أَىْ كَانَ أَجِيـرًا عِنْدَهُ (وَزَنَـى بِامْرَأَتِهِ فَقَالَ لِـى نَاسٌ عَلَى ابْنِكَ الرَّجْمُ فَفَدَيْتُ ابْنِـىَ مِنْهُ بِـمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ وَوَلِيدَةٍ ثُـمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ فَقَالُوا إِنَّـمَا عَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ لَأَقْضِيَـنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّـهِ) أَىْ عَلَى وَفْقِ مَا جَاءَ فِـى الْقُرْءَانِ ثُمَّ قَالَ مُـخَاطِبًا لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ (أَمَّا الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرَدٌّ عَلَيْهِ) أَىْ تُرَدُّ إِلَيْهِ ثُـمَّ قَالَ مُـخَاطِبًا لِوَالِدِ الزَّانِــى (وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ. فَهَذَا الرَّجُلُ مَعَ كَوْنِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ سَأَلَ أُنَاسًا مِنَ الصَّحَابَةِ فَأَخْطَأُوا الصَّوَابَ ثُـمَّ سَأَلَ عُلَمَاءَ مِنْهُمْ) فَأَجَابُوا بِالصَّوَابِ (ثُمَّ أَفْتَاهُ الرَّسُولُ) ﷺ (بِـمَا يُوَافِقُ مَا قَالَهُ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءُ. فَإِذَا كَانَ الرَّسُولُ أَفْهَمَنَا أَنَّ بَعْضَ مَنْ كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْهُ الْـحَدِيثَ لَيْسَ لَـهُمْ فِقْهٌ أَىْ مَقْدِرَةٌ عَلَى اسْتِخْرَاجِ الأَحْكَامِ مِنْ حَدِيثِهِ وَإِنَّـمَا حَظُّهُمْ أَنْ يَرْوُوا عَنْهُ مَا سَـمِعُوهُ مَعَ كَوْنِـهِمْ يَفْهَمُونَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ الْفُصْحَى فَمَا بَالُ هَؤُلاءِ الْغَوْغَاءِ الَّذِينَ) لا يَعْرِفُونَ اللُّغَةَ وَلَيْسَ فِيهِمْ شُرُوطُ الِاجْتِهَادِ (يَتَجَرَّءُونَ عَلَى قَوْلِ أُولَئِكَ رِجَالٌ وَنَـحْنُ رِجَالٌ) فَلا نَـحْتَاجُ إِلَـى تَقْلِيدِهِمْ وَقَوْلُـهُمْ (أُولَئِكَ رِجَالٌ يَعْنُونَ) بِهِ (الْمُجْتَهِدِينَ كَالأَئِمَّةِ الأَرْبَعَةِ) أَبِـى حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِىِّ وَأَحْـمَدَ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُمْ.
(وَفِـى هَذَا الْمَعْنَـى مَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ) فِـى سُنَنِهِ (مِنْ قِصَّةِ الرَّجُلِ الَّذِى كَانَتْ بِرَأْسِهِ شَجَّةٌ) أَىْ جُرْحٌ (فَأَجْنَبَ فِـى لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ فَاسْتَفْتَـى مَنْ مَعَهُ فَقَالُوا لَهُ اغْتَسِلْ فَاغْتَسَلَ فَمَاتَ فَأُخْبِـرَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ فَقَالَ قَتَلُوهُ) أَىْ تَسَبَّبُوا فِـى مَوْتِهِ (قَتَلَهُمُ اللَّـهُ أَلا سَأَلُوا إِذْ لَـمْ يَعْلَمُوا فَإِنَّـمَا شِفَاءُ الْعِىِّ السُّؤَالُ، أَىْ شِفَاءُ الْـجَهْلِ السُّؤَالُ أَىْ سُؤَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ إِنَّـمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً ثُـمَّ يَـمْسَحُ عَلَيْهَا وَيَغْسِلُ سَائِرَ جَسَدِهِ) وَهَذَا (الْـحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَغَيْـرُهُ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الِاجْتِهَادُ يَصِحُّ مِنْ مُطْلَقِ الْمُسْلِمِيـنَ لَمَا ذَمَّ رَسُولُ اللَّـهِ) ﷺ (هَؤُلاءِ الَّذِينَ أَفْتَوْهُ وَ)هُمْ (لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْفَتْوَى. ثُمَّ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ الَّتِـى هِىَ خَاصَّةٌ لَهُ الْقِيَاسُ أَىْ أَنْ يَعْتَبِـرَ مَا لَـمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ بِـمَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ لِشَبَهٍ بَيْنَهُمَا) أَىْ إِلْـحَاقُ مَا لَـمْ يُنَصَّ عَلَيْهِ بِالأَصْلِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ لِعِلَّةٍ تَـجْمَعُهُمَا فِـى الْـحُكْمِ كَتَحْرِيـمِ ضَرْبِ الْوَالِدَيْنِ فَإِنَّهُ قِيسَ عَلَى تَـحْرِيـمِ التَّأْفِيفِ بِالأَبَوَيْنِ الْوَارِدِ فِـى الْقُرْءَانِ (فَالْـحَذَرَ الْـحَذَرَ مِنَ الَّذِينَ) يَدَّعُونَ الِاجْتِهَادَ وَ(يَـحُثُّونَ أَتْبَاعَهُمْ عَلَى الِاجْتِهَادِ مَعَ كَوْنِـهِمْ وَكَوْنِ مَتْبُوعِيهِمْ بَعِيدِينَ عَنْ هَذِهِ الرُّتْبَةِ فَهَؤُلاءِ يُـخَرِّبُونَ وَيَدْعُونَ أَتْبَاعَهُمْ إِلَـى التَّخْرِيبِ فِـى أُمُورِ الدِّينِ وَشَبِيهٌ بِـهَؤُلاءِ أُنَاسٌ تَعَوَّدُوا فِـى مَـجَالِسِهِمْ أَنْ يُوَزِّعُوا عَلَى الْـحَاضِرِينَ تَفْسِيـرَ ءَايَةٍ أَوْ حَدِيثٍ مَعَ أَنَّهُ لَـمْ يَسْبِقْ لَـهُمْ تَلَقٍّ مُعْتَبَـرٌ مِنْ أَفْوَاهِ الْعُلَمَاءِ فَهَؤُلاءِ الْمُدَّعُونَ) لِلِاجْتِهَادِ (شَذُّوا عَنْ عُلَمَاءِ الأُصُولِ) أَىْ أُصُولِ الْفِقْهِ (لِأَنَّ عُلَمَاءَ الأُصُولِ قَالُوا الْقِيَاسُ وَظِيفَةُ الْمُجْتَهِدِ وَخَالَفُوا عُلَمَاءَ الْـحَدِيثِ أَيْضًا) فَكَمْ مِنْ حُفَّاظٍ يَـحْفَظُونَ الآلافَ مِنَ الْمُتُونِ وَالأَسَانِيدِ وَأَحْوَالِ الرُّوَاةِ يُقَلِّدُونَ غَيْـرَهُمْ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَلا يَرَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ.
