أبدأ مستعينا بالله ومتوكلا عليه:
(1) شذوذ الألباني في العقيدة
ينقل ناصر الدين الألباني عن بعض المشبهة ومقرا له بأن من قال:{ ويُرى لا في جهة فليُراجع عقله}. وأثبت الجهة لله في كثير من مؤلفاته.
الرد: قال الإمام أبو جعفر الطحاوي في العقيدة التي ألفها لبيان عقيدة أهل السنة والجماعة:{ لا تحويه – أي الله – الجهات الست كسائر المبتدعات}اهـ، أي أن الله منزه عن الجهة والمكان والحد وتوابعها.. فقول الألباني هذا أثبت جهله واتهم فيه أهل السنة والجماعة بأنهم لا عقل لهم وحكم على نفسه أنه شذ عن مذهبهم والرسول صلى الله عليه وسلم قال:{ عليكم بالجماعة وإياكم والفرقة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد فمن أراد بُحبوحة الجنة فليلزم الجماعة} رواه الترمذي. ثم هو لا يرتدع بكلام الطحاوي ولا بكلام أهل السنة قاطبة ولا يرده إجماع الأمة فيدعي مغرورا بجهله أن الله فوق العرش بذاته.
ومما انفرد به في العقيدة حيث شبه الله تعالى أنه محيط بالعالم من جميع الجهات كما أن الحقّة تحيط بما في ضمنها ولم يسبقه بهذا أحد لا من أهل السنة ولا من المشبهة، وقد ذكر ذلك في كتابه المسمى صحيح الترغيب والترهيب، فكيف جمع بين هذا وبين قوله إن الله بذاته فوق العرش؟! وفي هذا تناقض لا يخفى، وهذا ضد عقيدة طائفته الوهابية المشبهة المجسمة أن الله فوق العرش فقط، فهذه من مفرداته التي انفرد بها عن طائفته، وهذا نشأ من سوء فهمه بقوله تعالى:{ وكان الله بكل شيء محيطا}. ومعنى الآية أن الله محيط بكل شيء علما، فهذا الرجل من شدة تهوره يناقض نفسه وهو لا يدري، فماذا تقول فيه طائفته وقد أثبت عقيدة ضد عقيدتهم هل تتبرأ منه؟؟ أم تسكت له مداهنة؟ مع أنه قد شبه الله بالحقة، وجعل الله تحت العالم وفوق العالم وخلف العالم، ولم يقل بذلك قط مسلم ولا كافر قبله، هذا ما شهر عنه، وقد ذكر في بعض مؤلفاته في أكثر من موضع أن الله متحيز فوق العرش بذاته، فها هو ذا ينتقل من ضلال إلى ضلال ليس له مستقر في فساده في العقيدة والأحكام.
وأما زعمه أنه ليس فوق العرش شيء من المخلوقات فهذا دليل جهله بالحديث وعلومه رغم ادعائه انه استغل بهذا العلم سنين عديدة، فقد روى البخاري ومسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:{ لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي}، وفي رواية عند مسلم:{ فهو موضوع عنده}، وفي رواية عند ابن حبان بلفظ:{ وهو مرفوع فوق العرش} وقد ذكر الحافظ ابن حجر عند شرحه لهذا الحديث أنه لا مانع من أن يكون فوق العرش مكان، وروى النسائي في سننه الكبرى:{ فهو عنده على العرش} وهذا صريح في أن فوقية هذا الكتاب هي الفوقية المتبادرة فاندفع ما يقال إن فوق في حديث البخاري بمعنى تحت، ويبطل هذه الدعوى قول بعض أهل الأثر إن اللوح المحفوظ فوق العرش مقابل قول الآخرين إنه تحت العرش. وهذا الحديث فيه الرد على الألباني وعلى كل من ينفي وجود مخلوق فوق العرش، وفيه أيضا دليل على أن فوق العرش مكان، فلو كان الله متحيزا في جهة فوق العرش لكان له أمثال وأبعاد وطول وعرض وعمق ومن كان كذلك كان محدثا محتاجا لمن حده بذلك الطول وبذلك العرض والعمق.
