قَالَ الْمُؤَلِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَنُحِبُّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلا نُفْرِطُ فِى حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنُبْغِضُ مَنْ يُبْغِضُهُمْ وَبِغَيْرِ الْخَيْرِ يَذْكُرُهُمْ وَلا نَذْكُرُهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ وَحُبُّهُمْ دِينٌ وَإِيـمَانٌ وَإِحْسَانٌ.
الشَّرْحُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ مَنْ لَقُوهُ مُؤْمِنِينَ بِهِ فِى حَيَاتِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ لَيْسَ مَا يَكُونُ بِطَرِيقِ خَرْقِ الْعَادَةِ فَالأَنْبِيَاءُ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا بِهِ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ فِى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى لا يُعَدُّونَ صَحَابَةً لِأَنَّ ذَلِكَ الِاجْتِمَاعَ لَيْسَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَعَارَفِ أَمَّا قَوْلُهُ «وَلا نُفْرِطُ فِى حُبِّ أَحَدٍ مِنْهُمْ» أَىْ لا نَتَجَاوَزُ الْحَدَّ فِى مَحَبَّةِ أَحَدٍ كَمَا تَجَاوَزَ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ «وَلا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ» أَىْ لا نُكَفِّرُ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَمَعْنَى «وَلا نَذْكُرُهُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ» هَذَا مِنْ حَيْثُ الإِجْمَالُ أَمَّا مِنْ حَيْثُ التَّفْصِيلُ فَنَمْدَحُ وَنَذُمُّ عَلَى حَسَبِ مَا يَقْتَضِيهِ الشَّرْعُ. أَمَّا قَوْلُهُ «وَلا نَتَبَرَّأُ مِنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ» إِلَى قَوْلِهِ «وَإِحْسَانٌ» لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُسَاوَى بَيْنَ كُلِّ مَنْ ثَبَتَتْ لَهُ الصُّحْبَةُ فِى الْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ وَالإِجْلالِ فَذَلِكَ غَيْرُ الْمُرَادِ إِنَّمَا الْمُرَادُ أَنَّنَا لا نَنْبِذُ أَحَدًا مِمَّنْ ثَبَتَتْ لَهُ الصُّحْبَةُ وَثَبَتَ عَلَى مُقْتَضَاهَا إِلَى ءَاخِرِ حَيَاتِهِ أَىْ لا نُخْرِجُ أَحَدًا مِنْهُمْ مِنْ حُكْمِ الصُّحْبَةِ، هَذَا الْمَقْصُودُ لِأَنَّ الصُّحْبَةَ إِذَا أُخِذَتْ عَلَى مَعْنَى مُطْلَقِ الِاجْتِمَاعِ مَعَ الإِيـمَانِ بِهِ تَشْمَلُ مَنْ قَالَ عَنْهُ الرَّسُولُ فُلانٌ فِى النَّارِ قَالَ عَنْ شَخْصٍ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ وُجِدَ مَعَهُ دِينَارٌ أَوْ دِينَارَانِ «كَيَّةٌ أَوْ كَيَّتَانِ بِالنَّارِ» فَقَدْ كَانَ يَتَظَاهَرُ بِالْفَقْرِ وَيُخْفِى مَالًا، وَقَالَ عَنْ ءَاخَرَ كَانَ مَعَ الرَّسُولِ فِى الْغَزْوِ فَغَلَّ شَمْلَةً أَىْ أَخَذَهَا سَرِقَةً قَبْلَ أَنْ تُقَسَّمَ الْمَغَانِمُ «رَأَيْتُ شَمْلَتَهُ تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» وَقَالَ عَنْ شَخْصٍ ءَاخَرَ كَانَ يُقَاتِلُ فِى بَعْضِ الْغَزَوَاتِ الْكُفَّارَ قِتَالًا شَدِيدًا فَأَعْجَبَ بَعْضَ الصَّحَابَةِ لِمَا رَأَوْا مِنْ نَشَاطِهِ ثُمَّ قَالَ الرَّسُولُ عَنْهُ «إِنَّهُ فِى النَّارِ» رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ. وَلَعَلَّ سَبَبَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ أَنَّهُ كَانَ يُرَائِى وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ كَانَ تَقِيًّا صَالِحًا، ثُمَّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِى أَهْلِ صِفِّينَ الَّذِينَ قَاتَلُوا عَلِيًّا «إِنَّهُمْ دُعَاةٌ إِلَى النَّارِ» فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ قَاتَلُوا فِى صِفِّينَ قِسْمٌ قَلِيلٌ مِنْهُمْ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالْقِسْمُ الأَكْبَرُ لَمْ يَكُونُوا مِنَ الصَّحَابَةِ إِنَّمَا مِنَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ أَهْلِ الشَّامِ مِنَ الَّذِينَ مَوَّهَ عَلَيْهِمْ مُعَاوِيَةُ وَأَوْهَمَهُمْ أَنَّ عَلِيًّا كَانَ لَهُ يَدٌ فِى قَتْلِ عُثْمَانَ وَعَلِىٌّ بَرِىءٌ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ هُوَ أَىْ مُعَاوِيَةُ بَعْدَ أَنْ حَصَلَ عَلَى مَطْلُوبِهِ كَفَّ يَدَهُ عَنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَتَلُوا عُثْمَانَ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَطْلُبُ الدُّنْيَا كَمَا قَالَ عَلِىٌّ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ فِيمَا رَوَاهُ عَنْهُ مُسَدَّدُ فِى مُسْنَدِهِ، فَهَؤُلاءِ الَّذِينَ نَزَلَتْ مَرْتَبَتُهُمْ عَنْ أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ نُحِبُّهُمْ مِنْ جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لِاسْمِ الصُّحْبَةِ نُحِبُّهُمْ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ النَّاحِيَةِ وَنُحِبُّهُمْ لِأَنَّهُمْ خَدَمُوا الدِّينَ.