(خَاتِـمَةُ) الْكِتَابِ
(خُلاصَةُ مَا مَضَى مِنَ الأَبْـحَاثِ أَنَّ مَنْ عَرَفَ اللَّـهَ) وَاعْتَقَدَ أَنَّهُ لا يَسْتَحِقُّ أَحَدٌ أَنْ يُعْبَدَ إِلَّا هُوَ (وَ)أَنَّ (رَسُولَهُ) مُـحَمَّدًا ﷺ صَادِقٌ فِـى كُلِّ مَا جَاءَ بِهِ (وَنَطَقَ بِالشَّهَادَةِ) أَىْ بِشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَأَنَّ مُـحَمَّدًا رَسُولُ اللَّـهِ (وَلَوْ مَرَّةً فِـى الْعُمُرِ وَرَضِىَ بِذَلِكَ اعْتِقَادًا فَهُوَ مُسْلِمٌ مُؤْمِنٌ) لا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ الْـجَنَّةَ إِنْ مَاتَ عَلَى الإِيـمَانِ لِـحَدِيثِ مُسْلِمٍ مَنْ قَالَ لا إِلَــٰهَ إِلَّا اللَّـهُ وَكَفَرَ بِـمَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّـهِ حَرَّمَهُ اللَّـهُ عَلَى الـنَّارِ، أَىْ حَرَّمَ أَنْ يَبْقَى فِيهَا إِلَى الأَبَدِ إِنْ دَخَلَهَا بِـمَعَاصِيهِ (وَ)أَمَّا (مَنْ عَرَفَ وَنَطَقَ وَلَـمْ يَعْتَقِدْ فَلَيْسَ بِـمـُسْلِمٍ وَلا بِـمُؤْمِنٍ عِنْدَ اللَّـهِ وَأَمَّا عِنْدَنَا فَهُوَ مُسْلِمٌ لِـخَفَاءِ بَاطِنِهِ عَلَيْنَا) فَإِنَّهُ (وَإِنْ كَانَ يَتَظَاهَرُ بِالإِسْلامِ وَ)يُصَلِّـى صُورَةً لَكِنَّهُ (يَكْرَهُ الإِسْلامَ بَاطِنًا أَوْ يَتَـرَدَّدُ فِـى قَلْبِهِ هَلِ الإِسْلامُ صَحِيحٌ أَمْ لا فَهُوَ مُنَافِقٌ كَافِرٌ وَهُوَ دَاخِلٌ فِـى قَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَـى ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِيـنَ فِـى الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ﴾ فَهُوَ وَالْكَافِرُ الْمُعْلِنُ خَالِدَانِ فِـى النَّارِ خُلُودًا أَبَدِيًّا) لا يَـخْرُجَانِ مِنْهَا أَبَدًا.
(وَقَوْلُ الْبَعْضِ يَصِحُّ إِيـمَانُ الْكَافِرِ بِلا نُطْقٍ مَعَ التَّمَكُّنِ) أَىْ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ (قَوْلٌ بَاطِلٌ لا يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ) وَهُوَ خِلافُ عَقِيدَةِ الْـجُمْهُورِ فَقَدْ نَقَلَ الإِمَامُ الْمُجْتَهِدُ ابْنُ الْمُنْذِرِ الإِجْـمَاعَ عَلَى أَنَّ الدُّخُولَ فِـى الإِسْلامِ لا يَكُونُ إِلَّا بِالنُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْـنِ بَلْ نَقَلَ الْقَاضِى عِيَاضٌ وَالنَّوَوِىُّ عَلَى أَنَّ مَنْ صَدَّقَ بِقَلْبِهِ وَلَـمْ يَنْطِقْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ كَافِرٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ اللَّـهِ بِالإِجْـمَاعِ (وَ)أَمَّا مَنْ وُلِدَ بَيْـنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْـنِ فَقَدْ (قَالَ بَعْضُهُمْ) أَىْ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ (مَنْ نَشَأَ) عَلَى الْعَقِيدَةِ الصَّحِيحَةِ (بَيْـنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْـنِ) فَهُوَ مُسْلِمٌ مُؤْمِنٌ (يَكْفِيهِ الْمَعْرِفَةُ وَالِاعْتِقَادُ لِصِحَّةِ إِسْلامِهِ وَإِيـمَانِهِ) وَ(لَوْ لَـمْ يَنْطِقْ) بِالشَّهَادَتَيْـنِ (بِالْمَرَّةِ).
