﴿يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى ٱلسجود فلا يستطيعون﴾
كتاب التفسير الكبير للطبراني
قوله تعالى: ﴿يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى ٱلسجود فلا يستطيعون﴾ معناه: يوم يكشف عن الأمور الشدائد وهو يوم القيامة، وهذا مما كثر استعماله في كلام العرب على معنى يوم يشتد الأمر كما يشتد ما يحتاج إلى أن يكشف فيه عن ساق، ومن ذلك قولهم: قامت الحرب على ساق، وكشفت عن ساق، وإن لم يكن للحرب ساق.
وعن عكرمة قال: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: ﴿يوم يكشف عن ساق﴾ فقال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر:
والخيل تعدو عند وقت الإشراق وقامت الحرب بنا على ساق
أي يوم القيامة يوم كرب وشدة، وقال ابن قتيبة: (أصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه يشمر عن ساقيه) فاستعير الكشف عن الساق في موضع الشدة، وقال دريد بن الصمة يرثي أخاه:
كشمس الإزار خارج نصف ساقه صبور على الجلا طلاع أنجد
يقال للأمر إذا اشتد وتفاقم وتراكب غمه وكشف عن ساقه يوم يشتد الأمر، كما يشتد ما يحتاج إليه إلى أن يكشف عن ساق.
كتاب التفسير الكبير للرازي
﴿يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى ٱلسجود فلا يستطيعون﴾ هذا اليوم الذي يكشف فيه عن ساق، أهو يوم القيامة أو في الدنيا؟ فيه قولان: الأول: وهو الذي عليه الجمهور، أنه يوم القيامة، ثم في تفسير الساق وجوه: الأول: أنه الشدة، وروي أنه سئل ابن عباس عن هذه الآية، فقال: إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر، فإنه ديوان العرب، أما سمعتم قول الشاعر:
سن لنا قومك ضرب الأعناق وقامت الحرب بنا على ساق
ثم قال: وهو كرب وشدة وروى مجاهد عنه قال: هو أشد ساعة في القيامة، وأنشد أهل اللغة أبياتا كثيرة منها:
فإن شمرت لك عن ساقها فدنها ربيع ولا تسأم
ومنها:
كشفت لكم عن ساقها وبدا من الشر الصراح
وقال جرير:
ألا رب سام الطرف من آل مازن إذا شمرت عن ساقها الحرب شمرا
وقال آخر:
في سنة قد شمرت عن ساقها حمراء تبرى اللحم عن عراقها
وقال آخر:
قد شمرت عن ساقها فشدوا وجدت الحرب بكم فجدوا
ثم قال ابن قتيبة أصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد فيه، يشمر عن ساقه، فلا جرم يقال في موضع الشدة: كشف عن ساقه، واعلم أن هذا اعتراف من أهل اللغة بأن استعمال الساق في الشدة مجاز، وأجمع العلماء على أنه لا يجوز صرف الكلام إلى المجاز إلا بعد تعذر حمله على الحقيقة، فإذا أقمنا الدلائل القاطعة على أنه تعالى، يستحيل أن يكون جسما، فحينئذ يجب صرف اللفظ إلى المجاز، واعلم أن صاحب «الكشاف» أورد هذا التأويل في معرض آخر، فقال: الكشف عن الساق مثل في شدة الأمر، فمعنى قوله: ﴿يوم يكشف عن ساق﴾ يوم يشتد الأمر ويتفاقم، ولا كشف ثم، ولا ساق، كما تقول للأقطع الشحيح: يده مغلولة، ولا يد ثم ولا غل وإنما هو مثل في البخل
كتاب الجامع لأحكام القرءان وهو تفسير القرطبي
وذكر ابن المبارك قال: أخبرنا أسامة بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: ﴿يوم يكشف عن ساق﴾ قال: عن كرب وشدة. أخبرنا ابن جريج عن مجاهد قال: شدة الأمر وجده. وقال مجاهد: قال ابن عباس هي أشد ساعة في يوم القيامة. وقال أبو عبيدة: إذا اشتد الحرب والأمر قيل: كشف الأمر عن ساقه. والأصل فيه أن من وقع في شيء يحتاج فيه إلى الجد شمر عن ساقه فاستعير الساق والكشف عنها في موضع الشدة. وقيل: ساق الشيء أصله الذي به قوامه كساق الشجرة وساق الإنسان. أي يوم يكشف عن أصل الأمر فتظهر حقائق الأمور وأصلها. وقيل: يكشف عن ساق جهنم. وقيل: عن ساق العرش. وقيل: يريد وقت اقتراب الأجل وضعف البدن أي يكشف المريض عن ساقه ليبصر ضعفه، ويدعوه المؤذن إلى الصلاة فلا يمكنه أن يقوم ويخرج. فأما ما روي أن الله يكشف عن ساقه فإنه عز وجل يتعالى عن الأعضاء والتبعيض وأن يكشف ويتغطى. ومعناه أن يكشف عن العظيم من أمره.
