الخميس نوفمبر 21, 2024

1 –  قصة أصحاب الفيل

  الحمدُ للهِ الذي خَلَقَ الأَشْكالَ والألوانَ ولا شَكْلَ ولا لَوْنَ لَه، والذي خَلَقَ الجِهَةَ والْمكانَ ولا جِهَةَ ولا مَكانَ لَه، سُبحانَهُ الأعلى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا، والأكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ عَظَمَةً وَعِزَةً وَعِزًّا، سُبْحانَهُ غَنِيٌّ عَنِ العالَمين وَلا يُشْبِهُ الْمَخْلوقين، والصَّلاةُ والسَّلامُ على خاتَمِ وَأَفْضَلِ الأنْبِياءِ وَالْمُرْسَلين، سَيِدِنا مُحَمَّدٍ الصّادِقِ الأَمين، الذي جاءَ بِدينِ الإسْلامِ كَسَائِرِ إِخْوَانِهِ النَّبِيّين. بعد أن تكلمنا عن سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام نتكلم اليومَ عن سيدنا وقائدنا وحبيبنا ونور أبصارنا وقرّة أعيننا محمد صلى الله عليه وسلم.  وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عامِ الفيلِ وهُوَ الْعَامُ الَّذِي غَزَا فِيهِ أَبْرَهَةُ الْحَبَشِيُّ الْكَعْبَةَ فَأَهْلَكَهُ اللَّهُ وَجَيْشَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ. وَكَانَ أَبْرَهَةُ قَدْ بَنَى فِي الْيَمَنِ كَنِيسَةً سَمَّاهَا الْقُلَّيْس، فَلَمَّا وَجَدَ أَنَّ قُلُوبَ الْعَرَبِ مَا زَالَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْكَعْبَةِ سَارَ بِجُنُودِهِ إِلَيْهَا لِيَهْدِمَهَا، وَكَانَ مَعَهُ فِيلٌ كَبِيرٌ، فَلَمَّا دَنَا مِنْ مَكَّةَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالْغَارَةِ عَلَى الْمَوَاشِي فَأَصَابُوا إِبِلًا لِعَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَبَعَثَ أَحَدَ جُنُودِهِ إِلَى مَكَّةَ فَلَقِيَ عَبْدَ الْمُطَّلِبِ بنَ هَاشِمٍ فَقَالَ: إِنَّ الْمَلِكَ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ لِأُخْبِرَكَ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لِقِتَالٍ إِلَّا أَنْ تُقَاتِلُوهُ، وَإِنَّمَا جَاءَ لِهَدْمِ هَذَا الْبَيْتِ ثَمَّ يَنْصَرِفُ عَنْكُمْ. فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: «مَا لَهُ عِنْدَنَا قِتَالٌ وَمَا لَنَا بِهِ يَدٌ إِنَّا سَنُخْلِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا جَاءَ لَهُ». رَجَعَ مَبْعُوثُ أَبْرَهَةَ وَمَعَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ إِلَى أَبْرَهَةَ، فَلَمَّا دَخَلَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ عَلَى أَبْرَهَةَ عَظَّمَهُ وَكَرَّمَهُ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ مَا حَاجَتُكَ إِلَى الْمَلِكِ، فَسَأَلَهُ التَّرْجُمَانُ، فَقَالَ: «حَاجَتِي أَنْ يَرُدَّ عَلَيَّ مِائَتَيْ بَعِيرٍ أَصَابَهَا». فَقَالَ أَبْرَهَةُ لِتَرْجُمَانِهِ: قُلْ لَهُ لَقَدْ كُنْتَ أَعْجَبْتَنِي حِينَ رَأَيْتُكَ وَلَقَدْ زَهِدْتُ الآنَ فِيكَ، جِئْتُ إِلَى بَيْتٍ هُوَ دِينُكَ لِأَهْدِمَهُ فَلَمْ تُكَلِّمْنِي فِيهِ وَتُكَلِّمُنِي فِي إِبِلٍ أَصَبْتُهَا.    فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ: «أَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الإِبِلِ وَلِهَذَا الْبَيْتِ رَبٌّ سَيَمْنَعُهُ»، فَأَمَرَ بِإِبِلِهِ فَرُدَّتْ عَلَيْهِ فَخَرَجَ فَأَخْبَرَ قُرَيْشًا وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَرُءُوسِ الْجِبَالِ خَوْفًا مِنْ أَذَى الْجَيْشِ إِذَا دَخَلَ فَفَعَلُوا.    أَصْبَحَ أَبْرَهَةُ بَعْدَ أَنْ كَلَّمَهُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ مُتَهَيِّئًا لِدُخُولِ مَكَّةَ فَبَرَكَ الْفِيلُ، فَحَرَّكُوهُ لِلنُّهُوضِ فَأَبَى، فَضَرَبُوهُ فَأَبَى، فَوَجَّهُوهُ إِلَى الْيَمَنِ رَاجِعًا فَقَامَ يُهَرْوِلُ، وَوَجَّهُوهُ إِلَى الشَّامِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَإِلَى الْمَشْرِقِ فَفَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَوَجَّهُوهُ إِلَى الْحَرَمِ فَأَبَى وَأَرْسَلَ اللَّهُ طَيْرًا أبابيل مِنَ الْبَحْرِ جَمَاعَاتٍ جَمَاعَاتٍ. وَكَانَ مَعَ كُلِّ طَيْرٍ ثَلاثَةُ أَحْجَارٍ، حَجَرَانِ فِي رِجْلَيْهِ وَحَجَرٌ فِي مِنْقَارِهِ، وَكَانَ كُلُّ حَجَرٍ فَوْقَ حَبَّةِ الْعَدَسِ وَدُونَ حَبَّةِ الْحِمَّصِ مَكْتُوبٌ عَلَى كُلِّ حَجَرٍ اسْمُ رَجُلٍ مِنْ جَيْشِ أَبْرَهَةَ يَنْزِلُ عَلَى رَأْسِهِ الحجر وَيَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ، فَهَلَكُوا وَلَمْ يَدْخُلُوا الْحَرَمَ وجعلهم ربنا كعصف مأكول. وَمِرِضَ أَبْرَهَةُ فَتَقَطَّعَ أَنْمُلَةً أَنْمُلَةً وَمَا مَاتَ حَتَّى انْصَدَعَ صَدْرُهُ عَنْ قَلْبِهِ. وَقِيلَ كَانَ الْعَسْكَرُ سِتِّينَ أَلْفًا لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُمْ إِلَّا أَمِيرُهُمْ فِي مَجْمُوعَةٍ قَلِيلَةٍ.