(ثُـمَّ مَنْ صَحَّ لَهُ أَصْلُ الإِيـمَانِ وَالإِسْلامِ وَلَوْ لَـمْ يَقُمْ بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ الْعَمَلِيَّةِ كَالصَّلَوَاتِ الْـخَمْسِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَلَـمْ يَـجْتَنِبِ الْمُحَرَّمَاتِ إِلَـى أَنْ مَاتَ وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الْـحَالِ قَبْلَ أَنْ يَتُوبَ فَقَدْ نَـجَا مِنَ الْـخُلُودِ الأَبَدِىِّ فِـى النَّارِ ثُـمَّ) هَؤُلاءِ (قِسْمٌ مِنْهُمْ يُسَامِـحُهُمُ اللَّـهُ وَيُدْخِلُهُمُ الْـجَنَّةَ بِلا عَذَابٍ وَقِسْمٌ مِنْهُمْ يُعَذِّبُـهُمْ) فِـى النَّارِ مُدَّةً (ثُـمَّ يُـخْرِجُهُمْ) مِنْهَا (وَيُدْخِلُهُمُ الْـجَنَّةَ وَاللَّـهُ أَعْلَمُ بِـمَنْ يُسَامِـحُهُ وَمَنْ لا يُسَامِـحُهُ. وَأَمَّا مَنْ مَاتَ بَعْدَ أَنْ تَابَ فَأَدَّى) بَعْدَ التَّوْبَةِ (جَـمِيعَ مَا افْتَـرَضَ اللَّـهُ عَلَيْهِ وَاجْتَنَبَ) جَـمِيعَ (الْمُحَرَّمَاتِ فَهُوَ كَأَنَّهُ لَـمْ يُذْنِبْ لِقَوْلِهِ ﷺ التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ) وَهُوَ (حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ) فِـى سُنَنِهِ (عَنْ) عَبْدِ اللَّـهِ (بنِ مَسْعُودٍ) رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ فَيُفْهَمُ مِنْ هَذَا الْـحَدِيثِ أَنَّ الشَّخْصَ إِذَا أَذْنَبَ ثُـمَّ تَابَ ثُـمَّ أَذْنَبَ ثُـمَّ تَابَ وَلَوْ تَكَرَّرَ ذَلِكَ مِنْهُ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنَّ اللَّـهَ يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ (وَفِـى صَحِيحِ الْبُخَارِىِّ أَنَّ رَجُلًا) مُشْرِكًا (قَالَ يَا رَسُولَ اللَّـهِ أُسْلِمُ أَوْ أُقَاتِلُ قَالَ أَسْلِمْ ثُـمَّ قَاتِلْ فَأَسْلَمَ فَقَاتَلَ فَقُتِلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيـرًا، أَىْ لِأَنَّهُ نَالَ الشَّهَادَةَ بَعْدَ أَنْ هَدَمَ الإِسْلامُ كُلَّ ذَنْبٍ قَدَّمَهُ فَالْفَضْلُ لِلإِسْلامِ لِأَنَّهُ لَوْ لَـمْ يُسْلِمْ لَـمْ يَنْفَعْهُ أَىُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ. وَهَذَا الرَّجُلُ كَانَ الْتَحَقَ بِالْمُجَاهِدِينَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ قَوْمَهُ الَّذِينَ هُمْ مُسْلِمُونَ خَرَجُوا) لِلْجِهَادِ فَخَرَجَ مَعَهُمْ (مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْلِمَ ثُـمَّ أَلْـهَمَهُ اللَّـهُ أَنْ يَسْأَلَ الرَّسُولَ) هَذَا السُّؤَالَ (فَسَأَلَ فَأَرْشَدَهُ الرَّسُولُ ﷺ إِلَـى أَنْ يُسْلِمَ ثُـمَّ يُقَاتِلَ) فَفَعَلَ فَمَاتَ شَهِيدًا رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ.
(خَاتِـمَةُ الْـخَاتِـمَةِ)
(لِيُفَكِّرِ الْعَاقِلُ فِـى قَوْلِ اللَّـهِ تَعَالَـى ﴿مَّا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ فَإِنَّ مَنْ فكَّرَ فِـى ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ كُلَّ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ فِـى الْـجِدِّ أَوِ الْـهَزْلِ أَوْ فِـى حَالِ الرِّضَى أَوِ الْغَضَبِ يُسَجِّلُهُ الْمَلَكَانِ) ثُـمَّ يُـمْحَى مَا سَجَّلَهُ الْمَلَكَانِ إِلَّا الْـحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ فَإِنَّـهَا تَبْقَى (فَهَلْ يَسُرُّ الْعَاقِلَ أَنْ يَرَى فِـى كِتَابِهِ) الَّذِى يَتَنَاوَلُهُ مِنْ أَيْدِى الْمَلائِكَةِ (حِيـنَ يُعْرَضُ عَلَيْهِ فِـى الْقِيَامَةِ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ الْـخَبِيثَةَ) مِنْ كُفْرٍ أَوْ مَعَاصٍ (بَلْ يَسُوؤُهُ ذَلِكَ وَيُـحْزِنُهُ حِيـنَ لا يَنْفَعُ النَّدَمُ) فَإِنَّ مَنِ اسْتَعْمَلَ لِسَانَهُ فِيمَا نَـهَاهُ اللَّـهُ عَنْهُ فَقَدْ أَهْلَكَ نَفْسَهُ وَلَـمْ يَشْكُرْ رَبَّهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ الْعَظِيمَةِ (فَلْيَعْتَنِ) الإِنْسَانُ (بِـحِفْظِ لِسَانِهِ مِنَ الْكَلامِ بِـمَا يَسُوؤُهُ إِذَا عُرِضَ عَلَيْهِ فِـى الآخِرَةِ) فَقَدْ رَوَى التِّـرْمِذِىُّ عَنْ مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ رَضِىَ اللَّـهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّـهِ أَوَإِنَّا مُؤَاخَذُونَ بِـمَا نَنْطِقُ بِهِ فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِـى النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ وَ(قَالَ رَسُولُ اللَّـهِ ﷺ خَصْلَتَانِ مَا إِنْ تَـجَمَّلَ الْـخَلائِقُ بِـمِثْلِهِمَا حُسْنُ الْـخُلُقِ وَطُولُ الصَّمْتِ رَوَاهُ عَبْدُ اللَّـهِ بنُ مُـحَمَّدٍ أَبُو بَكْرِ بنُ أَبِـى الدُّنْيَا الْقُرَشِىُّ فِـى كِتَابِ الصَّمْتِ) فَيَنْبَغِى لِلإِنْسَانِ أَنْ يَتَحَلَّى بِـهَاتَيْـنِ الْـخَصْلَتَيْـنِ الْعَظِيمَتَيْـنِ وَهِىَ حُسْنُ الْـخُلُقِ وَطُولُ الصَّمْتِ، وَحُسْنُ الْـخُلُقِ مَعْنَاهُ الإِحْسَانُ إِلَـى النَّاسِ وَكَفُّ الأَذَى عَنِ النَّاسِ وَتَـحَمُّلُ أَذَى الْغَيْـرِ وَأَمَّا طُولُ الصَّمْتِ فَمَعْنَاهُ تَقْلِيلُ الْكَلامِ إِلَّا مِنْ خَيْـرٍ كَذِكْرٍ أَوْ قِرَاءَةِ قُرْءَانٍ أَوْ تَعْلِيمِ النَّاسِ عِلْمَ الدِّينِ فَطُولُ الصَّمْتِ إِلَّا مِنْ خَيْـرٍ مَطْلُوبٌ لِأَنَّهُ يُعِيـنُ الشَّخْصَ عَلَى أَمْرِ الدِّينِ وَيُنْجِى صَاحِبَهُ مِنْ كَثِيـرٍ مِنَ الْمَهَالِكِ فَأَكْثَرُ الْكُفْرِ يَكُونُ بِسَبَبِ كَثْرَةِ الْكَلامِ لِذَلِكَ الرَّسُولُ ﷺ أَمَرَنَا بِطُولِ الصَّمْتِ فَقَدْ قَالَ لِأَبِـى ذَرٍّ الْغِفَارِىِّ عَلَيْكَ بِطُولِ الصَّمْتِ إِلَّا مِنْ خَيْـرٍ فَإِنَّهُ مَطْرَدَةٌ لِلشَّيْطَانِ عَنْكَ وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ.
وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ
لِمُشَاهَدَةِ الدَّرْسِ: https://youtu.be/gzyxdeWOhMk?si=8hG7sPAMJT1ZG7VV
لِلِاسْتِمَاعِ إِلَى الدَّرْسِ: https://soundcloud.com/shaykh-gilles-sadek/sirat-10