كتاب تفسير النسفي
والجمهور على أن الكشف عن الساق عبارة عن شدة الأمر وصعوبة الخطب، فمعنى ﴿يوم يكشف عن ساق﴾ يوم يشتد الأمر ويصعب ولا كشف ثمة ولا ساق، ولكن كنى به عن الشدة لأنهم إذا ابتلوا بشدة كشفوا عن الساق، وهذا كما نقول: للأقطع الشحيح يده مغلولة، ولا يد ثمة ولا غل، وإنما هو كناية عن البخل.
كتاب التحرير والتنوير لمحمد الطاهر بن عاشور
﴿يوم يكشف عن ساق﴾ والكشف عن ساق مثل لشدة الحال وصعوبة الخطب والهول
كتاب إتحاف الكائنات للشيخ العالم الأزهري محمود محمد خطاب السبكي المصري (١٣٥٢ه)
قال فيمن يعتقد أن الله عز وجل له جهة وأنه جالس على العرش زاعما أن هذا عقيدة السلف:
أما بعد، فالحكم أن هذا الاعتقاد باطل ومعتقده كافر بإجماع من يعتد به من علماء المسلمين. والدليل العقلي على ذلك قدم الله تعالى ومخالفته للحوادث [أي عدم مشابهته للمخلوقات] . والنقلي قوله تعالى ﴿ليس كمثله شىء وهو السميع البصير﴾
فكل من اعتقد أنه تعالى حل في مكان أو اتصل به أو بشيء من الحوادث كالعرش والكرسي أو السماء أو الأرض أو غير ذلك فهو كافر قطعا ويبطل جميع عمله من صلاة وصيام وحج وغير ذلك وتبين منه زوجه ووجب عليه أن يتوب فورا [بتصحيح عقيدته والنطق بالشهادتين والندم على ما صدر منه والعزم على أن لا يعود إليه] وإذا مات على هذا الاعتقاد -والعياذ بالله تعالى- لا يغسل ولا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين،
ومثله في ذلك كله من صدقه في اعتقاده أعاذنا الله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
وأما حمله الناس على أن يعتقدوا هذا الاعتقاد المكفر وقوله لهم من لم يعتقد ذلك يكون كافرا فهو كفر وبهتان عظيم، واستدلاله على زعمه الباطل بهاتين الآيتين ﴿الرحمن على العرش استوى﴾ و ﴿ءأمنتم من في السماء﴾ استدلال فاسد
ثم قال:
وعلى الجملة فهذا القائل المجازف وأمثاله قد ادعوا ما لا يقبل الثبوت لا عقلا ولا نقلا وقد كفروا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، والطامة الكبرى التي نزلت بهؤلاء دعواهم أنهم سلفيون، وهم عن سبيل الحق زائغون، وعلى خيار المسلمين يعيبون، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ثم قال: وقد قال جمع من السلف والخلف:
إن من اعتقد أن الله في جهة فهو كافر كما صرح به العراقي،
وبه قال أبو حنيفة ومالك والشافعي وأبو الحسن الأشعري والباقلاني، ذكره العلامة ملا علي قاري في شرح المشكاة. ا.هــ