ويكفي في الرد عليه قول الله تعالى:{ وكل شيء عنده بمقدار} ومعناه أن الله خلق كل شيء على مقدار أي على كمية وكيفية مخصوصة، فالعرش له كمية وحبة الخردل لها كمية، فالمعنى المفهوم من هذه الآية أن الله الذي خلق كل شيء على كمية – أي حجم وشكل مخصوص – لا يجوز أن يكون ذا حجم لا حجم كبير ولا حجم صغير، ومعلوم أن الجالس على شيء له حجم إما بقدر ما جلس عليه أو أقل منه أو أوسع منه، فلا يجوز على الله الجلوس، والموجود المتحيز في مكان له مقدار، والمقدار صفة المخلوق فالإنسان له مقدار أي حجم وشكل مخصوص والملائكة كذلك، والعرش والشمس وكل فرد من أفراد النجوم كذلك، وكذلك الحجم الصغير كحجم الخردل، فالله تعالى هو الذي خصّص هذه الأشياء بحجم وشكل مخصوص، وقد أفهمنا بقوله:{ وكل شيء عنده بمقدار} أن هذا وصف الخلق وهو سبحانه الخالق لا يجوز أن يتصف بصفات المخلوقين، فلا يجوز على الله التحيز في مكان، ولا يجوز وصفه بالحركة ولا السكون، ولا الهيئة ولا الصورة، ولا التغيّر، هذا الدليل من القرءان.
أما الدليل من الحديث فما رواه البخاري وابن جارود والبيهقي بالإسناد الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:{ كان الله ولم يكن شيء غيره}.
وقال الحافظ البيهقي في كتابه الأسماء والصفات ما نصه:{ استدل بعض أصحابنا في نفي المكان عنه تعالى بقول النبي صلى الله عليه وسلم:{ أنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء}، وإذا لم يكن فوقه شيء ولا دونه شيء لم يكن في مكان}. انتهى، وهذا الحديث فيه أيضا الرد على القائلين بالجهة في حقه تعالى. والحديث رواه مسلم في الصحيح.
وقال الإمام علي رضي الله عنه:{ كان الله ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان}. رواه الإمام أبو منصور البغدادي في كتابه الفرق بين الفرق.
وأما رفع الأيدي عند الدعاء إلى السماء فلا يدل على أن الله متحيز في جهة فوق كما أن حديث مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه:{ أن النبي صلى الله عليه وسلم استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء} لا يدل على أن الله في جهة تحت، فلا حجة في هذا ولا في هذا لإثبات جهة تحت أو فوق لله تعالى بل الله تعالى منزه عن الجهات كلها.
وقال الإمام أبو جعفر الطحاوي رضي الله عنه في عقيدته التي ذكر أنها عقيدة أهل السنة والجماعة:{ تعالى – يعني الله – عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات ولا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات}. والوهابية يعتقدون أن لله حد وحجم وكيفية وأعضاء وغير ذلك، فأنا عندي سؤال لهم، بقول من نأخذ؟ بقولكم أم بقول السلف الصالح؟؟!
وممن نقل إجماع المسلمين سلفهم وخلفهم على أن الله موجود بلا مكان الإمام النحير أبو منصور البغدادي الذي قال في كتابه الفرق بين الفرق ما نصه:{ وأجمعوا – أي أهل السنة والجماعة – على أنه – تعالى – لا يحويه مكان ولا يجري عليه زمان}. انتهى بحروفه.
وقال إمام الحرمين عبد الملك الجويني في كتابه الإرشاد ما نصه:{ مذهب أهل الحق قاطبة أن الله يتعالى عن التحيز والتخصص بالجهات} انتهى.
فكما صح وجود الله تعالى بلا جهة قبل خلق الأماكن والجهات فكذلك يصح وجوده بعد خلق الأماكن وبلا مكان وجهة وهذا لا يكون نفيا لوجوده تعالى.
قال القشيري:{ والذي يضحض شبههم – أي شبه المشبهة – أن يقال لهم قبل أن يخلق العالم أو المكان هل كان موجودا أم لا؟ فمن ضرورة العقل أن يقولوا: بلى، فيلزمه لو صح قوله لا يُعلم موجود إلا في مكان أحد أمرين إما ان يقول المكان والعرش والعالم قديم – يعني لا بداية لوجودها – وإما أن يقول أن الرب محدَث وهذا مآل الجهلة الحشوية، ليس القديم بالمحدَث والمُحدَث بالقديم}. انتهى.
وقد قال الحافظ النووي الشافعي في شرح صحيح مسلم ما نصه:{ قال القاضي عياض: لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدّثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة الواردة بذكر الله تعالى في السماء كقوله تعالى:{ ءأمنتم من في السماء} ونحوه ليس على ظاهرها بل كتأوّلة عند جميعهم}. انتهى، يعني تأويلا إجماليا أو تأويلا تفصيليا.
