(1) مَا هِىَ أَرْكَانُ التَّوْبَةِ.
أَرْكَانُ التَّوْبَةِ الإِقْلاعُ عَنِ الذَّنْبِ أَىْ تَرْكُ الذَّنْبِ فَوْرًا وَالنَّدَمُ عَلَى وُقُوعِهِ فِيهِ كَأَنْ يَقُولَ بِقَلْبِهِ يَا لَيْتَنِى مَا فَعَلْتُ ذَلِكَ وَالْعَزْمُ وَهُوَ التَّصْمِيمُ عَلَى أَنْ لا يَعُودَ إِلَيْهِ أَمَّا لَوْ كَانَ نَدَمُهُ لِأَجْلِ الْفَضِيحَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ خَسَارَةِ مَالِهِ فِى الْقِمَارِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَوْبَةً. وَلا يُشْتَرَطُ لَهَا اسْتِغْفَارٌ كَقَوْلِ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ. وَمَعْرِفَةُ الْمَعَاصِى شَرْطٌ لِلتَّوْبَةِ مِنْهَا لِأَنَّ الْمُسْلِمَ إِذَا وَقَعَ فِى ذَنْبٍ كَيْفَ يَتْرُكُهُ وَينْدَمُ علَى فِعْلِهِ ويَعْزِمُ علَى أَنْ لا يَعُودَ إلَيْهِ وهُوَ لا يَعْرِفُ أَنَّهُ ذَنْبٌ. فَإِذَا أَتَى بِهَذِهِ الأُمُورِ صَحَّتْ تَوْبَتُهُ وَمُحِىَ عَنْهُ ذَنْبُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ، رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. وَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ الذُّنُوبِ صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا فَإِنْ كَانَتِ الْمَعْصِيَةُ تَرْكَ فَرْضٍ كَصَلاةٍ قَضَاهُ أَوْ كَانَ فِيهَا تَبِعَةٌ لِآدَمِىٍّ اسْتَسْمَحَهُ أَوْ كَانَ فِيهَا حَقٌّ لِآدَمِىٍّ رَدَّ لَهُ حَقَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ كَانَ لِأَخِيهِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ فِى عِرْضٍ أَوْ مَالٍ فَلْيَسْتَحِلَّهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لا يَكُونَ دِينَارٌ وَلا دِرْهَمٌ، أَىْ مَنْ كَانَ لِأَخِيهِ الْمُسْلِمِ عِنْدَهُ مَظْلَمَةٌ فِى عِرْضٍ أَوْ مَالٍ كَأَنْ سَبَّهُ أَوْ أَكَلَ لَهُ مَالَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلْيُبَرِّئْ ذِمَّتَهُ الْيَوْمَ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُبَرِّئْ ذِمَّتَهُ فِى الدُّنْيَا قَبْلَ الآخِرَةِ لا تَرُدُّ عَنْهُ الدَّرَاهِمُ وَلا الدَّنَانِيرُ شَيْئًا، فَإِنْ مَاتَ وَلَمْ يُبَرِّئْ ذِمَّتَهُ مِنْ هَذِهِ الْمَظْلَمَةِ فَإِنْ كَانَ لَهُ حَسَنَاتٌ أَخَذَ صَاحِبُ الْحَقِّ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكْفِ حَسَنَاتُهُ لِذَلِكَ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَحُمِلَتْ عَلَى الظَّالِمِ. وَإِذَا أَذْنَبَ الْعَبْدُ ثُمَّ تَابَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَهُ وَلَوْ أَذْنَبَ مِائَةَ مَرَّةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَدُنَا يُذْنِبُ الذَّنْبَ قَالَ يُكْتَبُ عَلَيْهِ قَالَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ وَيَتُوبُ قَالَ يُغْفَرُ لَهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ قَالَ ثُمَّ يَعُودُ فَيُذْنِبُ قَالَ يُكْتَبُ عَلَيْهِ قَالَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ وَيَتُوبُ قَالَ يُغْفَرُ لَهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ (لِأَنَّ التَّوْبَةَ وَاجِبَةٌ وَيُثَابُ الْمُؤْمِنُ عَلَى فِعْلِ الْوَاجِبِ) وَلا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا، مَعْنَاهُ مَهْمَا تَكَرَّرَ الذَّنْبُ مِنَ الْعَبْدِ ثُمَّ تَابَ فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ يَتَّصِفُ بِالْمَلَلِ الَّذِى هُوَ ضَعْفُ الْهِمَّةِ كَمَا يَقُولُ الْوَهَّابِىُّ ابْنُ الْعُثَيْمِينَ فِى كِتَابِهِ الْمُسَمَّى فَتَاوَى الْعَقِيدَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ صِفَةُ الْمَخْلُوقِ وَاللَّهُ مُنَزَّهٌ عَنْ صِفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ.