الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين قائد الغر المحجلين إمام الأتقياء العارفين سيدنا وقائدنا وحبيبنا ونور أبصارنا وبصائرنا محمد النبيِ العربيِ الأميِ الأمين العالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبه ومن والاه ورضي الله تعالى عن أمهاتِ المؤمنين وءالِ البيت الطاهرين وعن الخلفاءِ الراشدين أبي بكر وعمرَ وعثمانَ وعلي ورضي الله عن الأئمةِ المهتدين أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وسائر الصالحين، أما بعد فهذه سلسلةٌ نافعةٌ طيبةٌ مباركةٌ إن شاء الله نتكلم فيها عن بعض شمائل وسيرة سيدِ أهلِ الأرضِ والسماء ومصباحِ الدنيا وخاتمِ الأنبياء سيدِنا محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ صاحبِ الشأن العظيم والقدرِ الكريم، من اختارَه اللهُ واصطفاهُ على جميعِ البشر وفضلَّه على جميعِ المرسلين، شرحَ له صدرَه ورفعَ له ذكرَه ووضعَ عنه وزرَه وأعلى له قدرَه. ونحن اليوم نذكرُ سيرتَه العطرة واسمَه الشريف الذي يُذكرُ على رؤوس المنائر والمنابر والمحاريب وفي الصلوات الخمس مليارات المرات. بهذا النبي العظيم فرحتُنا، نشكرُ الله الذي منّ علينا أن جعلنا من أمته، نروي سيرتَه ونظهرُ حبَنا لأعظم محبوبٍ بعد الله، وأجلِّ إنسانٍ وأكرمِ مخلوق. هو بشرٌ لكنه أفضل بشر، يسري حبُه في الصالحين كمسرى الماءِ في الشجر، يُفدى بالآباء والأمهات ويقدّمُ حبُه على حبِ البنينِ والبنات إنه إمامُ الأئمة، نورُ الدجى وزعيمُ الأمة، إنه محمدُ بنُ عبدِ الله صلى الله عليه وسلم، سيدُ البشر وفخرُ ربيعةَ ومُضر ومن انشقَ له القمر وسلمَ عليه الحجر وسعى إلى خدمتِه الشجر وشهدَ له الضبُّ الميتُ أمام البشر… دروسنا مؤنسة بذكرِ سيرته العطرةِ وبمدحِه، فسيرتُه جلاءٌ للأبصار وراحةٌ للأرواح، قرةٌ للعيون مسكٌ للمجالس، طيبٌ للحياة، فيها جمالُ الأيام، وذهابُ الهموم والأحزان، بها يطيبُ السمَر وتحصلُ البركةُ وتنزِلُ السكينة. وأيُّ جانب من رسول الله نمدح؟! فإن سألت عن خُلُقه، يقول الله تعالى وإنك لعلى خلق عظيم. وروى البُخاريُّ من حديثِ عائشةَ رضي الله عنها وعن أبيها في وصفِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : « كانَ خُلُقُهُ القرءانَ » أي من أرادَ أن يعرفَ خلُقَ الرسولِ فليقرأ القرءانَ وليفهمْهُ، فكلُ خصلةِ خيرٍ أمرَ اللهُ في القرءانِ بالتخلُقِ بـها فهي من خُلُقِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ. وعن أم المؤمنين عائشةَ أيضا رضيَ اللهُ عنها وعن أبيها عندما سُئِلَت عن خُلُقِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَت : « لم يكنْ فاحشاً ولا متفحِشاً، ولا سَخَّابًا في الأسواقِ ولا يَجزي بالسيئةِ السيئةَ، ولكن يعفو ويصفحُ ». وكان صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ويمسح رؤوسهم، وكان يجلس على الأرض ويأكل على الأرض، لم يأكل قطُ على شىء مرتفع وهذا تواضعا. وكان أرحمَ الناس بالصبيان والعيال، رحيمًا، لا يأنفُ ولا يستكبرُ أن