قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَهُمْ فِى مَشِيئَتِهِ وَحُكْمِهِ إِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ وَعَفَا عَنْهُمْ بِفَضْلِهِ كَمَا ذَكَرَ عَزَّ وَجَلَّ فِى كِتَابِهِ ﴿وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [سُورَةَ النِّسَاء/48] وَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ فِى النَّارِ بِعَدْلِهِ ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا بِرَحْمَتِهِ وَشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ ثُمَّ يَبْعَثُهُمْ إِلَى جَنَّتِهِ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَوَلَّى أَهْلَ مَعْرِفَتِهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُمْ فِى الدَّارَيْنِ كَأَهْلِ نُكْرَتِهِ الَّذِينَ خَابُوا مِنْ هِدَايَتِهِ وَلَمْ يَنَالُوا مِنْ وِلايَتِهِ اللَّهُمَّ يَا وَلِىَّ الإِسْلامِ وَأَهْلِهِ ثَبِّتْنَا عَلَى الإِسْلامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ.
الشَّرْحُ مَعْنَى ثُمَّ يُخْرِجُهُمْ مِنْهَا بِرَحْمَتِهِ وَشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ أَىْ أَنَّهُ مِنْ عَقَائِدِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ عُصَاةَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ مَاتُوا بِلا تَوْبَةٍ وَكَانُوا مِنْ أَهْلِ الْكَبَائِرِ إِذَا عَذَّبَهُمُ اللَّهُ أَىْ عَذَّبَ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ لا بُدَّ أَنْ يُخْرِجَهُمْ مِنَ النَّارِ بِرَحْمَتِهِ وَشَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ مِنْ أَهْلِ طَاعَتِهِ وَهَؤُلاءِ الشَّافِعُونَ إِمَّا أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ وَإِمَّا أَنْ يَكُونُوا عُلَمَاءَ أَتْقِيَاءَ أَوْ يَكُونُونَ بِصِفَةٍ أُخْرَى كَالشُّهَدَاءِ.
وَقَوْلُهُ وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَوَلَّى أَهْلَ مَعْرِفَتِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ حَافِظُ أَهْلِ مَعْرِفَتِهِ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، وَمَعْنَى نُكْرَتِهِ أَىْ كَذَّبُوا بِهِ إِمَّا بِنَفْىِ وُجُودِ اللَّهِ كَالدَّهْرِيَّةِ وَإِمَّا بِعِبَادِةِ غَيْرِهِ وَإِمَّا بِتَكْذِيبِ رَسُولِهِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَمَعْنَى وَلَمْ يَنَالُوا مِنْ وِلايَتِهِ أَىْ مَا صَارَ لَهُمْ حَظٌّ مِنْ وِلايَةِ اللَّهِ تَعَالَى يَعْنِى الْوِلايَةَ الْعَامَّةَ وَهُوَ الإِسْلامُ.
وَقَوْلُهُ ثَبِّتْنَا عَلَى الإِسْلامِ حَتَّى نَلْقَاكَ بِهِ أَىْ ثَبِّتْنَا عَلَى الإِيـمَانِ حَتَّى نَمُوتَ وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِلِقَاءِ اللَّهِ.