قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (فَصْلٌ) يَحْرُمُ الرِّبَا فِعْلُهُ وَأَكْلُهُ وَأَخْذُهُ وَكِتَابَتُهُ وَشَهَادَتُهُ وَهُوَ بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ بِالآخَرِ نَسِيئَةً، وَالنَّقْدَانِ هُمَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ مَضْرُوبَيْنِ سِكَّةً أَمْ لا وَالْحُلِيُّ وَالتِّبْرُ وَهُوَ الذَّهَبُ غَيْرُ الْمَضْرُوبِ، أَوْ بِغَيْرِ تَقَابُضٍ أَيِ افْتِرَاقِ الْمُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ التَّقَابُضِ أَوْ بِجِنْسِهِ كَذَلِكَ أَيِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ نَسِيئَةً أَوِ افْتِرَاقًا بِغَيْرِ تَقَابُضٍ أَوْ مُتَفَاضِلًا أَيْ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مَعَ زِيَادَةٍ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الآخَرِ بِالْوَزْنِ.
وَالْمَطْعُومَاتُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ كَذَلِكَ أَيْ لا يَحِلُّ بَيْعُهَا مَعَ اخْتِلافِ الْجِنْسِ كَالْقَمْحِ مَعَ الشَّعِيرِ إِلَّا بِشَرْطَيْنِ انْتِفَاءِ الأَجَلِ أَيْ عَدَمِ ذِكْرِ الأَجَلِ وَانْتِفَاءِ الِافْتِرَاقِ قَبْلَ التَّقَابُضِ. وَمَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ كَالْبُرِّ بِالْبُرِّ يُشْتَرَطُ هَذَانِ الشَّرْطَانِ مَعَ التَّمَاثُلِ فَلا يَحِلُّ بَيْعُ شَعِيرٍ بِشَعِيرٍ إِلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ كَيْلًا مَعَ الْحُلُولِ أَيْ مَعَ شَرْطِ أَنْ يَكُونَ لَيْسَ فِيهِ أَجَلٌ وَالتَّقَابُضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ.
الشَّرْحُ [قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/275] فِي هَذِهِ الآيَةِ إِنْكَارٌ عَلَى الَّذِينَ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا إِذِ الْحِلُّ مَعَ الْحُرْمَةِ ضِدَّانِ فَأَنَّى يَتَمَاثَلانِ]. وَرَوَى مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ] مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ءَاكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَقَالَ هُمْ سَوَاءٌ».
وَرَوَى مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ] مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلًا بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ يَدًا بِيَدٍ فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ».
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «كُلُّ قَرْضٍ جَرَّ مَنْفَعَةً فَهُوَ رِبًا». اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْعَمَلِ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَإِنْ كَانَ إِسْنَادُهُ ضَعِيفًا. الْقَرْضُ شَرَعَهُ اللَّهُ لِلْمُوَاسَاةِ بَيْنَ الْعِبَادِ فَلا يَجُوزُ شَرْطُ جَرِّ الْمَنْفَعَةِ. الْقَرْضُ شُرِعَ لِلإِحْسَانِ إِلَى النَّاسِ لَيْسَ لِطَلَبِ الرِّبْحِ. وَالرِّبَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَهُوَ عَقْدٌ يَشْتَمِلُ عَلَى عِوَضٍ مَخْصُوصٍ غَيْرِ مَعْلُومِ التَّمَاثُلِ فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ حَالَةَ الْعَقْدِ أَوْ مَعَ تَأْخِيرٍ فِي الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا. وَهَذَا الرِّبَا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا مَشْهُورًا بَيْنَ الْعَرَبِ عِنْدَ الْجَاهِلِيَّةِ قَبْلَ نُزُولِ ءَايَةِ التَّحْرِيـمِ، وَإِنَّمَا الرِّبَا الَّذِي كَانَ مَشْهُورًا عِنْدَهُمْ هُوَ رِبَا الْقَرْضِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنٌ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ إِذَا حَلَّ الأَجَلُ يَقُولُ صَاحِبُ الدَّيْنِ لِلْمَدِينِ «إِمَّا أَنْ تَدْفَعَ وَإِمَّا أَنْ أَزِيدَ عَلَيْكَ» قَالَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ هَذَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ تَحْرِيـمُهُ مِنَ الرِّبَا اهـ وَلَمْ يُحَرَّمِ الرِّبَا إِلَّا بَعْدَ الْهِجْرَةِ.
وَيَنْقَسِمُ الرِّبَا أَيْ مَا عَدَا رِبَا الْقَرْضِ إِلَى ثَلاثَةِ أَنْوَاعٍ:
أَحَدُهَا رِبَا الْفَضْلِ وَهُوَ بَيْعُ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَهُمَا مُتَّفِقَا الْجِنْسِ بِالآخَرِ زَائِدًا عَلَيْهِ كَبَيْعِ دِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ أَوْ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ أَوْ صَاعِ قَمْحٍ بِصَاعَيْ قَمْحٍ.
وَالثَّانِي رِبَا الْيَدِ وَهُوَ الْبَيْعُ مَعَ تَأْخِيرِ قَبْضِهِمَا أَوْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا بِأَنْ يَفْتَرِقَ الْمُتَبَايِعَانِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ يَتَخَايَرَا فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ أَيْ يُمْضِيَا إِثْبَاتَ الْعَقْدِ بِشَرْطِ اتِّحَادِ الْعِوَضَيْنِ أَيِ اتِّفَاقِهِمَا فِي عِلَّةِ الرِّبَا بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مَطْعُومًا أَيْ مَقْصُودًا لِلأَكْلِ غَالِبًا تَقَوُّتًا كَالْقَمْحِ أَوْ الشَّعِيرِ أَوْ تَأَدُّمًا [كَالتَّمْرِ، وَالإِدَامُ مَعْرُوفٌ مَا يُؤْتَدَمُ بِهِ مَعَ الْخُبْزِ] أَوْ تَفَكُّهًا [كَالتِّينِ] أَوْ تَدَاوِيًا [كَالْمِلْحِ وَالزَّعْفَرَانِ] أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مَائِعًا كَانَ أَوْ جَامِدًا كَالزَّيْتِ وَاللَّبَنِ وَالْجُبْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ كَبَيْعِ الْبُرِّ بِالشَّعِيرِ أَوِ الْمِلْحِ وَالتَّمْرِ بِالزَّبِيبِ وَالتُّفَّاحِ بِالتِّينِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَقْدًا وَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَالذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَالْعَكْسُ ثُمَّ يَفْتَرِقَا بِلا تَقَابُضٍ لِلْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا. فَإِنْ قَالَ لَهُ بِعْتُكَ وَسْقَ شَعِيرٍ بِوَسْقِ قَمْحٍ ثُمَّ ذَهَبَ هَذَا وَهَذَا مِنْ غَيْرِ تَقَابُضٍ أَوْ أَحَدُهُمَا قَبَضَ وَالآخَرُ لَمْ يَقْبِضْ صَارَ رِبًا. أَمَّا لَوْ قَالَ لَهُ أَقْرَضْتُكَ هَذَا الْقَمْحَ عَلَى أَنْ تَرُدَّ لِي مِثْلَهُ بِتَارِيخِ كَذَا لَمْ يَكُنْ رِبًا لَكِنَّ التَّأْجِيلَ فِي الْقَرْضِ مَمْنُوعٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، هَذَا لَيْسَ بَيْعًا وَشِرَاءً. وَلَوْ بَاعَهُ الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ ثُمَّ تَمَاشَيَا مَسَافَةً وَقَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا تَقَابَضَا جَازَ ذَلِكَ وَيُعْتَبَرَانِ كَأَنَّهُمَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ.
وَالثَّالِثُ رِبَا النَّسَاءِ بِفَتْحِ النُّونِ أَيِ التَّأْجِيلِ وَهُوَ الْبَيْعُ لِلْمَطْعُومَيْنِ أَوْ لِلنَّقْدَيْنِ الْمُتَّفِقَيِ الْجِنْسِ أَوِ الْمُخْتَلِفَيْهِ لِأَجَلٍ وَلَوْ كَانَ الأَجَلُ قَصِيرًا جِدًّا كَلَحْظَةٍ أَوْ دَقِيقَةٍ، أَيْ أَنْ يُشْرَطَ ذَلِكَ لَفْظًا بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا «بِعْتُكَ هَذَا الدِّينَارَ بِهَذَا الدِّينَارِ» أَوْ «هَذَا الدِّينَارَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ» أَوْ «هَذَا الْقَمْحَ بِهَذَا الْقَمْحِ» أَوْ «هَذَا الْقَمْحَ بِهَذَا الشَّعِيرِ» «عَلَى أَنْ تُسَلِّمَنِيهِ غَدًا» أَوْ «فِي سَاعَةِ كَذَا» أَوْ «لِسَاعَةِ كَذَا» أَوْ «فِي الدَّقِيقَةِ السَّادِسَةِ مِنَ الآنَ» أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَهَذَا هُوَ مَعْنَى الأَجَلِ. وَلا يَحْصُلُ الأَجَلُ بِدُونِ الذِّكْرِ.
فَعُلِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ يَحْرُمُ بَيْعُ أَحَدِ النَّقْدَيْنِ أَيِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ غَيْرَ مَضْرُوبَيْنِ كَحُلِيٍّ أَوْ تِبْرٍ نَسِيئَةً أَيْ مُؤَجَّلًا وَلَوْ بِلَحْظَةٍ، أَوْ بِغَيْرِ تَقَابُضٍ، أَوْ بِجِنْسِهِ كَذَلِكَ أَيْ نَسِيئَةً أَوْ بِغَيْرِ تَقَابُضٍ فِي الْمَجْلِسِ أَيْ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، أَوْ مُتَفَاضِلًا أَيْ بِزِيَادَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ كَدِرْهَمِ فِضَّةٍ بِدِرْهَمَيْ فِضَّةٍ وَيَحُرُمُ بَيْعُ أَحَدِ الْمَطْعُومَيْنِ بِالآخَرِ نَسِيئَةً أَوْ بِلا تَقَابُضٍ، أَوْ بِجِنْسِهِ كَذَلِكَ أَيْ بِأَجلٍ أَوْ بِلا تَقَابُضٍ أَوْ مَعَ التَّفَاضُلِ.
وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ مَتَى اسْتَوَى الْعِوَضَانِ جِنْسًا وَعِلَّةً كَبُرٍّ بِبُرٍّ أَوْ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ لا يَحِلُّ إِلَّا بِثَلاثَةِ شُرُوطٍ التَّسَاوِي بِمِعْيَارِ الشَّرْعِ أَيِ الْوَزْنِ فِي النَّقْدِ وَالْكَيْلِ فِي الْبُرِّ وَنَحْوِهِ وَعِلْمُهُمَا بِالتَّسَاوِي يَقِينًا عِنْدَ الْعَقْدِ وَالتَّقَابُضُ وَالْحُلُولُ أَيْ تَرْكُ ذِكْرِ الأَجَلِ. وَمَتَى اخْتَلَفَا جِنْسًا وَاتَّحَدَا عِلَّةً كَبُرٍّ بِشَعِيرٍ أَوْ ذَهَبٍ بِفِضَّةٍ اشْتُرِطَ شَرْطَانِ الْحُلُولُ أَيْ تَرْكُ ذِكْرِ الأَجَلِ وَالتَّقَابُضُ، وَجَازَ التَّفَاضُل أَيِ بِالْوَزْنِ فِيمَا هُوَ مَوْزُونٌ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَفِي الْكَيْلِ فِيمَا هُوَ مَكِيلٌ كَالْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ. وَمَتَى اخْتَلَفَا جِنْسًا وَعِلَّةً كَبُرٍّ بِذَهَبٍ أَوْ ثَوْبٍ لَمْ يُشْتَرَطْ شَىْءٌ مِنْ هَذِهِ الثَّلاثَةِ.
