الْخُطْبَةُ الأُولَى:
الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى الْحَمْدُ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الأَحَدِ الْفَرْدِ الصَّمَدِ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلا وَلَدًا أَحْمَدُهُ تَعَالَى وَأَسْتَهْدِيهِ وَأَسْتَرْشِدُهُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَد وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتَّمَانِ الأَكْمَلانِ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ سَيِّدِ وَلَدِ عَدْنَانَ أَرْسَلَهُ اللَّهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ بَعَثَهُ اللَّهُ مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا جَاءَنَا بِالْهُدَى وَالْبَيِّنَاتِ وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَأَدَّى الأَمَانَةَ وَنَصَحَ الأُمَّةَ وَكَشَفَ اللَّهُ بِهِ عَنْهَا الْغُمَّةَ. أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا الأَحِبَّةُ الْمُؤْمِنُونَ أُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَظِيمِ الْقَائِلِ فِي الْقُرْءَانِ الْكَريِمِ: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين﴾.
عباد الله، في شهر ربيع الأول من كل سنة يعيش المسلمون في نسمات خير ، يعيشون في ذكرى ولادةِ سيدنَا محمدٍ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وفي ذكرى مَولدِهِ عليه الصلاةُ والسلام لا بُدَّ لنا نحنُ أهلُ الحـقِ المؤمنونَ بالكتابِ والسُنة من أن نُبينَ للعامةِ والخَاصةِ من الناس مَشروعيةَ الاحتفالِ بالمولد النبوي الشريف. ولبيان مشروعية هذا الأمر لا بد أن يُعلَمَ أنَّ البِدعةَ في الشرعِ هي الـمُحدَثُ الذي لم ينصَّ عليه القُرءانُ ولا جَاء في السنة ، و ليست كلُ بدعة على الإطلاق ضلالة وليست كل المحدثات على الإطلاق ضلالة إنما يُذمُّ من البِدع ما يُخالِفُ السنة ، ويُذم من الـمُحدثاتِ ما دَعا إلى الضلالة . وقد أساء بعض الناس من الذين يدّعون العلم والمعرفة تفسير حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه وكل بدعة ضلالة فزعموا أن كلمة كل لا تكون إلا للشمول الكلي والإطلاق من غير أن يدخلَها التخصيصُ والاستثناء فشذوا بذلك عما فهمه علماء أهل السنة والجماعة وعامتهم من هذا الحديث وأعلنوها حربا ضروسا على الاحتفال بالمولد لمجرد أنه مما استحدثه المسلمون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم فتراهم يفسقون المحتفلين بالمولد تارة أو يكفرونهم تارة اخرى بل ويصدرون فيهم فتاوى خطيرة قد تتحول مع مرور الزمن وعلى أيدي المتطرفين رصاصا في صدور الأبرياء المسلمين الذين يحتفلون بمولد الرسول صلى الله عليه وسلم ويظهرون الفرحة بهذه المناسبة العظيمة. والحق أن يقال إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف سُنَّةٌ حَسَنَةٌ وَلَيْسَ داخِلاً في البِدَعِ الَّتي نَهَى عَنْها رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ “وكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ ” وبيان ذلك أنّ النَّوَوَيَّ في شَرحِ صَحيحِ مُسْلِمٍ قال ما نَصُّهُ “قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم “وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ” هَذا عامٌّ مَخْصُوصٌ (أي لَفْظُهُ عامٌّ وَمَعناهُ مَخْصوصٌ)، والْمُرادُ بِهِ غالِبُ البِدَعِ . وقالَ أيْضًا” ولا يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِ الْحَديثِ عامًّا مَخْصُوصًا قَوْلُهُ “كُلُّ بِدْعَةٍ مُؤَكَّدًا بِكُلّ، بَلْ يَدْخُلُهُ التَّخْصيصُ مَعَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ تعالى تُدَمِّرُ كُلَّ شَىْء.هـ. فَهَذِهِ الآيةُ يا أحبابنا لَفْظُها عامٌّ وَمَعْناهَا مَخْصُوصٌ لأنَّ هَذِهِ الرِّيحَ الَّتي وَرَدَ أنَّها تُدَمِّرُ كُلَّ شىءٍ سَخَّرَهَا اللهُ على الكافِرينَ مِنْ قَوْمِ عادٍ فأهْلَكَتْهُم وَلَمْ تُدَمِّرْ كُلَّ مَن على وَجْهِ الأَرْضِ لأنَّ اللهَ تعالى أَخْبَرَنا أنَّهُ نَجَّى هُودًا عليه السلام وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤمِنينَ، قَالَ تعالى {وَلَمَّا جَآءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} وَمِنَ الأَمْثِلَةِ على العامِّ الْمَخْصوصِ ومما يُؤَيِّدُ أَنَّ كَلِمَةَ كُلّ لا تَأتي دَائِمًا لِلشُّمُولِ الْكُلِّيِّ قَوْلُ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم “كُلُّ عَيْنٍ زانيةٌ” وَمْعلومٌ شَرْعًا أنَّ هذا الْحديثَ لا يَشْمَلُ أَعْيُنَ الأنبياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ لأنَّ اللهَ تعالى عَصَمَهُم مِنْ ذَلِكَ فماذا يقول المخالفون الذين يدعون زورا وبهتانا ان الاحتفال بالمولد حرام لمجرد انه بدعة مستندين بذلك على فهمهم السقيم لحديث الرسول وكل بدعة ضلالة ؟! قولهم كلمة كل لا يدخلها التخصيص فيه قدح للرسول، فيه اتهام لعين الرسول أنها تزني لأن الرسول قال كل عين زانية. فإن كان هؤلاء لا يتورعون عن اتهام الرسول من حيث يشعرون او لا يشعرون بهذا الفعل الخسيس القبيح فماذا يقولون عن عين الأعمى؟ هل تدخل عين الأعمى في هذا الحديث؟ هل يقال عن عين الرسول أنها تزني وهل يقال عن عين الأعمى أنها تزني؟ فإن قالوا عين الرسول تزني كفروا وإن قالوا لا لأن عين الرسول تُستثنى من حديث كل عين زانية يكونون بذلك قد رجعوا إلى قولنا من أن كلمة كل يدخلها التخصيص وتكون بذلك الحجة عليهم. وأما عن عين الأعمى فإن قالوا عين الأعمى تزني رفعوا شعار السخافة والجهل عاليا فوق رؤوسهم وقلنا الحمد لله الذي عافانا مما ابتلاهم به وإن قالوا لا لأن عين الأعمى تستثنى من حديث كل عين زانية يكونون بذلك قد رجعوا إلى قولنا أيضا من أن كلمة كل يدخلها التخصيص وتكون بذلك الحجة عليهم وظهر الحق لكل ذي عقل ودين. وهكذا يكون معنى “كل بدعة ضلالة” الأغلب لا سيما ان الرسول صلى الله عليه وسلم قال “مَنْ سَنَّ في الإسْلامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِها بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنقُصَ مِنْ أُجورِهِم شىْءٌ. فتبين لكم أيها الأحبة من هذا أن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف لا يدخل في البِدَعِ الَّتي نَهَى عَنْها رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ “وكُلُّ بِدْعَةٍ ضلالَةٌ. فاحتفلوا بمولد النبي محمدٍ عليه الصلاة والسلام وامدحوه وافرحوا بذلك وفقكم الله.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَاسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَهْدِيهِ وَنَشْكُرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلا هَادِيَ لَهُ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ الْوَعْدِ الأَمِينِ وَعَلَى إِخْوَانِهِ النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ. وَرَضِيَ اللَّهُ عَنْ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ وَءَالِ الْبَيْتِ الطَّاهِرِينَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَعَنِ الأَئِمَّةِ الْمُهْتَدِينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَعَنِ الأَوْلِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ أَمَّا بَعْدُ عِبَادَ اللَّهِ فَإِنِّي أُوصِيكُمْ وَنَفْسِيَ بِتَقْوَى اللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ فَاتَّقُوهُ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَى نَبِيِّهِ الْكَرِيْمِ فَقَالَ ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى ءَالِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ﴾، اللَّهُمَّ إِنَّا دَعَوْنَاكَ فَاسْتَجِبْ لَنَا دُعَاءَنَا فَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ رَبَّنَا ءَاتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ وَلا مُضِلِّينَ اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِنَا وَءَامِنْ رَوْعَاتِنَا وَاكْفِنَا مَا أَهَمَّنَا وَقِنَا شَرَّ مَا نَتَخَوَّفُ. عِبَادَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغِي، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يُثِبْكُمْ وَاشْكُرُوهُ يَزِدْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ وَاتَّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مَخْرَجًا، وَأَقِمِ الصَّلاةَ.