يمشيَ مع الأرملةِ والمسكين والعبدِ حتى يقضي له حاجتَه، كان أحسنَ الناس وأجودَ الناس وأشجعَ الناس ومع ذلك كان صلى الله عليه وسلم كما قال أبو سعيد الخُدري أشدَّ حياءً من العذراء في خِدرها وَكَانَ إِذَا كَرِهَ شَيْئًا عَرَفْنَاهُ فِى وَجْهِهِ ، و قالت عائشة رضي الله عنها وعن أبيها مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى، وكان أكثرَ الناس تواضعًا وأحلَمَهم ، القريبُ والبعيدُ والقويُ والضعيفُ عنده في الحق سواء، ما عابَ طعاماً قط إن اشتهاهُ أكلَه وإلا تركَه ، يأكلُ الهديةَ ولا يأكلُ الصدقة ، يعود المريض ، ويُجيب من دعاه من غني أو فقير ، ويعينُ أهلَه ، من رءاه بديهةً هابه ، ومن خالطه معرفةً أحبَّه ، ويبدأ من لقي بالسلام ، صلوات ربي وسلامه عليه . كان يمر بالصبيان فيسلم عليهم وكان يُعطي عطاءَ من لا يخشى الفقر، كان صلى الله عليه وسلم أحسنَ الناس وأجودَ الناس وأشجعَ الناس. وإن سألتَ عن رحمته، يقول الله تعالى: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين. وإن سألتَ عن رأفته، يقول الله تعالى: بالمؤمنين رؤوف رحيم. وإن سألت عن حب الله تعالى له فاعلم أن الله ما اقسم بحياة أحد من أنبيائه إلا بحياته صلى الله عليه وسلم فقال عز وجل: لعمرُك إنهم لفي سكرتهم يعمهون. لعمرُك اي وحياتك يا محمد! وإن سألت عن حفظ الله له، يقول الله تعالى: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا، أي بحفظنا. و إن سألت عن صدره الشريف، قال الله تعالى: أَلمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ . وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ. الَّذِي أَنقَضَ ظَهْرَكَ . وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ. وإن سألت عن إكرام الله له، قال الله تعالى: وَإِنَّ لَكَ لأجراً غَيْرَ مَمْنُونٍ، وإن سألت عن إظهارِ الله تعالى لقدره ، قال تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِم. وإن سألت عن عقاب الذين يريدون أن يؤذوه، قال تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وإن سألت عن تأييد الله تعالى له ، قال الله تعالى: فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بجُنُودٍ لمْ تَرَوْهَا. وإن سألتَ عن بركةِ حبه صلى الله عليه وسلم واتّباعه اتباعا كاملا، قال تعالى: قلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ. وإن سألت عن إظهارِ اللهِ شأنَ رسولِه ووجوبِ طاعته صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ. وإن سألت عن وجوب توقيره وتعظيمه، قال الله تعالى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا . لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ. تعزّروه أي تعظموه. وإن سألت عن يده الشريفةِ المباركة فاعلم أنها يدٌ هامَ بحسنها ووصفها العاشقون، فهذا أنسٌ رضي الله عنه يقول: مَا شَمَمْتُ شَيْئًا قَطُّ مِسْكًا وَلا عَنْبَرًا أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا مَسَسْتُ شَيْئًا قَطُّ حَرِيرًا وَلا دِيبَاجًا أَلْيَنَ مَسًّا مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. نعم! بأبي وأمي وولدي وروحي وأهلي ومالي تلك اليدُ المحمديةُ الشريفةُ الطاهرةُ التي ما خانت ولا غشت ولا سرقت ولا ظلمت ولا نهبت ولا سفَكت. يدٌ بيضاءُ لو مُدَّت بليلٍ عظيمِ الهولِ أشرقت الليالي. يدٌ مسكيةٌ عنبريةٌ يا سعدَ من لَمَسها، ويا طيبَ من شمَها ويا أنسَ من رآها، يد ردّ اللهُ بها البصرَ بعد العمى وسبحَ لله فيها الطعامُ والحصى، يدٌ مسحَ بها على رؤوسِ بعضِ أصحابه فهذا عاشَ مائةً ولم ير الشيب وذلك شابَ كلُه إلا موضعُ كفِ النبيِ صلى الله عليه وسلم بقيَ أسودًا، وثالثٌ مسحَ النبيُ شعرَه فعاشَ ما بقيَ من حياتِه وأثرُ الطيبِ في شعَرِه من تلك اليد. رفعَ يدَه صلى الله عليه وسلم بدعاءِ الاستسقاء فما أنزلها إلا والمطرُ على لحيتِه الشريفة فاشتكَوا إليه كثرةَ المطر فأشارَ بيدِه الشريفةِ وقال: حوالينا ولا علينا، فصار المطرُ حولَ المدينة كالحلَقَة ولم ينزل في المدينة المنورة قطرة. بأبي وأمي تلك اليد التي تشيرُ إلى السحابِ فيطيعُها. تلك اليد التي كان الصحابةُ يتبركون ليس بها فحسب بل بمكانِ موضعها على المنبر، كانوا يمسحونَ موضعَ اليدِ ويدعون الله رجاءَ البركةِ والإجابة. هذا نبينا فلا يزايد علينا أحد، وهذا دأبنا، حبٌ وتعظيمٌ لأحمد، فرحٌ وسرورٌ وذكرٌ لسيرة محمد وإيمانٌ بالله الواحد الأحد ونشرٌ لما جاء به نبيُنا من العلم والمعتقد. وإن سألت عن جماله، فاعلم أن الحديث عن جمالِ سيدِ الخلق وحبيبِ الحق نبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلّم يأخذ بمجامع القلوب، وتَشْرَئِبُّ له أعناقُ المحبين وعُشاقُ المعالي، وتهتزُ القلوبُ المحِبَّةُ بذكره، وتتعطّرُ الأرواحُ بسيرته، فسيرتُه وشمائلُه وخصالُه وصفاتُه كالبدرِ يسري بضوئه، مُتعةً للسامرين ودليلًا للحائرین، بل هي شمسٌ أشرقت على الأرض بنورها الوهاج، قد تلألأ وجهُها ضياءً ونورًا، وعمت بنورها الكونَ كلَه. لقد منح الله نبيّه محمدًا صلى الله عليه وسلّم الكمالَ البشريَّ في كل صفاته الخَلقية والخُلُقية، فوهبه من الصفات المعنوية أقومَها وأعدلَها، ومن الصفات الحسية أحسنَها وأجملَها. فهو صلى الله عليه وسلّم أجملُ الأنبياء على الإطلاق، وإن كان اللهُ وهبَ يوسفَ عليه السلام حظًّا وافرًا من الحسن والملاحة والجمال، أما سيدُنا محمد صلى الله عليه وسلّم فتميزَ بصفاتٍ جسميةٍ لا يشاركه فيها أحد، صفاتٌ كلُها جمالٌ وكمالٌ وبهاء، جمع الله له بين شجاعةِ القلب وقوةِ البدن، وكمالِ الجسم، وحسنِ المظهر. فهو أكملُ الناس، وقد أُعْطِيَ صلى الله عليه وسلّم الحسن َكلَّه والجمالَ كلَّه، ولم يَفتتن به من يراه كما افتتنتِ النسوةُ بنبيِ الله يوسفَ الصديق عليه السلام، فمن رأى سيدَنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم هابَه للهيبة الجلالية المضافة على جماله، وكان أصحابُه الكرام رضي الله عنهم لا يستطيعون إثباتَ النظرِ في وجهِه الشريف لقوةِ مهابتِه ومزیدِ وَقاره، قال عمرو بنُ العاص رضي الله عنه وهو يُحْتضَر: وَمَا كَانَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلّم، وَلَا أَجَلَّ فِي عَيْنِي مِنْهُ، وَمَا كُنْتُ أُطِيقُ أَنْ أَمْلَأَ عَيْنَيَّ مِنْهُ إِجْلَالًا لَهُ، وَلَوْ سُئِلْتُ أَنْ أَصِفَهُ مَا أَطَقْتُ؛ لِأَنّي لمْ أَكُنْ أَمْلَأُ عَيْنَيَّ مِنْهُ. وليعلم أن الله تعالى خلق نبيَّه محمدًا صلى الله عليه وسلّم في أجملِ صورةٍ بشرية، فكمّلَه بجميعِ المحاسنِ والفضائلِ والكمالاتِ الخُلُقية والخَلْقية، وقد أجمعت كلمةُ الذين رأوه ووصفوه عليه الصلاة والسلام بأنهم لم يَرَوا له مثيلًا سابقًا ولا نظيرًا لاحقًا. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَا بعث اللهُ نبيًّا إلاّ حَسَنَ الوجهِ حسنَ الصوتِ و إنَّ نبيَّكُم أحسنُهُم وجها و أحسنُهم صَوتا . الله أكبر، الله تعالى خلقه في غايةِ الحسنِ والجمالِ والبهاءِ والكمالِ الذي لم يكن لأحدٍ من بني آدمَ مثلُه. لا والذي خلقَ الجمالَ بصورة ما مثلُ محمدٍ صورةً وجمالا. يا بروحي ذلك الوجهُ الذي سجدَ الحسنُ له واقتربا. وعلى تفنُّنِ واصفيه بحسنهِ يفنى الزمانُ وفيه ما لم يوصفِ. وأمّا صفةُ النبيِّ عليه الصلاةُ والسلامُ التي ذُكِرَت في كتبِ الحديثِ أنه كان فخماً مفخماً أي عظيماً في نفسه معظّماً في صدرِ وعينِ من يراه يتلألأُ وجهُه تلألؤَ القمرِ ليلةَ البدر، معتدلَ القامةِ أميلَ إلى الطول لم يكنْ قصيراً بل هو إلى الطولِ أقرب، وكان بعيدَ ما بينَ الكتفين، وكان أبيضَ مشربًا بحُمرةٍ، أجملَ من الوردِ الأحمرِ على الثلجِ الأبيض. كان مُشرِقَ الوجهِ فقد رَوَى الْبَيْهَقِىُّ وَالطَّبَرَانِىُّ عَنْ أَبِى عُبَيْدَةَ بنِ مُحَمَّدِ بنِ عَمَّارِ بنِ يَاسِرٍ قَالَ قُلْتُ لِلرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ صِفِى لِى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ لَوْ رَأَيْتَهُ لَقُلْتَ الشَّمْسُ طَالِعَةٌ. وَرَوَى التِّرْمِذِىُّ وَأَحْمَدُ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنَ النَّبِىِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَأَنَّ الشَّمْسَ تَجْرِى فِى وَجْهِهِ وَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَسْرَعَ فِى مَشْيِهِ مِنْهُ كَأَنَّ الأَرْضَ تُطْوَى لَهُ.. وكانَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ دقيقَ الحاجبينِ لم يكن غليظَهما وكان واسعَ العينينِ، وكانَ أهدَبَ الأشفارِ أي كثيرَ شعرِ الجفون، ولم يكنْ نَحيفَ الكفِّ ولا نحيفَ القدمينِ، وكانَ طويلَ الذراعِ، وكان سواءَ البطنِ والصدرِ. وكانَ في صوتِهِ جَهْرٌ، لم يكن ضعيفَ الصوتِ، وكان من صفات النبيّ صلى الله عليه وسلّم أنه لم يكن يرفعُ صوتَه إلا عندَ الحاجةِ وبقدرِ الحاجة، وهذا من حسنِ خُلُقهِ صلى الله عليه وسلّم. وكان أشكلَ العينينِ أي في بياضِهما خطوطٌ حُمرةٌ، مما يزيدُهما جمالا. يقولُ واصفُهُ وهو أبو هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُ : ما رأيتُ قبلَهُ ولا بعدَهُ مِثْلَهُ ، أي في حُسْنِ الخِلْقَةِ. وكان أقنى الأنفِ ومعناه المرتفعُ أعلاه، لمْ يكنْ أعلاه منخفضًا بالنسبةِ للطرفِ، بلْ كان مرتفعًا أعلاه قليلا كما أن طرفَهُ مرتفعٌ. وكان أجلى الجبهةِ واسعَ الجبينِ لمْ يكنْ ناتئَ الجبهةِ. وكان صلى اله عليه وسلم مفلّجَ الأسنان أي بين أسنانه يوجد فراغٌ وكانت أسنانُه الشريفةُ كأنها حبُ السماء أي كأنها البَرَدُ النازلُ من السماء من حيثُ البياض، إذا ضحك يتلألأُ وجهُه تلألأَ القمر ليلة البدر، وكان شَعَرُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أسودَ شديدَ السوادِ لم يظهرْ في شَعَرِهِ منَ الشيبِ إلاَّ نحوُ عشرينَ شَعَرةً وما سوى ذلكَ بقيَ على لونِهِ الأصليِّ أي السوادِ. وفي الصَّحيحِ مِنْ طريقِ البراءِ بنِ عازب أنَّ شعرَهُ كانَ يبلغُ شحمةَ أذنِهِ أي إذا أخذَ منهُ، وأحيانا كان يضربُ منكِبيه، وأحيانا يطولُ حتى يعلوَ ظهرَهُ. فإذا لَم يقصِّرْهُ بلغَ الكتف وإذا قَصَّرَهُ كان إلى أنصَافِ أُذُنَيهِ، وكانَ يَفْرِقُ شعرَهُ من الوسط ولا يَحلِقُ رأسَه إلا لأجلِ النُسك وكانَ شعرُهُ حِلقًا حِلقًا ولَم يكن سَبِطَ الشعر وهو المنبسِطُ المسترسل ولا جَعْدَ الشعر وهو ما بضدِّهِ بل كان بينَ ذلك ، وكان كَثَّ اللِّحيةِ أي كثيرَ شعَرِها لا يُرى جلدُ وجهِه الشريف من خلال لحيته صلى الله عليه وسلم. وكانَ إذا مَشَى واسعَ الخَطو بلا تكلّف كأنما ينحَطُّ مِنْ صَبَبٍ أي ينحَدِرُ مِنْ مكانٍ عالٍ، وكان إذا مشَى قويَّ الْمَشيِ، يدل مشيُه أنه ليس بعاجزٍ ولا كسلان. وكان يُقبِلُ بكلِّ جسمِهِ إذا التفت فلا يُسارِقُ النظرَ ولا يلوي عُنقَهُ في حالِ تَلفُتِهِ فكانَ يُقبِلُ جَميعًا ويُدبرِ جَميعًا أي بِجَمِيعِ أجزاءِ بدنِهِ، فإذا توجَّهَ إلى شىءٍ توجَّهَ بِكُلّيتِهِ ولا يُخالِفُ ببعضِ جسَدِهِ بعضًا، وكان صلى الله عليه وسلم خافضَ الطَرْفِ أي نظرُه إلى الأرضِ أكثر من نظره إلى السماء، أي غالبُ نظره إلى الأرض، وكانَ عرقُهُ إذا رَشَحَ جسَدُهُ الشريف كاللؤلؤِ فِي البياضِ والصَّفاءِ إذا نظرَ إليه الرائي، وكان ريحُ عرقِهِ أطيبُ مِنَ المسك الأذفر وهو أفضلُ وأطيبُ وأحسنُ وأحلى من أطيب الطيبِ ، الصَّحَابَةُ كانُوا يَأْخُذُونَ عَرَقَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَضَعُونَهُ فِي القَوَارِيْرِ حتَى يُضِيْفُوهُ إلى العِطْرِ حتّى يَزْدادَ طِيْبًا لأنّهُ أطْيَبُ مِنَ الطِّيْبِ ، وهذا ثَبَتَ في الحَدِيْثِ الصَّحِيْحِ. النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ إذا نَزَلَ مِنْهُ العَرَقُ بَعْضُ الصَّحابَةِ يَضَعُ قارُورَةً يَضَعُ فِيْها هذَا العَرَقَ، مَرَّةً أُمُّ سُليم فَعَلَتْ ذَلِكَ فانْتَبَه لَها الرَّسُولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فقالَ لَها: ما هذَا يا أُمَّ سليم ؟ قالَت: نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيانِنَا، قال لها: أَصَبْتِ. هذا الحَدِيثُ في صَحِيْحِ مُسْلِمٍ. قالَت : نَرْجُو بَرَكَتَهُ لِصِبْيانِنَا، بَرَكَةُ ماذا ؟ العَرَق، فإذا كانَ عَن العَرَقِ قالت: نَرْجُو بَرَكَتَهُ، فقال: أَصَبْتِ، فكَيْفَ بِجَسَدِ الرَّسُولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كَيْفَ بِشَعَرِ الرَّسُولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. لِمَاذَا وَزَّعَ الرَّسُولُ شَعَرَهُ علَى الصَّحَابة ؟ لِلْبَرَكَة، لا يُؤْكَلُ الشَّعَرُ، إنَّمَا وَزَّعَهُ الرَّسُولُ لِلْبَرَكَةِ، والصَّحَابَةُ أَخَذُوْهُ. الرَّسُولَ قالَ لأبِي طَلْحَةَ الأنْصارِيِّ: اقْسِمْهُ بَيْنَ النّاسِ، أَعْطَاهُ نِصْفَ الشَّعَرِ الذِي حَلَقَهُ، فَصَارَ واحِدٌ مِن الصَّحابَةِ يَأْخُذُ شَعْرَةً وءَاخَرُ يَأْخُذُ شَعْرَتَيْنِ. الرَّسُولُ فَعَلَ هذَا لِيَكُونَ بَيْنَ الْمُسْلِمِيْنَ علَى وَجْهِ البَرَكَةِ وبَقِيَ الْمُسْلِمُونَ إلى يَوْمِنا هذَا يَتَبَرَّكُونَ بِهذَا الشَّعَرِ. وفي حديثِ وائلِ بنِ حِجْر عندَ الطبرانِيّ والبيهقيّ قال قد كنتُ أصافِحُ رسولَ الله فأتعرَّفُهُ بَعْدُ فِي يدي وإنه لأطيَبُ رائحةً مِنَ الْمِسكِ، وفِي حديثِهِ عندَ أحمدَ أُتِيَ رسول الله بدلوٍ مِنْ ماءٍ فَشَرِبَ منه ثُمَّ مَجَّ فيهِ ثُمَّ صَبَّهُ فِي البئرِ ففاحَ من البئر ريحُ الْمِسك. وروى أبو يَعلَى والبزّار بسَنَدٍ صحيح عن أنَسٍ رضيَ اللهُ عنه: كانَ إذا مَرَّ أي رسولُ الله في طريقٍ مِنْ طُرُقِ المدينة وُجِدَ منها رائحةُ المسك فيُقال مَرَّ رسولُ الله، يقول مَن يَصِفُهُ: ما رأيتُ مِثلَهُ قبلَهُ ولا بعدَهُ قطّ، وروى الشيخان عن البَراءِ بنِ عازبٍ رضيَ اللهُ عنه: لَم أرَ شيئًا أحسَنَ منه. وكانَ من شأنِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إن تطَيَّبَ وإن لم يتطَيَّبْ طيبَ الرائحةِ، كانَ صحابِيٌّ اسمُهُ عقبةُ بنُ غزوانَ قد أصابَهُ الشَّرَى وهوَ ورمٌ حكّاكٌ مزعجٌ، يُحدِثُ كربًا وإزعاجاً شديدًا لصاحبِهِ فقالَ له النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : تجَرَّدْ ، أي جَرِّدْ ظَهْرَكَ من ثوبكَ، فجرَّدَ ثوبَه، فوضعَ النبيُّ يدَهُ عليه، فعبِقَ الطيبُ بهِ بعدَ ذلكَ إلى ءاخرِ حياتِهِ، وكانَ له أربعَةُ أزواجٍ كلُّ واحدةٍ تجتهدُ في أن تتطيَّبَ أكثرَ منَ الأخرى فكانَ هو الذي يعبَقُ بالطيبِ، من غيرِ أن يتَطَيَّبَ، مِنْ أجلِ أنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أمَرَّ يده عليهِ حتى يذهبَ عنهُ الورم. فبمسحِ رسولِ اللهِ عليه ذهبَ عنه الشَّرَى وبقيَ الطيبُ إلى ءاخرِ حياتِهِ مِنْ غيرِ أن يتطيَّبَ، يكونُ طيبُهُ أحسنَ ممَّن يتطيَّبُ بالمسكِ أو العنبَرِ أو غيرِ ذلكَ منَ الأطياب صلى الله عليه وسلم. نقف هنا الآن لنخبركم في الحلقة القادمة كيف وصفت أمُ معبدٍ الخُزاعيةُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لزوجها، ولنخبرَكم أيضا عن فضل الصلاة والسلام على رسول الله ومعناها، وعن تفسيرِ رؤية النبيِ صلى الله عليه وسلم في المنام وأسرارِها، فتابعونا وإلى اللقاء.