[وَعِلَّةُ الرِّبَا أَمْرَانِ الطُّعْمُ وَالنَّقْدِيَّةُ] فَعِلَّةُ الرِّبَا بَيْنَ الْبُرِّ وَالْبُرِّ أَوِ الشَّعِيرِ كَوْنُهُمَا مَطْعُومَيْنِ أَيْ أَنَّ أَظْهَرَ مَقَاصِدِهِمَا الأَكْلُ، وَأَمَّا النَّقْدِيَّةُ فَمَعْنَاهَا الْكَوْنُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَالذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مُتَّفِقَانِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا وَهِيَ النَّقْدِيَّةُ وَكَذَلِكَ الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مُتَّفِقَانِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا وَهِيَ النَّقْدِيَّةُ وَكَذَلِكَ الذَّهَبُ بِالْفِضَّةِ مُتَّفِقَانِ فِي عِلَّةِ الرِّبَا مُخْتَلِفَانِ فِي الْجِنْسِ فَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لا رِبَا فِي الْفُلُوسِ أَيْ إِذَا بِيعَ الْفَلْسُ بِالْفَلْسِ فَهُوَ حَلالٌ بَلْ يَجُوزُ بَيْعُ فَلْسٍ بِأَلْفِ فَلْسٍ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لِجَوَازِ بَيْعِ الْفَلْسِ بِفَلْسَيْنِ فَأَكْثَرَ أَنْ يَكُونَ الْعَقْدُ بِأَعْيَانِهِمَا، أَمَّا فِي الْمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَيَجُوزُ إِنْ تَقَابَضَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ لَمْ يَتَقَابَضَا أَوْ تَبَايَعَا مَعَ التَّفَاضُلِ.
وَفِي حَوَاشِي الْبُلْقِينِيِّ عَلَى الرَّوْضَةِ مَا نَصُّهُ:
«فَائِدَةٌ الْفُلُوسُ مِعْيَارُهَا فِي الْبَيْعِ الْوَزْنُ لَكِنْ إِذَا بَاعَ فُلُوسًا بِفُلُوسٍ جَازَ إِذَا كَانَتَا مُعَيَّنَتَيْنِ كَالْصُّبْرَةِ جُزَافًا وَكَالدَّرَاهِمِ الَّتِي تُجْعَلُ عِوَضَ غَيْرِهَا جُزَافًا، أَمَّا إِذَا جُعِلَتْ عِوَضًا فِي الذِّمَّةِ فَإِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِهَا بِوَزْنٍ وَلا يَجُوزُ تَقْدِيرُهَا بِالْعَدِّ لِعَدَمِ انْضِبَاطِهَا» اهـ.
وَفِيهَا [أَيْ فِي حَوَاشِي الرَّوْضَةِ]: قَوْلُهُ – أَيِ النَّوَوِيِّ – وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لا رِبَا فِيهَا لِانْتِفَاءِ الثَّمَنِيَّةِ الْغَالِبِ.
فَائِدَةٌ هَذَا هُوَ الْمَنْصُوصُ قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الأُمِّ فِي الصَّرْفِ «وَلا بَأْسَ فِي السَّلَفِ فِي الْفُلُوسِ إِلَى أَجَلٍ لِأَنَّ ذَاكَ لَيْسَ مِمَّا فِيهِ رِبًا» انْتَهَتْ.
فَائِدَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الأُمِّ: «وَإِذَا اشْتَرَى الرَّجُلُ السَّمْنَ أَوِ الزَّيْتَ وَزْنًا بِظُرُوفِهِ فَإِنْ شَرَطَ الْوَزْنَ فَلا خَيْرَ فِيهِ [مَعْنَاهُ لا يَجُوزُ] وَإِنِ اشْتَرَاهُ بِهَا وَزْنًا عَلَى أَنْ يُفْرِغَهَا ثُمَّ يَزِنَ الظَّرْفَ فَلا بَأْسَ [مَعْنَاهُ أَخْرَجَ مِنْهُ ثُمَّ وَزَنَ] وَسَوَاءٌ الْحَدِيدُ وَالْفَخَّارُ» انْتَهَى.
وَإِنَّمَا كَانَ الرِّبَا مِنْ بَيْنِ الأَثْمَانِ خَاصًّا بِالنَّقْدِ دُونَ الْفُلُوسِ لِأَنَّ النَّقْدَ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ الرِّبَا الَّذِي فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ وَزْنًا يُوزَنُ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ وَزْنًا يُوزَنُ مِثْلًا بِمِثْلٍ فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَهُوَ رِبًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ] وَلِأَنَّ النَّقْدَيْنِ مَرْجِعُ الأَثْمَانِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إِنَّمَا لَمْ تُذْكَرْ هَذِهِ الأَثْمَانُ مِنَ الأَوْرَاقِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا فِي الْعُصُورِ الأَخِيرَةِ فِي النَّصِّ الْقُرْءَانِيِّ أَوِ الْحَدِيثِيِّ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُسْتَعْمَلَةً فِي الْعَصْرِ الأَوَّلِ فَلَوْ كَانَتْ مُسْتَعْمَلَةً فِي الْعَصْرِ الأَوَّلِ لَنُصَّ عَلَيْهَا كَمَا نُصَّ عَلَى الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعُمْلَةَ مِنَ النُّحَاسِ كَانَتْ مَوْجُودَةً فِي الْعَصْرِ الأَوَّلِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرَهُ بَعْضُ الْحُفَّاظِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يَتَمَثَّلُ بِهَذَا الْبَيْتِ: [الْوَافِر]
يُحِبُّ الْخَمْرَ مِنْ مَالِ النَّدَامَى *** وَيَكْرَهُ أَنْ تُفَارِقَهُ الْفُلُوسُ
وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُنَصَّ عَلَيْهَا فِي الْحَدِيثِ.