وكذا قال المفسرون من أهل السنة كالإمام فخر الدين الرازي في تفسيره وأبي حيان الأندلسي في تفسيره وأبي السعود في تفسيره والقرطبي في تفسيره وغيرهم.
وقال الإمام زين العابدين علي بن الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم في الصحيفة السَّجَّاديَّة المنقولة بإسناد متصل متسلسل إليه بطريق أهل البيت رضي الله عنهم:{لا يحويه مكان}.
وقال الغزاليُّ:{إن الله منزه عن المكان وعن جميع الأمكنة}. وقال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه:{إن الله خلق العرش إظهاراً لقدرته ولم يتخذه مكاناً لذاته}، رواه عنه الإمام أبو منصور البغدادي.
وقال إمامنا الأكبر أبو الحسن الأشعري في كتابه النوادر:{من اعتقد أن الله جسم فهو غير عارف بربه وإنه كافر به}، وكذلك قال القُشَيْرِيُّ في التذكرة الشرقية:{قوله على العرش استوى قهر وحفظ وأبقى}، ومن علماء أهل السنة، الإمام المجتهد أبو حنيفة النعمان الذي صرح في كتبه بأن الله موجود بلا مكان حيث قال في الفقه الأكبر:{وليس قُرب الله تعالى من طريق المسافة ولكن على معنى الكرامة والمطيع قريب منه تعالى بلا كيف والعاصي بعيد عنه بلا كيف}.
فبعد هذا يُقال لهذا المجسم أعني الألباني وجماعته: أنتم تعتقدون أن الله جسم متحيّز فوق العرش له مقدار وعندكم وهو أنه بقدر العرش لا أصغر ولا أكبر على ما قال زعيمكم ابن تيمية في بعض مؤلفاته وفي بعض إنه بقدر بالعرش ويزيد، ولو قال لكم عابد الشمس: كيف تقولون معبودي الذي هو الشمس لا يجوز أن يكون إلـٰها مع أنه موجود مشاهد لنا ولكم وكثير النفع ينفع البشر والشجر والنبات والهواء ويُطيّب الماء، وضَوْؤه يعُمُّ نفعُه البشر، وأما معبودكم الذي هو جسم تخيلتموه فوق العرش لم تشاهدوه ولا نحن شاهدناه ولا شاهدنا له منفعة، فغاية ما يحتجّون به إيراد بعض الآيات كقوله:{ الله خالق كل شيء}. فيقول لكم عابد الشمس:{ أنا لا أؤمن بكتابكم أعطوني دليلا عقليا}. فعل عندكم من جواب يقطعه، كلا. أما نحن أهل السنة الأشاعرة والماتُريدية نقول لعابد الشمس: معبودك هذا له حجم وشكل مخصوص فهو محتاج لمن أوجده على هذا الحجم وعلى هذا الشكل، ومعبودنا موجود ليس ذا حجم ولا شكل فلا يحتاج لمن خصّصه بحجم وشكل بخلاف الشمس، فهو الذي أوجد الشمس على حجمها وشكلها المخصوص وهو الذي يستحق أن يكون إله العالم لأنه لا يشبه شيئا من العالم، ويقال أيضا: أنواع العلوي والسفلي له حجم وشكل مخصوص فعلى قولكمالله له أمثال لا تحصى، فتبين أنكم مخالفون لقوله تعالى:{ ليس كمثله شيء}، فكلمة شيء تشمل كل ما دخل في الوجود من علوي أو سفلي وكثيف ولطيف، فالآية نصٌّ على أن الله تعالى لا يشبه شيئا من هؤلاء أي لا يكون مثل العالم حجما كثيفا ولا حجما لطيفا ولا متحيزا في جهة من الجهات، ولم يقل الله تعالى ليس كمثله بشر ولا قال ليس كمثله الملائكة ولا قال ليس كمثله شمس، بل عَمَّم فقال:{ ليس كمثله شيء}، قال شيخنا العلامة المحدث عبد الله الهرري المعروف بالحبشي ما نصه:{ والنّكرة عند أهل الله إذا وقعت في حيّز النفي فهي للعموم، فمعنى الآية ليس كمثله تعالى شيء من الأشياء على الإطلاق بلا استثناء}اهـ. أما أنتم فقد جعلتموه حجما في جهة فوق تلي العرش وجعلتم له أعضاء فقد شبهتموه بخلقه، فلم يبق لكم إلا أن تقولوا إنه إنسان، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.