فَإِنْ قِيلَ الْحُجَّةُ فِي إِيْجَابِ الزَّكَاةِ فِي الأَثْمَانِ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْقِيَاسُ فَالْجَوَابُ أَنَّ هَذِهِ الأَثْمَانَ لَيْسَتْ فِيهَا جَوْهَرِيَّةَ الأَثْمَانِ الَّتِي فِي النَّقْدَيْنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَهَذَا الْقِيَاسُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الْمُجْتَهِدِينَ وَلَمْ يُوجِبْ عُلَمَاءُ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ ظَهَرَتْ فِي زَمَانِهِمْ هَذِهِ الأَثْمَانُ فِيهَا الزَّكَاةُ إِلَّا أُنَاسٌ لا اعْتِمَادَ عَلَيْهِمْ، وَالشَّافِعِيَّةُ الَّذِينَ أَدْرَكُوا هَذِهِ الأَثْمَانَ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ لا زَكَاةَ فِيهَا مِنْهُمُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ الأَنْبَابِيُّ الْمِصْرِيُّ الَّذِي كَانَ يُلَقَّبُ الشَّافِعِيَّ الصَّغِيرَ.
وَأَمَّا رِبَا الْقَرْضِ فَهُوَ كُلُّ قَرْضٍ شُرِطَ فِيهِ جَرُّ مَنْفَعَةٍ لِلْمُقْرِضِ أَوْ لَهُ وَلِلْمُقْتَرِضِ سَوَاءٌ كَانَتِ الْمَنْفَعَةُ زِيَادَةً فِي جِنْسِ الْمُقْرَضِ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرَ زِيَادَةٍ وَالرِّبَا الَّذِي بِالْبُنُوكِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الزِّيَادَةُ هُوَ أَشَدُّ أَنْوَاعِ الرِّبَا. وَلا يُشْتَرَطُ فِي حُرْمَةِ رِبَا الْقَرْضِ أَنْ يَكُونَ الْقَدْرُ الَّذِي يَشْتَرِطُهُ الْمُقْرِضُ مِنَ الزِّيَادَةِ عِنْدَ رَدِّ الْقَرْضِ كَثِيرًا بَلِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ فِي الْحُرْمَةِ سَوَاءٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى ﴿وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/279] أَيْ إِنْ أَرَدْتُمُ التَّوْبَةَ مِنَ مَعْصِيَةِ الرِّبَا فَاقْتَصِرُوا عَلَى رَأْسِ الْمَالِ وَلا تَطْلُبُوا شَيْئًا سِوَى رَأْسِ الْمَالِ. أَمَّا الرِّبَا الَّذِي بِغَيْرِ الزِّيَادَةِ فِي قَدْرِ الدَّيْنِ فَهُوَ مِثْلُ مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّ أَحَدَهُمْ يُقْرِضُ شَخْصًا مَالًا إِلَى أَجَلٍ وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ يُسْكِنَهُ بَيْتَهُ مَجَّانًا أَوْ بِأُجْرَةٍ مُخَفَّفَةٍ إِلَى أَنْ يُؤَدِّيَ الدَّيْنَ وَيُسَمُّونَهُ فِي بَعْضِ الْبِلادِ اسْتِرْهَانًا وَهُوَ حَرَامٌ بِالإِجْمَاعِ اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمُجْتَهِدُونَ الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ. فَإِنْ أَرَادَ الْمُقْتَرِضُ مُكَافَأَةَ الْمَعْرُوفِ بِالْمَعْرُوفِ فَرَدَّ الدَّيْنَ مَعَ زِيَادَةٍ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ كَانَ جَائِزًا لِأَنَّ الْقَرْضَ حَسَنَةٌ مِنَ الْحَسَناتِ إِذَا كَانَ عَلَى الْوَجْهِ الشَّرْعِيِّ أَيْ فِيهِ ثَوَابٌ. وَقَدْ فَعَلَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ [أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ] اقْتَرَضَ مِنْ رَجُلٍ بَكْرًا مِنَ الإِبِلِ أَيْ سِنًّا صَغِيرًا وَرَدَّ رَبَاعِيًا وَهُوَ سِنٌّ أَكْبَرُ مِنْهُ، وَهَذَا شَىْءٌ جَائِزٌ. وَقَدْ مَدَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «خَيْرُكُمْ أَحْسَنُكُمْ قَضَاءً» رَوَاهُ مُسْلِمٌ [فِي صَحِيحِهِ] وَمِنَ الْجَائِزِ أَيْضًا أَنْ يُقْرِضَ مَالَهُ لِشَخْصٍ لِيَنْتَفِعَ بِهِ وَغَرَضُهُ مِنْ هَذَا الْقَرْضِ أَنْ يَبْقَى لَهُ هَذَا الْمَالُ كَمَا هُوَ لِأَنَّهُ إِنْ تَرَكَهُ عِنْدَهُ يَخْشَى أَنْ يَصْرِفَهُ فَأَقْرَضَهُ لِشَخْصٍ وَقَصْدُهُ أَنَّهُ إِنْ أَقْرَضَهُ صَارَ مَحْفُوظًا لَهُ وَأَمَّا إِنْ تَرَكَهُ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يَصْرِفُهُ فِي أُمُورٍ شَتَّى فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ بِالإِجْمَاعِ. [وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَمِّ مَنْ يَأْكُلُ الرِّبَا ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/275] أَيْ أَنَّهُمْ إِذَا بُعِثُوا مِنْ قُبُورِهِمْ يُبْعَثُونَ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ أَيْ هَيْئَةِ الْمَصْرُوعِ لِأَنَّهُ تَخَبَّطَ فِي الْمُعَامَلَةِ فِي الدُّنْيَا فَجُوزِيَ عَلَى الْمُقَابَلَةِ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ يَقُومُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُخَبَّلِينَ كَالْمَصْرُوعِينَ كَحَالِ مَنْ أَصَابَهُ مَسٌّ أَيْ جُنُونٌ، تِلْكَ سِيمَاهُمْ يُعْرَفُونَ بِهَا عِنْدَ أَهْلِ الْمَوْقِفِ. وَقِيلَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ أَيِ الْقُبُورِ يُوفِضُونَ أَيْ يُسْرِعُونَ إِلَّا أَكَلَةَ الرِّبَا فَإِنَّهُمْ يَنْهَضُونَ وَيَسْقُطُونَ كَالْمَصْرُوعِينَ لِأَنَّهُمْ أَكَلُوا الرِّبَا فَأَرْبَاهُ اللَّهُ فِي بُطُونِهِمْ حَتَّى أَثْقَلَهُمْ فَلا يَقْدِرُونَ عَلَى الإِيفَاضِ أَيِ الإِسْرَاعِ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ ﴿قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/275].
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّنْ رَّبِّهِ فَانْتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/275] أَيْ فَمَنْ بَلَغَهُ وَعْظٌ مِنَ اللَّهِ وَزَجْرٌ بِالنَّهْيِ عَنِ الرِّبَا فَتَبِعَ النَّهْيَ وَامْتَنَعَ فَلا يُؤَاخَذُ بِمَا مَضَى مِنْهُ لِأَنَّهُ أَخَذَ قَبْلَ نُزُولِ التَّحْرِيْمِ، وَمَنْ عَادَ إِلَى اسْتِحْلالِ الرِّبَا فَهُوَ كَافِرٌ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿يَمْحَقُ اللَّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ﴾ [سُورَةَ الْبَقَرَة/276] أَيْ يَذْهَبُ بِبَرَكَتِهِ وَيُهْلِكُ الْمَالَ الَّذِي يَدْخُلُ فِيهِ، وَيُنَمِّي الصَّدَقَاتِ وَيَزِيدُهَا وَيُبَارِكُ فِيهَا فَقَدْ رَوَى أَحْمَدُ [فِي مُسْنَدِهِ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ قَطُّ» وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ عَظِيمِ الْكُفْرِ بِاسْتِحْلالِ الرِّبَا مُتَمَادٍ فِي الإِثْمِ بِأَكْلِهِ.]
وَمِنَ الرِّبَا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ أَنَّهُمْ يَبِيعُونَ الشَّىْءَ بِأَقْسَاطٍ مُؤَجَّلَةٍ إِلَى ءَاجَالٍ مَعْلُومَةٍ مَعَ شَرْطِ أَنَّهُ إِنْ أَخَّرَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الأَقْسَاطِ يُضَافُ عَلَيْهِ كَذَا مِنَ الزِّيَادَةِ. وَهَذَا كَانَ بَيْعًا جَائِزًا لَوْلا هَذَا الشَّرْطُ مَهْمَا حَصَلَ مِنَ الرِّبْحِ بِسَبَبِ التَّقْسِيطِ مِمَّا هُوَ زَائِدٌ عَلَى ثَمَنِ النَّقْدِ فَأَصْلُ بَيْعِ التَّقْسِيطِ جَائِزٌ إِذَا افْتَرَقَا عَلَى الْبَيَانِ أَيْ بَيَانِ أَنَّهُ يُرِيدُ بَيْعَ النَّسِيئَةِ لا النَّقْدِ أَوِ اخْتَارَ النَّقْدَ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ إِذَا تَفَرَّقَا قَبْلَ الْبَيَانِ ثُمَّ أَخَذَ الشَّىْءَ قَبْلَ الْبَيَانِ كَأَنْ يَقُولَ لَهُ بِعْتُكَ هَذَا بِأَلْفٍ نَقْدًا وَبِأَلْفَيْنِ تَقْسِيطًا إِلَى سِتَّةِ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْخُذُ هَذَا الْغَرَضَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَخْتَارَ إِحْدَى الطَّرِيقَتَيْنِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا وَرَدَ النَّهْيُ عَنْهُ مِنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ، رَوَى أَبُو دَاوُدَ [فِي سُنَنِهِ] أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا» وَمَعْنَى أَوْكَسُهُمَا أَقَلُّهُمَا، فَإِنْ قَالَ لَهُ أَسْلَمْتُ إِلَيْكَ هَذَا الدِّينَارَ فِي قَفِيزَيْنِ [لَوْ بَاعَ شَخْصٌ ءَاخَرَ شَيْئًا بِثَمَنٍ فِي الذِّمَّةِ وَعِنْدَمَا حَانَ الأَجَلُ بَاعَهُ الدَّيْنَ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ لِأَجَلٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ مِنْهُ لا يَصِحُّ. وَالْقَفِيزُ مِكْيَالٌ مِنَ الْبُرِّ] مِنَ الْبُرِّ إِلَى شَهْرٍ ثُمَّ حَلَّ الأَجَلُ فَقَالَ لَهُ ذَاكَ بِعْنِي ذَيْنِكَ الْقَفِيزَيْنِ بِأَرْبَعَةِ أَقْفِزَةٍ مَثَلًا إِلَى شَهْرٍ فَإِنْ بَقَيَا عَلَى هَذَا الشَّكْلِ وَقَعَا فِي الرِّبَا أَمَّا إِنْ أَنْهَيَا الْبَيْعَ الأَوَّلَ وَقَبَضَ الْمُسْلِمُ قَمْحَهُ الأَوَّلَ ثُمَّ بَاعَهُ بِدِينَارٍ يَكُونَانِ خَلُصَا مِنَ الرِّبَا. فَلْيَحْذَرِ الْمُؤْمِنُ مِنْ جَمِيعِ أَنْوَاعِ الرِّبَا وَلا يَسْتَهِنْ بِشَىْءٍ مِنَ الرِّبَا فَإِنَّ عَاقِبَةَ الرِّبَا وَخِيمَةٌ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْ أُنَاسٍ بَعْدَ وَفَاتِهِمْ وَهُمْ فِي قُبُورِهِمْ ءَاثَارٌ مِنَ الْعَذَابِ أَيْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَكَانُوا مَعْرُوفِينَ بِالرِّبَا، فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْحَبَشَةِ كَانَ رَجُلٌ مَعْرُوفًا بِالْمُرَابَاةِ وَمَعَ ذَلِكَ كَانَ فِيهِ تَجَبُّرٌ عَلَى النَّاسِ حَتَّى إِنَّهُ كَانَ مَرَّةً فِي مَوْكِبٍ وَهُوَ رَاكِبٌ بَغْلَةً فَرَأَى امْرَأَةً أَعْجَبَتْهُ وَزَوْجُهَا رَجُلٌ مِسْكِينٌ ضَعِيفٌ فَأَخَذَهَا مِنْهُ قَهْرًا ثُمَّ مَاتَ هَذَا الرَّجُلُ فَصَارَ يَطْلَعُ مِنْ قَبْرِهِ الدُّخَانُ فَصَارَ أَهْلُهُ يَجْمَعُونَ لَهُ الْمَشَايِخَ فَقَالَ لَهُمْ بَعْضُ الْمَشَايِخِ اسْتَسْمِحُوا لَهُ النَّاسَ الَّذِينَ كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُمُ الرِّبَا فَصَارُوا يَدُورُونَ عَلَى النَّاسِ وَيَقُولُونَ لِهَذَا سَامِحْ فُلانًا وَلِهَذَا وَلِهَذَا وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَقْرَؤُونَ لَهُ الْقُرْءَانَ عَلَى الْقَبْرِ ثُمَّ بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ انْقَطَعَ هَذَا الدُّخَانُ مِنْ قَبْرِهِ. وَمَا يَسْتُرُهُ اللَّهُ أَكْثَرُ إِنَّمَا يُظْهِرُ الْقَلِيلَ مِنَ الْكَثِيرِ.
وَفِي حُكْمِ الْقَرْضِ الَّذِي فِيهِ رِبًا مَا يَفْعَلُهُ بَعْضُ النَّاسِ بِاسْمِ التَّأْمِينِ يَدْفَعُونَ مَبْلَغًا مُعَيَّنًا إِلَى شَرِكَةٍ فِي أَوْقَاتٍ مُعَيَّنَةٍ عَلَى شَرْطِ أَنَّهُ إِنْ أَصَابَهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي سَيَّارَتِهِ حَوَادِثُ تُكَلِّفُهُ صَرْفَ مَالٍ تَكْفِيهِ الشَّرِكَةُ هَذَا الصَّرْفَ وَهُوَ لَيْسَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ مَاذَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ إِصَابَاتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ هَذَا يُعْتَبَرُ قَرْضًا لِأَنَّهُ لَيْسَ هِبَةً وَلا بَيْعًا وَلا شِرَاءً وَلا صَدَقَةً وَلا إِبَاحَةً وَلا هَدِيَّةً فَإِذًا هُوَ قَرْضٌ مُحَرَّمٌ فَاسِدٌ يُعْتَبَرُ مِنْ رِبَا الْقَرْضِ لِأَنَّهُ شَرَطَ مَا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ يَخْشَى إِنْ لَمْ يَفْعَلْ هَذَا أَنْ يَتَكَلَّفَ غَرَامَاتٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ. وَمِثْلُ هَذَا مَا يُسَمِّيهِ بَعْضُ النَّاسِ بِالْجَمْعِيَّةِ فَيَجْتَمِعُ عَدَدٌ مِنَ الأَشْخَاصِ وَيَتَّفِقُونَ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ كُلٌّ مِنْهُمْ مَبْلَغًا فِي كُلِّ شَهْرٍ مَثَلًا ثُمَّ يُعْطَى الْمَجْمُوعُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ وَهَكَذَا يُدِيرُونَ فَإِنَّ هَذَا أَيْضًا قَرْضٌ جَرَّ مَنْفَعَةً فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمْ لَمْ يَدْفَعْ إِلَّا وَهُوَ يَطْمَعُ بِأَخْذِ مَالِ الْجَمِيعِ مَجْمُوعًا وَأَنْ يَصِلَهُ الدَّوْرُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ وَالْحَاكِمِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الرِّبَا ثَلاثَةٌ وَسَبْعُونَ بَابًا أَيْسَرُهَا مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبَا عِرْضُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ» فَلا يَصِحُّ مَعْنًى.